تحديث 7/9/2021: في رسالة مؤرخة في 17 أغسطس/آب 2021، رد قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون على هيومن رايتس ووتش، مصرحا أن قيادة الجيش لا يمكنها الإجابة على أسئلة بشأن الأحداث التي أدت إلى انفجار بيروت لأنها تتعلق بتحقيق جارٍ.
ملخص
بعد عقود من سوء الإدارة والفساد من قبل الدولة في مرفأ بيروت، وفي 4 أغسطس/آب 2020، نسف أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم المرفأ وأصاب أكثر من نصف المدينة بأضرار. نتج الانفجار عن تفجّر أطنان من نيترات الأمونيوم، وهي عبارة عن مركّب كيميائي قابل للاحتراق يُستخدم عادة في الزراعة كسماد ذي نسبة عالية من النيتروجين، لكن يمكن أيضا استخدامه في صناعة المتفجرات. كانت شحنة نيترات الأمونيوم قد دخلت مرفأ بيروت على متن الباخرة "روسوس" التي ترفع علم مولدوفا في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وتم تفريغ حمولتها في العنبر 12 في المرفأ يومي 23 و24 أكتوبر/تشرين الأول 2014.
قتل انفجار مرفأ بيروت 218 شخصا، بينهم مواطنون من لبنان، وسوريا، ومصر، وإثيوبيا، وبنغلاديش، والفلبين، وباكستان، وفلسطين، وهولندا، وكندا، وألمانيا، وفرنسا، وأستراليا، والولايات المتحدة. جرح الانفجار 7 آلاف آخرين، أصيب 150 منهم على الأقل بإعاقة جسدية، كما تسبّب بأذى نفسي يفوق الوصف، وألحق أضرارا بـ 77 ألف شقة، فهجّر أكثر من 300 ألف شخص. توفّي على الأقلّ ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين عامَيْن و15 عاما. احتاج 31 طفلا دخول المستشفى، وجُرح ألف طفل، وأصبح 80 ألف طفل بدون منازل. ألحق الانفجار أيضا أضرارا بـ 163 مدرسة رسمية وخاصة، وأخرج نصف مراكز بيروت الصحية من الخدمة، وسبب أضرارا لـ 56% من المؤسسات التجارية الخاصة في بيروت. لحقت أضرار جسيمة بالبنية التحتية، بما فيها البنى التحتية للنقل، والطاقة، وإمدادات المياه والصرف الصحي، والخدمات البلدية، تراوحت قيمتها الإجمالية بين 390 و475 مليون دولار أمريكي. بحسب "البنك الدولي"، تسبّب الانفجار بخسائر مادية تُقدّر بـ 3.8 إلى 4.6 مليار دولار أمريكي.
أدى الانفجار أيضا إلى إطلاق غاز الأمونيا وأكاسيد النيتروجين في الهواء، مع احتمال انبعاث سموم من مواد أخرى قد تكون اشتعلت أيضا نتيجة الانفجار. غازات الأمونيا وأكاسيد النيتروجين ضارة بالبيئة والجهاز التنفسي. تشير التقديرات إلى أن الدمار أنتج نحو 800 ألف طن من الردم التي من المحتمل أن تحتوي على مواد كيميائية خطرة قد تضر بالصحة من خلال التعرض المباشر، أو تلوّث التربة والمياه. قّدر "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" أن تكلفة إزالة التدهور البيئي الناجم عن الانفجار ستزيد عن 100 مليون دولار.
تُثير الأدلة، بحسب ما معروف حاليا، تساؤلات بشأن ما إذا كانت نيترات الأمونيوم متوجهة إلى موزمبيق كما ورد في مستندات الشحن الخاصة بـ روسوس، أو ما إذا كانت بيروت هي الوجهة المقصودة للمواد. تشير الأدلة المتوفرة حاليا أيضا إلى أن العديد من السلطات اللبنانية كانت، على الأقل، مهملة جنائيا بموجب القانون اللبناني في تعاملها مع شحنة روسوس. ما فعلته السلطات اللبنانية، وما تقاعست عن فعله، خلق خطرا غير معقول على الحياة. بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يشكل تقاعس الدولة عن التحرك لمنع المخاطر المتوقعة على الحياة انتهاكا للحق في الحياة.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الأدلة بقوة إلى أن بعض المسؤولين الحكوميين توقعوا الوفيات التي يمكن أن يؤدي إليها وجود نيترات الأمونيوم في المرفأ، وتقبلوا ضمنيا مخاطر حدوث الوفيات. بموجب القانون المحلي، يمكن أن يرقى هذا إلى جريمة القتل على أساس القصد الاحتمالي و/أو القتل بغير قصد. كما قد يرقى إلى مستوى انتهاك الحق في الحياة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
يمكن الاطلاع على التسلسل الزمني للأحداث المتعلقة بـ روسوس وحمولتها، بدءا من سبتمبر/أيلول 2013، في الملحق 1 من هذا التقرير.
في هذا التقرير، تُفصّل هيومن رايتس ووتش الأدلة على تقاعس المسؤولين وأفعالهم، في سياق الفساد وسوء الإدارة القائمَين منذ زمن طويل في المرفأ، الذي سمح بأن تُخزّن هناك مادة كيميائية بمثل هذه القابلية العالية للانفجار عشوائيا وبطريقة غير آمنة لست سنوات تقريبا. طُوِّرت هيكلية إدارة المرفأ بحد ذاتها لتقاسم السلطة بين النخب السياسية، فعززت انعدام الشفافية إلى أقصى حد، وسمحت بتفشي الفساد وسوء الإدارة.
استنادا إلى المراسلات الرسمية المتعلقة بـ روسوس وحمولتها، وبعضها لم يُنشر من قبل، يحدد التقرير ما هو معروف حاليا عن كيفية وصول نيترات الأمونيوم إلى بيروت وتخزينها في العنبر 12 في المرفأ. من خلال مراجعة عشرات الوثائق الرسمية المرسلة من وإلى المسؤولين العاملين في وزارة المالية، بمن فيهم موظفو الجمارك؛ ووزارة الأشغال العامة والنقل؛ وأعضاء السلطة القضائية؛ و"هيئة القضايا" (تابعة لوزارة العدل وتمثل الدولة اللبنانية قانونيا في الإجراءات القضائية)؛ وأعضاء "المجلس الأعلى للدفاع"، بمن فيهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة؛ ووزارة الداخلية؛ و "الأمن العام"؛ و"أمن الدولة"، من بين آخرين، يقدم التقرير صورة حول من هم المسؤولون الحكوميون الذين كانوا على علم بالخطر الذي تُشكّله نيترات الأمونيوم وما هي الإجراءات التي اتخذوها أو لم يتخذوها لحماية السكان من وجودها الخطير هناك لمدة طويلة. قدمت المقابلات مع مسؤولين حكوميين، وأمنيين، وقضائيين، ومحامي دفاع عن المسؤولين الذين وجهت إليهم تهم، والصحفيين الاستقصائيين وغيرهم نظرة أعمق عن الإجراءات التي اتخذها المسؤولون الحكوميون أو لم يتخذوها رغم إبلاغهم بالمخاطر.
تشير الأدلة إلى أن العديد من كبار قادة لبنان، بمن فيهم رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الوزراء آنذاك حسان دياب، والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، وقائد الجيش اللبناني الأسبق العماد جان قهوجي، ووزير المالية الأسبق علي حسن خليل، ووزير الأشغال العامة والنقل الأسبق غازي زعيتر، ووزير الأشغال العامة والنقل الأسبق يوسف فنيانوس، من بين آخرين، أُبلِغوا بالمخاطر التي تُشكّلها نيترات الأمونيوم ولم يتخذوا الإجراءات اللازمة لحماية الناس.
تبيّن المراسلات الرسمية أنه لدى وصول الباخرة إلى بيروت، لم يتواصل مسؤولو وزارتَيْ المالية والأشغال العامة والنقل بشكل صحيح أو يُحققوا بشكل مناسب في كون شحنة الباخرة قابلة للانفجار والاحتراق، والخطر الذي تمثله. وصف مسؤولو وزارة الأشغال العامة والنقل بشكل غير دقيق مخاطر الشحنة في طلباتهم إلى القضاء لتفريغ البضائع، وخزّنوا عن علم نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت إلى جانب مواد قابلة للاشتعال أو للانفجار لقرابة ست سنوات في عنبر غير مؤمّن كما يجب وسيئ التهوئة وسط منطقة تجارية وسكنية مكتظة. انتهكت ممارساتُهم الإرشادات الدولية للتخزين والتعامل الآمنَين مع نيترات الأمونيوم. لم يتخذوا هم، ولا أي جهاز أمني عامل في المرفأ، خطوات مناسبة لتأمين المواد أو وضع خطة استجابة طارئة أو إجراءات احترازية مناسبة في حال اندلاع حريق في المرفأ. وبحسب تقارير، لم يشرفوا بشكل كافٍ على أعمال الإصلاح التي أجريت في العنبر 12، والتي ربما تسببت في الانفجار في 4 أغسطس/آب 2020.
تشير المراسلات الرسمية أيضا إلى أن مسؤولي المرفأ، والجمارك، والجيش تجاهلوا خطوات كان من الممكن أن يتخذوها لتأمين المواد أو إتلافها.
اتخذ مسؤولو الجمارك مرة تلو الأخرى خطوات لبيع أو إعادة تصدير نيترات الأمونيوم لم تكن بحسب الأصول الإجرائية. لكن بدلا من تصحيح خطأهم الإجرائي، استمروا بهذه الإجراءات الخاطئة مع أن القضاء أخبرهم مرارا وتكرارا بالمشاكل الإجرائية. حتى أن خبراء قانونيين صرّحوا أنه كان بإمكان مسؤولي الجمارك التصرف من جانب واحد لنقل نيترات الأمونيوم، وإنه كان بإمكانهم بيعها في مزاد علني أو التخلص منها دون أمر قضائي، وهو ما لم يتخذوا أي خطوات للقيام به.
قيادة الجيش اللبناني لم تعطِ أهمية كبرى للمسألة لدى معرفتها بشأن حمولة نيترات الأمونيوم في العنبر 12، قائلة إنها ليست بحاجة إليها، حتى بعد أن علمت أن نسبة النيتروجين فيها تجعلها بموجب القانون اللبناني من المواد المستخدمة لتصنيع المتفجرات وتحتاج إلى موافقة من الجيش لكي يتم استيرادها وإلى تفتيش. مخابرات الجيش، رغم أنها المسؤولة عن جميع المسائل الأمنية المتعلقة بالذخيرة في المرفأ، ورغم أنه كان لديها علم بوجود نيترات الأمونيوم في العنبر 12، لم تتخذ أي خطوات على ما يبدو لتأمين المواد أو وضع خطة استجابة طارئة أو إجراءات احترازية.
تم كل ذلك رغم التحذيرات المتكررة من خطورة نيترات الأمونيوم والعواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على وجودها في المرفأ.
حتى بعد أن أكمل مسؤولون أمنيون من المديرية العامة لأمن الدولة، الجهاز التنفيذي لـ المجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه رئيس الجمهورية، التحقيق بشأن نيترات الأمونيوم في المرفأ، كان هناك تأخير مناف للضمير في إبلاغ كبار المسؤولين الحكوميين بالتهديد، وقدموا معلومات ناقصة بشأن التهديدات التي تُشكلها.
أقرّ كل من وزير الداخلية آنذاك والمدير العام للأمن العام بمعرفتهما بشأن نيترات الأمونيوم على متن روسوس، لكنهما قالا إنها لم يتخذا إجراءات بعد علمهما بالمسألة لأن ذلك لم يكن من ضمن صلاحياتهما.
بعد إبلاغهم من قبل أمن الدولة، لم يتحرك مسؤولون كبار آخرون في المجلس الأعلى للدفاع، بمن فيهم رئيسا الجمهورية والوزراء، في الوقت المناسب لإزالة التهديد.
بناء على مصادر عامة ومقابلات مع أشخاص متأثرين، يروي التقرير الأحداث المدمرة التي وقعت في 4 أغسطس/آب وأدت إلى انتهاكات للحق في الحياة وغيرها من حقوق الإنسان، مثل الحق في التعليم، ومستوى معيشي لائق، بما يشمل الحق في الغذاء، والسكن، والصحة، والملكية.
وأخيرا، يوثّق التقرير أوجه القصور في التحقيق المحلي اللبناني في الانفجار.
في أعقاب الانفجار، تعهد المسؤولون اللبنانيون بالتحقيق بشكل حاسم وسريع في أسبابه. في أغسطس/آب 2020، استعرض 30 خبيرا في الأمم المتحدة علنا المعايير لتحقيق موثوق في الانفجار، بناء على المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وأشاروا إلى ضرورة "حماية التحقيق من أي تأثير غير ضروري"، و"تضمينه المنظور الجنساني" (الجندري) و"منح الضحايا وأقاربهم إمكانية الوصول الفعال إلى التحقيق"، و"منح هذا الأخير ولاية قوية وواسعة النطاق للتحقيق بفعالية في أي إخفاقات منهجية ارتكبتها السلطات اللبنانية".
لكن منذ وقوع الانفجار قبل عام، أدت العيوب الإجرائية والمنهجية في التحقيق المحلي إلى جعله عاجزا عن تحقيق العدالة بشكل موثوق. تشمل هذه العيوب عدم استقلال القضاء، والحصانة التي يتمتع بها كبار المسؤولين السياسيين، وعدم احترام معايير المحاكمات العادلة، وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة.
حرصت السلطات اللبنانية على أن يبقى التحقيق الداخلي الذي سمحت به محصورا بعناية. في 13 أغسطس/آب، عيّنت وزيرة العدل القاضي فادي صوان محققا عدليا مسؤولا عن التحقيق. وجّه القاضي صوان اتهامات إلى 37 شخصا، لكن باستثناء مديرَي الجمارك و"إدارة واستثمار مرفأ بيروت"، كان معظم المحتجزين من موظفي الجمارك والمرفأ وأجهزة الأمن من المستويين المتوسط والمنخفض.
في حين تم توقيف مسؤولين صغار نسبيا، كان كبار المسؤولين على علم بأن نيترات الأمونيوم مخزنة في المرفأ، وتقع عليهم مسؤولية التصرف لتأمينها وإزالتها، وتقاعسوا عن ذلك. إلا أن التحقيقات بشأن مسؤوليتهم عُرقِلت بسبب أنواع مختلفة من الحصانات التي تغطي الوزراء، والنواب، والمحامين، وغيرهم.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وجّه القاضي صوان رسالة إلى مجلس النواب يطلب فيها التحقيق مع 12 وزيرا حاليين وسابقين لدورهم في انفجار 4 أغسطس/آب، ثم إحالتهم إلى هيئة خاصة يخوّل لها القانون اللبناني محاكمة الوزراء. إلا أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري رفض التحرك.
في ديسمبر/كانون الأول، بغياب الإجراءات النيابية، وجّه القاضي صوان اتهامات إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وثلاثة وزراء سابقين في الحكومة - وزير الأشغال العامة والنقل السابق غازي زعيتر، ووزير المالية السابق علي حسن خليل، ووزير الأشغال العامة والنقل السابق يوسف فنيانوس - بالإهمال الجنائي على خلفية الانفجار. طُعن فورا في قرار القاضي كونه لم يقبل الحصانة التي يتمتع بها السياسيون عادة في لبنان. قدّم اثنان من الوزراء السابقين، وهما أيضا عضوان في مجلس النواب، شكوى أمام محكمة التمييز، وهي الأعلى في البلاد، لإزاحة القاضي صوان عن القضية. في فبراير/شباط 2021، أزاحته المحكمة. قاضي التحقيق طارق بيطار، الذي حلّ محله، يعمل ضمن الضوابط نفسها المتعلقة بالملاحقة.
في 2 يوليو/تموز 2021، قدم القاضي بيطار طلبا إلى مجلس النواب لرفع الحصانة البرلمانية عن الوزيرين السابقين خليل وزعيتر، ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق. جميعهم حاليا أعضاء في البرلمان. وجّه بيطار أيضا كتابا إلى كل من نقابتَي المحامين في بيروت وطرابلس، طالبا الإذن بحسب الأصول بموجب القانون اللبناني لملاحقة الوزراء السابقين خليل وزعيتر وفنيانوس، وجميعهم محامون. وافقت نقابتا المحامين في طرابلس وبيروت على طلب بيطار محاكمة خليل، وزعيتر، وفنيانوس. حتى 29 يوليو/تموز 2021، كان مجلس النواب ما زال لم يرفع الحصانة عن هؤلاء البرلمانيين.
طلب بيطار أيضا الإذن من وزير الداخلية بملاحقة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وطلب الإذن من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لاستجواب مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا كمشتبه به. كان القاضي صوان قد وجّه اتهاما إلى صليبا. في 9 يوليو/تموز 2021، رفض وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي طلب بيطار ملاحقة إبراهيم، لكن بيطار استأنف قرار فهمي وأحال القضية إلى النيابة العامة التمييزية. قال المحامي العام التمييزي غسان خوري لـ هيومن رايتس ووتش إنه رفض طلب بيطار ملاحقة إبراهيم. حتى 29 يوليو/تموز 2021، لم يستجب رئيس الوزراء دياب، ولا الرئيس عون، ولا المجلس الأعلى للدفاع الأعلى لطلب بيطار استجواب صليبا كمشتبه به.
وجّه بيطار اتهامات إلى قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي وثلاثة مسؤولين كبار سابقين في مخابرات الجيش.
الحقّ في الحياة غير قابل للتصرف، ومكرّس في "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" (المادة 6)، الذي صادق عليه لبنان في 1972. صرّحت "لجنة حقوق الإنسان"، التي تفسّر العهد، أنّ على الدول احترام الحق في الحياة وتحصينه من الحرمان المُمارس من الأفراد أو الكيانات، حتى لو لم يُنسب سلوكها إلى الدولة. تضيف اللجنة أن الحرمان من الحياة ينطوي على "ما ينجم عن فعل أو تقصير من أضرار أو إصابات مميتة متعمدة يمكن توقعها ومنعها". على الدول أن تسنّ "إطارا قانونيا وقائيا يتضمن إجراءات جنائية فعالة لحظر جميع مظاهر العنف التي من شأنها أن تؤدي إلى الحرمان من الحياة، مثل القتل عمدا أو بسبب الإهمال". كما أنها مُلزمة بالتحقيق في الحالات المحتملة للحرمان غير القانوني من الحق في الحياة وملاحقة مرتكبيها، وتوفير سبل انتصاف فعالة لانتهاكات حقوق الإنسان.
تعالت أصوات الناجين من الانفجار وأهالي الضحايا في الدعوة إلى تحقيق دولي، معربين عن عدم إيمانهم بالإجراءات المحلية. برأيهم أيضا، تعتبر الخطوات التي اتخذتها السلطات اللبنانية حتى الآن غير كافية إطلاقا لإحقاق المحاسبة لأنها تستند إلى إجراءات تشوبها عيوب، وغير مستقلّة أو حيادية.
مع حلول الذكرى السنوية الأولى للانفجار، تعززت مبررات المطالبة بفتح مثل هذا التحقيق الدولي. لدى مجلس حقوق الإنسان فرصة لمساعدة لبنان على الوفاء بالتزاماته الحقوقية من خلال تكليف بعثة تحقيق في انفجار 4 أغسطس/آب 2020 لتحديد أسباب الانفجار والمسؤولية عنه والخطوات التي يجب اتخاذها لضمان انتصاف فعال للضحايا.
على بعثة التحقيق المستقلة تحديد سبب الانفجار وما إذا كان هناك تقاعس في الالتزام بحماية الحق في الحياة أدى إلى انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، بما يشمل عدم ضمان التخزين الآمن لكمية كبيرة من المواد القابلة للاحتراق والمحتمل انفجارها، أو إزالتها. كما ينبغي أن تُحدّد أوجه القصور في التحقيق المحلي في الانفجار التي من شأنها أن تشكل انتهاكا للحق في الانتصاف الفعال والحق في الحياة. ينبغي أن تقدم البعثة توصيات بشأن التدابير اللازمة لضمان أن مرتكبي هذه التجاوزات والانتهاكات، بغضّ النظر عن انتمائهم أو مرتبتهم، تتم محاسبتهم عن أفعالهم، بالإضافة إلى معالجة أوجه التقاعس المنهجية الأساسية التي أدت إلى الانفجار وإلى النطاق المحدود للتحقيق المحلي.
على بعثة التحقيق المستقلّة أن تُبلّغ عن حقوق الإنسان الأخرى التي انتُهكت أو عُطِّلت بسبب الانفجار، وأوجه تقاعس السلطات اللبنانية، وأن تُقدم توصيات إلى لبنان والمجتمع الدولي حول الخطوات اللازمة لتأمين الانتصاف عن الانتهاكات والحرص على عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل.
بالإضافة إلى ذلك، على الدول التي تتبع "نظام ماغنيتسكي العالمي"، وغيرها من أنظمة العقوبات المتعلقة بحقوق الإنسان والفساد، معاقبة المسؤولين المتورطين في الانتهاكات الحقوقية المستمرة المتعلقة بانفجار 4 أغسطس/آب وفي السعي إلى تقويض المساءلة. من شأن العقوبات المتعلقة بحقوق الإنسان والفساد أن تجدد التأكيد على التزامات الدول بتعزيز المساءلة بحق مرتكبي الانتهاكات الحقوقية الجسيمة، وأن توفر قوة إضافية لأولئك الذين يضغطون من أجل المساءلة عبر الإجراءات القضائية المحلية.
المنهجية
جمعت هيومن رايتس ووتش أكثر من 100 وثيقة تتعلق بالباخرة روسوس وحمولتها، بعضها لم يُنشر من قبل (انظر الملحق 2). تشمل الوثائق تلك المرسلة من وإلى المسؤولين العاملين في وزارة المالية، بمن فيهم مسؤولو الجمارك؛ ووزارة الأشغال العامة والنقل، بمن فيهم مسؤولو المرفأ؛ وأعضاء السلطة القضائية؛ هيئة القضايا (هيئة في وزارة العدل تمثل الدولة اللبنانية قانونيا في الإجراءات القضائية)؛ وأعضاء المجلس الأعلى للدفاع؛ والأمن العام؛ وأمن الدولة؛ وآخرين. تم الحصول على هذه الوثائق عبر البحث مفتوح المصدر ومن الوحدة الاستقصائية في قناة "الجديد"، و"مؤسسة سمير قصير"، وستة مصادر سرية.
راسلت هيومن رايتس ووتش 43 مسؤولا حكوميا لبنانيا وستة أحزاب سياسية بشأن الدور الذي لعبوه هم ومؤسساتهم في انفجار 4 أغسطس/آب 2020، وإلى ثماني شركات ومكتبَي محاماة لطلب معلومات عن الباخرة روسوس وحمولتها وعملهم (انظر الملحق 3). رد ستة مسؤولين، وشركة واحدة، ومكتب محاماة واحد على مراسلاتنا بشكل علني قبل النشر وأُدرِجت ردودهم في هذا التقرير (انظر الملحق 4).
لهذا التقرير، أجرت هيومن رايتس ووتش أيضا عشر مقابلات مع مسؤولين حكوميين، وأمنيين، وقضائيين لبنانيين، بينهم رئيس حكومة تصريف الأعمال، ومدير عام أمن الدولة، والرئيس السابق لهيئة القضايا. قابلت هيومن رايتس ووتش أيضا ثلاثة محامين يمثلون أفرادا اتُهموا بالانفجار الذي وقع في 4 أغسطس/آب في مرفأ بيروت، فضلا عن سبعة من أقاربهم. بالإضافة إلى ذلك، قابلنا محاميا يمثل مجموعة من ضحايا الانفجار، وموظفا سابقا في شركة شحن، وشخصا شاهد نيترات الأمونيوم في العنبر 12 في أوائل 2020، وصحفيا استقصائيا، وباحثا لديه خبرة في هيكلية مرفأ بيروت، وسبعة أشخاص تضرروا من انفجار 4 أغسطس/آب.
أجريت معظم المقابلات شخصيا، لكن بعضها أجري عبر الهاتف. أطلع الباحثون جميع من أجريت معهم المقابلات على الغرض من المقابلات وطبيعتها الطوعية، والطرق التي ستستخدم بها هيومن رايتس ووتش المعلومات، وحصلوا على موافقة جميع من تمت مقابلتهم. حجبت هيومن رايتس ووتش أسماء بعض الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في التقرير بناء على طلبهم. أجريت المقابلات بالعربية أو الإنغليزية بدون مساعدة مترجم.
راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا تقارير إعلامية محلية ودولية وتقارير أخرى تتعلق بانفجار 4 أغسطس/آب ومرفأ بيروت.
مرفأ بيروت: دراسة حالة لسوء الإدارة والفساد اللذين تمارسهما السلطات اللبنانية
مرفأ بيروت هو المرفأ التجاري الرئيسي في لبنان وصِلة وصل للتجارة البحرية في البحر المتوسط. في 2019، مرت في المرفأ تعاملات تجارية تقدر قيمتها بنحو 20 مليار دولار أمريكي سنويا، ما شكل 78٪ من واردات لبنان و48٪ من صادراته.[1] لعب أيضا دورا هاما في حركة الترانزيت، لا سيما إلى سوريا والعراق.[2]
إلا أن مرفأ بيروت، الذي يشير إليه بعض اللبنانيين ساخرين بـ "مغارة علي بابا"، يعج بالفساد، والإهمال، وسوء الإدارة، وهو رمز لإخفاقات بناء الدولة بعد الحرب والطائفية السياسية في لبنان.[3]
من 1960 حتى 1990، كان مرفأ بيروت يُدار من قبل شركة خاصة هي "إدارة واستثمار مرفأ بيروت".[4] في 1990، بعد انتهاء الحرب الأهلية، عادت إدارة المرفأ إلى الدولة، مع انتهاء امتياز الشركة الذي دام 30 عاما في ديسمبر/كانون الأول 1990.[5] لكن أمراء الحرب السابقين والقادة السياسيين الذين لديهم مصلحة مالية في كيفية إدارة المرفأ لم يتمكنوا من الاتفاق على كيفية إدارته، بما في ذلك ما إذا كان المرفأ يجب أن يكون مؤسسة خاصة أو عامة.[6]
في 1993، أنشِئت هيئة إدارية مؤقتة، هي "اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت" (يشار إليها فيما يلي بـ إدارة المرفأ).[7] قُسمت مقاعدها السبعة على الأطراف السياسية الرئيسية في البلاد، ما جعل التحكم بالمرفأ محط نزاعات للصراعات على السلطة بينها، وأدى بدوره إلى شل عملية صنع القرار.[8] إدارة المرفأ، مع أنها يُفترض أن تكون مؤقتة، تستمر في العمل حتى يومنا هذا.
تلقائيا، أصبح المرفأ جزءا من الدولة في ظل إدارة المرفأ، لكنه كان يعمل بدون إطار مؤسسي، فعرّضه ذلك لنقد لاذع من قبل البنك الدولي، الذي كتب:
لا تنشر اللجنة المؤقتة الميزانيات العمومية أو البيانات المالية. هي بحد ذاتها ليست كيانا قانونيا. أدى غياب هيئة حقيقية للمرفأ، إلى جانب سوء الإدارة من قبل اللجنة المؤقتة، إلى مشاكل خطيرة تتعلق بالحوكمة، والشفافية، والمساءلة. وقد أدى ذلك أيضا إلى غياب التركيز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وغياب التخطيط، وضعف السلامة، وتدهور كفاءة العمليات.[9]
د. رينود ليندرز، وهو باحث ألّف كتابا عن الفساد وبناء الدولة في لبنان بعد الحرب، أصاب بشرح إشكالية هذه البنية:
"أشرفت" وزارة الأشغال العامّة والنقل على المرفأ، لكنّها لم تمتلك السلطة الحقيقيّة اللازمة لفرض سيطرة فعّالة عليه. واجهت تعامُلات المرفأ مع القطاع الخاصّ مشكلات قانونيّة، وذلك لافتقارها إلى سلطات قانونيّة واضحة لا تمتلك حقّ ممارستها سوى هيئة حكوميّة كاملة الأهليّة. ولأنّ المرفأ لم يظهر في أيّ مخطَّط تنظيميّ ينصّ على السلطات السياسيّة والإداريّة المنوط بها الإشراف عليه، فإنّ تعامُلاته مع الكيانات الأخرى في الدولة -كمصلحة الجمارك والأجهزة الأمنيّة والوزارات- قد تُرِكَت لتقديرات وأهواء السياسيّين والمسؤولين المعنيّين به. أدّى غموض وضع المرفأ قانونيّا إلى إرباك القضاة المكلَّفين بالتدخّل في النزاعات القانونيّة المتّصلة به، وقد دفعهم هذا في كثير من الأحيان إلى إعلان افتقارِهم إلى السلطة القضائيّة أو إلى تمرير قضايا المرفأ المعقّدة، دونما نهاية، إلى فروع قضائيّة أخرى أو إلى أجهزة أخرى في الدولة. حتّى في بعض القضايا التي اتّخذ القضاة موقفا فيها (وكانوا غالبا من القضاة في "قضاء الأمور المستعجلة" المسؤولين عن التنفيذ العاجل لقرارات المحاكم)، تجاهل مسؤولو المرفأ المدعومون سياسيّا الحكم أو قاموا بنقضه. نظرا لتفكّك بيئته المؤسَّسيّة وإثارتها للجدل وغموضها، انتشرت فضائح الفساد في أرجاء المرفأ، فقد جعلت تلك البيئة الفرصة سانحة أمام الاستغلال وسوء الإدارة، مع انتشار الغموض للتستّر على ذلك الفساد.[10]
فعلا، خلق الهيكل الإداري للمرفأ الظروف الملائمة لتفشي الفساد وسوء الإدارة.[11]
استفادت الأحزاب السياسية الرئيسية في لبنان، بما فيها "حزب الله"، و"التيار الوطني الحر"، و"تيار المستقبل"، و"القوات اللبنانية"، و"حركة أمل" وغيرها من الوضع الغامض للمرفأ وسوء هيكليات الحكم والمساءلة.[12] كما يرِد أدناه، عيّنت الأحزاب السياسية الموالين لها في مناصب بارزة في المرفأ، وغالبا ما جعلتهم في وضع يمكّنهم من مراكمة الثروات، وشفط إيرادات الدولة، وتهريب البضائع، والتهرب من الضرائب بطرق تفيدهم أو تعود بالنفع على الأشخاص المرتبطين بهم.
وجدت دراسة أجراها باحثان من “هارفرد” عام 2019 أن 17 من أصل الشركات الـ 21 لخطوط الشحن في لبنان لها صلات بالسياسيين من خلال أعضاء مجلس إدارتها أو مديريها أو المساهمين فيها.[13] في سبتمبر/أيلول 2020، حصلت "وكالة فرانس برس" على تقرير، اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش، يسمّي خمسة مسؤولين جمركيين "لا يمكن استبدالهم" بسبب انتماءاتهم السياسية إلى التيار الوطني الحر، وتيار المستقبل، وحركة أمل، وحزب الله، والقوات اللبنانية على التوالي.[14]
الرشوة والجرائم الصغيرة متفشية في المرفأ. عدّد تحقيق أجرته "نيويورك تايمز" سلسلة الرشاوى المطلوبة لنقل البضائع من المرفأ وإليه التي تُدفَع: "إلى مفتش الجمارك ليسمح للمستوردين بتجنب الضرائب، وإلى ضباط الجيش وأجهزة الأمن الأخرى الأمن الآخرين لعدم تفتيش البضائع، وإلى مسؤولي وزارة الشؤون الاجتماعية حتى يوافقوا على طلبات من الواضح أنها احتيالية".[15]
في حديثه إلى هيومن رايتس ووتش، قال الصحفي الاستقصائي رياض قبيسي، الذي يحقق في الفساد في المرفأ منذ نحو عقد، إن "المرفأ لم يراد منه أن يحقق إيرادات للدولة، بل وظيفته أن يملأ جيوب المافيا التي تدير البلاد... لذلك، في المرفأ تعين أشخاصا وظيفتهم ليست جمع المال لخزينة الدولة، بل جمع المال لك".[16]
على مر السنين، صوّر قبيسي العديد من مسؤولي الجمارك، زاعما أنهم يتلقون رشاوى بشكل منتظم أو أن المشاهد تُظهرهم وهم يتلقون الرشاوى فعلا، لقاء خدمات منها مقابل غض الطرف عن أخطاء في نماذج العلم والخبر أو التحايل على برنامج الكومبيوتر الخاص بالمخاطر الجمركية، والذي يحدد مسار التخليص ومستويات التدقيق في البضائع.[17] في معظم الحالات، لم يُحاسَب هؤلاء المسؤولون.[18] كشف قبيسي أيضا عن مخططات تهرب من الرسوم الجمركية بملايين الدولارات، إذ تمكن الأفراد الذين لديهم "واسطة"، أو علاقات بسياسيين، بمن فيهم أبناء كبار السياسيين، ومسؤولو الأمن، وموظفو الدولة، والقضاة، من شراء سلع كمالية بأسعار مخفضة بشكل كبير دون دفع كامل الرسوم الجمركية وضرائب التسجيل.[19]
الفساد في المرفأ متفشٍ إلى درجة أن وزير الأشغال العامة والنقل قدّر في 2012 أن الخسائر الناجمة عن التهرب الضريبي في المرفأ بلغت أكثر من 1.5 مليار دولار سنويا.[20] يقدر جوليان كورسون، رئيس "الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية"، أن لبنان يخسر اليوم حوالي 2 مليار دولار من عائدات الجمارك كل عام بسبب الفساد.[21]
لم يشكّل سوء الإدارة والفساد في المرفأ مصدر إثراء لمناصري الأحزاب وغيرهم على حساب الدولة فحسب، بل سمح أيضا بدخول السلع غير المشروعة والخطيرة إلى البلاد دون اكتشافها. وصف موظف سابق في شركة شحن لـ هيومن رايتس ووتش الفراغ الأمني وشبكة الرشوة في المرفأ التي تسمح بدخول البضائع الخطرة إلى البلاد أو مغادرتها دون أي رقابة. قال إن الشركات أو الأفراد الذين يرغبون في جلب أي نوع من البضائع، بما فيها تلك المحظورة، يمكنهم ذلك إذا دفعوا ما يكفي لمسؤولي الجمارك. شدد على أن الدولة نادرا ما تضع يدها على هذه البضائع، وتكاد لا تفعل ذلك مطلقا.[22] قال: "كل هذه العمليات لضبط التهريب التي تسمعون عنها في الإعلام هي إما نتيجة هجوم مستهدف على شخص ما، أو خيانة، أو حادث".[23]
في أبريل/نيسان 2019، بحسب تقارير، تعطلت آلة "سكانر"، أو ماسحة البضائع بالأشعة، الرئيسية في المرفأ ولم تُستَبدل بسبب اعتبارات سياسية حول من سيحصل على العقد، ما أدى إلى تفتيش جميع السلع يدويا.[24]
اتُهم حزب الله خصوصا باستخدام مرفأ بيروت لأغراضه الخاصة. بحسب مسؤول قضائي سابق تحدث مع وكالة فرانس برس، لدى حزب الله "رخصة مفتوحة" لنقل البضائع في المرفأ بسبب علاقاته مع مسؤولي الجمارك والمرفأ.[25] في 2019، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على وفيق صفا، المسؤول الأمني في الحزب، لأنه استخدم "مرافئ لبنان ومعابره الحدودية لتهريب البضائع الممنوعة وتسهيل السفر نيابة عن حزب الله، مما يقوض أمن وسلامة الشعب اللبناني، بينما يستنزف أيضا رسوم الاستيراد القيمة والإيرادات من الحكومة اللبنانية".[26]
المديرية العامة لأمن الدولة اللبنانية، وهي الجهاز التنفيذي لـ المجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية، أنشأت مكتبا في المرفأ في أبريل/نيسان 2019 مكلفا بمكافحة الفساد هناك.[27] قال طوني صليبا، المدير العام لأمن الدولة اللواء لـ هيومن رايتس ووتش: "كانت هناك معركة لإنشاء هذا المكتب".[28] قال إن جميع الأجهزة الأمنية الأخرى في المرفأ، وكذلك مسؤولي الجمارك والمرفأ، لا يريدون أن يبحث أمن الدولة في الفساد. [29] قال صليبا إن أمن الدولة كتب تقارير مختلفة عن الفساد في المرفأ، منها عن دفع الرشاوى ومنح المناقصات.[30]
اعترفت عدة أحزاب سياسية كبرى في لبنان بالنطاق الهائل للفساد في المرفأ، وخاصة من قبل الجمارك، وألقت باللوم على الدولة لعدم تصديها له. مثلا، قال حسن فضل الله، النائب عن حزب الله، في مايو/أيار 2020:
"الفساد والهدر في الجمارك، كم مرة تحدثنا عن هذا الموضوع؟ كم من الشكاوى والدعاوى قُدمت؟ حتى الآن، لم نرَ أي شيء عملي وملموس... الدولة موجودة ومؤسساتها موجودة. لتقم الدولة بواجبها الكامل في كل مرافئها ومعابرها، وإذا واجهها أحد أو اعترض عليها فلتتفضل وتتصرف معه بالمقتضى القانوني".[31]
كذلك، في أواخر 2012، اعترف رئيس الجمهورية ميشال عون الذين كان حينئذ، ما يزال يرأس التيار الوطني الحر، بمشاكل التهريب والفوضى في مرفأ بيروت، بعد تحقيق بثه تلفزيون الجديد. قال "أعتبر الدولة مسؤولة عن هذا التهريب، لكن ليس فقط من حيث الإهمال. ليس لدى الجمارك مدير عام".[32] ألقى باللوم على الدولة لأنها لم تعيّن مديرا عاما، وقال إن هذه الفجوة في القيادة تعرقل جهود المحاسبة.[33]
عندما تولى عون رئاسة الجمهورية عام 2016، تعهد بـ "استئصال الفساد". [34] إلا أنه استمر في دعم بدري ضاهر، مدير عام الجمارك اللبنانية، الذي عيّنه مجلس الوزراء في 8 مارس/آذار 2017، رغم اتهامه بالفساد.[35] في مقابلة في 8 يناير/كانون الثاني 2020، اعترف جبران باسيل، صهر عون ورئيس التيار الوطني الحر، علنا بأن التيار دعم تعيين ضاهر.[36]
تم الادعاء على ضاهر لدوره في انفجار بيروت وهو موقوف منذ أغسطس/آب 2020.[37] مع أن ضاهر وعد حين تولى منصبه بالقضاء على رشوة مسؤولي الجمارك السائدة، تمت ملاحقته منذئذ مرات عدة بتهم الفساد.[38] تمت ملاحقة ضاهر في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بتهمة "هدر المال العام" بعد أن كشف صحفيون استقصائيون عن تجاوزات داخل إدارة الجمارك وفي مرفأ بيروت، بما في ذلك ما يتعلق بالمزادات العلنية التي نظمها.[39] في 2020، اتُهم أبضا برفع منع السفر بشكل غير قانوني عن عبد المحسن بن وليد بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود، أمير سعودي كان قد اعتقل في 2015 أثناء محاولته تهريب 1.9 طن من "الفينيثيلين"، وهو "أمفيتامين" يستخدم في عقار "الكبتاغون" المحظور، على متن طائرته الخاصة.[40] قال ضاهر إن الرئيس عون طلب منه شخصيا رفع منع السفر.[41] نفى مكتب الرئيس هذه المزاعم في تغريدة على حساب الرئاسة اللبنانية على تويتر.[42] في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وللمرة الثانية، رفض عون التوقيع على إقالة ضاهر، بعد اتهامات موجهة إليه فيما يتعلق بتفجير 4 أغسطس/آب 2020، دون تصويت كامل في مجلس الوزراء.[43]
بالإضافة إلى ذلك، ورغم وعده بالقضاء على الفساد في المرفأ، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على علي حسن خليل، وزير المالية بين 2014 و2020 ، وهو عضو في حركة أمل، بسبب الدعم المادي لحزب الله والفساد.[44] تُشرف وزارة المالية على إدارة الجمارك اللبنانية، التي تراقب دخول السلع إلى لبنان، بما فيها تلك التي تمر بمرفأ بيروت.[45] أحد الأسباب التي أدت إلى العقوبات الأمريكية على خليل كان، بحسب الزعم، استخدام منصبه لإعفاء شخص مرتبط بـ حزب الله من دفع الضرائب على الواردات ورفضه، مع الإشارة إلى أنه في 2019، بحسب الزعم، رفض "توقيع شيكات مستحقة للموردين الحكوميين في محاولة لطلب رشاوى".[46]
في سبتمبر/أيلول 2020، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على يوسف فنيانوس، الذي ينتمي إلى "تيار المردة"، وكان وزيرا للنقل والأشغال العامة بين 2016 و2020، لدعمه المادي لـ حزب الله بسبلٍ منها الفساد.[47] وزارة الأشغال العامة والنقل تشرف على المرفأ. أكدت تصريحات الحكومة الأمريكية بشأن العقوبات أن فنيانوس استخدم منصبه الوزاري لتحويل الأموال من الميزانيات الحكومية إلى شركات يملكها حزب الله وحوّل أموال الوزارة "لتقديم امتيازات لدعم حلفائه السياسيين".[48]
ساهم انعدام الكفاءة، وسوء الإدارة، والفساد، والتجاوزات السياسية التي ابتلي بها مرفأ بيروت لعقود في الانفجار الذي دمر المرفأ في 4 أغسطس/آب 2020.
روسوس: الوصول إلى بيروت
الرواية المتداولة على نطاق واسع بخصوص وصول روسوس، وهي باخرة ترفع علم مولدوفا، إلى مرفأ بيروت في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 حاملة 2,750 طن من نيترات الأمونيوم عالية الكثافة، هي كما يلي: كانت موزمبيق الوجهة النهائية حمولة السفينة؛ دخلت السفينة مرفأ بيروت لتحميل معدات زلزالية كان من المفترض تسليمها إلى الأردن قبل السفر إلى موزمبيق؛ كان مالك السفينة روسي الجنسية، اسمه إيغور غريتشوشكين؛ والجهة التي تملك نيترات الأمونيوم، سافارو ليميتد، كانت شركة تجارية للمواد الكيميائية في المملكة المتحدة.[49] إلا أنه، بعد التدقيق، ليس من الواضح أن أيا من هذه التأكيدات صحيحة.
في الواقع، تم استئجار الباخرة روسوس لنقل ما يقدر بـ 160 طن من معدات الزلازل، في حين كانت محملة أصلا فوق طاقتها ولم تكن مجهزة للقيام بذلك. مع أن شركة سافارو ليميتد مسجلة في المملكة المتحدة، يشير تقرير الصحفي الاستقصائي فراس حاطوم إلى أنها شركة صُوَرية تتشارك عنوانا في لندن مع شركات أخرى مرتبطة برجلَي أعمال سوريين-روسيين خاضعًين لعقوبات من قبل الحكومة الأمريكية بسبب نشاطاتهما بالوكالة عن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد. هوية المالك المستفيد لـ سافارو ليميتد غير معروفة. هوية المالكين الفعليين للسفينة هي أيضا موضع تساؤل. على الأقل حتى وقت قصير من وصولها إلى مرفأ بيروت، كانت السفينة مملوكة لشخص على صلة بمصرف متهم بالتعامل مع الحكومة السورية وحزب الله.
لدى وصول الباخرة إلى بيروت، بحسب ما تشير الأدلة، لم يكشف المسؤولون عن الطبيعة القابلة للانفجار والاحتراق لشحنة الباخرة، والخطر الذي تشكله، ووصفوا مخاطرها بشكل غير دقيق في طلباتهم إلى القضاء لتفريغ البضائع (انظر القسم الخاص بـ "وزارة الأشغال العامة والنقل" أدناه).
هذا الدليل، إلى جانب الأدلة التي تشير إلى أن نيترات الأمونيوم كان يتم سحبها من المرفأ، والعجز الواضح للباخرة روسوس عن أداء المهمة التي تم استئجارها للقيام بها، وعدم الوضوح فيما يتعلق بملكية كلّ من السفينة وحمولتها، وأنصاف الحقائق التي ساهمت في تفريغ نيترات الأمونيوم في العنبر 12، تثير تساؤلات حول ما إذا كانت نيترات الأمونيوم متوجهة إلى موزمبيق كما ورد في وثائق الشحن الخاصة بـ روسوس أو ما إذا كان هناك أفراد يتحكمون بالحمولة والسفينة أرادوا أن تبقى نيترات الأمونيوم في بيروت.
مرفأ بيروت: وجهة اضطرارية أم مقصودة؟
وصلت روسوس إلى بيروت محملة بـ 2,750 طن من نيترات الأمونيوم عالية الكثافة.[50]
بحسب بوريس بروكوشيف، قبطان روسوس، رست الباخرة في بيروت بعد أن أمره إيغور غريتشوشكين، وهو مواطن روسي وُصف بأنه مالك السفينة أو مشغلها، بالتوقف في اللحظة الأخيرة في بيروت، لتحميل شحنة إضافية، لتستعمل لتسديد رسوم عبور قناة السويس.[51] كان من المقرر أن تحمل روسوس الشحنة الإضافية – معدات مسح زلزالي تشمل شاحنات ويقدر وزنها بنحو 160 طن – من مرفأ بيروت إلى الأردن.[52] إلا أن خبراء أشاروا أن روسوس لم تكن عبّارة ولم تكن تُستخدم عادة لنقل المركبات.[53] كما أن الباخرة كانت قد بلغت أصلا حمولتها القصوى.[54]
بالفعل، قال قبطان الباخرة إنه، وبينما كان يحاول تحميل الشحنة، بدأت أبواب عنابر الباخرة التي تغطي نيترات الأمونيوم تنحني تحت ثقل الشحنة لأنه كان قد تم تخطي الحمولة القصوى للباخرة.[55] عندما رست الباخرة في مرفأ بيروت، تبين أيضا أنها غير صالحة للإبحار.[56] زاد الطين بلة وجود ديون مستحقة على الباخرة، ما تسبب في حجزها من قبل دائرة التنفيذ اللبنانية في 20 ديسمبر/كانون الأول 2013.[57]
معدات المسح الزلزالي التي كان من المفترض أن يتم تحميلها في بيروت، كانت في لبنان نتيجة عقد بين شركة "سبتكرم" البريطانية، وجبران باسيل، وزير الطاقة والمياه آنذاك.[58] تعكس رسائل باسيل إلى مسؤولي الجمارك اللبنانيين أن شركة سبكترم قد تعاقدت من الباطن مع شركة "GSC" (جي إس سي) أو "مركز الخدمات الجيوفيزيائية"، وهي شركة أردنية، للقيام بهذا العمل، وأن وكيل سبكترم في لبنان كان شركة "كوجيك كونسلتنتس". [59]
أرادت كوجيك كونسلتنتس نقل المعدات التي استخدمتها خلال مهام التنقيب عن النفط والغاز لصالح الوزير إلى الأردن، بينما كانت المعدات مملوكة لشركة جي إس سي.[60]
بحسب تقارير، قال موظف سبكترم الذي وقّع العقد مع الوزير باسيل لوسائل الإعلام إن سبكترم تعاقدت مع شركة أخرى لنقل المعدات.[61]
كتبت هيومن رايتس ووتش إلى كل واحدة من الشركات المعنية لتسأل عما إذا كانت قد اختارت السفينة لنقل معدات الزلازل إلى الأردن، وإذا كان الأمر كذلك، فعلى أي أساس تم الاختيار. لم تتلقَّ هيومن رايتس ووتش أي رد يُسمح بنشره.
كانت "سافارو ليميتد"، شركة بريطانية أخرى، تملك نيترات الأمونيوم، التي اشترتها من مصنع كيميائي جورجي، هو "روستافي أزوت".[62]
مع أن سافارو ليميتد مسجلة في المملكة المتحدة على أنها شركة لتجارة المواد الكيميائية، يشير تقرير الصحفي الاستقصائي فراس حاطوم إلى أنها كانت شركة صُوَرية تشارك عنوانا في لندن مع شركات أخرى مرتبطة برجلَي أعمال سوريين-روسيين خاضعين لعقوبات من قبل الحكومة الأمريكية بسبب نشاطاتهما بالوكالة عن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.[63] فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على أحد الرجلين في 2015 بسبب "المساعدة المادية أو الرعاية أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لدعم شقيقه"، الذي سبق أن فرضت عليه الحكومة الأمريكية عقوبات بسبب "محاولة شراء نيترات الأمونيوم في أواخر عام 2013".[64]
دعا مشرّعان بريطانيان إلى التحقيق مع الشركة في أوائل 2021، بعد أن كشف تحقيق إعلامي أن المالك المستفيد المسجل لدى الحكومة كان يعمل كوكيل للمالك المستفيد النهائي الذي لم يكن قد كُشف عنه.[65]
كتبت هيومن رايتس ووتش إلى سافارو ليميتد في 8 يوليو/تموز وسألت عن ملكيتها، ونطاق عملها، وعلاقتها بالـ 2,750 طن من نيترات الأمونيوم عالية الكثافة على متن روسوس، والإجراءات التي اتخذتها لاسترداد حمولتها. لم تردّ الشركة على الرسالة قبل نشر هذا التقرير.
علاوة على ذلك، في حين تداولت تقارير على نطاق واسع أن روسوس كان مملوكة من قبل غريتشوشكين، أفاد "مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد" أن وثائق قبرصية أدرجت المالك الحقيقي تحت اسم تشارالامبوس مانولي. نفى مانولي علنا أن يكون المالك، قائلا إنه قبل رحلة روسوس الأخيرة، نقل جميع الأسهم في شركة "برايروود"، التي كانت تملك روسوس، إلى غريتشوشكين.[66] في تواصل مع هيومن رايتس ووتش، شارك مانولي، على أساس عدم النشر، العقود والوثائق الأخرى بين شركة برايروود وشركة "تيتو شيبينغ"، والتي قال إنها تظهر أن ملكية روسوس والتحكم بها قد تم نقلها إلى تيتو شيبينغ في 2012، قبل رحلة روسوس. أضاف أنه تم تسليم أسهم برايروود إلى غريتشوشكين في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 - بينما الباخرة كانت راسية في مرفأ بيروت. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من صحة الوثائق قبل نشر هذا التقرير.
أفاد مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة أيضا أنه في وقت الرحلة الأخيرة للباخرة، كان مانولي بحسب تقارير مدين بحوالي مليون دولار لـ FBME، وهو مصرف يملكه لبنانيون، فرضت عليه الحكومة الأمريكية عقوبات في 2014.[67] نفى مانولي ذلك علنا، ونفى ذلك في رسالته إلى هيومن رايتس ووتش، مشيرا إلى أن الدين كان قد سُدِّد بحلول وقت الرحلة الأخيرة للباخرة، وأنه في 2018، رفضت المحكمة القضية التي رفعها مصرف FMBE ضده وضد الشركات التي لديه مصالح فيها.[68] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من هذه التصريحات قبل النشر.
فُرضت عقوبات على FBME لأسباب منها مزاعم تسهيل أنشطة ممولي الإرهاب الدوليين، بمن فيهم ممولو حزب الله، ولوجود عميل كان بمثابة شركة واجهة لكيان سوري يخضع لعقوبات أمريكية، والذي تم تصنيفه على أنه ينشر أسلحة الدمار الشامل.[69]
أخيرا، شكك بعض الخبراء في ما إذا كان هناك 2,750 طن من نيترات الأمونيوم في العنبر 12 عندما انفجرت الشحنة في 4 أغسطس/آب 2020، مقدرين أن الكمية المتبقية في العنبر وقت الانفجار قد تكون 700-1000 طن.[70] في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش في 8 يونيو/حزيران 2021، قال حسان دياب، رئيس حكومة تصريف الأعمال، أيضا إنه وفقا لتقرير "مكتب التحقيقات الفيدرالي" الأمريكي (إف بي آي)، انفجر 500 طن فقط من نيترات الأمونيوم في 4 أغسطس/آب 2020.[71] إلا أن خبيرين تحدثا إلى نيويورك تايمز قالا إنه، بناء على حساباتهما، بقيت معظم نيترات الأمونيوم أو كلها في العنبر وانفجرت.[72] قابلت هيومن رايتس ووتش أيضا شخصا رأى نيترات الأمونيوم في العنبر 12 في أوائل 2020 وأثار تساؤلات حول ما إذا كان لا يزال هناك 2,750 كيسا من المواد في العنبر، مشيرا إلى أن العنبر الذي تبلغ مساحته 5 آلاف متر مربع كان يجب أن يكون مليئا أكثر إذا كان هناك 2,750 كيسا، ولكل كيس مساحة متر مربع واحد.[73] لكنه أشار إلى أن بعض الأكياس كانت مكدسة فوق بعضها البعض، لذلك كان من الصعب عليه تقدير عدد الأكياس في العنبر.[74]
في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2020، طلب لبنان من "الإنتربول" إصدار مذكرات توقيف بحق إيغور غريتشوشكين وقبطان الباخرة بوريس بروكوشيف.[75]
التغاضي عن عدم تعريف الشحنة بشكل صحيح
السفن التي تحمل شحنات تصدر لها بوليصة شحن، وهي وثيقة رسمية بين الشاحن والناقل تتضمن تفاصيل الشحنة نفسها. بوليصة الشحن الخاصة بـ روسوس، الصادرة في 23 سبتمبر/أيلول 2013 في باتومي، جورجيا، تحدد البضائع على متن روسوس على أنها 2,750.4 طن من نيترات الأمونيوم عالية الكثافة IMO 5.1 في 2,750 "كيس كبير".[76] IMO 5.1 هو تصنيف للخطورة بموجب معايير "المنظمة البحرية الدولية" للشحن.[77] مانيفست الشحن الخاص بـ روسوس، بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول 2013، يتضمن نفس الوصف للبضائع.[78]
وبينما حدد الوكيل البحري، الوكالة الوطنية للتجارة والشحن، وهي شركة لبنانية، البضائع في مانيفست الترانزيت الذي أعده في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 على أنها "2,755.500 طن من نيترات الأمونيوم عالية الكثافة"، عرّفه بشكل غير صحيح على أنه IMO 5.0 وليس IMO 5.1.[79] لكن الوكيل البحري حدد الشحنة لاحقا بشكل صحيح في استمارة "العلم والخبر" التي قدمها إلى مفرزة المانيفست لدى وصول السفينة.[80] الوكيل البحري، أو وكيل الشحن، مسؤول عن إدارة معاملات السفينة في المرفأ.[81]
بعد أن رست الباخرة في بيروت، قرر مسؤولون في دائرة المانيفست في المديرية العامة للجمارك أن الوكيل البحري استبعد بشكل خاطئ من اللائحة الموحدة التي أعدها وصفا للبضائع على متن السفينة، وهو ما قالوا إنه خرق لأنظمة الجمارك.[82] أشار رياض قبيسي، وهو صحفي استقصائي يحقق في الفساد في المرفأ، إلى أن اللائحة الموحدة تشبه "جواز السفر" الخاص بالسفينة وتستخدمه الأجهزة الأمنية لتحديد ما إذا كانت أي شحنة تشمل سلعا محظورة أو محتكرة لإجراء تدقيق إضافي.[83] ومع ذلك، تغاضى مسؤولو الجمارك عن هذه المخالفة دون إجراء تحقيق مناسب، مع أن مسؤولا في الجمارك نبّه في 21 فبراير/شباط 2014 إلى خطورة نيترات الأمونيوم الموجودة على متن الباخرة.[84]
في 22 فبراير/شباط 2014، بعد أن نبههم مسؤول في الجمارك في اليوم السابق إلى الطبيعة الخطرة لنيترات الأمونيوم التي كانت ما تزال على متن الباخرة، أرسلت دائرة المانيفست في المديرية العامة للجمارك كتابا إلى الوكالة الوطنية للتجارة والشحن تطلب فيه من الوكالة المثول أمام المديرية لتشرح لماذا لم تصف طبيعة الشحنة على اللائحة الموحدة.[85]
في ردها على دائرة المانيفست في 28 فبراير/شباط 2014، ادعت الوكالة أنه على حد علمها، اللائحة الموحدة يجب أن تذكر فقط كمية الشحنة ووزنها وبلد المقصد، وطلبت إعفاء من المخالفة.[86] أضافت أنها قدمت إلى مفرزة المانيفست التابعة للجمارك نسخة من مانيفست الترانزيت، والمتضمن جميع المعلومات المتصلة بحمولة الباخرة.[87]
بعد ذلك، سأل رئيس دائرة المانيفست رئيس ضابطة بيروت، وهي الجهة الأمنية المشرفة على مفرزة المانيفست وتتبع المديرية العامة للجمارك، ما إذا كان مانيفست الترانزيت الخاص بالباخرة قد عُرض على ضابطة بيروت، وهي وحدة أمنية تتبع للمديرية العامة للجمارك وتشرف على مفرزة المانيفست، وما إذا كان المانيفست قد حدد بشكل صحيح المواد على متن الباخرة، كما يقتضي قانون الجمارك.[88] وبحسب ما ورد، رفض قائد ضابطة بيروت استلام طلب المعلومات هذا.[89] عندها، صعدت إدارة المانيفست الأمر برفعه إلى مديرية الجمارك الإقليمية في بيروت، التي دعت ضابطة بيروت مرة أخرى إلى تقديم المعلومات المطلوبة.[90]
ثم ردت مفرزة المانيفست (التابعة للشعبة البحرية، التابعة لضابطة بيروت) في 31 مارس/آذار 2014، قائلة إن قبطان الباخرة روسوس زودها بالقائمة الموحدة، وقدم لهم بعد ذلك بعدة أيام مانيفست الترانزيت، بناء على طلب من رئيس الشعبة البحرية. وفي رده، أشار رئيس مفرزة المانيفست إلى مذكرة جمركية (26036/2004؛ 16ديسمبر/كانون الأول 2004) الصادرة عن المديرية العامة والتي تنص على جواز عدم إظهار مانيفست الحمولة المتبقية على متن الباخرة ما لم يكن هناك معلومات عن وجود بضائع ممنوعة أو محتكرة على السفينة غير مصرح عنها في اللائحة الموحدة، وبعد الحصول على موافقة من المدير العام للجمارك.[91]
في 1 أبريل/نيسان 2014، أرسل رئيس الشعبة البحرية، النقيب آنذاك نضال ذياب، الذي يشرف على مفرزة المانيفست، هذا التقرير إلى رئيس ضابطة بيروت، مضيفا أن نوع البضاعة على روسوس لا يعتبر "ممنوعا أو محتكرا"، ولكن يمكن استخدامه "بنسب معينة في إنتاج موادا ممنوعة، وتعتبر موادا خطرة خاضعة للقيد في حال دخولها الاستهلاك المحلي".[92]
ويستشهد بوثيقة تنص على أن "نيترات الأمونيوم بدرجة نيتروجين بنسبة 34.5٪ أو أقل لم تعد خاضعة لأحكام المرسوم الاشتراعي رقم 59/137 [قانون الأسلحة والذخائر] باعتباره ليس من اللوازم المعدة لصنع المتفجرات…". [93]
أُرسل هذا التقرير إلى رئيس ضابطة بيروت بالوكالة العقيد إبراهيم شمس الدين، الذي أحاله في اليوم نفسه إلى رئيس مديرية إقليم بيروت بالوكالة موسى هزيمة، والذي أحاله إلى رئيس مصلحة مرفأ بيروت في الجمارك، الذي أحاله حسب الأصول إلى رئيس دائرة المانيفست في 9 أبريل/نيسان 2014.[94]
في 22 أبريل/نيسان 2014، بناءً على المعلومات الواردة أعلاه، أوصى بدري ضاهر، رئيس دائرة المانيفست آنذاك، بغض النظر عن المخالفة المتمثلة في عدم تحديد نوع البضائع في اللائحة الموحدة، قائلا إنها حُددت بشكل صحيح في مانيفست الترانزيت.[95] في 6 مايو/أيار 2014، وافق مدير إقليم جمارك بيروت على توصية ضاهر.[96]
إلا أنه لم يكن واضحا على أي أساس حدد ذياب محتوى النيتروجين في نيترات الأمونيوم على أنه أقل من 34.5%، حيث لم يتم تحليل العينات حتى فبراير/شباط 2016، حين تبين أن نسبة النيتروجين في نيترات الأمونيوم كانت في الواقع 34.7%.[97] ينص قانون الأسلحة والذخيرة على أن نيترات الأمونيوم بنسبة نيتروجين تبلغ 33.5% أو أكثر مشمولة كشكل آخر من أشكال البارود والمواد المتفجرة؛ وعليه، يكون شراؤها، وتجميعها، وتجارتها، وحيازتها في لبنان خاضعة لقيود.[98]
بموجب قانون الجمارك، لا يُسمح باستيراد البضائع الخاضعة لقيود أو تصديرها دون ترخيص أو تصريح أو موافقة خاصة صادرة عن سلطة مختصة، والتي ترفع القيود المفروضة على هذه البضائع، ويجب معاملة أي سلعة من هذا القبيل لا تحمل التصاريح ذات الصلة على أنها بضائع ممنوعة يجب مصادرتها.[99] ينص القانون كذلك على إمكانية تطبيق هذه القيود على بضائع الترانزيت.[100]
الجيش اللبناني مسؤول عن إعطاء الموافقة المسبقة لاستيراد المعدات والذخائر العسكرية، بما في ذلك نيترات الأمونيوم بدرجة نيتروجين تزيد عن 33.5%، وعليه فحص المواد المتفجرة التي تصل إلى البلاد عبر موانئها (انظر القسم الخاص بـ "الجيش اللبناني" أدناه)، لكن لا يوجد ما يشير إلى قيام الجيش بذلك في هذه الحالة، حتى بعد أن أكّد الاختبار أن المواد تخضع لقانون الأسلحة والذخيرة.
إهمال من الدولة أو سوء نية؟ فبراير/شباط 2014-أغسطس/آب 2020
تتقاسم المسؤولية الرسمية على مرفأ بيروت وزارة الأشغال العامة والنقل، التي تشرف على اللجنة المؤقتة للمرفأ، ووزارة المالية، التي تشرف على إدارة الجمارك. ضمن الجمارك، تحكم مؤسستان متوازيتان: المجلس الأعلى للجمارك والمديرية العامة للجمارك. المسؤوليات بين هذه الأجهزة وغيرها من الأجهزة الحكومية والأمنية العاملة في المرفأ متداخلة (انظر قسم "مرفأ بيروت: دراسة حالة لسوء الإدارة والفساد" أعلاه). بالإضافة إلى ذلك، تتواجد مجموعة من الأجهزة الأمنية في المرفأ لها صلاحيات متداخلة، منها الجيش اللبناني (مخابرات الجيش)، وأمن الدولة، والأمن العام، والجمارك.[101]
الإطار القانوني والتنظيمي الذي يحكم المرفأ قديم وغير فعال، وقد خلق الوضع القانوني المبهم للمرفأ ارتباكا بشأن من هم القضاة الذين لديهم اختصاص البت في المسائل المتعلقة بالمرفأ.[102] خلُص البنك الدولي، في تقرير صدر في ديسمبر/كانون الأول 2020 حول إدارة مرفأ بيروت، إلى أن المرفأ "مزيج من المؤسسات والهياكل والقوانين والأنظمة المرتجلة" غير الفاعلة، وخاضعة للاستغلال السياسي والفساد، ومبهمة، وإحداها أدت إلى مشاكل خطيرة في الحوكمة والمساءلة.[103] يحدد البنك الدولي بشكل صحيح سوء الإدارة وغياب المحاسبة في مرفأ بيروت كعوامل مساهمة في انفجار 4 أغسطس/آب.[104]
يستعرض هذا القسم قرارات المسؤولين الحكوميين (وفي أحيانٍ كثيرة تقاعسهم) بشأن الباخرة روسوس وحمولتها بين فبراير/شباط 2014 والانفجار في 4 أغسطس/آب 2020، مع تفصيل إجراءات كل وزارة أو هيئة حكومية تعمل في مرفأ بيروت على حدة. يشير تحليل للوثائق الحكومية والمقابلات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش إلى أن العديد من السلطات اللبنانية كانت، على الأقل، مهملة جنائيا بموجب القانون اللبناني في تعاملها مع شحنة روسوس.[105] خلقت أفعالها وإهمالها خطرا على الحياة بشكل منافٍ للضمير. بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، تقاعس الدولة عن التحرك لمنع المخاطر المتوقعة على الحياة ينتهك الحق في الحياة.[106]
بالإضافة إلى ذلك، تشير الأدلة بقوة إلى أن بعض المسؤولين الحكوميين توقعوا الوفيات التي يمكن أن يؤدي إليها وجود نيترات الأمونيوم في المرفأ، وتقبلوا ضمنيا مخاطر حدوث الوفيات.[107] بموجب القانون المحلي، يمكن أن يرقى هذا الفعل إلى جريمة القتل قصدا و/أو القتل بغير قصد.[108] كما قد يرقى إلى مستوى انتهاك الحق في الحياة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.[109]
تُبرز المراسلات الرسمية أنه بوصول الباخرة إلى بيروت، لم يتواصل مسؤولو وزارتَيْ المالية (انظر القسم أعلاه بشأن "التغاضي عن عدم تعريف الشحنة بشكل صحيح") والأشغال العامة والنقل بشكل صحيح أو يحققوا بشكل مناسب في قابلية شحنة الباخرة للانفجار والاحتراق، والخطر الذي تمثله. وصف مسؤولو وزارة الأشغال العامة والنقل بشكل غير دقيق مخاطر الشحنة في طلباتهم إلى القضاء لتفريغ البضائع وخزنوا عن علم نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت إلى جانب مواد قابلة للاشتعال أو للانفجار لقرابة ست سنوات في عنبر غير مؤمن كما يجب وسيئ التهوئة وسط منطقة تجارية وسكنية مكتظة (انظر قسم "وزارة الأشغال العامة والنقل" أدناه). انتهكت ممارساتهم الإرشادات الدولية للتخزين والتعامل الآمنَين مع نيترات الأمونيوم. لم يتخذوا هم، ولا أي جهاز أمني عامل في المرفأ، خطوات مناسبة لتأمين المواد أو وضع خطة استجابة طارئة أو إجراءات احترازية مناسبة، في حال اندلاع حريق في المرفأ. بحسب تقارير، لم يشرفوا بشكل كافٍ على أعمال الإصلاح التي أجريت في العنبر 12، والتي ربما تسببت في الانفجار في 4 أغسطس/آب 2020 (انظر القسم "4 أغسطس/آب 2020" أدناه).
تشير المراسلات الرسمية أيضا إلى أن مسؤولي المرفأ، والجمارك، والجيش تجاهلوا خطوات كان من الممكن أن يتخذوها لتأمين المواد أو إتلافها.
اتخذ مسؤولو الجمارك مرة تلو الأخرى خطوات لبيع أو إعادة تصدير نيترات الأمونيوم لم تكن بحسب الأصول الإجرائية. لكن بدلا من تصحيح خطأهم الإجرائي، استمروا في نفس هذه التدخلات الخاطئة رغم أن القضاة أبلغوهم بشكل متكرر بالمشاكل الإجرائية. حتى أن خبراء قانونيين صرّحوا أنه كان بإمكان مسؤولي الجمارك التصرف من جانب واحد لنقل نيترات الأمونيوم، وأنه كان بإمكانهم بيعها في مزاد علني أو التخلص منها دون أمر قضائي، لكنهم لم يتخذوا أي خطوات للقيام بذلك (راجع قسم "وزارة المالية" أدناه).
قيادة الجيش اللبناني لم تعطِ أهمية كبرى للمسألة لدى معرفتها بشأن حمولة نيترات الأمونيوم في العنبر 12، قائلة إنها ليست بحاجة إليها، حتى بعد أن علمت أن نسبة النيتروجين فيها تجعلها بموجب القانون اللبناني من المواد المستخدمة لتصنيع المتفجرات وتحتاج إلى موافقة من الجيش وتفتيش لكي يتم استيرادها. مخابرات الجيش، المسؤولة عن جميع المسائل الأمنية المتعلقة بالذخيرة في المرفأ، والتي كان لديها علم بوجود نيترات الأمونيوم في العنبر 12، لم تتخذ أي خطوات على ما يبدو لتأمين المواد أو وضع خطة استجابة طارئة أو إجراءات احترازية.
تم كل ذلك رغم التحذيرات المتكررة من خطورة نيترات الأمونيوم والعواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على وجودها في المرفأ.
حتى بعد أن أكمل مسؤولون أمنيون من المديرية العامة لأمن الدولة، الجهاز التنفيذي لـ المجلس الأعلى للدفاع، الذي يرأسه رئيس الجمهورية، التحقيق بشأن نيترات الأمونيوم في المرفأ، كان هناك تأخير مناف للضمير في إبلاغ كبار المسؤولين الحكوميين بالتهديد، وجاءت المعلومات التي قدموها بشأن التهديدات التي تشكلها المواد ناقصة.
أقرّ كل من وزير الداخلية آنذاك ومدير عام الأمن العام بمعرفتهما بشأن نيترات الأمونيوم على متن روسوس، لكنهما قالا إنها لم يتخذا إجراءات بعد علمهما لأن ذلك لم يكن من ضمن صلاحياتهما.
بعد إبلاغهم من قبل أمن الدولة، لم يتحرك مسؤولون كبار آخرون في المجلس الأعلى للدفاع، بمن فيهم رئيسا الجمهورية والوزراء، في الوقت المناسب لإزالة التهديد (انظر القسم "المجلس الأعلى للدفاع" أدناه).
وزارة الأشغال العامة والنقل
حُذِّر ممثلو وزارة الأشغال العامة والنقل من الخطر الجسيم الذي تمثله نيترات الأمونيوم، لكنهم لم يحققوا في التهديد الذي تشكله المادة، وأخطأوا - خلال تواصلهم مع هيئة القضايا - في توصيف ما قيل لهم عن الخطر.
تتبع هيئة القضايا للمديرية العامة لوزارة العدل بموجب المرسوم الاشتراعي 151/1983 (المعدل لاحقا بالمرسوم 23/1985). وهي الممثل القانوني للدولة اللبنانية في جميع الإجراءات القضائية والإدارية، حيث يعين وزير العدل قضاة ومحامين لمساعدة القاضي الذي يرأس هيئة القضايا.[110]
بناءً على المعلومات الخاطئة التي قدمتها الوزارة إلى هيئة القضايا، أمر قاضي الأمور المستعجلة لاحقا بأن تُفرِغ الوزارة حمولة الباخرة. بعد إنزال الشحنة، واصلت الوزارة وصف خطورتها بشكل خاطئ.
كما لم ينفذ مسؤولو الوزارة الحكم القضائي الصادر في 27 يونيو/حزيران 2014 بشكل صحيح لتخزين نيترات الأمونيوم في مكان مناسب واتخاذ الاحتياطات اللازمة للقيام بذلك. عوضا عن ذلك، خزّنوا نيترات الأمونيوم في العنبر 12 عن سابق علم إلى جانب مواد أخرى قابلة للاشتعال أو متفجرة لستّ سنوات تقريبا في عنبر غير مؤمّن كما يجب وسيئ التهوية وسط منطقة تجارية وسكنية مكتظة. انتهكت ممارساتهم الإرشادات الدولية للتخزين والتعامل الآمنَين مع نيترات الأمونيوم. لم يتخذوا أيضا خطوات مناسبة لتأمين المواد أو وضع خطة استجابة طارئة أو إجراءات احترازية مناسبة، في حال اندلاع حريق في المرفأ.
يبدو أن جميع الإجراءات التي اتخذها مسؤولو الوزارة اقتصرت على الحصول على موافقة المحكمة لبيع أو إعادة تصدير نيترات الأمونيوم، ويبدو أنها استبعدت التدابير التي كان من الممكن أن يتخذوها لتخزين المواد الخطرة بطريقة آمنة. حتى محاولات بيع البضاعة أو إعادة تصديرها أُديرت بشكل سيئ، ما أدى إلى تأخيرات غير ضرورية واستمرار وجود المواد الخطرة في مرفأ بيروت.
أخيرا، بحسب تقارير، لم يُشرفوا بشكل كافٍ على أعمال الإصلاح التي أجريت في العنبر 12، والتي ربما تسببت في انفجار 4 أغسطس/آب 2020 (انظر القسم أدناه عن "4 أغسطس/آب 2020").
عدم التحقيق في الخطر أو الإبلاغ عنه
في 7 أبريل/نيسان 2014، وجه مكتب المحاماة "بارودي ومشاركوه"، الذي يمثل بوريس بروكوشيف، قبطان الباخرة روسوس، كتابا إلى رئيس مرفأ بيروت، سُلم وسُجّل في مديرية النقل البري والبحري، التابعة لوزارة الأشغال العامة والنقل، في 9 أبريل/نيسان. [111] حث المكتب، الذي كان يسعى إلى إعادة طاقم الباخرة إلى روسيا وأوكرانيا، الوزارة على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتجنب "كارثة بحرية"، وبيع السفينة وحمولتها لسداد الديون المستحقة للطاقم وأوكرانيا وآخرين.[112]
في هذه الرسالة، يذكر مكتب المحاماة أن نيترات الأمونيوم "تعتبر خطرة جدا نظرا لقابليتها للاشتعال وهي تُستخدم في صناعة المتفجرات، ما يوجب أخذ الحيطة والحذر الواجب عند تخزينها أو نقلها".[113] يذكر كذلك أن "اختلاط مادة نترات الأمونيوم بالماء يعرض الحمولة لخطر الانفجار". [114]أرفق المكتب أيضا تقريرا من 16 صفحة عن "كوارث كبرى" سبّبها انفجار نيترات الأمونيوم.[115]
بعض المعلومات التي قدمها مكتب المحاماة وصفت بشكل غير صحيح المخاطر التي تشكلها الشحنة. نيترات الأمونيوم غير قابلة للاشتعال، لكن يمكن أن تتسبب في اشتعال المواد القابلة للاحتراق، أو تنفجر في ظل ظروف الحرارة والضغط الشديدة في مكان مغلق.[116] يمكن استخدامها لصنع المتفجرات، لكنها تُستخدم أساسا كسماد.[117] في حين أن نيترات الأمونيوم هي مادة استرطابية، أي ماصة للرطوبة، ويتسبب امتصاص الماء في تحللها وتدهورها وتحوّلها لأن تصبح أقل استقرارا، إلا أن مزجها بالماء لا يعرّض بمفرده الحمولة لخطر الانفجار.[118]
في 8 يوليو/تموز 2021، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى مكتب بارودي ومشاركوه تسأله حول كيفية معرفته لأول مرة بنيترات الأمونيوم على متن روسوس والمخاطر التي تشكلها الشحنة. رد المكتب في 12 يوليو/تموز 2021، قائلا إنه يُمنع عليه قانونا الإجابة على الأسئلة.
بالإضافة إلى ذلك، وجه محمد المولى، رئيس مرفأ بيروت رسالتين في 2014 إلى عبد الحفيظ القيسي، مدير عام النقل البري والبحري ، يحذر فيهما من أن نيترات الأمونيوم على متن الباخرة روسوس كانت خطرة وأن السفينة كانت معرضة لخطر الغرق، ويطلب المزيد من التعليمات حول الإجراءات الواجب اتخاذها.[119]
تشير المراسلات بين مكتب المحاماة، ووزارة الأشغال العامة والنقل، وهيئة القضايا، وقاض للأمور المستعجلة في بيروت، إلى أن الوزارة لم تجر أي تحقيق في الخطر الذي تشكله نيترات الأمونيوم، بل أطلعت هيئة القضايا على جزء فقط من المعلومات التي تلقتها والتي تشير إلى أن الخطر الذي تشكله المادة سيتم تحييده إذا تم إنزالها من السفينة. حتى بعد إنزال الشحنة، استمرت الوزارة في الوصف الخاطئ للمخاطر التي تمثلها المواد.[120]
بعد تلقي الرسالة بتاريخ 7 أبريل/نيسان 2014 من مكتب المحاماة بارودي ومشاركوه، رد القيسي في 17 أبريل/نيسان، مُعددا بالكامل المخاطر التي حددها مكتب المحاماة. [121]على عكس رسالته إلى مكتب المحاماة، لم يذكر في مراسلاته مع هيئة القضايا قابلية نيترات الأمونيوم للانفجار، وإمكانية استخدامها في صنع المتفجرات، ووجوب تأمينها، بل ركز فقط على مخاطر غرق السفينة والحمولة على متنها. في 8 أبريل/نيسان و14 أبريل/نيسان 2014، طلب بيع السفينة روسوس في مزاد علني لتجنب غرقها بشحنتها الخطرة التي من شأنها تلويث مياه البحر وإعاقة حركة الملاحة البحرية كما ذكر في رسالة 8 أبريل/نيسان، كتب في رسالة 14 أبريل/نيسان أنها تهدد “سلامة الملاحة البحرية والبيئة البحرية… في المرفأ".[122]
في 2 يونيو/حزيران 2014، كتب أنه إذا غرقت السفينة، فقد يتسبب ذلك في انفجار بسبب المواد الخطرة على متنها.[123] لم يذكر المعلومات الأخرى الواردة في الرسالة المؤرخة في 7 أبريل/نيسان 2014 من مكتب المحاماة بارودي ومشاركوه، بما في ذلك أن نيترات الأمونيوم تُستخدم في تصنيع المتفجرات؛ وأنها تسببت في انفجارات مدمرة أدت إلى سقوط مئات القتلى؛ ووجوب اتخاذ الاحتياطات أثناء تخزينها أو نقلها.[124]
أرسل القيسي أيضا إلى هيئة القضايا التقرير الذي أعدته جهاز الرقابة على السفن.[125]
في 2 أبريل/نيسان 2014، قام "جهاز الرقابة على السفن"، التابع للمديرية العامة للنقل البري والبحري، بالكشف على روسوس وخلص إلى أن وضع الباخرة قد تدهور وكانت مهددة بالغرق. أوصى الربان هيثم شعبان، رئيس جهاز الرقابة على السفن ، في تقريره، بإجراء اللازم لكي تغادر الباخرة المياه اللبنانية، لأنها تشكل خطرا على سلامة الملاحة البحرية وقد تلوث المياه. ذكر أن الشحنة كانت خطيرة ويمكن أن تسبب تفاعلا كيميائيا، أو قد تنتهي صلاحيتها، أو قد تتسرب إلى البحر.[126] لم يوضح التقرير أن المادة هي مركّب كيميائي قابل للاحتراق أو إمكانية استخدامها في صنع المتفجرات.
بعد تلقي طلب القيسي، عينت هيئة القضايا عمر طرباه لتمثيل وزارة الأشغال العامة والنقل في هذه المسألة.[127] في 30 أبريل/نيسان 2014، وجه طرباه رسالة إلى قاضي الأمور المستعجلة بخصوص روسوس. في المراسلات، كرر المخاطر التي حددها القيسي وتقرير جهاز الرقابة على السفن، مشيرا إلى أن السفينة تتسرب منها المواد وتواجه خطر الغرق، وأنها تحمل نيترات الأمونيوم، وأن حمولتها يمكن أن تؤدي إلى سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي من شأنها أن تؤدي إلى "التلوث البيئي".[128] كما طلب من القاضي أن يمنح المديرية العامة للنقل البري والبحري الإذن بتعويم السفينة، ونقل نيترات الأمونيوم إلى مكان آمن تحت الحراسة ويضمن أمنها، وبيع السفينة والشحنة من أجل تسوية الديون المتوجبة على مالكي السفينة.[129]
بعد استدعاء 30 أبريل/نيسان 2014، في 7 مايو/أيار، عيّن قاضي الأمور المستعجلة كاتب المحكمة للتحقيق في المسألة وأخذ إفادة من مالكي السفينة، والوكيل البحري، والقبطان.[130]
في 2 يونيو/حزيران، أكد القيسي مجددا أن الطلب الموجه إلى هيئة القضايا لبيع السفينة عاجل جدا، مشيرا إلى مخاطر غرقها، لكنه مجددا لم يذكر المخاطر الأخرى الناتجة عن المواد، بما فيها أنها قابلة للانفجار والاحتراق وأنه يمكن استخدامها في صنع المتفجرات.[131] في 5 يونيو/حزيران، كتبت هيئة القضايا إلى قاضي الأمور المستعجلة مرة أخرى، وتطلب منه الإذن بالتدابير المطلوبة في أقرب وقت ممكن.[132]
بناءً على المعلومات غير الدقيقة والناقصة التي قدمتها وزارة الأشغال العامة والنقل، في 27 يونيو/حزيران 2014، أمر قاضي الأمور العاجلة بتفريغ حمولة روسوس من الباخرة.
سمح قرار القاضي الصادر في 27 يونيو/حزيران 2014 لوزارة الأشغال العامة والنقل بتعويم السفينة بعد "نقل البضائع الموجودة على متنها وتخزينها في مكان مناسب تحت حراستها، وبعد اتخاذ الإجراءات اللازمة بالنظر لخطورة المواد الموجودة على متن الباخرة". رفض القاضي الإذن ببيع الباخرة لعدم الاختصاص القضائي. عيّن كاتب المحكمة لتنفيذ الحكم.[133]
أُبلغت هيئة القضايا بالقرار في 11 يوليو/تموز 2014 من خلال طرباه، الذي طلب من هيئة القضايا إبلاغ المديرية العامة للنقل البري والبحري.[134] أُبلغت أيضا المديرية العامة للجمارك والمديرية العامة للنقل البري والبحري في 26 سبتمبر/أيلول 2014 بقرار القاضي.[135]
أُفرغت الحمولة في العنبر 12 في المرفأ في أكتوبر/تشرين الأول 2014. بعد تفريغ الحمولة، استمرت المراسلات بين وزارة الأشغال العامة والنقل وهيئة القضايا في وصف التهديد الذي تشكله نيترات الأمونيوم بشكل خاطئ.
شغل غازي زعيتر منصب وزير الأشغال العامة والنقل من فبراير/شباط 2014 حتى ديسمبر/كانون الأول 2016.[136] حلّ محله يوسف فنيانوس، الذي شغل المنصب حتى يناير/كانون الثاني 2020.[137]
أُبلِغ زعيتر عن نيترات الأمونيوم في مناسبتين على الأقل. وجّه اللواء عباس إبراهيم، مدير عام الأمن العام رسالة إلى زعيتر في 16 مايو/أيار 2014 يبلغه بوجود "عدة أطنان من المواد الشديدة الخطورة"، نيترات الأمونيوم عالية الكثافة، على متن روسوس.[138] كما تلقى زعيتر كتابا بتاريخ 20 أغسطس/آب 2014 من وزارة الخارجية والمغتربين مرفقا بحكم 27 يونيو/حزيران 2014 الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة الذي يأذن للوزارة بتعويم السفينة بعد "نقل البضائع الموجودة على متنها وتخزينها في مكان مناسب تحت حراستها، وبعد اتخاذ الإجراءات اللازمة بالنظر لخطورة المواد الموجودة على متن الباخرة.”[139]
أثناء توليه الوزارة، أرسل فنيانوس رسائل إلى هيئة القضايا بشأن نيترات الأمونيوم في المرفأ في 18 ديسمبر/كانون الأول 2017، و5 مارس/آذار 2018، و12 سبتمبر/أيلول 2018، يطلب فيها من هيئة القضايا مطالبة دائرة التنفيذ باتخاذ الخطوات اللازمة لبيع الباخرة والشحنة أو إعادة تصدير المواد.[140]
تشير الرسائل إلى الخطر الذي يشكله غرق السفينة على الملاحة البحرية (تذكر مراسلات الوزير في 5 مارس/آذار 2018 غرق السفينة روسوس بالفعل في 18 فبراير/شباط 2018)، والسلامة العامة، والبيئة، لكنها تتجاهل الأخطار الناتجة عن نيترات الأمونيوم المخزنة في العنبر 12.[141] بدلا من ذلك، سلط فنيانوس الضوء على التكاليف المتكبدة جراء نقل وتخزين نيترات الأمونيوم في المرفأ وطلب من دائرة التنفيذ اتخاذ التدابير اللازمة لبيع الباخرة ونيترات الأمونيوم في مزاد علني أو إعادة تصدير الشحنة.[142]
بعد انفجار 4 أغسطس/آب 2020، قال فنيانوس إنه وقّع شخصيا على ثمانية رسائل بخصوص نيترات الأمونيوم وأرسلت المديرية العامة للنقل البري والبحري ثمانية رسائل أخرى.[143] حصلت هيومن رايتس ووتش على ثلاثة رسائل أرسلتها وزارة الأشغال العامة والنقل إلى هيئة القضايا قبل تفريغ الشحنة وأربعة منها بعد ذلك، ثلاثة منها موقعة من الوزير.[144] لا تصف أي من هذه الرسائل بدقة الخطر الذي تشكله نيترات الأمونيوم في المرفأ. كتبت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى فنيانوس لطلب نسخ من الرسائل التي أشار إليها، لكنها لم تتلق ردا قبل نشر هذا التقرير.
قال ميشال نجار، وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال في الأيام التي تلت الانفجار إنه علم أنه، منذ 2014، أرسلت الوزارة ما لا يقل عن 18 كتابا إلى قاضي الأمور المستعجلة في بيروت يطلب فيها التخلص من نيترات الأمونيوم.[145] لم تأتِ أي من هذه الرسائل من نجار، الذي نُبِّه إلى مخاطر نيترات الأمونيوم في 3 أغسطس/آب 2020، أي قبل يوم من الانفجار، عندما تلقى نسخة من تقرير أمن الدولة يوضح التهديد.[146] بحسب ما ورد، أمر النجار مستشاره، عند تلقيه الرسالة، بالاتصال بحسن قريطم، مدير عام المرفأ ، وطلب منه جميع المستندات ذات الصلة. في رسالة إلى نجار في 7 يوليو/تموز 2021، طلبت هيومن رايتس ووتش من الوزير في حكومة تصريف الأعمال تقديم معلومات حول التواصل مع قريطم. لم يرد على المراسلات قبل نشر هذا التقرير.[147]
قدم صحفيون من قناة الجديد المحلية أدلة على أن أحد مستشاري نجار نقل وثائق من مبنى وزارة الأشغال العامة والنقل في 9 أغسطس/آب 2020، يوم الأحد الذي أعقب الانفجار. قدم نجار ومستشاره على الهواء مباشرة روايات متضاربة حول ماهية هذه الوثائق.[148] في مراسلاتها، سألت هيومن رايتس ووتش نجار عن طبيعة الوثائق، لكنها لم تتلق ردا.
عدم تخزين نيترات الأمونيوم بطريقة آمنة
دعا قرار القاضي الصادر في 27 يونيو/حزيران 2014 وزارة الأشغال العامة والنقل إلى تخزين نيترات الأمونيوم في "مكان مناسب تحت حراستها، وبعد اتخاذ الإجراءات اللازمة بالنظر لخطورة المواد الموجودة على متن الباخرة".[149] في انتهاك واضح لذلك، خزّن مسؤولو الوزارة نيترات الأمونيوم في عنبر غير مؤمن بشكل جيد في مرفأ بيروت إلى جانب مواد قابلة للاشتعال وغيرها من المواد الخطرة بتكديس عشوائي، على بعد بضع مئات الأمتار من منطقة سكنية مكتظة.
عيّن القاضي كاتبَ المحكمة لتنفيذ الحكم في قراره الصادر في 27 يونيو/حزيران 2014.[150] لكن بحسب تقرير إخباري لقناة الجديد، عندما ذهب الموظف إلى المرفأ في 27 يونيو/حزيران لتفقّد الشحنة، أخبرته السلطات أنها تريد تأجيل إخراج الشحنة من الباخرة حتى موعد لاحق.[151] عندما عاد في التاريخ المتفق عليه، 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، كان نقل المواد إلى العنبر 12 في المرفأ قد انتهى.[152]
عقب القرار القضائي، وفي رسالة موجهة إلى إدارة المرفأ في 3 سبتمبر/أيلول 2014، طلب القيسي تخصيص مكان لتخزين البضائع. كتب القيسي أن المواد خطرة، لكنه لم يحدد المخاطر التي تشكلها نيترات الأمونيوم.[153]
خصص قريطم جزءا من العنبر "المخصص لتخزين المواد الخطرة" كموقع لتخزين نيترات الأمونيوم، وفي 23 و24 أكتوبر/تشرين الأول 2014، نقلت إدارة المرفأ مع شركتين نيترات الأمونيوم من روسوس إلى العنبر 12.[154]
في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، عيّن كاتبُ المحكمة رئيسَ مرفأ بيروت محمد المولى "حارسا قضائيا" على البضائع في العنبر 12، بما أنه يمثل المديرية العامة للنقل البري والبحري في المرفأ، التي طلبت من المحكمة نقل المواد.[155] يتحمل الحارس القضائي المسؤولية القانونية في حالة تلف المواد أو فقدانها. لكن المولى وقّع مع التحفظ، قائلا إن لا سلطة له على المستودعات، لأنها تخضع لسلطة إدارة الجمارك وإدارة المرفأ.[156]
في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، طلب القيسي مرة أخرى من هيئة القضايا "اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة" لبيع روسوس وحمولتها في مزاد "بشكل سريع وفوري" لأن السفينة كانت معرضة لخطر الغرق، وهو ما من شأنه أن يشكل خطرا على البيئة البحرية.[157] رد وكيل هيئة القضايا المحامي عمر طرباه، مصرّحا أن الوزارة[158] لم تنفذ بشكل صحيح وكامل قرار قاضي الأمور المستعجلة الصادر في 27 يونيو/حزيران، لأنه كان من المفترض أن تُعوّم السفينة وتنقل المواد الخطرة إلى مكان مناسب للتخزين، وبالتالي كان يجب أن ينتفي الخطر. لم ترد الوزارة على هذه الرسالة على ما يبدو.
العنبر 12 هو مستودع مخصص للمواد الخطرة والقابلة للاشتعال. في وقت الانفجار، كانت نيترات الأمونيوم بحسب تقارير مخزنة بجانب الكيروسين، وحمض الهيدروكلوريك، و23 طن من الألعاب النارية، و50 طن من فوسفات الأمونيوم، و5 لفات من فتيل التفجير البطيء الاحتراق، من بين مواد أخرى.[159] في سبتمبر/أيلول 2020، نقلت صحيفة نيويورك تايمز أن "أكياس نيترات الأمونيوم كانت مكدسة بشكل عشوائي بالقرب من الوقود والصمامات وفوق بعض الألعاب النارية".[160] لم تكن المنشأة تحت حراسة كافية (انظر قسم "أمن الدولة" أدناه).[161]
"الفريق الاستشاري لإدارة الذخائر"، وهو مبادرة من "مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية" و"مكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح" توفر إرشادات حول تنفيذ "المبادئ التوجيهية التقنية الدولية بشأن الذخيرة"، يُحذر من أن نيترات الأمونيوم يمكن أن "تتفاعل بعنف مع المواد غير المتوافقة" ولذلك "من المهم جدا التعامل مع نيترات الأمونيوم وتخزينها ومراقبتها بشكل صحيح".[162] توصي بتخزين نيترات الأمونيوم في أماكن جيدة التهوئة بعيدا عن مصادر الحرارة، والنار، والانفجار، بما في ذلك الوقود والألعاب النارية وغيرها من المواد القابلة للاحتراق مثل المنصات الخشبية.[163]
اللوائح الوطنية للعديد من البلدان، بما فيها المملكة المتحدة وأستراليا وكندا والولايات المتحدة، فيما يتعلق بمتطلبات تخزين نيترات الأمونيوم والتعامل معها، تحظر أيضا تخزين المواد المتفجرة والقابلة للاحتراق بالقرب من نيترات الأمونيوم.[164]
كما أن تجميع نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت وموقع منشأة التخزين القريب من المناطق السكنية يخرقان أيضا معايير التخزين والتعامل الآمنين. تنص إرشادات الفريق الاستشاري لإدارة الذخائر على أن أكوام نيترات الأمونيوم يجب ألا يزيد ارتفاعها عن مترين وعرضها عن ثلاثة أمتار، ويجب أن تكون هناك ممرات بعرض متر واحد على الأقل ما بين أكوام نيترات الأمونيوم وبين الأكوام وجدران مبنى التخزين. قدر الفريق الاستشاري لإدارة الذخائر أنه بناءً على كمية نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، يجب أن يكون أقرب مبنى مأهول على بعد 2,292 متر، بدلا من مسافة 480 متر كما كانت.[165] وفقا للمعايير البريطانية، يجب أن تقتصر أكوام نيترات الأمونيوم على 300 طن مع مسافة متر واحد على الأقل ما بين الأكوام.[166] تنص المعايير الأسترالية على أن الأكوام يمكن أن تصل إلى 500 طن، ولكن يجب أن تكون على بعد 890 متر من أقرب مبنى سكني.[167]
مع أن القيسي كان يعلم بأن قريطم اختار العنبر 12 لتخزين نيترات الأمونيوم، لم يتخذ أي إجراء لنقل المواد إلى منشأة أخرى.[168] حصل ذلك مع أن مكتب بارودي ومشاركوه قد حذر القيسي من أن المادة خطيرة وتسببت في انفجارات مدمرة في أجزاء أخرى من العالم.
كما تدعو الإرشادات الدولية بشأن سلامة تخزين نيترات الأمونيوم والتعامل معها السلطات إلى وضع خطة استجابة مناسبة للطوارئ واحتياطات السلامة في حال اندلاع حريق في المرفأ.[169] إلا أن هيومن رايتس ووتش لم تكتشف أي دليل على أن سلطات المرفأ قد وضعت مثل هذه الخطة أو الاحتياطات في أي وقت بين 23-24 أكتوبر/تشرين الأول 2014 وانفجار 4 أغسطس/آب 2020.
كان خطر تخزين نيترات الأمونيوم في العنبر 12 في المرفأ واضحا فورا. في أكتوبر/تشرين الأول 2014، بينما كان يجري إنزال البضائع، وجّه رئيس دائرة المانيفست في المرفأ نعمة البراكس كتابا إلى رئيس مصلحة مرفأ بيروت في الجمارك حنا فارس يوصي فيها بأن يتم تسليم نيترات الأمونيوم إلى الجيش اللبناني أو إعادة تصديرها "منعا من حصول أي كارثة محتملة من جراء اشتعال هذه المواد وبما أن حفظها يتطلب إنشاءات خاصة غير متوفرة في حرم المرفأ".[170] يضيف أنه "يبقى من الواجب لفت نظر حضرة قاضي الأمور المستعجلة على خطورة هذا الأمر".[171]
كما خلص تقرير أمن الدولة الصادر في 20 يوليو/تموز 2020 عن نيترات الأمونيوم في العنبر 12 إلى أن مسؤولي المرفأ كانوا مهملين، إذ لم يؤمّنوا العنبر 12 "مما يسهل دخول وخروج الأشخاص إليه وسرقة المواد الخطرة الموجودة بداخله".[172]
الربح على حساب الحماية: تقصير الوزارة بعدم التدخل كما يجب
بموجب نظام المرافئ والموانئ اللبناني، يقع على عاتق رئيس المرفأ واجب مراقبة البضائع الخطرة على متن السفن، وعلى الأرصفة، واتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على السلامة العامة.[173]
يبدو أن جميع الإجراءات تقريبا التي اتخذها مسؤولو الوزارة اقتصرت على محاولة الحصول على قرار قضائي لبيع أو إعادة تصدير نيترات الأمونيوم، ويبدو أنها استبعدت الإجراءات التي كان من الممكن أن تتخذها من جانب واحد لتخزين المواد أو تأمينها. حتى محاولات بيع البضائع أو إعادة تصديرها تمت إدارتها بشكل سيئ، ما أدى إلى تأخيرات غير ضرورية واستمرار وجود المواد الخطرة في مرفأ بيروت.
تشير مذكرة داخلية لإدارة المرفأ حصلت عليها هيومن رايتس ووتش تعود إلى يناير/كانون الثاني 2015 إلى أن مسؤولي المرفأ كان يمكنهم إعداد قوائم بالسلع المتروكة للنظر في إزالتها وإتلافها من قبل الجمارك، بما فيها البضائع المتروكة في مستودعات المرفأ لأكثر من ستة أشهر.[174] إلا أن هيومن رايتس ووتش لم تكتشف أي دليل على أن ذلك تم بخصوص نيترات الأمونيوم في العنبر 12.
في ديسمبر/كانون الأول 2014، قال المحامي عن هيئة القضايا عمر طرباه لـ القيسي أن ليس للدولة اللبنانية رسوم مستحقة على أصحاب الباخرة ولا يمكنها بيعها، وأنه إذا كان هناك خطر مستمر، فذلك يعني أن الإدارة لم تنفذ بشكل صحيح أو بالكامل قرار قاضي الأمور المستعجلة في 27 يونيو/حزيران 2014.[175] يبدو أن القيسي توقف عند ذلك عن التعامل مع هيئة القضايا. بدلا من ذلك، بعد أشهر، في مارس/آذار 2015، طلب القيسي من "معهد البحوث الصناعية" فحص وتحليل طبيعة البضائع وتحديد ما إذا كان يمكن التخلص منها في لبنان أو في أي مكان آخر، وبأي تكلفة.[176]
عندما استدعى قاضي الأمور المستعجلة الوزارة والوكيل البحري لـ روسوس إلى جلسة في 16 سبتمبر/أيلول 2015، لمناقشة الطلبات المتكررة لبيع نيترات الأمونيوم أو إعادة تصديرها، لم يحضر لا المحامي الذي عينته هيئة القضايا ممثلا للوزارة ولا الوكيل بحسب ما ورد.[177]
لم تجد هيومن رايتس ووتش، خلال تحقيقها الذي أجرته، أي دليل على قيام زعيتر، وزير الأشغال العامة والنقل آنذاك، بأي إجراءات بخصوص نيترات الأمونيوم حين كانت على متن روسوس، أو لاحقا حين أصبحت في المرفأ، رغم إبلاغه بوجود "عدة أطنان من مادة شديدة الخطورة"، وهي نيترات الأمونيوم عالية الكثافة، على متن الباخرة روسوس، وتلقيه القرار القضائي بنقل هذه المادة من الباخرة.[178]
بدا أن جهود الوزارة لبيع نيترات الأمونيوم أو إعادة تصديرها خفتت لبعض الوقت قبل أن يستأنفها يوسف فنيانوس في 2016 بعد توليه الوزارة.
في رسائله إلى هيئة القضايا بشأن نيترات الأمونيوم في المرفأ في 18 ديسمبر/كانون الأول 2017 و5 مارس/آذار 2018 و12 سبتمبر/أيلول 2018، طلب فنيانوس من هيئة القضايا مطالبة دائرة التنفيذ باتخاذ الخطوات اللازمة لبيع الباخرة والشحنة أو إعادة تصدير المواد.[179]
استمر المحامي المعيّن من قبل هيئة القضايا بالتصرف نيابة عن الوزارة لبيع السفينة ونيترات الأمونيوم أو إعادة تصدير البضاعة، فقدم إلى قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، في 20 يوليو/تموز 2015 و15 فبراير/شباط 2018، طلبين إضافيين على الأقل للسماح ببيع السفينة والبضائع أو إلزام الوكيل البحري بإعادة تصدير الشحنة، رغم رفض الطلبات السابقة لعدم الاختصاص.[180] في 17 أبريل/نيسان 2018، وبعد غرق الباخرة في 18 فبراير/شباط 2018، كتب أيضا مباشرة إلى دائرة التنفيذ طالبا إعلان الاختصاص القضائي على بيع حطام السفينة والشحنة، والموافقة على طلب بيع المادة نظرا لطبيعتها الخطرة وحالة السفينة، مع تقديم العائدات إلى الدائنين مع إعطاء الأولوية للدولة.[181]
في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وافقت دائرة التنفيذ على طلب هيئة القضايا بيع حطام السفينة في مزاد، وتعيين خبير لفحص وتثمين حطام السفينة، ودفع 700 ألف ليرة لبنانية (466 دولارأمريكي حسب سعر الصرف الرسمي) لبدء عمله، لكن لم يشمل قرار دائرة التنفيذ الحمولة الموجودة في العنبر 12.[182] تمنح المادة 9 من القرار 98 (30/04/1941) بشأن حطام السفن دائرة التنفيذ سلطة بيع حطام السفن في مزاد علني.[183]
رغم المحاولات المتكررة طوال سنوات للحصول على موافقة لبيع الباخرة وحمولتها، رفضت وزارة الأشغال العامة والنقل الدفع للخبير مقدما، وهو ما كانت تشترطه دائرة التنفيذ.[184] أدى ذلك إلى اضطرار دائرة التنفيذ إلى تعيين خبير ثان، وهو ما لم يتم حتى 18 يونيو/حزيران 2019.[185] لم يدخل هذا الخبير المرفأ حتى 7 فبراير/شباط 2020، ولم يتمكن إطلاقا من إجراء التقييم لأنه لم يحصل على جردة للبضائع التي كان من المفترض أن يقيّمها.[186] أفادت قناة الجديد أن الخبير قال في إفادته للمدعي العام التمييزي غسان عويدات إنه صُدم بالكوارث ومستوى الإهمال داخل العنبر لخطورة تلك المواد المحتملة على السلامة العامة.[187]
الادعاءات القضائية على خلفية انفجار 4 أغسطس/آب 2020
ادّعى المحقق العدلي المسؤول عن التحقيق في انفجار 4 أغسطس/آب على القيسي، وقريطم، والمولى.[188]
كما اتهم المحقق العدلي الذي سبقه، القاضي فادي صوان، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 كلّا من غازي زعيتر ويوسف فنيانوس بالإهمال الجنائي الذي تسبب في الانفجار.[189] نقلت وكالة فرانس برس عن "مصدر قضائي" أن صوان اتهم زعيتر وفنيانوس بـ"الإهمال والتسبب في وفاة المئات وإصابة آلاف آخرين".[190] بحسب الوكالة نفسها، قال المصدر إن المشتبه بهما تلقيا "عدة إخطارات خطية تحذرهم من تأجيل التخلص من سماد نيترات الأمونيوم" وأنهما "لم يتخذا الإجراءات اللازمة لتجنب الانفجار المدمر وأضراره الجسيمة".[191]
رفض زعيتر المثول أمام صوان لاستجوابه كمشتبه به.[192]
بعد الادعاء عليه، قال فنيانوس، "قررت المثول أمام القاضي، ولكن في الوقت المناسب لي. ضميري مرتاح ولذلك سألتقي بالقاضي لأخبره أنه انتهك المواد 40 و70 و71 من الدستور".[193] تتعلق تلك المواد بحصانة النواب والوزراء من الملاحقة القضائية.[194] عندما ذهب فنيانوس إلى جلسة الاستجواب في 15 ديسمبر/كانون الأول 2020، قيل له إن الجلسة تأجلت إلى موعد لاحق.[195]
إلا أن فنيانوس رفض الخضوع للاستجواب في فبراير/شباط 2021 بعد تلقيه اتصالا هاتفيا من المباحث الجنائية المركزية، قائلا إن التبليغ يخالف أصول المحاكمات الجزائية.[196]
أدى ادعاء صوان على زعيتر والنائب الآخر علي حسن خليل، وزير المالية السابق، إلى تنحية صوان عن القضية في فبراير/شباط 2021.[197]
في 2 يوليو/تموز 2021، قدم قاضي التحقيق طارق بيطار، بديل صوان، طلبا إلى البرلمان لرفع الحصانة البرلمانية عن الوزير السابق زعيتر، وهو نائب حالي، وطلب من نقابتَي المحامين في بيروت وطرابلس الإذن بملاحقة زعيتر وفنيانوس، وكلاهما محامٍ.[198] بحسب "الوكالة الوطنية للإعلام"، يسعى بيطار إلى الادعاء على الوزيرين السابقين بتهمتَي "القتل مع القصد الاحتمالي" والإهمال.[199] في 28 يوليو/تموز، منحت نقابة المحامين في بيروت بيطار الإذن بمحاكمة زعيتر، وفي 29 يوليو/تموز، منحت نقابة المحامين في طرابلس بيطار الإذن بمحاكمة فنيانوس.[200] بحلول 29 يوليو/تموز 2021، لم يكن البرلمان قد قرر بعد ما إذا كان سيتم رفع حصانة هؤلاء النواب أم لا (انظر قسم "التحقيق المحلي" أدناه).
وزارة المالية
تعكس المراسلات الرسمية بين مسؤولي الجمارك، الذين يعملون تحت إشراف وزارة المالية، ومن وإلى مسؤولي الجمارك والجهات الرسمية الأخرى، أنه تم إبلاغ مجموعة من المسؤولين، بمن فيهم وزير المالية آنذاك علي حسن خليل، بالأخطار التي تشكلها نيترات الأمونيوم في العنبر 12. كما تكشف عن تقاعسهم عن اتخاذ الإجراءات اللازمة ضمن صلاحياتهم ومسؤوليتهم لإزالة الخطر.
لم تكن الخطوات التي اتخذها مسؤولو وزارة المالية لبيع نيترات الأمونيوم أو إعادة تصديرها صحيحة إجرائيا، لكنهم استمروا فيها رغم أن قضاة الأمور المستعجلة قالوا ذلك مرارا. قال جميع الخبراء القانونيين والمصادر القضائية الذين تحدثت معهم هيومن رايتس ووتش إن إدارة الجمارك لم تكن بحاجة إلى إذن قضائي لبيع المادة أو إعادة تصديرها أو إتلافها، لكن قال أحدهم إن إمكانية قيام إدارة الجمارك بذلك أم لا من دون إلغاء الحراسة القضائية على المادة كان لا يزال قيد الدراسة.
إلا أنه في جميع الحالات، كان إلغاء الحراسة القضائية على المواد إجراء مباشرا يمكن لأي قاض مختص بالأمور المستعجلة اتخاذه، لكن لم تطلب إدارة الجمارك من أي قاض القيام بذلك.
تحذيرات متكررة من الخطر
تم تحذير مسؤولي الجمارك للمرة الأولى من المخاطر التي تشكلها نيترات الأمونيوم في 21 فبراير/شباط 2014. في ذلك اليوم، كتب العقيد جوزيف سكاف، رئيس شعبة مكافحة المخدرات ومكافحة تبييض الأموال في إدارة الجمارك، إلى رئاسة مصلحة التدقيق والبحث عن التهريب التابعة لإدارة الجمارك، ووجه نسخة إلى مسؤولين آخرين، محذرا من أن الشحنة التي كانت على متن الباخرة روسوس كانت "نيترات الأمونيوم الذي يستعمل للتفجير وهو شديد الخطورة ويشكل خطر على السلامة العامة" واقترح "إبعاد هذه الباخرة عن الرصيف رقم 11 إلى كاسر الموج وإذا أمكن وضعها تحت الرقابة من قبل تلك الأجهزة المتواجدة في المرفأ".[201] توفي سكاف في مارس/آذار 2017 في ظروف مريبة، ما دفع البعض إلى الاعتقاد بأنه اغتيل (انظر قسم "التحقيق المحلي" أدناه).[202]
أُرسِل كتاب سكاف أو أحيل إلى كل من:
· حنا فارس، بالنيابة عن رئيس مصلحة التدقيق والبحث عن التهريب؛
· موسى هزيمة، المدير السابق بالوكالة لإقليم بيروت في الجمارك ؛
· العقيد بيار الحاج، رئيس ضابطة بيروت؛[203]
· رئيس مصلحة مرفأ بيروت؛
· النقيب نضال ذياب، رئيس الشعبة البحرية في بيروت بالوكالة.[204]
تذكر الرسالة أيضا أنها يجب أن تُحال إلى رئيس الشعبة المركزية، لكن لا تحمل نسخة الرسالة التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش توقيعه عليها. أكد إبراهيم شمس الدين، في مكالمة هاتفية مع هيومن رايتس ووتش، أنه كان رئيس الشعبة المركزية وقت إرسال الرسالة، لكنه نفى تلقيه أي رسالة من جوزيف سكاف.[205]
كما عبر رئيس دائرة المانيفست في المرفأ نعمة البراكس عن الخطر الذي تشكله نيترات الأمونيوم في العنبر 12، بعد وقت قصير من نقلها من السفينة في أكتوبر/تشرين الأول 2014. في رسالة إلى حنا فارس، رئيس مصلحة مرفأ بيروت في الجمارك، أوضح البراكس أن المادة كانت خطيرة وأنه لا توجد مرافق مناسبة لتخزينها في المرفأ، وطلب موافقة قاضي الأمور المستعجلة على نقل المادة فورا إلى الجهات الأمنية المختصة أو إعادة تصديرها "منعا من حصول أي كارثة محتملة من جراء اشتعال هذه المواد”.[206] حذّر البراكس من مخاطر اشتعال نيترات الأمونيوم أو انفجارها في ثلاث مناسبات أخرى على الأقل، في 9 مايو/أيار 2015 و1 فبراير/شباط 2016 و14 مارس/آذار 2018، وكرر كل مرة طلبه أن يُطلب من قاضي الأمور المستعجلة تسليم المواد إلى الجيش اللبناني أو إعادة تصديرها.[207]
بدوره، شرح شفيق مرعي، مدير الجمارك آنذاك، الخطر في رسالة لاحقة في 16 يونيو/حزيران 2016 إلى هيئة القضايا عبر وزارة المالية، حيث أشار إلى "الخطورة الشديدة التي يسببها بقاء هذه البضائع في المخزن في ظل ظروف مناخية غير ملائمة"، وطلب اتخاذ إجراءات فورية "حفاظا على سلامة المرفأ والعاملين فيه".[208] وقّع وزير المالية آنذاك علي حسن خليل الرسالة في 10 سبتمبر/أيلول 2016 وأحالها مباشرة إلى قاضي الأمور المستعجلة بدلا من هيئة القضايا.[209]
الطلبات المتكررة للحصول على إذن قضائي لبيع نيترات الأمونيوم أو إعادة تصديرها
يبدو أن جميع الإجراءات المعروفة من قبل مديرَيْ الجمارك بين 2014 و2020 هدفت إما إلى بيع أو إعادة تصدير نيترات الأمونيوم الموجودة في العنبر 12. وفي تقديم هذه الطلبات، تجاهل كلاهما بشكل متكرر قرارات قضاة الأمور المستعجلة. كما لم يتخذوا إجراءات أخرى أحادية كان يمكنهم اتخاذها لإزالة المخاطر التي تمثلها نيترات الأمونيوم في المرفأ أو تخفيفها.
بين 5 ديسمبر/كانون الأول 2014 و28 ديسمبر/كانون الأول 2017، أرسل مديرو الجمارك ست رسائل على الأقل إلى قضاة الأمور المستعجلة يطلبون فيها إعادة تصدير أو بيع نيترات الأمونيوم.[210]
من 2014 إلى 2016، أرسِلت الرسائل من شفيق مرعي، مدير عام الجمارك آنذاك. وُجِّهت رسائل عام 2017 من قبل بدري ضاهر، الذي عُيِّن مديرا عاما للجمارك في مارس/آذار 2017.[211] كما أرسل مرعي الرسالة بتاريخ 16 يونيو/حزيران 2016 الموجهة إلى هيئة القضايا عبر وزارة المالية.[212] طلب في الرسالة من هيئة القضايا التدخل لدى قاضي الأمور المستعجلة للسماح بإعادة تصدير نيترات الأمونيوم أو بيعها للشركة اللبنانية للمتفجرات (مجيد الشماس وشركاه).[213] بينما كانت الرسالة موجهة إلى هيئة القضايا، أحالها خليل مباشرةً إلى قاضي الأمور المستعجلة.[214]
في كل حالة، وبعد تلقي رسالة من أحد مديرَي الجمارك يطلب إعادة تصدير البضائع أو بيعها، أعاد قضاة الأمور المستعجلة الرسائل لأسباب إجرائية؛ أو أحالوها إلى هيئة القضايا، في بعض الحالات، وطلبوا منها تقييم ما إذا كانت محكمة الأمور المستعجلة مخولة النظر في المسألة؛ أو أشاروا إلى أنهم ليس لديهم الاختصاص للموافقة على بيع المواد أو إعادة تصديرها.[215]
لم تسجل الجمارك الطلبات في قلم المحكمة على النحو المنصوص عليه في قانون أصول المحاكمات المدنية، بل بعثت الرسائل عبر البريد.[216] علاوة على ذلك، لم يكن باستطاعة مسؤولي الجمارك الحصول على حكم من قاضي الأمور المستعجلة لأن وزارة الأشغال العامة، من خلال هيئة القضايا، كان لديها أصلا قضية مفتوحة تتعلق بنيترات الأمونيوم، وكان القاضي قد عيّن الوزارة "حارسا قضائيا" على المواد. يمكن فقط لأطراف القضية تقديم الطلبات.[217]
لمعالجة الخطأ الإجرائي، كان على مسؤولي الجمارك إما تقديم طلب لرفع الحراسة القضائية المسندة إلى وزارة الأشغال العامة على المواد، أو الرجوع إلى هيئة القضايا ليتمكن الطرفان من الاتفاق على المسار اللازم، وتتمكن هيئة القضايا من المضي قدما في الطلب.[218]
بالإضافة إلى الأخطاء الإجرائية، قالت مصادر قضائية لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يكن لدى قضاة الأمور المستعجلة إمكانية السماح ببيع المادة أو إعادة تصديرها، لأن صلاحيتهم هي اتخاذ إجراءات مؤقتة في الحالات العاجلة فقط، وليس لديهم سلطة إصدار أحكام دائمة، مثل اتخاذ قرار بشأن ملكية المواد، والتي من شأنها أن تمس الحقوق الأساسية.[219]
أكد بعض المعلقين أن إدارة الجمارك لم تكن بحاجة إلى إذن قضائي لإزالة نيترات الأمونيوم أو التخلص منها، وأنه كان بإمكانها فعل ذلك من جانب واحد.[220]
في أحد الأمثلة التي يبدو أن الجمارك مارست فيها أو حاولت ممارسة هذا النوع من الصلاحيات، في سبتمبر/أيلول 2018، سعى المدير العام للجمارك بدري ضاهر للحصول على اعتماد من وزير المالية للدفع لشركة تعالج النفايات الطبية والكيميائية لتوضيب، ونقل، ومعالجة أدوية ومواد كيميائية منتهية الصلاحية في المرفأ.[221] من الملفت أن العنبر 12 استُبعد على ما يبدو من الزيارة الميدانية التي أجرتها هذه الشركة إلى المرفأ في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، عندما قيّمت كمية المواد التي عليها نقلها وتلفها.[222]
استشارت هيومن رايتس ووتش خمسة مصادر قضائية بشأن هذه القضية.[223] اتفق الجميع على أن إدارة الجمارك لم تكن بحاجة إلى إذن قضائي لإزالة البضاعة بعد ستة أشهر، إما ببيعها أو إتلافها أو إعادة تصديرها؛ لكن قال أحدهم إن إمكانية أن تفعل إدارة الجمارك ذلك دون إزالة الحراسة القضائية كانت مسألة ما زالت قيد الدراسة.[224]
أكد ثلاثة من المصادر لـ هيومن رايتس ووتش أن إزالة الحراسة القضائية على المواد كان إجراءً مباشرا يمكن لأي قاضي أمور مستعجلة القيام به، لكن لم تطلب إدارة الجمارك ذلك مطلقا.[225] بموجب القانون، يمكن للقضاة المدنيين في لبنان أن يحكموا فقط فيما يطلبه الأطراف، بالتالي لا يستطيع قاضي الأمور المستعجلة، من تلقاء نفسه، اقتراح مثل هذا الإجراء على إدارة الجمارك.[226]
الادعاءات القضائية على خلفية انفجار 4 أغسطس/آب 2020
شغل علي حسن خليل منصب وزير المالية بين فبراير/شباط 2014 ويناير/كانون الثاني 2020.[227] في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، ادعى قاضي التحقيق فادي صوان على خليل بالإهمال الذي تسبب في الانفجار.[228] ونقلت وكالة فرانس برس عن "مصدر قضائي" أن صوان اتهم خليل بـ "الإهمال والتسبب في وفاة المئات وإصابة آلاف آخرين". [229] بحسب وكالة فرانس برس، قال المصدر إن المشتبه بهم تلقوا "عدة إخطارات خطية تحذرهم من تأجيل التخلص من سماد نيترات الأمونيوم" وأن خليل ومتهمين آخرين "لم يتخذوا الإجراءات اللازمة لتجنب الانفجار المدمر وأضراره الجسيمة".[230]
لجأ خليل إلى تويتر ومحطات الأخبار المحلية للدفاع عن نفسه، ملقيا باللوم إلى حد كبير على مسؤولين حكوميين آخرين، لكنه لم ينفِ أنه كان على علم بنيترات الأمونيوم في المرفأ والخطر الذي تشكله على الناس.[231]
كما كان الحال مع زعيتر، أدى الادعاء على الوزير السابق إلى تنحية القاضي صوان عن القضية في فبراير/شباط 2021.[232]
في 2 يوليو/تموز 2021، قدم قاضي التحقيق طارق بيطار، بديل القاضي صوان، طلبا إلى مجلس النواب لرفع الحصانة البرلمانية عن الوزير السابق خليل، وهو عضو في البرلمان، وطلب أيضا من نقابة المحامين في بيروت الإذن بملاحقته، نظرا لأن خليل محام.[233] بحسب الوكالة الوطنية للإعلام، يسعى بيطار إلى الادعاء على خليل بـ "القصد الاحتمالي لجريمة القتل"، والإهمال والتقصير.[234] في 28 يوليو/تموز، منحت نقابة المحامين في بيروت الإذن لبيطار بملاحقة خليل.[235] حتى 29 يوليو/تموز 2021، لم يكن البرلمان قد قرر بعد ما إذا كان سيتم رفع الحصانة عن خليل أم لا (انظر قسم "التحقيق المحلي" أدناه).
اعتُقل مسؤولون آخرون في الجمارك وتم الادعاء عليهم، بمن فيهم شفيق مرعي، المدير العام السابق للجمارك و بدري ضاهر، المدير العام للجمارك، و نعمة البراكس، رئيس دائرة المانيفست في المرفأ ، و حنا فارس، رئيس مصلحة مرفأ بيروت في الجمارك.[236] كما وُجهت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 اتهامات إلى مسؤولَي جمارك كبيرين هما هاني الحاج شحادة وموسى هزيمة، الذي كان مسؤولا عن الجمارك في المرفأ، لكن لم يتم توقيفهما.[237]
الجيش اللبناني
بموجب قانون الأسلحة والذخائر، الجيش اللبناني مسؤول عن إعطاء الموافقة المسبقة لاستيراد المعدات العسكرية والذخيرة، بما في ذلك نيترات الأمونيوم بدرجة نيتروجين تزيد عن 33.5%، وعليه فحص المواد المتفجرة التي تصل إلى البلاد عبر مرافئها.
تشير الدلائل إلى أن قيادة الجيش اللبناني ورئيس مكتب مخابرات الجيش في المرفأ كانا على علم بوجود نيترات الأمونيوم في العنبر 12، وكانا يعرفان، أو كان ينبغي لهما معرفة، الخطر الذي تشكله على الناس. من خلال الاختبارات، تم التأكد من أن هذه المادة متفجرة وخاضعة لقانون الأسلحة والذخائر، وبالتالي تخضع لأنظمة الجيش وإشرافه. رغم ذلك، لم تُعِر قيادة الجيش اللبناني أهمية كبرى للأمر لدى معرفتها بنيترات الأمونيوم في العنبر 12، قائلة إنها لا تحتاج إلى المادة، ولم تقم بنقلها أو تأمينها أو إتلافها، بينما لم تتخذ مخابرات الجيش أي خطوات واضحة لتأمين المادة أو إنشاء خطة استجابة مناسبة للطوارئ أو أي تدابير احترازية.
كان جان قهوجي قائدا الجيش عند دخول نيترات الأمونيوم إلى المرفأ عام 2013 وبقي يشغل المنصب حتى عام 2017.[238]
العلم بالمخاطر
ادعى قهوجي، في إفادته للمحقق العدلي صوان، أنه في أواخر 2015، تواصلت المديرية العامة للجمارك في مرفأ بيروت مع الجيش للسؤال عما إذا كان الجيش بحاجة إلى نيترات الأمونيوم في العنبر 12.[239] لكن لم تجد هيومن رايتس ووتش أي سجل لمثل هذه الاتصالات.
إلا أن الجيش علم بشأن نيترات الأمونيوم في العنبر 12 في وقت ما قبل 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حين طلب رئيس أركان الجيش، بالنيابة عن قهوجي، إجراء فحوصات مخبرية لتأكيد درجة النيتروجين في نيترات الأمونيوم.[240]
في رسائل موجهة إلى مسؤولي الجمارك، اقترح نعمة البراكس، رئيس دائرة المانيفست في المرفأ، تسليم نيترات الأمونيوم فورا إلى الجيش باعتباره الجهة الأمنية المختصة، بدءا من 24 أكتوبر/تشرين الأول 2014 ثم مجددا في 9 مايو/أيار 2015، قائلا إنها مواد خطرة وقد تسبب كارثة إذا اشتعلت فيها النيران أو انفجرت.[241]
تشير الأدلة إلى أن العميد أنطوان سلوم، رئيس مكتب مخابرات الجيش في المرفأ، والمسؤول عن جميع القضايا الأمنية المتعلقة بالذخائر، والمخدرات، والعنف هناك، قد أبلِغ أيضا عن نيترات الأمونيوم في العنبر 12، على الأقل في أوائل 2020.[242] بحسب مدير عام أمن الدولة وتقرير أمن الدولة الذي اطّلعت عليه هيومن رايتس ووتش، اتصل ضباط في أمن الدولة بسلوم في 27 يناير/كانون الثاني 2020 بعد اكتشاف نيترات الأمونيوم في العنبر 12 للاستفسار عن المادة والخطر الذي تشكله.[243]
مسؤولية اتخاذ الإجراءات
يضع المرسوم الاشتراعي 137/1959 (المعروف أيضا باسم قانون الأسلحة والذخائر) قيودا على شراء، وتجميع، وتجارة، وحيازة المعدات العسكرية، والأسلحة، والذخائر، والمتفجرات في لبنان.[244] يُدرج المرسوم مادة نيترات الأمونيوم التي تحتوي على نسبة نيتروجين تبلغ 33.5% أو أكثر كشكل آخر من أشكال البارود والمواد المتفجرة، وعليه، يُحظر شراؤها وتجميعها وتجارتها وحيازتها في لبنان.[245] وفقا لمسؤولي الجمارك اللبنانيين، تحتوي نيترات الأمونيوم المخزنة في المرفأ على نسبة نيتروجين تبلغ 34.7%.[246]
بموجب قانون الأسلحة والذخائر، تُناط بوزارة الدفاع ووزارة الداخلية وقيادة الجيش المهام التنظيمية والإشرافية المتعلقة بالقانون.[247] ينص القانون على أن استيراد وتصدير وإعادة تصدير المعدات والذخائر العسكرية، بما فيها نيترات الأمونيوم التي تزيد نسبة النيتروجين فيها عن 33.5%، يخضع لتصريح مسبق من وزارة الاقتصاد بعد موافقة قيادة الجيش ومجلس الوزراء.[248] كما يتعين على مديرية العتاد التابعة للجيش اللبناني فحص المواد المتفجرة والكيميائية الواصلة للبلاد عبر منافذ دخولها، بما فيها الموانئ البحرية والبرية والجوية.[249]
بالإضافة إلى الإشراف الأمني في المرفأ، ومسؤوليتها عن جميع القضايا الأمنية المتعلقة بالذخائر والمخدرات والعنف هناك، تقوم مخابرات الجيش العسكرية بتفتيش البضائع الخارجة من المرفأ بحثا عن واردات غير مرخصة، بما فيها الأسلحة، والذخيرة، وغيرها من السلع التي يمكن أن تمس بالأمن الوطني.[250]
تقاعس عن التحرك
في 27 فبراير/شباط 2016، أبلغ مدير عام الجمارك آنذاك شفيق مرعي قيادة الجيش أنه استنادا إلى الفحوص التي أجراها خبير، كانت نسبة النيتروجين في نيترات الأمونيوم في المرفأ 34.7%.[251]
رغم هذا الاختبار الذي يؤكد خضوع هذه المواد لقانون الأسلحة والذخائر، وبالتالي لأنظمة الجيش وإشرافه، رد رئيس أركان قهوجي خطيا، نيابةً عن قهوجي، على الجمارك في 7 أبريل/نيسان 2016، قائلا إنه لا حاجة للجيش بنيترات الأمونيوم، واقترح التواصل مع الشركة اللبنانية للمتفجرات (مجيد الشماس وشركاه) لتحديد ما إذا كان يمكن الاستفادة منها أو إعادة تصدير المادة إلى بلد المصدر على نفقة المالك.[252]
بحسب الوكالة الوطنية للإعلام، في 11 فبراير/شباط 2021، قابل القاضي صوان قهوجي كشاهد بخصوص نيترات الأمونيوم في المرفأ.[253] أصدر قهوجي، من خلال مكتب محاميه، بيانا بعد المقابلة زعم فيه أن الجيش قام بجميع واجباته وفقا للقانون وأن الجيش امتنع عن حيازة نيترات الأمونيوم في العنبر 12 لعدة أسباب، منها تدهور حالتها مع الوقت والذي يشكل خطرا عند التخزين لفترة طويلة، ولافتقار الجيش إلى مكان لتخزينها، وعدم قدرته على إتلافها أو التخلص منها.[254]
رغم هذه التأكيدات، بعد انفجار 4 أغسطس/آب 2020، أصدرت قيادة الجيش عدة بيانات أعلنت فيها أنها أزالت وأتلفت بشكل آمن مواد خطرة في مرفأ بيروت، بما في ذلك "4,350 كيلوغراما من نيترات الأمونيوم"، و"1,320 كيلوغراما من المتفجرات المعبأة في 120 علبة كرتون" و"موادا خطرة وقابلة للاشتعال... يمكن أن تتسبب في انفجار إذا تعرضت لدرجة حرارة عالية".[255] يشير هذا إلى أن قيادة الجيش كان من الممكن أن تتصرف بشكل مشابه فيما يتعلق بتأمين وإزالة نيترات الأمونيوم عندما أُبلغت بوجودها. بالفعل، قال غسان عويدات، المدعي العام التمييزي، إن لدى الجيش السلطة القانونية لإزالة نيترات الأمونيوم.[256]
لم تجد هيومن رايتس ووتش أيضا أي دليل على أن عناصر مخابرات الجيش عملوا على وضع، أو تكليف آخرين بوضع، خطة استجابة مناسبة للطوارئ أو احتياطات للسلامة بحال اندلاع حريق في العنبر 12، رغم أن التوجيهات الدولية بشأن التخزين الآمن والتعامل مع نيترات الأمونيوم تدعو إلى وضع مثل هذه الخطة واتخاذ الاحتياطات.[257]
الادعاءات القضائية على خلفية انفجار 4 أغسطس/آب 2020
تم الادعاء على العميد أنطوان سلوم لدوره في انفجار 4 أغسطس/آب 2020 وهو موقوف منذ 1 سبتمبر/أيلول 2020.[258]
في 2 يوليو/تموز 2021، ادعى قاضي التحقيق طارق بيطار على قهوجي، إلى جانب مدير مخابرات الجيش السابق العميد كميل ضاهر، والعميدين السابقين في مخابرات الجيش غسان غرز الدين وجودت عويدات.[259]
أمن الدولة
المديرية العامة لأمن الدولة، وهي ذراع للمجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية، أنشأت مكتبا في المرفأ في أبريل/نيسان 2019.[260] ترأّس هذا المكتب الرائد جوزيف النداف.[261]
لأمن الدولة وظيفتان رئيسيتان في المرفأ: أولا، مكافحة الفساد، وثانيا، إبلاغ المجلس الأعلى للدفاع بالمسائل الأمنية في المرفأ وتقديم توصيات لتخفيف ومعالجة أي تهديدات.[262]
قال مصدر لـ هيومن رايتس ووتش إنه تم إعلام أمن الدولة علم بوجود نيترات الأمونيوم في سبتمبر/أيلول 2019.[263] تشير الوثائق الرسمية إلى أن أمن الدولة كانت على علم بوجود نيترات الأمونيوم والمخاطر التي تشكلها منذ ديسمبر/كانون الأول 2019 على الأقل.[264] إلا أن الرسالة الأولى من أمن الدولة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء للتحذير من المخاطر لم تُوجَّه حتى 20 يوليو/تموز 2020.[265] أرسلت المديرية تقريرا إلى القضاء في 1 يونيو/حزيران. أيضا، ركزت التقارير من أمن الدولة إلى القضاء، والرئيس، ورئيس الوزراء بشأن نيترات الأمونيوم على مخاطر سرقة المواد، بدلا من المخاطر المرتبطة باحتمال انفجارها، على الرغم من علم المديرية بالمخاطر.
اللواء طوني صليبا هو المدير العام لأمن الدولة منذ 8 مارس/آذار 2017.[266] غالبا ما يحضر اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع. ولم يطرح موضوع نيترات الأمونيوم في أي من اجتماعات المجلس.
تحقيق غير عاجل: تحذيرات متأخرة وناقصة
رواية أمن الدولة الرسمية، التي كررها صليبا لـ هيومن رايتس ووتش في مقابلة في 16 يونيو/حزيران 2021، هي أن الرائد (النقيب آنذاك) جوزيف النداف بدأ التحقيق بشأن نيترات الأمونيوم في العنبر 12 بعد أن كان في دورية ولاحظ بابا مخلوعا وفجوة في جدار العنبر في وقت ما بين ديسمبر/كانون الأول 2019 ويناير/كانون الثاني 2020.[267] إلا أن وثائق أمن الدولة التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش تشير إلى أن المديرية بدأت التحقيق بشأن المواد أولا، وفحصت الجزء الخارجي من العنبر 12 كجزء من هذا التحقيق.[268] أكد مصدر قضائي رفيع ومصدر أمني لـ هيومن رايتس ووتش أن النداف تلقى معلومات عن نيترات الأمونيوم لأول مرة من مصدر سري.[269] قال مصدر آخر لـ هيومن رايتس ووتش إن نعمة البراكس، رئيس دائرة المانيفست في المرفأ، هو من أبلغ النداف عن نيترات الأمونيوم في العنبر 12 في سبتمبر/أيلول 2019 بعد غياب أي إجراء لحل المشكلة رغم تحذيراته المتكررة منذ 2014.[270]
بحسب التقرير الذي أرسله النداف إلى القضاء في 1 يونيو/حزيران 2020، نبّه النداف صليبا أول مرة إلى وجود نيترات الأمونيوم في مذكرة قدمها في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2019.[271]
قال صليبا أيضا لـ هيومن رايتس ووتش إنه، في 27 يناير/كانون الثاني 2020، التقى النداف العميد أنطوان سلوم، رئيس مخابرات الجيش في المرفأ، ليخبره بما رآه ويطلب المزيد من المعلومات.[272] قال صليبا إن سلوم أحال النداف إلى نعمة البراكس، رئيس دائرة المانيفست في المرفأ، الذي أكد أن نيترات الأمونيوم خطيرة للغاية، وقال إنه كان قد أرسل عدة طلبات لحل الوضع لكنه لم يتلق ردا.[273] توضح وثيقة داخلية غير مؤرخة لأمن الدولة، أُعِدت بعد الانفجار، الخطوات التي اتخذتها المديرية منذ اكتشاف نيترات الأمونيوم تؤكد رواية صليبا بشأن النقاشات مع سلوم والبراكس.[274]
أمر صليبا بإجراء تحقيق كامل في 27 يناير/كانون الثاني 2020، وأصدر تعليمات إلى النداف بإرسال النتائج التي يتوصل إليها إلى القضاء المختص عند الانتهاء.[275] أكمل النداف تحقيقه في 28 مايو/أيار 2020.[276] قال صليبا لـ هيومن رايتس ووتش إن تقرير النداف استغرق شهورا حتى يكتمل بسبب تفشي فيروس كورونا والقيود المختلفة على الحركة التي وُضعت لوقف انتشار الفيروس.[277]
تقرير النداف في 28 مايو/أيار 2020، الذي اطّلعت عليه هيومن رايتس ووتش، يفصّل الظروف التي أدت إلى رسو الباخرة روسوس في بيروت وتخزين نيترات الأمونيوم في العنبر 12. رغم بعض النقاط غير الدقيقة في تقرير النداف، بما في ذلك خطأ في التاريخ الذي رست فه روسوس في بيروت، والإشارة بشكل غير صحيح إلى اسم الشركة التي تمتلك نيترات الأمونيوم باسم "Safari Limited" بدلا من "Savaro Limited"، وخطأ في اسم قاضي الأمور المستعجلة الذي أمر بنقل الشحنة من السفينة، يُحذّر التقرير بوضوح من مخاطر نيترات الأمونيوم. كتب النداف:
بعد مراجعة أحد مصادرنا المختصين في الكيمياء أكد لنا أن مادة نيترات الأمونيوم وفي حال اشتعالها ستسبب انفجار ضخم ستكون نتائجه شبه مدمرة لمرفأ بيروت. كما يتخوف من تعرض هذه المواد للسرقة لأن السارق يستطيع أن يستعملها لصناعة المتفجرات.[278]
كتب النداف أيضا أنهم وجدوا أن الباب رقم 9 في العنبر 12 تعرض لضربة قوية أدت إلى ابتعاده عن الحائط وسمحت لأي شخص بدخول العنبر وسرقة المواد. وجد النداف أيضا فجوة بقياس 50 سنتيمتر × 50 سنتيمتر في الجدار الجنوبي للعنبر وأشار إلى أن العنبر لا يخضع للحراسة.[279]
يتضمن تقرير النداف صورا للباب المخلوع والبضائع داخل العنبر.[280] تُظهر الصور أكياسا كتب عليها "NITROPRILL HD" و"نترات الأمونيوم عالية الكثافة" بالإنغليزية مكدسة عشوائيا فوق بعضها البعض، وبعض الأكياس ممزقة أو تبدو فارغة جزئيا.[281] تُظهر أيضا صور التقطها شخص آخر داخل العنبر عام 2020 أكياسا ممزقة تحوي نيترات الأمونيوم، مع اندلاق نيترات الأمونيوم منها.
يفيد تقرير النداف أنه في 1 مايو/أيار 2020، وجدت دورية لأمن الدولة أنه وُضِعت حاوية كبيرة تسد الباب رقم 9 وتمنع دخول أي شخص إلى العنبر.[282]
بحسب صليبا وتقرير داخلي غير مؤرخ لأمن الدولة، في 28 مايو/أيار 2020، قدم النداف النتائج التي توصل إليها إلى بيتر جرمانوس، المدعي العام العسكري آنذاك. قال صليبا إن جرمانوس رفض تولي القضية لأن قاضي الأمور المستعجلة كان سبق أن أصدر قرارا في هذا الشأن.[283] إلا أن السبب قد يكون أن القاضي جرمانوس كان قد قدم استقالته في فبراير/شباط 2020. قبلها الرئيس عون في يونيو/حزيران 2020.[284] ثم اتصل النداف بغسان عويدات، النائب العام التمييزي، الذي أوعز إليه باستدعاء واستجواب اثنين من مسؤولي المرفأ، اللذين قدما تفاصيل إضافية حول نيترات الأمونيوم في العنبر 12.[285] يشير التقرير إلى أن النداف كان يُطلع عويدات باستمرار على تقدم التحقيق عبر الهاتف.[286]
كتب النداف أنه أنهى تحقيقه في 1 يونيو/حزيران 2020 وأحال نسخة إلى النيابة العامة التمييزية وأخرى إلى المديرية العامة لأمن الدولة.[287] يشير الختم على الوثيقة إلى أن التقرير أرسل إلى المديرية العامة لأمن الدولة في 3 يونيو/حزيران 2020.[288]
في 1 يونيو/حزيران، أصدر عويدات تعليمات لنداف بأن يُصدر بدوره تعليمات لإدارة المرفأ بتأمين العنبر 12، وتعيين أمين مستودع، وإصلاح الأبواب والجدران.[289] نقل صليبا تعليمات عويدات إلى إدارة المرفأ في طلب بتاريخ 4 يونيو/حزيران 2020 ينص على:
يطلب منكم تكليف من يلزم في مرفأ بيروت بغية تأمين حراسة للعنبر رقم 12 وتعيين رئيس مستودع للعنبر المذكور آنفاً وصيانة كافة الأبواب ومعالجة الفجوة الموجودة في الجدار الجنوبي وباقي الفجوات إذا وجدت بالإضافة إلى إقفال كافة الأبواب بإحكام، بسبب وجود مواد خطرة من نوع "نيترات الأمونيوم" التي يتم استخدامها لصناعة المتفجرات (…).[290]
يؤكد ختم إدارة المرفأ أنها تلقت الوثيقة في 4 يونيو/حزيران 2020.[291]
قال صليبا لـ هيومن رايتس ووتش إنه أبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لأول مرة عن نيترات الأمونيوم في 3 يونيو/حزيران 2020 (انظر قسم "المجلس الأعلى للدفاع" أدناه).[292]
في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش في 8 يونيو/حزيران 2021، قال حسان دياب، رئيس حكومة تصريف الأعمال، إنه لم يتحدث مع صليبا في 3 يونيو/حزيران 2020 عن نيترات الأمونيوم، لكن مستشاره أبلغه بالمواد الخطرة في المرفأ، وإنه في مساء اليوم نفسه طلب من محمد عبد الله، آمر سرية الحرس الحكومي ، تكليف رجال صليبا بإعداد تقرير عن المادة في غضون أيام.[293] قال صليبا لـ هيومن رايتس ووتش إن دياب لم يطلب مثل هذا التقرير.[294] إلا أنه ليس واضحا لماذا لم يرسل صليبا تقرير النداف النهائي إلى دياب. وجهت هيومن رايتس ووتش رسالة إلى صليبا في 7 يوليو/تموز تطلب فيها تفسيرا، لكنها لم تتلق ردا قبل النشر.
بدل ذلك، بعد ستة أسابيع تقريبا، في 20 يوليو/تموز 2020، أرسلت مديرية أمن الدولة تقريرا عن نيترات الأمونيوم إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. من غير الواضح لماذا استغرق الأمر ستة أسابيع تقريبا بين الانتهاء من تقرير النداف وإرسال تقرير إلى الرئيس ورئيس الوزراء، لا سيما نظرا إلى التحذيرات الخطيرة الواردة فيه.
كرّر التقرير المكوّن من ثلاث صفحات والمرسل إلى الرئيس ورئيس الوزراء، والذي اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش، نتائج تحقيق نداف وحذر من أن نيترات الأمونيوم "تستعمل لتصنيع المتفجرات كونها شديدة الانفجار وسريعة الاشتعال".[295] لكن، مع أن النداف حذر في التقرير الذي أعده من أنه إذا اشتعلت نيترات الأمونيوم، "ستتسبب بانفجار ضخم ستكون له نتائجه شبه مدمرة لمرفأ بيروت"، لم ترِد هذه الجملة في تقرير أمن الدولة الصادر في 20 يوليو/تموز 2020.[296]
رغم إقرار تقرير أمن الدولة بأن نيترات الأمونيوم هي مواد متفجرة، إلا أنه ركّز على مخاطر سرقة هذه المواد. يخلص التقرير إلى أنه:
لوحظ وجود إهمال وتقصير من قبل إدارة واستثمار مرفأ بيروت في حراسة العنبر رقم 12 مما يسهل دخول وخروج الأشخاص إليه وسرقة المواد الخطرة الموجودة بداخله. لوحظ أن الإدارات الرسمية لم تقم بأي إجراء لمعالجة هذا الوضع بغية إبعاد الخطر [الذي] تسببه هذه المواد في حال تعرضت للسرقة أو الحريق.[297]
عندما سُئل صليبا لماذا لم يدرج هذه المسألة على جدول أعمال المجلس الأعلى للدفاع، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه ليس من مهام مديرية أمن الدولة أن تضع ذلك على جدول الأعمال، لأن المديرية كانت تؤدي دور الضابطة العدلية في هذا التحقيق، الذي كان تحت سلطة المدعي العام. أضاف صليبا أن أعضاء المجلس الأعلى للدفاع يعرفون منذ 2013 بشأن نيترات الأمونيوم، وأن المواد تخضع بشكل واضح لسلطة الجيش بموجب قانون الأسلحة والذخائر (انظر القسمين "المجلس الأعلى للدفاع" و"الجيش اللبناني").[298]
لم يحدث في أي وقت بين سبتمبر/أيلول 2019 وانفجار 4 أغسطس/آب 2020 أن أوصى مسؤولو أمن الدولة بوضع خطة استجابة مناسبة للطوارئ، حسبما توصي به الإرشادات الدولية بشأن التخزين الآمن والتعامل مع نيترات الأمونيوم.[299]
الأمر المأساوي هو أنه، بحسب تقرير إعلامي، قال الملازم أول ريمون فرح، رئيس مركز إطفاء الكرنتينا، إنه أرسل عناصر الإطفاء التابعين له لإخماد النيران التي اندلعت في العنبر 12 يوم الانفجار، في 4 أغسطس/آب 2020، بعد أن اتصل ضابط في أمن الدولة وقال إن العنبر 12 يحتوي على ألعاب نارية فقط.[300] ليس من الواضح من كان ذلك الضابط وما إذا كان على علم بما كان بداخل العنبر، لكن كان ينبغي لقيادة أمن الدولة، بناءً على تحقيقاتها، أن تكون على دراية بالعواقب الوخيمة لإرسال المستجيبين الأوائل إلى مكان الحادث.
الادعاءات القضائية على خلفية انفجار 4 أغسطس/آب 2020
في 10 أغسطس/آب 2020، استجوب غسان خوري، المحامي العام التمييزي، صليبا لعدة ساعات ثم أطلق سراحه لاستئناف التحقيق لاحقا.[301] ادعى القاضي صوان على صليبا على خلفية تفجير 4 أغسطس/آب 2020 واستجوبه في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 لمدة ثلاث ساعات.[302]
أفادت وسائل إعلام محلية أن صليبا لم يكن يعلم أنه تم الادعاء عليه، بل اعتقد أنه كان يحضر جلسة استجواب كشاهد وتفاجأ عندما علم أنه يجري استجوابه كمشتبه به. لم يكن لديه محام أثناء استجوابه، لكن وسائل الإعلام أفادت أنه قيل له إن بإمكانه تأجيل الجلسة لإحضار محام.[303]
عيّن صوان جلسة استجواب أخرى مع صليبا في 17 ديسمبر/كانون الأول 2020، لكن تلك الجلسة لم تعقد.[304] في ذلك اليوم، أوقف صوان التحقيق في الانفجار لمدة 10 أيام بسبب الشكوى المقدمة ضده من قبل الوزيرين السابقين خليل وزعيتر.[305]
في 2 يوليو/تموز 2021، طلب القاضي طارق بيطار من رئيس الوزراء منحه الموافقة على استجواب صليبا كمشتبه به.[306] بموجب القانون اللبناني، لمحاكمة موظفي الدولة على جريمة ناتجة عن واجباتهم الرسمية، يتوجب على القضاة الحصول على موافقة من الجهة التي ينتمي إليها الموظف.[307] بحسب تقارير إعلامية، قال كل من الرئيس ورئيس الوزراء إن الآخر لديه سلطة منح أو رفض الإذن بمحاكمة صليبا.[308] في 29 يوليو/تموز، أصدر مكتب رئيس الوزراء بيانا جاء فيه أن رئاسة الجمهورية تشاورت مع "هيئة التشريع والاستشارات" بوزارة العدل حول من له صلاحية الموافقة على هذا الطلب، وقيل لها إن هذه السلطة تعود إلى المجلس الأعلى للدفاع.[309] إلا أن "المفكرة القانونية"، وهي منظمة للأبحاث والمناصرة، قالت إن بيطار لم يكن ملزما برأي هيئة التشريع والاستشارات، وإن كلا من الرئيس ورئيس الوزراء يمكنهما منح بيطار الإذن باستجواب صليبا كمشتبه به.[310] حتى 29 يوليو/تموز 2021، لم يكن رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء ولا المجلس الأعلى للدفاع قد أصدر قرارا في هذا الشأن.
وزارة الداخلية والبلديات
تشرف وزارة الداخلية والبلديات على عمل قوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام.[311] وزير الداخلية عضو في المجلس الأعلى للدفاع (انظر قسم "المجلس الأعلى للدفاع" أدناه).
للمديرية العامة للأمن العام مكتب في المرفأ، يتولى مراقبة دخول وخروج الأفراد وتسجيلهم، ومراقبة نشاط السفن الداخلة إلى المرفأ، وحركة البحارة والطواقم داخل المرفأ.[312] يتألف مكتب الأمن العام في المرفأ من أربعة أقسام، منها شعبة الاستقصاء.[313]
ليس لقوى الأمن الداخلي أي وجود أو دور في المرفأ.
أقرّ كل من وزير الداخلية آنذاك ومدير عام الأمن العام بمعرفتهما بشأن نيترات الأمونيوم على متن روسوس، لكنهما قالا إنها لم يتخذا إجراءات بعد علمهما لأن ذلك لم يكن من ضمن صلاحياتهما.
العلم بنيترات الأمونيوم
في 13 مايو/أيار 2014، أعدّ مكتب الأمن العام في مرفأ بيروت تقرير معلومات يشرح الظروف التي أدت إلى بقاء الباخرة روسوس في مرفأ بيروت، ووصف الوضع الإنساني المتردي للطاقم العالق على متن الباخرة الذي تخلى عنه مالك الباخرة.[314] وأشار التقرير إلى أن 2,755.5 طن من نيترات الأمونيوم "شديدة الخطورة" كانت ما تزال على متن الباخرة.[315]
قال المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إنه بعث برسالة إلى الرئيس آنذاك ميشال سليمان، ورئيس الوزراء آنذاك تمام سلام، ووزير الأشغال العامة والنقل آنذاك غازي زعيتر، ووزير الداخلية آنذاك نهاد المشنوق، في 16 مايو/أيار 2014 مشيرا إلى وجود "عدة أطنان من المواد الشديدة الخطورة"، نيترات الأمونيوم عالية الكثافة، على متن روسوس، التي تم حجزها ولم يُسمح لها بمغادرة مرفأ بيروت "حتى إشعار آخر".[316]
مع أن قسما كبيرا من محتوى رسالة إبراهيم كان مطابقا لما ورد في تقرير المعلومات الصادر في 13 مايو/أيار، فقد حذف إبراهيم كمية نيترات الأمونيوم الموجودة على متن روسوس.
خلال مؤتمر صحفي عقده في 23 يوليو/تموز 2021، أكد المشنوق تلقيه هذه الرسالة في 21 مايو/أيار أو 22 مايو/أيار 2014، حيث كان خارج البلاد حتى 20 مايو/أيار 2014.[317] إلا أن المشنوق قال إن الرسالة لم تلفت انتباهه لأن روسوس كانت فقط تمر عبر لبنان، وإن الرسالة ركزت في الغالب على حالة الطاقم.[318] وقال أيضا إنه نظرا لحجز الباخرة بأمر قضائي، لم يكن لديه أي صلاحية للتدخل بصفته وزير للداخلية.[319]
في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش بتاريخ 17 يوليو/تموز 2021، قال المشنوق إن التقرير المذكور أعلاه، بتاريخ 16 مايو/أيار 2014، كان "المراسلة الوحيدة التي وصلت إلى وزارة الداخلية خلال تولي مهامي كوزير وهو صادر عن جهاز الأمن العام كونه الجهاز المعني بمسألة دخول وخروج الأفراد في مرفأ بيروت وليس له أي مهام تنفيذية في متابعة الشأن الأمني أو الجمركي في المرفأ بحسب صلاحياته. لم يصلني أي مراسلة أخرى لاطلاعي عن إفراغ مادة نيترات الأمونيوم من الباخرة أو تخزينها في المرفأ".[320]
قال المشنوق لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يعلم بكمية نيترات الأمونيوم، وأنها مخزّنة في مرفأ بيروت، والمخاطر التي يشكلها تخزين نيترات الأمونيوم إلا بعد الانفجار، وذلك من تقارير إعلامية.[321]
أضاف المشنوق أن رئيس الجمهورية عقد اجتماعا للمجلس الأعلى للدفاع في 18 مايو/أيار 2014، حضره رئيس الوزراء ورؤساء الأجهزة الأمنية، لكن موضوع نيترات الأمونيوم على متن روسوس لم يتم بحثه خلال الاجتماع.[322]
بين 2014 و2020، أعد مكتب الأمن العام في المرفأ خمسة تقارير أخرى على الأقل حول نيترات الأمونيوم.[323] بحسب مصدر سري، فإن التقارير يتم إعدادها من قبل شعبة الاستقصاء بالأمن العام في المرفأ وإرسالها إلى رئيس مكتب الأمن العام في المرفأ، الذي يرسلها بدوره إلى مكتب شؤون المعلومات بمقر الأمن العام.[324]
رفع مكتب الأمن العام في المرفأ تقريرا عن نقل نيترات الأمونيوم من روسوس إلى العنبر 12؛ وتعيين محمد المولى، رئيس مرفأ بيروت، حارسا قضائيا للبضائع في نوفمبر/تشرين الثاني 2014؛ وزيارة وزارة البيئة في 2018 إلى الموقع الذي غرقت فيه روسوس؛ والكشف على نيترات الأمونيوم في فبراير/شباط 2020 من قبل خبير معيّن من قبل دائرة التنفيذ؛ والتحقيق الذي أجري في يونيو/حزيران 2020 بشأن نيترات الأمونيوم في العنبر 12 من قبل الرائد في أمن الدولة جوزيف النداف.[325]
في التقريرين الأولين، وصف مكتب الأمن العام في المرفأ نيترات الأمونيوم بأنها "مواد خطرة تستعمل في تفجير الصخور وفي صناعة الأسمدة الزراعية".[326] في تقريره الصادر في 7 فبراير/شباط 2020، ذكر الأمن العام أنه يمكن استخدام نيترات الأمونيوم في صنع الديناميت؛ وفي تقريره الصادر في 9 يونيو/حزيران 2020، وصفها بأنها مادة تستخدم في صنع المتفجرات.[327]
في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش في 29 يوليو/تموز 2021، قال اللواء عباس إبراهيم إنه علم لأول مرة أن نيترات الأمونيوم الموجودة على متن روسوس قد تم نقلها إلى العنبر 12 نتيجة مراسلة في يونيو/حزيران 2020 من مكتب الأمن العام في المرفأ بخصوص تحقيق أمن الدولة.[328] أضاف أنه رغم أن مكتب شؤون المعلومات بالأمن العام كان يعلم بوجود نيترات الأمونيوم في العنبر 12 منذ 2014، عندما تلقى تقرير المكتب المرفأ حول القرار القضائي بتعويم السفينة ونقل حمولتها إلى العنبر 12، إلا أن مكتب شؤون المعلومات لم يقدم هذا التقرير إليه لأنه "أولا يوجد قرار قضائي بها [بخصوص الشحنة] ومكلف بها أجهزة [أمنية] أخرى صاحبة الصلاحية العاملة في المرفأ".[329] أضاف إبراهيم أنه "لم ترد إلى الأمن العام المعطيات مباشرة لعدم الصلاحية بل بالتواتر في معرض معالجتنا لطاقم السفينة، كون الأمن العام مسؤول فقط عن دخول الأشخاص إلى المرفأ وبإنجاز حركة دخول وخروج المسافرين بحرا".[330]
قال إبراهيم إنه لم يكن على علم بالمخاطر التي تشكلها نيترات الأمونيوم، حيث لم يذكر أي من التقارير المرسلة إليه نسبة النيتروجين في المادة. قال: "علمنا فقط أنها مواد خطرة تستعمل في تفجير الصخور وصناعة الأسمدة الزراعية".[331] قال إن مكتب الأمن العام في المرفأ لم يعلم بالمخاطر التي تشكلها نيترات الأمونيوم "لعدم اختصاصه وعدم صلاحياته بالبضائع".[332] قال إبراهيم إن دور الأمن العام في القضية انتهى عندما قرر الجهاز السماح لأفراد طاقم روسوس الذين تقطعت بهم السبل بالمغادرة، قبل تعويم الباخرة ونقل حمولتها إلى العنبر 12.[333]
ردا على سؤال من هيومن رايتس ووتش بخصوص سبب عدم إضافة هذا الموضوع إلى جدول أعمال المجلس الأعلى للدفاع، قال إبراهيم إنه وجه رسالة بخصوص روسوس وشحنتها إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء آنذاك، وهما "يعود إليهما إدراج ما يريانه ضرورياً على جدول أعمال المجلس الأعلى للدفاع". أضاف أنه "ليس من صلاحية المديرية العامة للأمن العام تنظيم جدول أعمال هذا المجلس ولا تعديله، ذلك أن هذه المديرية العامة ليست عضوا أصيلا فيه بل هي تُدعى إلى اجتماعاته عندما يكون هناك ضرورة تستوجب ذلك".[334]
الادعاءات القضائية على خلفية انفجار 4 أغسطس/آب 2020
ادعى القاضي صوان على الرائد داود فياض، رئيس مكتب الأمن العام في المرفأ، والرائد شربل فواز، رئيس شعبة الاستقصاء في المرفأ، وأوقفهما في 1 سبتمبر/أيلول 2020.[335] أفرج القاضي طارق بيطار عن فواز في 15 أبريل/نيسان 2021 وداود في 2 يوليو/تموز 2021.[336]
في 2 يوليو/تموز 2021، طلب المحقق العدلي الجديد طارق بيطار من مجلس النواب رفع الحصانة عن وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق من أجل السماح بمحاكمته بتهمتَي "القصد الاحتمالي لجريمة القتل" والإهمال على خلفية انفجار 4 أغسطس/آب.[337] المشنوق عضو حالي في مجلس النواب وبالتالي يتمتع بالحصانة من الملاحقة القضائية خلال فترة ولاية المجلس (انظر قسم "التحقيق المحلي" أدناه).
في اليوم نفسه، طلب بيطار من وزير الداخلية السماح له بالادعاء على مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم.[338] بموجب القانون اللبناني، لمحاكمة موظفي الدولة على جريمة ناتجة عن واجباتهم الرسمية، يتوجب على القضاة الحصول على موافقة من الجهة التي ينتمي إليها الموظف (انظر قسم "التحقيق المحلي" أدناه).[339]
في 9 يوليو/تموز 2021، رفض محمد فهمي، وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ، في رسالة وجهها إلى وزيرة العدل، طلب القاضي باستجواب اللواء عباس إبراهيم.[340] استأنف القاضي بيطار قرار فهمي. وفقا للقانون اللبناني، ينتقل الطلب بعد ذلك إلى المدعي العام التمييزي، الذي يُمنح 15 يوما لتقرير ما إذا كان سيسمح للنيابة العامة بالتحرك أم لا.[341]
زعم غسان عويدات، النائب العام التمييزي أنه لا يملك سلطة اتخاذ قرار بشأن هذا الطلب، لأنه تنحى عن التحقيق بعد أن ادعى صوان على زعيتر، وهو صهره.[342] وُجّه الطلب إلى المحامي العام التمييزي غسان خوري. أفادت وسائل الإعلام أن خوري رد على بيطار في 24 يوليو/تموز طالبا مزيدا من المعلومات، لكن دون الموافقة على الطلب أو رفضه صراحة.[343] إلا أن خوري قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه رفض طلب بيطار ملاحقة إبراهيم.[344]
نزار صاغية، وهو محامٍ لبناني والمدير التنفيذي لـ المفكرة القانونية، رأى أن رد خوري ليس له أي أساس قانوني، لأنه ليس المرجعية المختصة لاتخاذ هذا القرار.[345] زعم أن عويدات، بصفته النائب العام التمييزي، هو المرجعية الوحيدة القادرة على اتخاذ هذا القرار، وأن عدم استجابته ضمن الإطار الزمني القانوني يجب أن يُفهم على أنه موافقة ضمنية على المضي قدما في ملاحقة إبراهيم، كما ينص القانون.[346]
خلال المؤتمر الصحفي في 23 يوليو/تموز 2021، قال المشنوق إن التهم الموجهة إليه سياسية، لأنه كان الوزير الوحيد المدعى عليه دون أن يستمع بيطار إلى شهادته.[347] قال إن تهمة القصد الاحتمالي لجريمة القتل يجب أن "تُوجه إلى من وافق على إنزال هذه البضاعة الخطرة في مرفأ بيروت ووضعها في العنبر رقم 12".[348]
قال المشنوق إن أحد مزاعم بيطار ضده أنه لم يعقد جلسة لـ "مجلس الأمن المركزي"، وهو هيئة مكونة من ممثلين عن الأجهزة الأمنية الرئيسية تجتمع بطلب من وزير الداخلية.[349] قال المشنوق: "لماذا أدعو مجلس الأمن المركزي؟ لأخبره بماذا؟ أن هناك باخرة محجوز عليها قضائيا وعلى متنها بضاعة متجهة إلى موزمبيق؟ لستُ مسؤولا عن أمن موزمبيق".[350]
أضاف المشنوق أنه إذا كان ينبغي رفع الحصانة عن الوزراء، فيجب تعديل الدستور لرفع الحصانة عن الجميع في القضايا الخطيرة، "من أعلى الهرم إلى آخر موظف في الدولة".[351]
حتى 29 يوليو/تموز 2021، لم يكن مجلس النواب قد قرر بعد ما إذا كان سيرفع الحصانة عن المشنوق (انظر قسم "التحقيق المحلي" أدناه).
المجلس الأعلى للدفاع
تأسس المجلس الأعلى للدفاع بموجب القانون 102/1983، "قانون الدفاع الوطني". رئيس المجلس هو رئيس الجمهورية ونائب الرئيس هو رئيس الحكومة. ينعقد المجلس بناء على طلب رئيس الجمهورية أو طلب ثلث أعضائه. من بين أعضائه وزراء الدفاع، والداخلية، والبلديات، والخارجية، والمالية، والاقتصاد والتجارة. لدى الرئيس صلاحية دعوة مسؤولين آخرين لحضور الاجتماعات.[352] وكثيرا ما يحضر رؤساء الأجهزة الأمنية اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع.[353] يطرح الرئيس للنقاش القضايا التي استدعت عقد الاجتماع.[354]
المجلس مكلف بتنفيذ السياسة الدفاعية والتعبئة العسكرية والمدنية في البلاد. يتم تعيين أمين عام المجلس ليتولى شؤون الأمانة العامة للمجلس من جمع المعلومات، وإعداد الملفات والدراسات اللازمة، وإحالة القرارات إلى الإدارات العامة، وإبلاغ المجلس بما يتم إحرازه من تقدم.[355] المديرية العامة لأمن الدولة هي ذراعٌ لـ المجلس الأعلى للدفاع.[356]
بين وصول الباخرة روسوس إلى بيروت عام 2013 وانفجار 4 أغسطس/آب 2020، تم إبلاغ عدد من أعضاء المجلس الأعلى للدفاع بوجود نيترات الأمونيوم في العنبر 12 والمخاطر التي تشكلها هذه المادة. إلا أن هيومن رايتس ووتش لم تجد أي دليل يشير إلى أن أيا من هؤلاء الأعضاء طرح القضية للمناقشة في اجتماع المجلس أو اتخذ إجراءات لمعالجة الخطر في الوقت المناسب.
العلم بالمخاطر
حين وقع انفجار 4 أغسطس/آب، كانت قيادة المجلس الأعلى للدفاع، رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء حسان دياب، إلى جانب أمين عام المجلس اللواء محمود الأسمر، على علم بوجود نيترات الأمونيوم في المرفأ.
تشير الأدلة الى أن رئيس الوزراء حسان دياب أُبلغ عن نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت والمخاطر التي تشكلها في مناسبتين. أُبلغ أول مرة في 3 يونيو/حزيران 2020. قال دياب لـ هيومن رايتس ووتش إن مستشاره خضر طالب حضر عشاءً خاصا مساء ذلك اليوم مع صليبا، حيث ضغط على الأخير بشأن ملفات فساد لم يكن مكتب رئيس الوزراء يعلم بها. بعد طرح هذه المسألة مرات عدة، قال أحد الحاضرين لصليبا أن يخبره عن المرفأ. قال دياب إن صليبا أخبر طالب أن التحقيق لم ينته بعد، لكن طالب ظل مصرا إلى أن أخبره صليبا أنه تم ضبط 2,700 كيلوغرام "تي إن تي" في المرفأ.[357] كتبت هيومن رايتس ووتش إلى طالب في 19 يوليو/تموز للحصول على معلومات بشأن معرفته بنيترات الأمونيوم في العنبر 12 في المرفأ، لكنها لم تتلقَّ ردا قبل النشر.
قال دياب لـ هيومن رايتس ووتش: "هذا ما فهمه مستشاري، ربما قالوا 2,700 طن، لا أعرف، لكن هذا ما فهمه. اتصل بي أمامهم. كانت الساعة 8 مساءً تقريبا".[358]
شكك صليبا في رواية دياب، وقال إنه تكلم شخصيا مع دياب في تلك الليلة، وإنه أخبر دياب في المكالمة أن 2,700 طن من نيترات الأمونيوم كانت في المرفأ وأنها كانت مواد متفجرة. قال صليبا إن دياب سأله بعد ذلك كيف عرف ذلك، فأجاب صليبا أنه عرف بناءً على النتائج التي توصلت إليها الخبيرة الكيميائية، والتي أشارت إلى نسبة النيتروجين في نيترات الأمونيوم. قال صليبا إنه أخبر دياب أن كل كيلوغرام من نيترات الأمونيوم هذه لها قوة تفجيرية بقدر 600 غرام من الـ تي إن تي.[359] ليس من الواضح لماذا لم يُرسل صليبا إلى دياب التحقيق الذي أعده الرائد في أمن الدولة النداف، والذي اكتمل في 1 يونيو/حزيران 2020، في ضوء الخطر الكبير الذي كانت تشكله المادة (انظر قسم "أمن الدولة" أعلاه).
قال دياب إنه بناءً على المعلومات التي تلقاها من مستشاره، قرر التوجه إلى المرفأ في اليوم التالي، 4 يونيو/حزيران 2020. وأرسل آمر سرية الحرس الحكومي محمد عبد الله، للتوجه إلى المرفأ في تلك الليلة والحصول على مزيد من المعلومات من أمن الدولة. حوالي الساعة 10 مساءً، على حد قوله، اتصل به عبد الله وأخبره أن المعلومات التي أخبره بها مستشاره لم تكن دقيقة.[360]
قال دياب إن هناك ثلاث معلومات مختلفة عما قاله طالب، منها أن الكمية كانت 2,700 طن وليس كيلوغرام، وأنها كانت نيترات الأمونيوم وليس تي إن تي، وإنها كانت موجودة طيلة سبع سنوات، منذ 2013. قال إنه طلب من عبد الله إبلاغ رجال صليبا بإنهاء التقرير في غضون أيام قليلة ثم إرسال تقرير إليه حتى يتمكن من إجراء زيارة مبنية على معلومات.[361]
نفى صليبا أن يكون دياب قد طلب مثل هذا التقرير. كما قال إن دياب عرف كمية المواد وطبيعتها في تلك الليلة، إذ أرسل النداف إلى عبد الله قسيمة الإدخال الخاصة بالباخرة، والتي ورد فيها أن 2,750 طن من نيترات الأمونيوم، والتي تم تصنيفها على أنها "متفجرات"، تم تخزينها في العنبر 12.[362] أظهر صليبا لـ هيومن رايتس ووتش لقطات من محادثة "واتساب" قال إنها كانت بين النداف وعبد الله تُظهر قسيمة إدخال نيترات الأمونيوم، مرسلة في 3 يونيو/حزيران الساعة 11:31 مساءً، لكنها لا تتضمن معلومات المرسل أو المستلم.[363]
قال دياب إنه بسبب الروايات المتضاربة التي تلقاها من مستشاره طالب ومسؤوله الأمني عبد الله، قرر إلغاء زيارته للمرفأ.[364]
قال صليبا إن دياب ألغى زيارته إلى المرفأ بعد اتصال عبد الله مع شخص مجهول، قال إن المسألة غير خطيرة.[365] كتبت هيومن رايتس ووتش إلى عبد الله للاستفسار عن أحداث 3 يونيو/حزيران 2020، لكنها لم تتلق ردا قبل النشر.
كما أفادت صحيفتا "الأخبار" و"الجمهورية" المحليتان، وموقع "ميغافون" المحلي، أنه في الليلة التي سبقت الزيارة المقررة، الساعة 11:30 مساءً، أبلغ "مصدر موثوق" رئيس الوزراء أن المادة "ما بتحرز"، أي لا تستحق العناء، وأن المواد المخزنة لم تكن متفجرات وإنما أسمدة زراعية.[366]
أُبلغ دياب مرة أخرى عن نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت والمخاطر التي تشكلها في يوليو/تموز 2020.
في 20 يوليو/تموز 2020، أرسلت مديرية أمن الدولة تقريرا من ثلاث صفحات عن نيترات الأمونيوم إلى الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء حسان دياب. حصلت هيومن رايتس ووتش على نسخة من هذا التقرير.[367] قال مكتب الرئيس عون إنه علم لأول مرة عن نيترات الأمونيوم في العنبر 12 في 21 يوليو/تموز، بعد تلقي هذا التقرير من أمن الدولة.[368] قال دياب لـ هيومن رايتس ووتش إنه تلقى تقرير أمن الدولة في 22 يوليو/تموز 2020 من اللواء محمود الأسمر، أمين عام المجلس الأعلى للدفاع، الذي يتلقى بريد المجلس ثم يحضر له الملفات الخاصة بمختلف القضايا الأمنية، بما فيها "داعش" والحرب في الجنوب. قال دياب: "ثلاثة أرباع الوقت تكون المعلومات غير صحيحة".[369]
"قرأنا [التقرير]، وكان هناك قضيتان رئيسيتان. واحدة متعلقة بالقضاء، بحسب الرسالة، والأخرى متعلقة بباخرة أفرغت حمولتها من نيترات الأمونيوم في العنبر 12".[370]
لخّص التقرير نتائج تحقيق أمن الدولة في القضية، والذي بدأ في ديسمبر/كانون الأول 2019 (انظر قسم "أمن الدولة" أعلاه). بينما تضمن التقرير نفس الأخطاء الواردة في التقرير السابق الذي أكمله رئيس مكتب أمن الدولة في المرفأ في 28 مايو/أيار 2020، بما في ذلك تاريخ دخول الباخرة روسوس إلى لبنان، واسم الشركة المالكة لنيترات الأمونيوم، واسم القاضي الذي أمر بتفريغ المواد من الباخرة، حذر التقرير من أن 2,750 طن من نيترات الأمونيوم، التي كانت على متن روسوس ووضعت لاحقا في العنبر 12، "تستعمل لتصنيع المتفجرات كونها شديدة الانفجار وسريعة الاشتعال".[371] أشار التقرير إلى نتائج اختبار أجرته خبيرة كيميائية، وجدت أن درجة النيتروجين في نيترات الأمونيوم كانت 34.7%، وبالتالي تم تصنيفها على أنها "مواد خطرة".
يضيف تقرير أمن الدولة أن أحد الاختصاصيين الكيميائيين الذي تربطه علاقة بالجهاز "أكد أن هذه المواد خطرة وتستعمل لصناعة المتفجرات، وفي حال تعرضت هذه المواد لأي عملية سرقة يستطيع السارق أن يستعملها لصناعة المتفجرات".[372]
خلص تقرير أمن الدولة إلى إهمال إدارة مرفأ بيروت في حراسة العنبر 12 وأن الأجهزة الرسمية لم تتخذ أي إجراء لدرء خطر سرقة المواد أو اشتعالها.[373]
بالإضافة إلى ذلك، قال مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم إنه بعث برسالة في 16 مايو/أيار 2014، أشار فيها إلى وجود "عدة أطنان من المواد الشديدة الخطورة"، نيترات الأمونيوم عالية الكثافة، على متن الباخرة روسوس إلى الرئيس الأسبق ميشال سليمان ورئيس الوزراء الأسبق تمام سلام، وكلاهما عضو في المجلس الأعلى للدفاع.[374]
ردا على رسالة من هيومن رايتس ووتش، قال رئيس الوزراء السابق تمام سلام في 15 يوليو/تموز 2021 إنه علم لأول مرة بوجود نيترات الأمونيوم في العنبر 12 من تقارير إعلامية أشارت إلى رسائل مرسلة من أمن الدولة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء قبل وقت قصير من انفجار 4 أغسطس/آب 2020، وإنه علم بالخطر الذي يمثله تخزين المواد في العنبر 12 بعد الانفجار. نفى أن يكون قد تم إعلامه في أي مراسلات رسمية بهذا الأمر عندما كان رئيسا للوزراء.[375]
كتبت هيومن رايتس ووتش إلى رئيسَي الوزراء السابقين اللذين شغلا المنصب بين 2013 و2020، سعد الحريري ونجيب ميقاتي، وسألتهما متى علما بوجود نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت والمخاطر التي تشكلها المواد على السلامة العامة. وحده رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي ردّ قبل النشر. قال ميقاتي إنه لم يتلق أي تقارير أو مراسلات تخبره بدخول باخرة تحمل مواد خطرة، من بينها نيترات الأمونيوم، إلى مرفأ بيروت.[376] كما راسلت هيومن رايتس ووتش رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، الذي تولى الرئاسة حتى مايو/أيار 2014، لكنها لم تتلق ردا قبل النشر.
تقاعس عن التحرك
بعد أن ألغى دياب زيارته إلى المرفأ في 3 يونيو/حزيران 2020، أصدر تعليماته إلى المسؤول عن أمنه في الحرس الحكومي ليطلب من رجال صليبا إعداد تقرير له في غضون أيام عن نيترات الأمونيوم حتى يزور المرفأ وبحوزته المعلومات الضرورية.[377]
لكن دياب قال لـ هيومن رايتس ووتش: "بعد ذلك نسيت الأمر، ولم يتابع أحد الموضوع. هناك كوارث كل يوم. كانوا يكتبون هذا التقرير منذ يناير/كانون الثاني، عندما بدأه النداف. لماذا استغرق إرسال التقرير ثمانية أشهر؟"[378]
كان هناك اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع في 4 يونيو/حزيران.[379] لم تُذكَر نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت في الاجتماع.
بعد تلقي تقرير 20 يوليو/تموز 2020 من أمن الدولة، قال دياب: "لم أكن أعرف شيئا عن نيترات الأمونيوم... طلبت من الأسمر [أمين عام المجلس الأعلى للدفاع] إرسال التقرير إلى وزارة العدل ووزارة الأشغال العامة لدراستها وإرسال توصياتهما إليّ".[380] شدّد دياب على أنه ليس خبير متفجرات.[381]
قال الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع محمود الأسمر في بيان بتاريخ 8 أغسطس/آب 2020 إن الأمانة العامة للمجلس:
تؤكد أنها وبصفتها المرجع الذي يتلقى ويحيل لرئيس الحكومة التقارير الأمنية لم تتلق أي مراسلة بهذا الخصوص [نيترات الأمونيوم] إلا تلك التي وردت بتاريخ 22/7/2020 وقامت بإجراء المقتضى وإحالتها بناء لتوجيهات دولة رئيس مجلس الوزراء إلى وزارتي العدل والأشغال العامة والنقل بتاريخ 24/7/2020 لإجراء المقتضى.[382]
قال دياب إن وزارة الأشغال تسلمت التقرير في 3 أغسطس/آب وختمته في 4 أغسطس/آب، وتلقت وزيرة العدل التقرير بعد الانفجار، لأنها كانت خارج البلاد في ذلك الوقت. عزا دياب تأخر تسلم التقرير من قبل الوزارات إلى الإجازات الرسمية والإغلاق بسبب فيروس كورونا خلال هذه الفترة. قال: "إذن كان التقرير معي ليوم واحد، وليس مثل صليبا".[383]
قال دياب لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يكن يعلم إلى أي حد نيترات الأمونيوم قابلة للانفجار إلا بعد وقوع الانفجار، عندما اكتشف ذلك من التلفزيون. ولدى سؤاله عن سبب عدم معرفته بذلك، إذ ذكر تقرير أمن الدولة صراحة المخاطر التي تشكلها نيترات الأمونيوم، بدا دياب أنه يناقض تصريحه بأنه قرأ التقرير بقوله: "تقرير صليبا يذكر بالفعل أن نيترات الأمونيوم متفجرة، لكنني لم أطّلع على الـ 30 صفحة. أعطيته لمستشاري الأمني".[384] لكن ردا على رسالة من هيومن رايتس ووتش تستوضح منه لماذا لم يقرأ التقرير، قال دياب إنه قرأه بالفعل.[385]
يتكون تقرير أمن الدولة، الذي راجعته هيومن رايتس ووتش، من ثلاث صفحات وست صفحات من المرفقات.[386] تمت كتابته بلغة غير تقنية، وتذكر الجملة الثالثة من التقرير أن نيترات الأمونيوم "تستعمل لتصنيع المتفجرات كونها شديدة الانفجار وسريعة للاشتعال".
ردا على رسالة من هيومن رايتس ووتش تطلب توضيحا حول هذا البيان، قال دياب إنه قرأ التقرير فعلا، وقال مكتبه لاحقا إن تعليقه القائل إن التقرير يتكون من 30 صفحة كان مبالغة.[387]
إذا كان دياب قد قرأ التقرير قبل 4 أغسطس/آب 2020، كان من المفترض أن يعلم بأن هذه المواد متفجرة قبل وقوع الانفجار.
أصر دياب على أنه تصرف فور تلقيه تقرير أمن الدولة، في حين أن الحكومات السابقة ومسؤولي الأمن كانوا يعلمون منذ 2013 ولم يتحركوا. قال دياب لـ هيومن رايتس ووتش: "الجيش، والجمارك، وجميع قوات الأمن، والقضاء كانوا يعلمون. رؤساء الوزراء السابقون كانوا يعلمون… جميعهم ممثَّلون في المجلس الأعلى للدفاع. لم يذكرها أي منهم في أي من مئات الاجتماعات منذ 2013. لم يقل أحد للرئيس، ضعها على جدول الأعمال".[388]
لدى سؤاله لماذا لم يذكر هذه المسألة خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في 28 يوليو/تموز، قال دياب إنه كان ينتظر ردود الوزيرين.[389]
كما تم إبلاغ الرئيس عون بشأن نيترات الأمونيوم في العنبر 12 من خلال تقرير أمن الدولة الصادر في 20 يوليو/تموز 2020، ورد بتكليف مستشاره الأمني بالمتابعة. في تغريدة من حسابه الرسمي على تويتر في 12 ديسمبر/كانون الأول 2020، كتب المكتب الإعلامي التابع لعون:
الرئيس عون طلب من مستشاره الأمني متابعة تقرير أمن الدولة حول وجود نيترات الأمونيوم في المستودع رقم 12 مع أمين عام المجلس الأعلى للدفاع الذي أبلغه أنه أرسل كتابا بالأمر الى وزارة الاشغال تسلّمته يوم الإثنين في 3 آب 2020.[390]
في 7 أغسطس/آب، أقرّ عون بأنه علم بالمواد الكيميائية المخزنة في المرفأ في يوليو/تموز، لكنه زعم أنه غير مسؤول، قائلا:
كانت المواد موجودة هناك لسبع سنوات، منذ 2013. كانت هناك، ويقولون إنها خطرة وأنا لست مسؤولا. لا أعرف أين وُضعت. لا أعرف ما هي درجة الخطورة... هناك تراتبية يجب أن تعرف واجباتها، وهؤلاء هم الذين كانوا جميعا على اطلاع... عندما تحيلين معاملة وتقولين، "لإجراء اللازم"، أليس ذلك أمرا؟[391]
ردا على سؤال حول ما إذا كان يجب أن يتابع الأمر الذي وجهه إلى أمين عام المجلس الأعلى للدفاع، أجاب عون: "هل تعرف كم عدد المشاكل التي تتراكم؟"[392]
للمفارقة، زعم عون في مقابلة مع محطة إخبارية محلية في 31 أغسطس/آب، أنه عندما علم بوجود نيترات الأمونيوم في المرفأ "كان قد فات الأوان" ("c'était trop tard").[393] قال: "إذا كنت تريد أن تحملني المسؤولية، فهذا يعني أنك [تلغي] جميع من هم تحت رئيس الجمهورية. الرئيس يسهر على التنفيذ، ولا يمكنه أن يسهر على تنفيذ شيء لا يعرفه. قضية المتفجرات التي كانت في المرفأ أمر لم أكن أعرفه. يوم وصلني الخبر، كان الأوان قد فات".[394] وشدد عون على أن "يداي نظيفتان وضميري نظيف".[395]
بصفته رئيس المجلس الأعلى للدفاع، لدى عون صلاحية الدعوة إلى اجتماع للمجلس من جانب واحد، لكنه لم يفعل ذلك فيما يتعلق بنيترات الأمونيوم قبل الانفجار. كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الرئيس عون في 7 يوليو/تموز 2021 تستفسر فيه عن سبب عدم إدراج هذا الموضوع على جدول أعمال المجلس الأعلى للدفاع، لكنها لم تتلق ردا قبل النشر. خلال اجتماع دعا عون إليه في 28 يوليو/تموز، ناقش المجلس بدل ذلك تفشي فيروس كورونا وتعامل الحكومة مع الموضوع، وهجوما إسرائيليا في جنوب لبنان في 27 يوليو/تموز، والوضع الاقتصادي، والحكم المرتقب لـ "المحكمة الخاصة بلبنان"، من بين أمور أخرى.[396]
في مقابلة مع وسائل إعلام محلية، أقر اللواء محمود الأسمر، الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع، باستلام تقرير 20 يوليو/تموز من أمن الدولة بشأن نيترات الأمونيوم.[397] صرّح أنه لم تتم مناقشة نيترات الأمونيوم التي كانت موجودة في مرفأ بيروت في المجلس قبل الانفجار.[398]
في أغسطس/آب 2020، رفض الأسمر الرد على سؤال من وسائل الإعلام أمام الكاميرا حول سبب عدم وضع قضية نيترات الأمونيوم على جدول أعمال المجلس الأعلى للدفاع، واختار بدل ذلك أن يقول بعيدا عن عدسة الكاميرا: "أنا متخرج من مدرسة الشرف والتضحية والوفاء [شعار الجيش اللبناني]. أنا لا أخون، ولا أكذب، ولا أغدر، ولا أخالف رئيسي… غير صحيح، غير صحيح، غير صحيح".[399]
في يناير/كانون الثاني 2021، خلال مقابلة تلفزيونية، نفى الأسمر أنه كان بإمكانه التصرف على أساس تقرير أمن الدولة وقال:
أنا لا أدرج أي بند على جدول الأعمال. أصلا لا يوجد جدول أعمال كما في مجلس الوزراء، حيث يوزع ليتم الاطلاع عليه قبل 24 ساعة، أو كما في المجلس العسكري… في المجلس الأعلى للدفاع لا يوجد جدول أعمال… أنا أتلقى اتصالا من الدكتور أنطوان شقير من القصر الجمهوري، ويقول إن هناك اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع وهذا هو الموضوع. فقط. وأنا أبلغ الأعضاء والمدعوين.[400]
قال دياب أيضا لـ هيومن رايتس ووتش إنه لا يوجد جدول أعمال لاجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، لكن يمكن للحاضرين طرح مواضيع. وأضاف أنه ليس من اختصاص الأمين العام للمجلس إضافة بنود إلى جدول الأعمال لمناقشتها.[401]
زعم تقرير إخباري لقناة الجديد في أغسطس/آب 2020 أن الأسمر "حذف" بند نيترات الأمونيوم من جدول أعمال الاجتماع لأنه "لا قيمة لها" في مناقشته خلال تفشي فيروس كورونا، نقلا عن مصادر لم تتم تسميتها مطلعة على التحقيق في الانفجار.[402] كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الأسمر للاستفسار عن هذه المزاعم في 7 يوليو/تموز 2021، لكنها لم تتلق ردا قبل النشر.
بحسب تقرير إعلامي آخر، في سبتمبر/أيلول 2020، استجوب فادي صوان، المحقق العدلي المكلف بالتحقيق في الانفجار، الأسمر بشأن سحب موضوع نيترات الأمونيوم في المرفأ من جدول أعمال المجلس.[403]
عرض تقرير قناة الجديد أيضا وثائق أرسلها الأسمر إلى مختلف الأجهزة الأمنية بعد الانفجار، حيث حذر الأسمر من مخاطر مواد كيميائية خطرة أخرى وأنشطة إرهابية محتملة في البلاد. قالت الجديد إن هذه الوثائق أظهرت أنه كان من الممكن للأسمر أن يتصرف عندما تلقى تقرير أمن الدولة بشأن الأخطار التي تشكلها نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت.[404]
الادعاءات القضائية على خلفية انفجار 4 أغسطس/آب 2020
في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، اتهم قاضي التحقيق فادي صوان دياب وثلاثة وزراء سابقين - اثنان منهم أيضا نواب - بالإهمال الذي أدى إلى الانفجار.[405] طُعن فورا في قرار القاضي لكونه لم يقبل الحصانة التي يتمتع بها السياسيون عادة في لبنان.[406] تمت تنحيته عن القضية في فبراير/شباط 2021.[407]
قال دياب لـ هيومن رايتس ووتش:
كنت الزعيم الوحيد الذي فتح بابي طواعية. قال صوان إنه سيقابل الرئيس وآخرين، لكنه لم ير أحدا آخر. غريب جدا. خاصة في ضوء الرسالة التي وجهها إلى مجلس النواب والتي تفيد بوجود شبهات حول أدوار الوزراء المختلفين وبعد ذلك تم اتهامي أنا وثلاثة وزراء سابقين. كانت هذه تهمة سياسية.[408]
لم يتم الادعاء على الرئيس بجرائم تتعلق بانفجار 4 أغسطس/آب 2020، ويتمتع بحصانة من أي محاكمات من قبل القضاء العادي خلال فترة ولايته، والتي من المقرر أن تنتهي عام 2022.[409] وفقا للدستور اللبناني، "المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء" له الحق الحصري في محاكمة رئيس الجمهورية حتى بعد انتهاء ولايته.[410] بينما تم استجواب الأسمر، بحسب تقارير، لم يتم الادعاء عليه هو الآخر.
4 أغسطس/آب 2020
في 4 أغسطس/آب، أرسلت سلطات المرفأ فريقا إلى العنبر 12، حيث كان يتم تخزين نيترات الأمونيوم، "لسد ثقب في الجدار الجنوبي كان يترك المركب الكيميائي الشديد التقلب - ولكن أيضا ذا القيمة العالية - مكشوفا".[411]
تم التعاقد مع شركة سليم شبلي للقيام بأعمال الصيانة، وفي 4 أغسطس/آب، اليوم الرابع من عملهم، بحسب تقارير، كان ثلاثة عمال يقومون بأعمال التلحيم على الأبواب 3 و11 في العنبر 12 حوالي الساعة 4 بعد الظهر. ثم توجهوا إلى موقع آخر لإجراء الإصلاحات وغادروا المرفأ حوالي الساعة 5 بعد الظهر.[412] بدأ الحريق على بعد حوالي 50 متر من حيث كان العمال يعملون.[413]
حددت فورينسيك آركيتكتشر 243 كيسا من نيترات الأمونيوم في الأقسام 5، و6، و9 و10 بناءً على الصور ومقاطع الفيديو المنشورة.[414]
في أبريل/نيسان 2021، أفادت صحيفة "لوريان-توداي" أنه بناءً على المعلومات التي حصلت عليها، رأى العمال أكياسا مفتوحة كبيرة مخزنة عشوائيا في المبنى، لكنهم لم يعرفوا أن المادة هي نيترات الأمونيوم وأنه من المحتمل أن تكون قابلة للانفجار.[415]
بحسب تقارير، لم يُطلب من العمال بتاتا اتخاذ أي احتياطات للسلامة، وعملوا بدون إشراف طوال اليوم في 3 أغسطس/آب رغم تعيين موظف في المرفأ لمرافقتهم أثناء أعمال الصيانة. في نهاية اليوم، تُرك الباب الذي كانوا يعملون عليه مفتوحا حتى يتمكنوا من مواصلة الإصلاحات في 4 أغسطس/آب. أفادت وسائل الإعلام أنه بينما أمرت إدارة المرفأ العمال بالمغادرة بحلول الساعة 2:30 بعد الظهر، ظلوا حتى حوالي الساعة 5:00 بعد الظهر في 4 أغسطس/آب للانتهاء من عملهم، وتُركوا بدون مرافقة خلال الساعات الأخيرة قبل الانفجار.[416]
بحسب ما نقلته وسائل الإعلام عن مسؤول أمني لم يذكر اسمه، فإن شرارات من التلحيم أشعلت النيران التي أدت إلى اشتعال نيترات الأمونيوم.[417] تشير تقارير إعلامية أخرى إلى اندلاع حريق في العنبر 9 وانتشاره إلى العنبر 12.[418] السبب المباشر للاشتعال غير معروف وهو موضع جدل. في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بحسب تقارير، لم يتوصل الـ إف بي آي هو الآخر إلى نتيجة مؤكدة حول سبب الانفجار.[419]
تم تحميل مقطع الفيديو الأول الذي يُظهر الحريق في المرفأ على تويتر في الساعة 5:54 مساءً. وقد حددت فورينسيك آركيتكتشر أنه يظهر عمود دخان في الركن الشمالي الشرقي من العنبر 12.[420] بين 5:54 مساءً و5:55 مساءً، تم إخطار عناصر الإطفاء باندلاع حريق في المرفأ لكن لم يتم إعلامهم بوجود نيترات الأمونيوم.[421] بعد وصولهم إلى مكان الحادث بأربع دقائق، طلب عناصر الإطفاء الدعم أثناء محاولتهم فتح العنبر، لكن الحريق تسبب في حدوث انفجارات.[422] الساعة 5:59 مساءً، يمكن سماع أصوات الألعاب النارية في مقاطع الفيديو التي تظهر العنبر.[423] يُظهر مقطع فيديو آخر تم التقاطه من مستشفى الروم "مصدر حرارة شديدة" جديدا الساعة 6:07 مساءً على الجانب الشمالي الغربي من العنبر، تليه شرارات وعمود دخان كبير.[424]
ثم الساعة 6:08 مساءً، وقع انفجار هائل خلق "عمودا كرويا كبيرا" فوق مركز العنبر، ما يشير إلى حدوث انفجار في منطقة واحدة معينة من العنبر.[425]
يحقق القاضي في العديد من النظريات المحتملة، بما فيها أن الانفجار حدث عندما تسببت شرارات التلحيم في نشوب حريق في العنبر 12، ما أدى في النهاية إلى اشتعال نيترات الأمونيوم. ثمة نظرية أخرى هي أن الانفجار ربما نتج عن غارة جوية إسرائيلية.[426] لكن "المديرية العامة للطيران المدني" اللبنانية أفادت بأن أنظمة الرادار المحلية لم ترصد أي طائرة عسكرية فوق الأجواء اللبنانية بين 5:00-6:10 مساءً في 4 أغسطس/آب، ونفى مسؤولون إسرائيليون أي دور إسرائيلي.[427] قال قاضي التحقيق بيطار للصحفيين في يونيو/حزيران 2021 إنه متأكد بنسبة 80٪ من أن الانفجار لم يكن بسبب صاروخ.[428]
النظرية الثالثة قيد التحقيق من قبل بيطار هي أن الانفجار كان عملا متعمدا.[429] التكهنات بأن حزب الله ربما أراد تدمير نيترات الأمونيوم في المرفأ لإخفاء أن بعض نيترات الأمونيوم المخزنة قد استخدمها بشار الأسد، حليف حزب الله في سوريا، لإنتاج البراميل المتفجرة، ازدادت مع ظهور تقارير عن العلاقة بين أصحاب الشحنة والأفراد الخاضعين لعقوبات أمريكية بسبب صلاتهم المزعومة بالأسد.[430]
كما أفاد "مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد" في أغسطس/آب 2020 أن ثلاثة مصادر استخبارية أوروبية أبلغت المراسلين أن حجم الانفجار يعادل 700-1,000 طن من نيترات الأمونيوم وأن الكمية التي بقيت في العنبر وقت الانفجار ربما كانت أقل من 2,750 طن.[431] كما قال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لـ هيومن رايتس ووتش إنه وفقا لتقرير الـ إف بي آي، انفجر 500 طن فقط من نيترات الأمونيوم.[432] لكن نفى ذلك خبراء تحدثوا إلى نيويورك تايمز:
فيما يتعلق بالفرضية اللاحقة بأن جزءا كبيرا من نيترات الأمونيوم قد تمت سرقته أو إزالته من المستودع، قدرت الحسابات المستقلة التي أجراها الدكتور غلوماك والدكتور أوكسلي، بناءً على سرعة موجة الصدمة وقابليتها التدميرية، أنه لم يحدث ذلك، وأن معظمها أو كلها بقيت في المستودع وانفجرت.[433]
قابلت هيومن رايتس ووتش أيضا شخصا رأى نيترات الأمونيوم في العنبر 12 في أوائل 2020 وأثار تساؤلات حول ما إذا كان لا يزال هناك 2,750 كيسا من المواد في العنبر، مشيرا إلى أن العنبر الذي تبلغ مساحته 5 آلاف متر مربع كان يجب أن يكون مليئا أكثر لو كان هناك 2,750 كيسا، ولكل كيس مساحة متر مربع واحد.[434] لكنه أشار إلى أن بعض الأكياس كانت مكدسة فوق بعضها البعض، لذلك كان من الصعب عليه تقدير عدد الأكياس في العنبر.[435]
سواء كان الانفجار ناتجا عن حريق عرضي بسبب أعمال صيانة أو حريق أو هجوم متعمد، فإن المسؤولية عن الانفجار لا تزال تقع على عاتق المسؤولين الذين كانوا يعلمون أن نيترات الأمونيوم كانت مخزنة في المرفأ بشكل مناف للضمير وخطير ولم يفعلوا ما كان يمكنهم فعله ضمن صلاحياتهم ومسؤوليتهم لتأمينها أو إزالتها.
حتى بعد أن أصبح واضحا أن حريقا اندلع في العنبر 12، لم تصدر أي تحذيرات حول وجود نيترات الأمونيوم القابلة للانفجار للجمهور أو عناصر الإطفاء الذين حضروا إلى المكان وقُتلوا بشكل مأساوي.[436]
قال بول نجار، الذي قُتلت ابنته ألكسندرا البالغة من العمر ثلاث سنوات: "نعلم جيدا أن معظم السياسيين المسؤولين الرئيسيين، من رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء إلى الجيش... كانوا على علم بنيترات الأمونيوم."كان لدينا الكثير من السياسيين... يقفون ويشاهدون الأخبار، يراقبون الوضع يتدهور، وينتظرون موتنا... قُتلنا في منازلنا ذلك اليوم، على يد أشخاص كانوا يعلمون بالعواقب وخطر اندلاع حريق بجوار نيترات الأمونيوم وكانوا يكتفون بالتفرج علينا وانتظار موتنا".[437]
يوصي الفريق الاستشاري لإدارة الذخائر، الذي يقدم إرشادات بشأن تنفيذ المبادئ التوجيهية التقنية الدولية بشأن الذخيرة، بإخلاء المنطقة في الحالات التي تشمل نيترات الأمونيوم وحرائق خارجة عن السيطرة.[438] بدل ذلك، استُدعي المستجيبون الأوائل إلى الموقع.
فقدت كارلين حتّي ثلاثة من أفراد عائلتها، وجميعهم عناصر إطفاء، في الثواني الأولى من الانفجار. فقدت زوجها، شربل كرم؛ وشقيقها، نجيب حتي؛ وابن عمها، شربل حتي. قالت إنه لم يتم إخبار عناصر الإطفاء عن نيترات الأمونيوم في العنبر عندما تم إرسالهم لإخماد الحريق.[439]
قالت كارلين لـ هيومن رايتس ووتش:
اتصل بي شربل الساعة 6 مساءً بالضبط.
أراني أنه كان في سيارة الإطفاء، وكان يتحدث مع ابنتي التي كانت جالسة هنا على كرسيها المرتفع. قال لها، "انظري، بابا مع عناصر الإطفاء. ذاهبون لإطفاء النار…". ثم قال، "من الأفضل أن أذهب، سأتصل بكم عندما ننتهي. لا تقلقي، ذاهبون إلى المرفأ لإطفاء حريق". بعد ربع ساعة عرضوا الأمر على التلفزيون. كان هناك حريق في الوسط. الجميع ارتعب… حوالي الساعة 8:30 مساءً ظهر محافظ بيروت على التلفزيون من داخل المرفأ. كان يبكي، وقال، "خيرة عناصر الإطفاء على الخط الأمامي ماتوا". جن الجميع… عمي كان في المرفأ يبحث عنهم، ينادي ويصرخ بأسمائهم. حاولوا إيقافه ولكنهم لم يتمكنوا… كانت جنازتهم في 17 آب [أغسطس]. كان هناك ثلاثة توابيت بيضاء… لكنها كانت شبه فارغة. لم يكن داخل أي منها ربما أكثر من يد أو صدر أو قطعة من عظمة الفخذ.[440]
في الساعات التي تلت الانفجار، كانت الدولة غائبة بشكل واضح عن جهود الإغاثة الطارئة. نقل المتطوعون والمارة السكان المصابين إلى المستشفيات القريبة وأزالوا الأنقاض من الشوارع.[441]
قال نجار لـ هيومن رايتس ووتش: "كم روح كان بإمكانهم أن ينقذوا لو قاموا بجهود الإغاثة الطارئة ليكونوا على استعداد للتواجد هناك بعد الانفجار، من الإطفاء إلى قوات الأمن إلى تنظيم المرور، وطبعا سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر؟ لم يكن هناك شيء من هذا القبيل. لم تكن هناك مؤسسة رسمية واحدة على الأرض لمساعدتنا في الوصول إلى المستشفيات... ربما كانت ابنتي ستنجو".[442]
ميرنا حبوش، التي كانت تقود سيارتها بجوار المرفأ مع ابنها البالغ من العمر عامين، فقدت عينها اليمنى في الانفجار وأصيبت بجروح بالغة في ذراعها اليمنى. قالت حبوش لـ هيومن رايتس ووتش: "لم يكن بإمكاننا أن نرى أي شيء. كنا ندوس على الدماء. تدوسين على أشلاء الناس… كنت أسمع أصوات الناس ينادون، ‘ساعدوني، ساعدوني’. لكن لم يكن يمكننا أن نساعد أحد. بالكاد ساعدنا أنفسنا. سارع متطوع إلى نقل ابن ميرنا إلى مستشفى قريب على دراجة نارية وتبعته ميرنا في سيارة أخرى لأحد المارة.[443]
أضافت حبوش: "لا يمكنك أن تمحي ذلك من رأسي. لا يمكنك أن تلغي ذلك من ذكرياتي. لا يمكنك أن تلغي ذلك. الساعة والنصف التي عشتها. ساعة ونصف من الخوف. ساعة ونصف من الألم. الانفجار ذاته، هناك فارق عندما ترينه في الفيديوهات وعندما ترينه بعينيك. حياتي تغيرت. الشهر الأول لم أستطع تقبّل نفسي. ابني لم يقترب مني لشهرين. كان خائفا مني… لا حياة حتى حين تكونين ما زلتِ على قيد الحياة، لكن نكون أموات من الداخل. قتلونا من داخلنا. ذبحونا من داخلنا".[444]
في الأيام التي أعقبت الانفجار، اعترف رئيس الوزراء بأن الانفجار كان نتيجة الفساد السياسي المستشري وأن "نظام الفساد أكبر من الدولة".[445]
بدوره، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري، "أخطر ما كشفته كارثة المرفأ… هو سقوط هيكل النظام السياسي والاقتصادي بالكامل... لا بد بالتالي من تغيير في هذا النظام الطائفي فهو علة العلل".[446]
الانفجار، وهو أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، دمّر مرفأ بيروت وأصاب أكثر من نصف المدينة بأضرار. قتل الانفجار 218 شخصا، بينهم مواطنون من لبنان، وسوريا، ومصر، وبنغلاديش، والفلبين، وباكستان، وهولندا، وكندا، وألمانيا، وفرنسا، وأستراليا، والولايات المتحدة.[447] كان 34 منهم لاجئين.[448] جرح 7 آلاف آخرين، أصيب 150 منهم على الأقل بإعاقة جسدية، كما تسبّب بأذى نفسي يفوق الوصف، وأصاب 77 ألف شقة بأضرار، فهجّر أكثر من 300 ألف شخص.[449] توفّي على الأقلّ ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين عامَيْن و15 عاما.[450] احتاج 31 طفلا إلى دخول المستشفى، وجُرح ألف طفل، وأصبح 80 ألف طفلا بدون منازل.[451] كما أصاب الانفجار 163 مدرسة رسمية وخاصة بأضرار، وأخرج نصف مراكز بيروت الصحية من الخدمة، وأثّر على 56% من المؤسسات التجارية الخاصة في بيروت.[452] لحقت أضرار جسيمة بالبنية التحتية، بما فيها النقل، والطاقة، وإمدادات المياه والصرف الصحي، والخدمات البلدية، بلغت قيمتها الإجمالية 390-475 مليون دولار أمريكي.[453] بحسب البنك الدولي، تسبب الانفجار بأضرار مادية تقدر بنحو 3.8-4.6 مليار دولار.[454]
أدى الانفجار أيضا إلى إطلاق غاز الأمونيا وأكاسيد النيتروجين في الهواء، مع احتمال وجود سموم من مواد أخرى قد تكون اشتعلت أيضا نتيجة للانفجار.[455] غازات الأمونيا وأكاسيد النيتروجين ضارة بالبيئة والجهاز التنفسي.[456] تُستخدم نيترات الأمونيوم على نطاق واسع وإنتاجها يستهلك كمية كبيرة من الطاقة. [457]نتيجة لذلك، فهي تساهم في تغير المناخ.[458] تشير التقديرات إلى أن الدمار خلّف نحو 800 ألف طن من الردم التي من المحتمل أن تحتوي على مواد كيميائية خطرة قد تضر بالصحة من خلال التعرض المباشر، أو تلوث التربة والمياه.[459] قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن تكلفة إزالة التدهور البيئي الناجم عن الانفجار ستزيد عن 100 مليون دولار.[460]
التحقيق المحلي
لم يستوفِ التحقيق المحلي في انفجار 4 أغسطس/آب 2020 المعايير الدولية. وثّقت هيومن رايتس ووتش مجموعة من الشوائب الإجرائية والمنهجية في التحقيق المحلي حالت دون تأمينه العدالة بشكل موثوق، بما في ذلك الحصانة للمسؤولين السياسيين الكبار، وعدم احترام معايير المحاكمة العادلة، وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة. تتفاقم هذه المشاكل بسبب الافتقار الهيكلي إلى استقلال القضاء.[461]
في 10 أغسطس/آب، أحالت الحكومة اللبنانية ملف تفجير 4 أغسطس/آب 2020 إلى المجلس العدلي. المجلس العدلي هو محكمة خاصة لا تخضع قراراتها للاستئناف، وتنتهك الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة. تتم الإحالات إلى هذه المحكمة على أساس تقديري بموجب مرسوم وزاري، بناءً على توصية وزير العدل، في القضايا التي تعتبر خطيرة بشكل خاص.[462] يعيّن وزير العدل المحقق العدلي بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.[463] يتولى المحقق العدلي التحقيق ويُصدر القرار الظني قبل إحالة القضية إلى المجلس العدلي للمحاكمة. يترأس المجلسَ العدليَ رئيسُ المجلس الأعلى للقضاء، ويعين مجلس الوزراء أربعة قضاة آخرين في المجلس العدلي بناء على اقتراح وزير العدل وموافقة المجلس الأعلى للقضاء.[464]
إلا أن المجلس الأعلى للقضاء، وهو الهيئة المسؤولة عن التوصية بتعيين قضاة في محاكم معينة، يفتقر إلى الاستقلالية. يتم تعيين ثمانية من أعضائه العشرة من قبل السلطة التنفيذية - أي الحكومة التي ينبغي التدقيق في أفعالها - ويفتقر المجلس الأعلى للقضاء إلى الاستقلال المالي، حيث يتم تخصيص الأموال له سنويا من ضمن ميزانية وزارة العدل.[465]
في 13 أغسطس/آب، عينت وزيرة العدل القاضي فادي صوان محققا عدليا.[466] كانت عملية تعيين القاضي صوان غامضة ورفض المجلس الأعلى للقضاء قاضيا واحدا على الأقل اقترحته وزيرة العدل في البداية، لكنه رفض توضيح السبب، مؤكدا أن مداولات الوزراء سرية.[467]
بين أغسطس/آب 2020 وفبراير/شباط 2021، ادعى صوان (دون إصدار قرار ظني رسمي) على 37 شخصا، 25 منهم محتجزون.[468] أُفرج عن ستة من الموقوفين في 15 أبريل/نيسان 2021، وأفرج عن اثنين في 2 يوليو/تموز 2021، بينما بقي 17 رهن التوقيف الاحتياطي.[469] باستثناء مديرَي الجمارك والمرفأ، فإن المعتقلين هم غالبا من المستوى المتوسط إلى المنخفض من الجمارك، والمرفأ، والأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى موظفي شركة صيانة تم التعاقد معها للقيام ببعض الأعمال في العنبر 12، حيث تم تخزين نيترات الأمونيوم.[470]
رغم المستوى الوظيفي المتدني نسبيا للموقوفين، كان كبار المسؤولين على علم بتخزين نيترات الأمونيوم في المرفأ، وكانت تقع على عاتقهم مسؤولية تأمينها وإزالتها، ولم يفعلوا ذلك. لكن عندما راسل القاضي صوان في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 مجلس النواب، طالبا التحقيق مع 12 وزيرا حاليين وسابقين لدورهم في انفجار 4 أغسطس/آب، ثم إحالتهم إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو هيئة خاصة يخولها القانون اللبناني محاكمة الوزراء، ردّ رئيس المجلس النواب الادعاءات ورفض اتخاذ أي إجراء.[471]
بموجب قراءة محافظة للقانون اللبناني، يتمتع الوزراء بحصانة قانونية ولا يمكن مقاضاتهم إلا من قبل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، الذي يتألف من سبعة نواب وثمانية قضاة. تفعيل هذا المجلس يتطلب تصويت الثلثين في البرلمان، والبرلمان لم يفعّل هذه الهيئة قط.[472]
إلا أن كلا من نقابة المحامين في بيروت و"نادي قضاة لبنان" اعترض على هذه القراءة للقانون.[473] كما أكد نادي قضاة لبنان أن الحصانة لا تنطبق على جريمة قتل المواطنين أو التسبب في موتهم لأنها لا تتعلق مباشرة بممارسة واجبات المسؤولين في منصبهم.[474] أضاف نادي قضاة لبنان أن الملاحقة من قبل المجلس الأعلى صعبة إن لم تكن مستحيلة بسبب "الفساد السياسي والاقتسام الطائفي القائمين في البلد وخلو أرشيف مجلس النواب من أية ملاحقة".[475]
تشير السوابق القانونية أيضا إلى أن مجلس النواب ليس له الحق الحصري في الادعاء على الوزراء، وبالتالي يمكن للقضاء العادي محاكمة الوزراء طالما أن مجلس النواب لم يفعل ذلك.[476]
في ديسمبر/كانون الأول 2020، بعد أن رفض البرلمان فتح تحقيقات في دور الوزراء الذين حددهم صوان، فاجأ صوان الجمهور بالادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين هم غازي زعيتر، وعلي حسن خليل، ويوسف فنيانوس، بالإهمال الجنائي المتعلق بالانفجار.[477]
تم فورا رفض إجراءات القاضي لعدم قبوله الحصانة التي يتمتع بها السياسيون عادة في لبنان، ورفض كلٌ من رئيس الوزراء، ورؤساء الوزراء السابقين، والوزراء السابقين، ورئيس مجلس النواب، وحزب الله اتهامات صوان.[478] رفض دياب، وزعيتر، وفنيانوس المثول للتحقيق، وقال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي إنه لن يطلب من القوى الأمنية توقيفهم، حتى لو أصدر القضاء مذكرات توقيف.[479]
في ديسمبر/كانون الأول 2020، قدم اثنان من الوزراء السابقين، وهما أيضا عضوان حاليان في مجلس النواب، شكوى أمام محكمة التمييز، وهي الأعلى في البلاد، لتنحية القاضي صوان عن القضية.[480] في فبراير/شباط 2021، أزيح فعلا. في 18 فبراير/شباط 2021، خلصت المحكمة إلى وجود "ارتياب مشروع" بشأن حيادية صوان، لأسباب منها أنه قال إنه لن يعترف بالحصانة البرلمانية التي يطالب بها المسؤولون، ولأنه حصل على 13 مليون ليرة لبنانية كتعويض بعد تضرر منزله في الانفجار، رغم أنه تقاسم هذا المصير مع مئات الآلاف من سكان بيروت الآخرين.[481]
بعد يوم واحد، عينت وزيرة العدل القاضي طارق بيطار ليحل محل صوان.[482] قاضي التحقيق طارق بيطار يعمل ضمن الضوابط نفسها المتعلقة بالادعاء التي خضع لها سلفه.
في 2 يوليو/تموز 2021، أصدر بيطار سلسلة من الطلبات لرفع الحصانات التي تنطبق على البرلمانيين والمحامين والسماح بمحاكمة كبار المسؤولين. طالب بيطار مجلس النواب برفع الحصانات عن عدد من الوزراء السابقين الذين هم أعضاء حاليون في مجلس النواب حتى يتمكن من توجيه تهم "القصد الاحتمالي لجريمة القتل"، بالإضافة إلى الإهمال الجنائي.[483] تنص المادة 40 من الدستور اللبناني على أنه "لا يجوز في أثناء دور الانعقاد اتخاذ إجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلا بإذن المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة (الجرم المشهود)".[484]
في وقت نشر هذا التقرير، كان مجلس النواب منعقدا. وعقب استقالة رئيس الوزراء في 10 أغسطس/آب 2020، يعتبر مجلس النواب منعقدا إلى حين تشكيل حكومة جديدة وحصولها على الثقة.[485]
النواب الذين يسعى بيطار إلى الادعاء عليهم هم وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، ووزير المالية السابق علي حسن خليل، ووزير الأشغال العامة السابق غازي زعيتر.[486]
بالإضافة إلى ذلك، طلب بيطار من نقابتَي المحامين في بيروت وطرابلس السماح له بملاحقة خليل وزعيتر، وكلاهما محام، وكذلك وزير الأشغال العامة السابق يوسف فنيانوس، بجناية القصد الاحتمالي لجريمة القتل وجنحة الإهمال الجنائي.[487] ينص القانون اللبناني على أنه لا يجوز اتخاذ أي إجراءات قانونية ضد محام بسبب مزاولة مهنته دون قرار من نقابة المحامين يصرح بهذه الإجراءات.[488]
كما طلب بيطار من رئيس الوزراء السماح له باستجواب مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا كمشتبه به، وأن يسمح له وزير الداخلية بالادعاء على مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم.[489] بموجب القانون اللبناني، لمحاكمة موظفي الدولة على جريمة ناتجة عن واجباتهم الرسمية، يتوجب على القضاة الحصول على موافقة من الجهة التي ينتمي إليها الموظف.[490]
لم يتطرق بيطار علنا إلى مسألة الحصانات الوزارية. قد يكون متمسكا بالتفسير الذي ينص على أن جريمة القتل أو التسبب في الوفاة لا تخضع للحصانة، أو يستند على السابقة القضائية التي تنص على أن مجلس النواب ليس له الحق الحصري في الادعاء على الوزراء.
بدون أن يرفع مجلس النواب الحصانة عن أعضائه، ودون إذن بمحاكمة كبار المسؤولين الأمنيين، لا يستطيع بيطار المضي قدما في محاكمة هؤلاء الأفراد.
في 9 يوليو/تموز 2021، رفض وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، في رسالة وجهها إلى وزيرة العدل، طلب القاضي باستجواب اللواء عباس إبراهيم.[491] استأنف القاضي بيطار قرار فهمي. وفقا للقانون اللبناني، ينتقل الطلب بعد ذلك إلى المدعي العام التمييزي، الذي يُمنح 15 يوما لتقرير ما إذا كان سيسمح للنيابة العامة بالتحرك أم لا.[492] زعم النائب العام التمييزي غسان عويدات أنه لا يملك سلطة اتخاذ قرار بشأن هذا الطلب، لأنه تنحى عن التحقيق بعد أن ادعى صوان على زعيتر، وهو صهره.[493] وُجّه الطلب إلى المحامي العام التمييزي غسان خوري. أفادت وسائل الإعلام أن خوري رد على بيطار في 24 يوليو/تموز طالبا مزيدا من المعلومات، لكن دون الموافقة على الطلب أو رفضه صراحة.[494] إلا أن خوري قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه رفض طلب بيطار ملاحقة إبراهيم.[495]
نزار صاغية، وهو محامٍ لبناني والمدير التنفيذي لـ المفكرة القانونية، وهي منظمة للأبحاث والمناصرة، رأى أن رد خوري ليس له أي أساس قانوني، لأنه ليس المرجعية المختصة لاتخاذ هذا القرار.[496] زعم أن عويدات، بصفته النائب العام التمييزي، هو المرجعية الوحيدة القادرة على اتخاذ هذا القرار، وأن عدم استجابته ضمن الإطار الزمني القانوني يجب أن يُفهم على أنه موافقة ضمنية على المضي قدما في ملاحقة إبراهيم، كما ينص القانون.[497]
بحسب تقارير إعلامية، قال كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إن الآخر لديه سلطة منح أو رفض الإذن بمحاكمة صليبا كمشتبه به.[498] في 29 يوليو/تموز، أصدر مكتب رئيس الوزراء بيانا جاء فيه أن رئاسة الجمهورية تشاورت مع هيئة التشريع والاستشارات بوزارة العدل حول من له صلاحية الموافقة على هذا الطلب، وقيل لها إن هذه السلطة تعود إلى المجلس الأعلى للدفاع.[499] إلا أن المفكرة القانونية قالت إن بيطار لم يكن ملزما برأي هيئة التشريع والاستشارات، وإن كلا من الرئيس ورئيس الوزراء يمكنهما منح بيطار الإذن باستجواب صليبا كمشتبه به.[500] حتى 29 يوليو/تموز 2021، لم يكن رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء ولا المجلس الأعلى للدفاع قد أصدر قرارا في هذا الشأن.
في 28 يوليو/تموز، منحت نقابة المحامين في بيروت بيطار الإذن بملاحقة خليل وزعيتر، وفي 29 يوليو/تموز، منحت نقابة المحامين في طرابلس بيطار الإذن بملاحقة فنيانوس.[501]
في يوليو/تموز 2021، وقّع ما لا يقل عن 50 نائبا عريضة تطالب بأن يقوم مجلس النواب، بدلا من المحقق العدلي، بالتحقيق مع رئيس الوزراء والوزراء السابقين وإحالة القضية إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء - وهي هيئة لم يسبق لها أن اجتمعت.[502] بعد أن نشرت المفكرة القانونية أسماء حوالي 30 نائبا وقعوا على العريضة، سحب العديد منهم دعمهم.[503]
حتى 29 يوليو/تموز، لم يكن مجلس النواب قد رفع الحصانات البرلمانية بعد عن المشتبه بهم في انفجار 4 أغسطس/آب.
في 2 يوليو/تموز 2021، ادعى بيطار على قائد الجيش الأسبق العماد جان قهوجي، ومدير مخابرات الجيش الأسبق العميد كميل ضاهر، وعميدين سابقين في مخابرات الجيش هما غسان غرز الدين وجودت عويدات.[504]
شابت التحقيق المحلي انتهاكات جسيمة للإجراءات القانونية الواجبة.
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع محتجز أفرج عنه، وكذلك مع عائلات ستة محتجزين والمحامين عنهم. احتجز معظمهم في مقر الشرطة العسكرية في الريحانية منذ اعتقالهم في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول. قال المحامون إن موكليهم، إضافة إلى المحتجزين الآخرين، متهمون بقائمة الجرائم نفسها على الرغم من تباين أدوارهم ومسؤولياتهم.[505]
تشمل الجرائم القتل على أساس القصد الاحتمالي (أي أن المتهم توقع وقوع الجريمة وقَبِل خطر وقوعها)، والقتل غير العمد، والتسبب في انفجار، وتخزين مواد خطرة، وتعطيل أمن المرفأ والبلد، وتلويث البيئة.[506]
قال محامون إن صوان أو بيطار لم يخبرا موكليهما بالتهم الموجهة إليهم أو بالأدلة ضد كل متهم، متذرعَين بسرية التحقيقات. قال المحامون إنهم لن يعرفوا الأدلة والتهم المحددة ضد موكليهم إلا في نهاية التحقيق، عندما يوقف القاضي الملاحقة أو يصدر القرار الظني بحق المتهمين.[507]
قال المحامون أيضا إن حارسين يتواجدان دائما في الغرفة أثناء اجتماعاتهم مع موكليهم، وإن موكليهم احتُجزوا لـ 10 إلى 16 يوما قبل أن يصدر صوان مذكرة توقيف. كما قالوا إن صوان رفض بدون أي مبرر جميع طلباتهم بالإفراج عن موكليهم بكفالة.[508] وافق بيطار على طلبات الإفراج عن ستة محتجزين في 15 أبريل/نيسان واثنين آخرين في 2 يوليو/تموز 2021.[509]
قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني يمنح المحقق العدلي، والذي لا تخضع قرارته للاستئناف، صلاحية احتجاز المشتبه بهم احتياطيا إلى ما لا نهاية.[510] لكن ذلك ينتهك حقوقهم التي تحميهم من الاحتجاز التعسفي، فضلا عن حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة، بما في ذلك حق أي شخص محتجز على ذمة المحاكمة في محاكمة سريعة أو الإفراج عنه والحصول على مراجعة قضائية مستقلة لقرار احتجازه.
لا يمكن للبنان الاستناد إلى أحكام القانون المحلي لتبرير انتهاك معاهدة دولية صادق عليها. يشكل القانون الدولي تلقائيا جزءا من القانون المحلي اللبناني، وتنص المادة 2 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أن المعاهدات الدولية التي صادق عليها لبنان لها الأولوية في التطبيق على القانون المحلي.[511]
قال محامون وصحفيون مطلعون على القضية أيضا إنه من غير الواضح ما إذا كان لدى لبنان الموارد أو القدرة التقنية لإجراء تحقيق شامل، بما في ذلك كيفية وصول نيترات الأمونيوم إلى بيروت وكيفية حدوث الانفجار.[512] كان فريق صوان يتألف من قاضيين تحت التدريب وكاتبين،[513] ويتألف طاقم بيطار حاليا من أربعة قضاة تحت التدريب.[514] وأضاف محامو المتهمين أنه مع أن تحقيق بيطار أوسع نطاقا، وأنه يبحث في أفعال متعمدة محتملة، ركّز تحقيق صوان فقط على الإهمال الذي أدى إلى الانفجار، واستبعد نظريات الفعل المتعمد، دون أي تحقيق.[515]
في حالتين، هناك مؤشرات على أن المحقق العدلي لم يتخذ إجراءات بشأن الادعاءات أن الأدلة قد تم العبث بها، ما زاد قلة الثقة في مصداقية التحقيق. اندلع حريقان في مرفأ بيروت منذ الانفجار، في 8 و10 سبتمبر/أيلول 2020، ما أثار العديد من المزاعم بشأن العبث بمسرح الجريمة.[516] بالإضافة إلى ذلك، قدم صحفيون من قناة الجديد المحلية أدلة على أن مسؤولين نقلوا وثائق من مبنى وزارة الأشغال العامة والنقل، التي تشرف على المرفأ، يوم الأحد الذي أعقب الانفجار، في 9 أغسطس/آب 2020.[517]
بالإضافة إلى الافتقار إلى الاستقلالية، والحصانات غير الجائزة، والانتهاكات الخطيرة للإجراءات القانونية التي لطخت التحقيق المحلي، لم يتم حل عدد من قضايا الوفاة المشبوهة المرتبطة بانفجار 4 أغسطس/آب.
العقيد جوزيف سكاف، رئيس شعبة مكافحة المخدرات ومكافحة تبييض الأموال في إدارة الجمارك، الذي كتب إلى مصلحة التدقيق والبحث عن التهريب في إدارة الجمارك ووجه نسخة إلى عدد من المسؤولين الآخرين، محذرا من شحنة روسوس في 21 فبراير/شباط 2014، توفي في مارس/آذار 2017 في ظروف مريبة. رغم أن التقرير الطبي الرسمي وجد أن سكاف توفي في حادث سقوط، خلص تقرير ثان، بتكليف من عائلته، إلى أن سكاف تعرض للاعتداء.[518] في 8 أغسطس/آب 2020، غرد نجل سكاف قائلا إن "جريمة ارتكبت في مارس/آذار 2017. أبي لم يسقط إثر انزلاق. تم الاعتداء عليه بوحشية وقُتل أمام منزله. لم تُغلق القضية قط وعائلتنا تنتظر منذ ثلاث سنوات".[519]
كما أفيد عن قتل ثلاثة أشخاص آخرين على الأقل يُعتقد أن لديهم معلومات حول نيترات الامونيوم أو انفجار 4 اغسطس/آب.[520] أفادت تقارير عن اغتيال منير أبو رجيلي، وهو عقيد متقاعد في الجمارك كان يعمل في مكافحة التهريب وكان صديقا لسكاف، في 2 ديسمبر/كانون الأول 2020 في قرطبا.[521] في 21 ديسمبر/كانون الأول 2020، أُعدم جوزيف بجاني، المصور المستقل الذي قيل إنه كان من أوائل الذين التقطوا صورا في المرفأ، أمام منزله في الكحّالة.[522] لقمان سليم، الذي طالما انتقد حزب الله، اغتيل أيضا في 4 فبراير/شباط 2021.[523] في مقابلة إعلامية في يناير/كانون الثاني، أشار سليم إلى أن حزب الله جلب نيترات الأمونيوم إلى لبنان لكي تستخدمها الحكومة السورية.[524]
فتحت السلطات اللبنانية تحقيقات في جميع القضايا الأربع، لكن حتى الآن، لم يعلن عن أي نتائج ذات مغزى.[525]
قال أيمن مهنا، المدير التنفيذي لـ "مؤسسة سمير قصير"، لوسائل الإعلام بعد اغتيال سليم: "لا نتوقع أن يسير أي شيء كما يجب في التحقيق... هذا بالضبط ما توقعناه، ستكون هناك مزاعم تقول إن التحقيق جار، ولكن لا أحد سيأخذ الأمر على محمل الجد بين قوى الأمن والقضاء لأنهم لم يفعلوا ذلك في الماضي، وكأن الاغتيالات السياسية في لبنان تتمتع بدرجة من الإفلات من العقاب وتتمتع بدرجة من الحماية".[526]
كذلك، قال نديم حوري، المدير التنفيذي لـ "مبادرة الإصلاح العربي"، لوسائل الإعلام إن "الثقة في النظام القضائي المحلي غير موجودة - لم يحلوا قط قضية اغتيال سياسي واحدة".[527]
حققت هيومن رايتس ووتش لسنوات في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في لبنان والتي لا تخضع للمساءلة في النظام القضائي، بما فيها مزاعم التعذيب، والقتل، والاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين من قبل الأجهزة الأمنية، والانتهاكات ضد عاملات المنازل المهاجرات، وإسكات المعارضين.[528]
أوجه الضعف الهيكلية هذه في القضاء اللبناني، فضلا عن سجله الحافل في التقاعس عن التحقيق في الجرائم الجسيمة وانتهاكات الحقوق ومحاسبة مرتكبيها، تُبرز بوضوح أن هناك احتمال ضئيل لتحقيق العدالة لضحايا الانفجار والشعب اللبناني في المحاكم المحلية كما هي اليوم.
القانون الدولي لحقوق الإنسان
الحق في الحياة والحق في الانتصاف الفعال
الحقّ في الحياة غير قابل للتصرف، ومكرّس في "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" (المادة 6)، الذي صادق عليه لبنان في 1972.[529] صرّحت "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان"، التي تفسّر العهد، أنّ على الدول احترام الحق في الحياة وحمايته من التهديدات المتوقعة للحياة، بما فيها التهديدات التي يشكلها الأفراد أو الكيانات، حتى لو لم يكن من الممكن نسب سلوك هذه الجهات إلى الدولة.[530] تضيف اللجنة أن الحرمان من الحياة ينطوي على "ما ينجم عن فعل أو تقصير من أضرار أو إصابات مميتة متعمدة يمكن توقعها ومنعها".[531] على الدول أن تسن "إطارا قانونيا وقائيا يتضمن إجراءات جنائية فعالة لحظر جميع مظاهر العنف التي من شأنها أن تؤدي إلى الحرمان من الحياة، مثل القتل عمدا أو بسبب الإهمال".[532]
تخزين أكثر من 2,750 طن من نيترات الأمونيوم إلى جانب براميل الزيت، والكيروسين، وحمض الهيدروكلوريك، وخمسة أميال من الفتيل على بكرات خشبية، و15 طن من الألعاب النارية في عنبر غير آمن ويفتقر إلى التهوئة الجيدة في وسط منطقة تجارية وسكنية مزدحمة في العاصمة المكتظة بالسكان يخالف الإرشادات الدولية والممارسات الفضلى في بلدان عدة وشكّل خطرا غير مقبول على الحياة.[533]
علاوة على ذلك، صرّحت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان: “يقتضي واجب الحماية القانونية للحق في الحياة من الدول الأطراف أيضا تنظيم جميع الأجهزة العامة والهياكل الإدارية لممارسة السلطة العامة بطريقة تتوافق وضرورة مراعاة الحق في الحياة وكفالته، ويشمل ذلك إرساء المؤسسات والإجراءات الملائمة بموجب القانون لمنع الحرمان من الحياة، والتحقيق في الحالات المحتملة من الحرمان التعسفي من الحياة وملاحقة المسؤولين عنها ومعاقبتهم وتوفير كامل سبل جبر الضرر”.[534] يجب أن تكون التحقيقات في انتهاكات الحق في الحياة "مستقلة ومحايدة وفورية وشاملة وفعالة وذات مصداقية وشفافة "، ويجب أن تستكشف "المسؤولية القانونية لكبار الموظفين عما يرتكبه مرؤوسوهم من انتهاكات الحق في الحياة".[535]
تحدد اللجنة أنه "كقاعدة عامة، لا تتوافق الحصانات الممنوحة لمرتكبي جرائم القتل العمد ولرؤسائهم وقرارات العفو عنهم، وما يماثل ذلك من التدابير التي تؤدي إلى الإفلات من العقاب بحكم الواقع أو بحكم القانون، مع واجب احترام الحق في الحياة وضمانه وتوفير سبل انتصاف فعالة للضحايا".[536] ينتهك التقاعس في التحقيق، وعند الاقتضاء محاكمة المرتكبين، المادة 2(3) من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي يحمي الحق في الانتصاف الفعال في انتهاكات حقوق الإنسان.[537]
انتهكت آثار الانفجار وعواقبه أيضا حقوق العديد من المتضررين في الأمن الشخصي، والتعليم، وأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة، والملكية، ومستوى معيشي لائق، بما في ذلك الحق في المسكن.[538] غياب المساءلة من شأنه أيضا أن ينتهك حقهم في الحصول على سبل انتصاف فعالة لهذه الانتهاكات.
لم يستوفِ التحقيق الداخلي اللبناني في انفجار 4 أغسطس/آب 2020 حتى الآن المعايير الدولية المتعلقة بالحق في الانتصاف، ويرجع ذلك جزئيا إلى حصانة كبار المسؤولين السياسيين. لم يشكل مجلس النواب اللبناني قط الهيئة المسؤولة عن محاكمة الرؤساء والوزراء، وبالتالي لا يمكن اعتبار الحصانة من الملاحقة من قبل المحاكم متناسبة أو معقولة. وبالتالي فإن عدم التحقيق مع كبار المسؤولين السياسيين ومقاضاتهم يشكل انتهاكا للحق في الانتصاف الفعال.
في أغسطس/آب 2020، استعرض 30 خبيرا وخبيرة في الأمم المتحدة علنا معايير لتحقيق موثوق في انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، بناء على المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وأشاروا إلى ضرورة "حماية التحقيق من أي تأثير غير ضروري"، و"تضمينه المنظور الجنساني" و"منح الضحايا وأقاربهم إمكانية الوصول الفعال إلى التحقيق"، و"منح هذا الأخير ولاية قوية وواسعة النطاق للتحقيق بفعالية في أي إخفاقات منهجية ارتكبتها السلطات اللبنانية".[539] لم يستوفِ التحقيق المحلي في انفجار 4 أغسطس/آب 2020 هذه المعايير الدولية. نقاط الضعف الهيكلية في القضاء اللبناني، فضلا عن سجله الحافل بالتقاعس عن التحقيق في الجرائم الجسيمة وانتهاكات الحقوق ومحاسبة مرتكبيها، تجعل من المستبعد جدا أن تكون هناك عدالة لضحايا الانفجار واللبنانيين في المحاكم اللبنانية بواقعها الحالي.
كما أن المعايير الدولية بشأن الحق في الانتصاف الفعال تنص بوضوح على أن ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لهم الحق في الوصول إلى العدالة على نحو متساو وفعال؛ وجبر ما لحق بالضحية من ضرر على نحو فعال وفوري؛ والوصول إلى المعلومات ذات الصلة المتعلقة بالانتهاكات وآليات التعويض.[540] وهذا يتطلب، من بين تدابير أخرى، أن تتخذ الدول الخطوات المناسبة لمساعدة الضحايا الذين يسعون إلى الوصول إلى العدالة وتقليل ما يضايقهم، وإنشاء وسائل فعالة لتوفير المعلومات لهم.[541]
ينبغي للدول أن تقدم تعويضات متناسبة عن الانتهاكات المنسوبة إليها، وأن تضمن أن تقدم الأطراف الأخرى التي تثبت مسؤوليتها الجبر. ينبغي للدول أن تنشئ برامج وطنية تعنى بالجبر للضحايا في الحالات التي لا تفي فيها الأطراف المسؤولة بالتزاماتها.[542]
يشمل الجبر الأشكال التالية:
· الرد: وهي تدابير لاستعادة الوضع الذي كان قائما قبل ارتكاب الفعل (الأفعال) غير المشروعة، مثل استعادة الحرية، والعمل والعودة إلى مكان الإقامة وإعادة الممتلكات.
· التعويض: دفع نقدي عن "أي ضرر يمكن تقييمه اقتصاديا" ناشئ عن الانتهاك، بما في ذلك الأذى البدني أو العقلي، والخسائر المادية، والفرص الضائعة.
· إعادة التأهيل: تقديم "الرعاية الطبية والنفسية فضلا عن الخدمات القانونية والاجتماعية".
· الترضية: وتشمل مجموعة من الإجراءات التي تتضمن الكشف الكامل عن الحقيقة، والبيانات التي تهدف إلى إنهاء الانتهاكات المستمرة، وإحياء ذكرى الضحايا أو تكريمهم، والتعبير عن الأسف أو الاعتذار الرسمي عن الانتهاكات.
· ضمانات عدم التكرار: تشمل الإصلاح المؤسسي والقانوني إضافة إلى إصلاحات الممارسات الحكومية لوضع حد للانتهاكات.[543]
استقلالية القضاة
لبنان طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يلزمه بالحفاظ على استقلال القضاء.[544] تشرح "المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية" التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الالتزام.[545] وتشمل هذه المبادئ ما يلي:
- تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الوقائع ووفقا للقانون، ودون أية قيود أو تأثيرات غير سليمة أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة أو لأي سبب.[546]
- يجب أن تشتمل أي طريقة لاختيار القضاة على ضمانات ضد التعيين في المناصب القضائية بدوافع غير سليمة.[547]
- يعتبر إسناد القضايا إلى القضاة ضمن إطار المحكمة التي ينتمون إليهما مسألة داخلية تخص الإدارة القضائية.[548]
- يضمن القانون للقضاة بشكل مناسب تمضية المدة المقررة لتوليهم وظائفهم واستقلالهم، وأمنهم، وحصولهم على أجر ملائم، وشروط خدمتهم ومعاشهم التقاعدي وسن تقاعدهم.[549]
- يتمتع القضاة، سواء أكانوا معينين أو منتخبين، بضمان بقائهم في منصبهم إلى حين بلوغهم سن التقاعد الإلزامية أو انتهاء الفترة المقررة لتوليهم المنصب، حيثما يكون معمولا بذلك.[550]
- ينظر في التهمة الموجهة أو الشكوى المرفوعة ضد قاض بصفته القضائية والمهنية وذلك على نحو مستعجل وعادل بموجب إجراءات ملائمة. وللقاضي الحق في الحصول على محاكمة عادلة.[551]
- لا يكون القضاة عرضة للإيقاف أو للعزل إلا لدواعي عدم القدرة أو دواعي السلوك التي تجعلهم غير لائقين لأداء مهامهم.[552]
- تحدد جميع الإجراءات التأديبية وإجراءات الإيقاف أو العزل وفقا للمعايير المعمول بها للسلوك القضائي.[553]
رغم إنفاق ملايين الدولارات والعديد من تدخلات الأمم المتحدة على مدى أكثر من عقدين من الزمن، يتفشى الفساد والإفلات من العقاب والتدخل السياسي في نظام العدالة في لبنان.[554] في 2018، أعربت لجنة حقوق الإنسان الأممية عن قلقها بشأن "ممارسة ضغوط سياسية على السلطة القضائية [اللبنانية] لا سيما في تعيين المدعين العامين وقضاة التحقيق الرئيسيين، وإزاء الادعاءات بأن السياسيين يستخدمون نفوذهم لحماية مؤيديهم من الملاحقة القضائية" وحث لبنان على "اتخاذ جميع التدابير اللازمة، في القانون وفي الممارسة العملية، لصون استقلال السلطة القضائية وحياديتها بالكامل، بما في ذلك طريق كفالة انسجام إجراءات اختيار القضاة وتعيينهم وترقيتهم وتوقيفهم مؤقتا وتأديبهم وعزلهم مع مبدأي الاستقلالية والنزاهة".[555]
الإجراءات القانونية والمحاكمة العادلة
يضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه لبنان عام 1972، حقوق الإجراءات القانونية الواجبة للمحتجزين، بما في ذلك الحق في إبلاغهم بأسباب الاعتقال، وإبلاغهم سريعا بأي تهم جنائية وأدلة ضدهم إضافة إلى أدلة نافية للتهمة.[556]
كما يُلزم الحكومات بضمان محاكمة سريعة لأي شخص محتجز على ذمة المحاكمة أو الإفراج عنه، وأن يُمنح مراجعة قضائية مستقلة لقرار احتجازه.[557] قد يؤدي التأخير في إجراءات المحاكمة إلى انتهاك حقوق المتهم في المثول على وجه السرعة أمام قاضٍ لمراجعة ضرورة وقانونية قرار احتجازه، والحق في المحاكمة في غضون فترة زمنية معقولة أو الإفراج عنه.[558] قد يؤدي الاحتجاز المطول قبل المحاكمة أيضا إلى انتهاك افتراض البراءة، لا سيما عندما يكون أثره معاقبة المتهم قبل المحاكمة.[559] تحظر الاتفاقية الاعتقال أو الاحتجاز التعسفي والاستخدام الروتيني للاحتجاز السابق للمحاكمة.[560]
يمنح العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للمدعى عليهم الحق في الاستئناف: "لكل شخص أدين بجريمة حق اللجوء، وفقا للقانون، إلى محكمة أعلى كيما تعيد النظر في قرار إدانته وفي العقاب الذي حكم به عليه".[561]
بالإضافة إلى ذلك، صرّحت لجنة حقوق الإنسان الأممية أن المادة 14(3)(b) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تحمي حق المدعى عليه في "الاتصال بمحام يختاره بنفسه" تتطلب "تواصل المحامي مع المتهم في ظروف تحترم سرية اتصالاتهم بشكل كامل".[562]
لا يمكن للبنان الاستناد إلى أحكام القانون المحلي لتبرير انتهاك معاهدة دولية صادق عليها. يشكل القانون الدولي تلقائيا جزءا من القانون المحلي اللبناني، وتنص المادة 2 من "قانون أصول المحاكمات المدنية" على أن المعاهدات الدولية التي صادق عليها لبنان لها الأولوية في التطبيق على القانون المحلي.[563]
توصيات
إلى الحكومة اللبنانية
· ضمان إعادة إعمار المناطق المتضرّرة من الانفجار بطريقة متكاملة، وشاملة للجميع، ومستدامة، ومتاحة للجميع، وتحترم الحقوق، بما في ذلك من خلال:
o وضع خطّة شاملة لإعادة إعمار المناطق المتضرّرة يلعب فيها السكان المتضررون دورا قياديا في مراحل التخطيط والتصميم والتنفيذ؛
o التأكد من أنّ الخطّة تضمن حقّ كلّ فرد في السكن بتكلفة معقولة ولا تميّز على أيّ أساس، مثل السنّ، والوضع الاجتماعي والاقتصادي، والنوع الاجتماعي (الجندر)، والإعاقة، والجنسية، والتوجه الجنسي؛
o ضمان إمكانية الوصول إلى جميع المباني والمساحات العامة والبُنى التحتية التي أعيد بناؤها، واحترام حقوق المسنين والأشخاص ذوي الإعاقة، بما يتماشى مع "القانون رقم 220/2000 المتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"؛
o تخفيف الأثر البيئي لإعادة الإعمار في جميع مستويات التخطيط والتنفيذ، بما في ذلك من خلال زيادة الوصول إلى الطاقة المتجددة، وتدابير كفاءة استخدام الطاقة، وتصميمات المباني المتكيّفة مع آثار تغيّر المناخ.
· تقديم تعويضات مناسبة وفعّالة وسريعة، تشمل تعويضات ملائمة عن أي ضرر يمكن تقييمه اقتصاديا، وفقا للمعايير الدولية، لجميع الضحايا والسكان المتضرّرين، من خلال آلية موضوعية وواضحة وشفافة ويسهل الوصول إليها، وتكون خالية من التمييز على أي أساس، مثل الوضع الاقتصادي والاجتماعي، والجندر، والإعاقة، والجنسية، ووضع الإقامة، والتوجه الجنسي، والتعبير الجندري، والحالة الاجتماعية؛
· ضمان حصول الأشخاص الذين أصيبوا أو لحقت بهم إعاقات على الخدمات التي يحتاجون إليها بسبب إعاقاتهم، بما في ذلك الإجراءات الطبية، والخدمات المصممة لتقليل ومنع المزيد من الإعاقات، وخدمات وبرامج إعادة التأهيل، لا سيما في مجالات الصحة، والتوظيف، والتعليم، والخدمات الاجتماعية؛
· ضمان تمتع الأفراد الذين لحقت بهم إعاقة بحماية حقهم في الحصول على تسهيلات عند العودة إلى العمل، والتقدّم للحصول على وظائف جديدة، والوصول إلى الخدمات والدّعم؛
· ضمان حصول الضحايا والمجتمعات المتضررة من الانفجار على دعم نفسي واجتماعي وعقلي جيّد ومناسب ومجاني ويحترم الحقوق؛
· وضع نظام فعال ومتاح يستطيع من خلاله الأفراد المتضررون من الانفجار تقديم طلبات الحصول على تعويض و/أو خدمات اجتماعية، وكذلك تقديم الشكاوى. ينبغي أن تكون هذه المنظومة في متناول الأشخاص الذين لهم احتياجات خاصة مختلفة؛
· التصديق على "اتفاقية الأمم المتحدة للأشخاص ذوي الإعاقة"؛
تعيين أعضاء "هيئة مكافحة الفساد" وفقا لـ"قانون مكافحة الفساد" لسنة 2020 للتحقيق في مزاعم الفساد في القطاع العام، وإحالة القضايا إلى القضاء، والإشراف على إنفاذ كل قوانين مكافحة الفساد والامتثال لها، بما في ذلك "قانون الحق في الوصول إلى المعلومات"، و" قانون حماية كاشفي الفساد"، و"قانون التصريح عن الذّمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع"؛
تعزيز القدرات والدور الرقابي لأجهزة التفتيش التابعة للدولة، بما يشمل "إدارة الجمارك"؛
تخصيص ميزانية كافية "للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان" لتمكينها من أداء مهامها؛
إجراء تقييم بيئي لآثار انفجار 4 أغسطس/آب وما بعده، بما في ذلك تأثيرات المواد الكيميائية على الهواء، والماء، وجودة التربة، وأعمال التطهير المطلوبة، ودعم بناء قدرات العاملين في المجال الطبي لتحديد علامات وأعراض التسمم الكيميائي؛ وإعلام الناس بالمخاطر؛ والانطلاق في جهود التطهير؛
· صياغة وتنفيذ استراتيجية شاملة خاصة بالمرفأ تعمل على تطوير مبادئ الإدارة السليمة والحوكمة الرشيدة، وتحدد عمليات المحاسبة الواضحة؛
· تعزيز الأمن في مرفأ بيروت من خلال:
o التحديد الواضح للتسلسل الهرمي والمسؤوليات لمختلف الأجهزة الأمنية العاملة في المرفأ؛
o وضع مبادئ توجيهية ومسؤوليات واضحة للتعامل مع البضائع الخطرة أو التي يُحتمل أن تكون خطرة؛
· وضع وتنفيذ سياسات واضحة للتعامل مع المواد والنفايات السامة والكيميائية والخطرة، وتخزينها وإزالتها والتخلص منها، بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية.
إلى البرلمان اللبناني
الرفع الفوري لحصانة النواب الذين أشار المحقق العدلي إلى رغبته في الادعاء عليهم بجرائم تتعلق بانفجار 4 أغسطس/آب، مع متابعة مراجعة المواد 40 و60 و70 و71 من الدستور اللبناني لضمان الإسراع في التحقيق مع المسؤولين المتورطين في جرائم جنائية خطيرة تساهم في انتهاكات حقوق الإنسان أو ترقى إليها، ومحاكمتهم ومعاقبتهم حسب الاقتضاء ووفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، والتأكيد بوضوح على أنّ "العزل" عقاب مناسب أيضا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛
متابعة مراجعة المادة 61 من "نظام الموظفين" لضمان الإسراع في التحقيق مع المسؤولين المتورطين في جرائم جنائية خطيرة تساهم في انتهاكات حقوق الإنسان أو ترقى إليها، ومحاكمتهم ومعاقبتهم حسب الاقتضاء ووفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان؛
إصلاح "قانون أصول المحاكمات الجزائية"، وخاصة البنود المتعلقة بالمجلس العدلي، بحيث تصبح متماشية مع مبادئ المحاكمة العادلة أو النظر في إلغاء المجلس؛
تعديل القانون رقم 220/2000 المتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لجعله متماشيا مع القوانين والمعايير الدولية، ولا سيما تعريف الإعاقة؛
إصدار قانون يضمن استقلال القضاء، وخاصة:
تغيير نظام تعيين القضاء في مجلس القضاء الأعلى بحيث يصبح الأعضاء منتخبين أو معينين من قبل زملائهم، بدلا من تعيينهم من قبل السلطة التنفيذية؛
ضمان تعيين القضاة أو انتخابهم على أساس الكفاءة والجدارة، دون تمييز أو تدخل من السلطة التنفيذية؛
ضمان ترقية القضاة على أساس عوامل موضوعية، لا سيما القدرة والنزاهة والخبرة، وليس لأي حسابات سياسية أو طائفية أو بتدخل من السلطة التنفيذية؛
منح القضاء الاستقلال المالي عن وزارة العدل؛
ضمان الاستقلال المالي والإداري للمؤسسات القضائية، بما في ذلك "هيئة التفتيش القضائي"، التي تراقب أداء القضاة، و"معهد الدروس القضائية"، الذي يدرّب القضاة؛
حماية حرّية التعبير والمعتقد وتكوين الجمعيات والتجمع للقضاة شريطة أن يتصرّفوا بطريقة تحفظ كرامة مناصبهم وحياد القضاء واستقلاليته؛
السماح للقضاة بتكوين والانضمام إلى جمعيات أو منظمات أخرى لتمثيل مصالحهم، وتحسين تدريبهم المهني، وحماية استقلاليتهم القضائية؛
تعديل المادة 95 من "المرسوم الاشتراعي رقم 150/83 المتعلق بتنظيم القضاء لجعله متوافقا مع "مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية"، بحيث لا يُمكن وقف القضاة عن العمل أو عزلهم من منصابهم "لدواعي عدم القدرة أو دواعي السلوك" التي تجعلهم لا يستطيعون أداء واجبهم، من خلال إجراءات شفافة وعادلة؛
ضمان حصول القضاة على محاكمة عادلة في أي إجراء تأديبي أو عملية تقييم، مع إخضاع كل الإجراءات لمراجعة مستقلة.
تعديل "القانون الرامي إلى حماية المناطق المتضررة نتيجة الانفجار في مرفأ بيروت ودعم إعادة إعمارها" (القانون رقم 194/2020) بحيث:
تشمل حماية العقارات المتضررة، بما في ذلك القيود المفروضة على بيع الملكية ونقلها، جميع الأحياء المتضررة دون تمييز؛
تضمّ "لجنة إعادة الإعمار" التي أنشأها القانون ممثلين عن السكان المتضررين من الانفجار؛
يحتوي القانون على ضمانات بأنّ السكان المتضررين سيحصلون على مأوى ملائم، متناسب مع احتياجاتهم، أثناء إصلاح منازلهم وإعادة بنائها؛
يُعدّل القانون البنود التمييزية المتعلقة بالتعويض بحيث يُعامَل الضحايا اللبنانيون وغير اللبنانيين بنفس الطريقة.
إصدار قانون يعفي ضحايا الانفجار والسكان المتضررين من دفع الرسوم القانونية المتعلقة بالمطالبة بالتعويض؛
سنّ قانون جديد لقطاع المرافئ، بحيث:
يُنشئ إدارة جديدة وهيكل حوكمة للمرفأ، يشمل تعريفا واضحا لمؤهلات المسؤولين ومسؤولياتهم وطرق مساءلتهم؛
يُحدّد بوضوح صلاحيات وأدوار جميع الكيانات المعنيّة، بما في ذلك إدارة المرفأ، وإدارة الجمارك، وأجهزة الأمن، والحكومة المركزية، والمشغّلين التجاريين؛
يضمن الشفافية في أنشطة المرفأ، بما في ذلك من خلال الكشف علنا عن محاضر الاجتماعات، وعمليات التدقيق المستقلة، والقرارات الرئيسية، ومؤشرات الأداء؛
يستجيب للمعايير الدولية من حيث السياسات البيئية والأمنية.
إصلاح قانون الجمارك، بحيث:
يستجيب لأفضل الممارسات الموصى بها دوليا؛
يُصلح الهيكل الجمركي غير الفعال، بما في ذلك من خلال إلغاء اتخاذ القرار بشكل مزدوج بين "مديرية الجمارك" و"المجلس الأعلى للجمارك"؛
يُحدّد معايير إبلاغ وإجراءات مساءلة واضحة؛
يضمن الشفافية في أنشطة إدارة الجمارك، بما في ذلك من خلال فرض نشر إجراءات التشغيل المعيارية، والأنظمة الجمركية، وإجراءات التصدير، والاستيراد والترانزيت.
إلى المحقق العدلي
· ضمان أن يعرف كل المشتبه بهم بالتهم والأدلة الموجهة ضدّهم؛
· تقديم مبرّرات علنيّة لمواصلة احتجاز المشتبه بهم في انفجار 4 أغسطس/آب الذين ظلوا موقوفين لمدة عام تقريبا. إذا لم يكن استمرار احتجازهم مبررا قانونيا ولا يتماشى مع المعايير الدولية، يجب الإفراج عنهم؛
· ضمان أنّ كل المحتجزين يستطيعون مقابلة ممثليهم القانونيين أو التحدث معهم على انفراد.
إلى شركاء لبنان والمانحين الدوليين
· التأكيد في العلن والسرّ على أن تنفّذ السلطات اللبنانية والمشرّعون التوصيات المذكورة أعلاه؛
· فرض عقوبات مستهدِفة على الأفراد والكيانات المتورطة في انتهاكات جسيمة:
o كما هو منصوص عليه في قانون ماغنتسكي العالمي للولايات المتحدة الأمريكية، و"نظام عقوبات حقوق الإنسان العالمي" للاتحاد الأوروبي، وغير ذلك من أدوات عقوبات حقوق الإنسان المماثلة في المملكة المتحدة وكندا وأماكن أخرى، يجب فرض عقوبات مستهدفة على الأفراد والكيانات المتورطة في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان نتيجة انفجار 4 أغسطس/آب، بما في ذلك الانتهاكات المتعلقة بالحق في الحياة، والذين ظلوا في مناصب حكومية، وانخرطوا في انتهاكات أخرى أو جهود لضمان إفلاتهم من العقاب. ستكون هذه العقوبات الموجّهة أكثر فاعلية إذا سعى إليها الشركاء الدوليون بشكل جماعي، وأكدوا التزامهم بتعزيز محاسبة الجناة. كما أنها ستعطي زخما كبيرا للجهود الديبلوماسية الرامية إلى الضغط من أجل تحقيق العدالة عبر الإجراءات القضائية المحليّة في لبنان.
إلى الحكومة الأمريكية
· دعم تحقيق دولي مستقل في انفجار 4 أغسطس/آب 2020؛
· شرح الدور والصلاحيات الموكَلة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي أثناء مشاركته في التحقيق المحلي في انفجار 4 أغسطس/آب، والالتزام بنشر النتائج التي يتوصل إليها علنا.
إلى الحكومة الفرنسية
· دعم تحقيق دولي مستقل في انفجار 4 أغسطس/آب 2020؛
· شرح الدور والصلاحيات الموكلة إلى عناصر الشرطة الجنائية الفرنسية أثناء مشاركتهم في التحقيق المحلي في انفجار 4 أغسطس/آب، والالتزام بنشر النتائج التي يتوصلون إليها علنا؛
· نشر قائمة المسؤولين اللبنانيين الذين فرضت عليهم الحكومة الفرنسية بالفعل عقوبات.
إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
· تبنّي قرار بإنشاء بعثة تحقيق دولية مستقلة في انفجار 4 أغسطس/آب مهمّتها:
o إجراء تحقيق شامل في انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان المتصلة بانفجار 4 أغسطس/آب 2020 والتحقيق القضائي المحلّي، بما في ذلك جمع المعلومات ومراجعتها، وإثبات الحقائق، وحفظ الأدلة وتحديد الجناة المزعومين لهذه الانتهاكات والتجاوزات، بهدف تحقيق محاسبة كاملة؛ و
o صياغة توصيات بشأن التدابير اللازمة لضمان أن مرتكبي هذه التجاوزات والانتهاكات، بغض النظر عن انتمائهم أو مرتبتهم، تتم محاسبتهم عن أفعالهم، بالإضافة إلى معالجة أوجه التقاعس المنهجية الأساسية التي أدت إلى الانفجار وإلى عدم توسيع نطاق التحقيق المحلي.
إلى "آليات الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان"
· الاستمرار في المراقبة والإبلاغ عن تعطيل إنفاذ حقوق الإنسان نتيجة انفجار 4 أغسطس/آب 2020، ودعم الجهود المبذولة لتحديد المسؤولين وضمان المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان والانتهاكات التي أدت إلى الانفجار وما بعده.
شكر وتنويه
كتبت هذا التقرير وأجرت أبحاثه مديرة قسم الأزمات والنزاعات لما فقيه، وباحثة لبنان والبحرين في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا آية مجذوب. ساهمت استشارية هيومن رايتس ووتش ليال بو موسى في البحث. قدم مساعدة في البحث، والتحرير، والإنتاج كلٌّ من المنسقة المشاركة في قسم الأزمات والنزاعات مادلين دي فيغيريدو، ومساعد الأبحاث الأول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شربل سلوم، ومنسقة مشاركة أولى في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يتضمن التقرير عمل صحفيين استقصائيين وباحثين مستقلين بذلوا جهودا مضنية لكشف الحقائق حول انفجار 4 أغسطس/آب 2020 في مرفأ بيروت. تشكر هيومن رايتس ووتش بشكل خاص وحدة التحقيق في قناة "الجديد" و"مؤسسة سمير قصير" اللذين زوّدانا بوثائق رسمية متعلقة بالانفجار. لما كان هذا التقرير ممكنا لولا دعمهم وجهودهم.
أجرت فورينسك آركيتكتشر، وهي وكالة أبحاث مقرها في غولدسميث، جامعة لندن، ومتخصصة في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان من خلال التحليل المتقدم للمحتوى الإعلامي وإعادة البناء المكاني، بحثا معمقا في انفجارات 4 أغسطس/آب 2020 في مرفأ بيروت. بالتعاون مع “مدى مصر”، وباستخدام فيديوهات وصور ووثائق متاحة للجمهور، أعادت فورينسك آركيتكشتر بناء نموذج ثلاثي الأبعاد للعنبر 12 وتوزيع نيترات الأمونيوم المخزنة بالداخل، والتدقيق فيها فيما يتعلق بالخصائص المختلفة للانفجار. دمجت هيومن رايتس ووتش بعض جوانب هذا العمل في تقريرنا بإذن منهم. يمكن الاطلاع على تقرير فورينسك آركيتكتشر هنا: https://forensic-architecture.org/investigation/beirut-port-explosion وهنا: https://bit.ly/3B80UQN باللغة العربية.
تتوجه هيومن رايتس ووتش بالشكر إلى أسر الضحايا وغيرهم من الأشخاص المتضررين الذين تحدثوا إلى باحثينا. وفّرت تجاربهم، وخسارتهم، ومطالباتهم بالعدالة والمساءلة المعلومات لصياغة توصيات هذا التقرير.
حرر هذا التقرير نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مايكل بيج، والمدير المشارك للبرامج توم بورتيوس، والمستشارة القانونية الأولى ماريا مكفارلاند سانشيز-مورينو. قدم مراجعات متخصصة كل من المدير المشارك في قسم الأسلحة مارك هيزناي، ومدير قسم الأعمال التجارية وحقوق الإنسان آرفيند غانيسان، والمدير المشارك في قسم حقوق الطفل بيل فان إسفلد، والباحثة الأولى في قسم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إمينا سيريموفيتش، والباحثة الأولى في قسم البيئة وحقوق الإنسان كاتارينا رال، والباحثة في قسم حقوق اللاجئين نادية هاردمان، والباحث الأول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عمر شاكر. ساهم في صياغة التوصيات كلٌّ من نائبة مدير شؤون الأمم المتحدة لوسي ماكيرنان، ونائبة مديرة مكتب واشنطن أندريا براسو، ومديرة مكتب فرنسا بنديكت جانرو، ومديرة المناصرة في الاتحاد الأوروبي لوتي ليخت، ومديرة مكتب المملكة المتحدة ياسمين أحمد، ومدير مكتب ألمانيا فينزل ميشالسكي. أعد التقرير للنشر المنسق المشارك ترافيس كار، والمدير الإداري فيتزروي هوبكينز.