اتفاق السلام الذي تم "احياؤه" في سبتمبر/أيلول بين الحكومة وقادة المعارضة لم يضع حدا للقتال بين القوات الحكومية ومختلف القوات المتمردة. نصّ الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية بقيادة الرئيس سيلفا كير، وتعيين رياك مشار نائبا له، مع 4 نواب آخرين. كما نصّ الاتفاق على فترة انتقالية مدتها 36 شهرا، تكون مسبوقة بفترة تمهيدية مدتها 8 أشهر.
ارتكبت جميع أطراف النزاع انتهاكات جسيمة، شملت هجمات عشوائية على المدنيين، منهم عمال إغاثة؛ عمليات قتل غير قانونية؛ ضرب؛ اعتقالات تعسفية؛ تعذيب؛ عنف جنسي؛ استخدام الأطفال كجنود؛ ونهب وتدمير الممتلكات المدنية. ترقى بعض الانتهاكات إلى جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانية. كما قيّدت جميع أطراف النزاع وصول بعثة الأمم المتحدة ومقدمي الخدمات الإنسانية ومراقبي وقف إطلاق النار.
منذ بداية النزاع في ديسمبر/كانون الأول 2013، فرّ أكثر من 4 ملايين شخص من منازلهم، لجأ منهم 2.47 مليون إلى دول الجوار. كما يعيش حوالي 200 ألف شخص في 6 من مواقع "حماية المدنيين" التابعة للأمم المتحدة في مختلف أرجاء البلاد، ويحتاج 7 ملايين شخص إلى مساعدات إنسانية، أغلبهم واجهوا نقصا فادحا في الغذاء.
استمرّ الإفلات من العقاب في تأجيج العنف، في وقت لم يتحقق فيه أي تقدّم في إنشاء المحكمة المختلطة التي نصّ عليها اتفاق السلام لسنة 2015. كما استمرّت الحكومة في تقييد الإعلام والمجتمع المدني واحتجاز المنتقدين والمعارضين تعسفا.
هجمات ضدّ المدنيين والممتلكات المدنية
شنّت جميع الأطراف هجمات على المدنيين والممتلكات المدنية، ولكن القوات الحكومية كانت هي المسؤولة عن معظم الانتهاكات التي تم توثيقها. ظلّ الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة والأكبر سنا أكثر الفئات عرضة للخطر أثناء الهجمات بسبب صعوبات الفرار.
في شمال جونقلي، تسببت المواجهات بين الحكومة وقوات المتمردين في ياي، بياري، موتوت، وواط في تهجير آلاف المدنيين إلى أكوبو، لاكين، وموقع الأمم المتحدة في بور وإثيوبيا. في يونيو/حزيران، قُتل 4 مدنيين وجُرح 5 آخرين في هجوم للحكومة على كيورنيونغ في ولاية جونقلي سابقا.
وثقت "بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان" كيف هاجمت القوات الحكومية والقوات المتحالفة معها في أبريل/نيسان ومايو/أيار 40 قرية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة جنوب ولاية الوحدة، وقتلت ما لا يقل عن 232 مدنيا وأصابت أكثر من ذلك بكثير، ونهبت وحرقت المنازل واستخدمت الاغتصاب كـ "سلاح حرب" ضدّ 120 امرأة وفتاة على الأقل، وأجبرت المدنيين على مغادرة القرى. فرّ الآلاف من منازلهم أو أماكن اختبائهم.
كما دمّرت القوات المدارس والمنشآت الصحية ونهبتها. ففي منطقة غرب بحر الغزال، قال شهود من منطقة بغاري الكبرى خارج واو لـ "هيومن رايتس ووتش" إن القوات الحكومية هاجمت بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب المدنيين، نهبت الممتلكات وأحرقتها، واحتلت المدارس ومراكز الصحة والكنائس، ما تسبب في فرار الآلاف إلى الأحراش وإلى واو.
في ولاية الاستوائية الكبرى، استمرّ الإجرام والمواجهات بين الحكومة وقوات المتمردين على الطرق الرئيسية طيلة السنة، ما تسبب في قتل المدنيين وأجبر الناس على الهروب إلى المستوطنات في أوغندا أو الأحراش. وثق تقرير أصدرته الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول اختطاف 900 مدني وانتهاكات أخرى على يد قوات المتمردين وقوات الحكومة في ولاية غرب الاستوائية بين أبريل/نيسان وأغسطس/آب.
ارتكبت جميع أطراف النزاع أعمال عنف جنسي ضدّ النساء والفتيات أثناء الهجمات المسلحة على منازلهن وأثناء فرارهن من الهجمات أو عند خروجهن لشراء الاحتياجات الأساسية، مثل الطعام والخشب في محيط مواقع الأمم المتحدة. نادرا ما تمت محاسبة مرتكبي جرائم العنف الجنسي.
تورّطت جميع الأطراف في استخدام وتجنيد الأطفال رغم الوعود المتكررة بالكف عن ذلك. في يناير/كانون الثاني، أصدرت "آلية مراقبة وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية الانتقالية" تقريرا قالت فيه إن "تجنيد واستخدام الأطفال مستمر في كافة أنحاء البلاد". كما أفادت الأمم المتحدة بأن 6,500 طفل تم تجنيدهم واستخدامهم كمقاتلين من قبل القوات المسلحة بين أكتوبر/تشرين الأول 2014 ويونيو/حزيران 2018، فضلا عن تعرضهم لانتهاكات أخرى مثل الاختطاف والقتل والتشويه والاعتداء الجنسي.
تقييد المساعدات الإنسانية واستهدافها بالهجمات
يظلّ جنوب السودان واحدا من أخطر الأماكن على عمال الإغاثة. هاجمت جميع الأطراف عمال الإغاثة وقيّدت وصولهم إلى السكان المحتاجين. في 2018، قُتل ما لا يقل عن 12 عاملا في مجال الإغاثة، ما رفع العدد الجملي للضحايا ليتجاوز المئة منذ ديسمبر/كانون الأول 2013. في فبراير/شباط، احتجزت قوات المتمردين 29 عامل إغاثة في منطقة بغاري الكبرى ثم أفرجت عنهم بعد يوم واحد. وفي 10 أبريل/نيسان، تعرض 10 عمال إغاثة للاختطاف لخمسة أيام في ولاية وسط الاستوائية.
في يوليو/تموز، عمد شبان مسلحون في مقاطعة مابان في ولاية أعالي النيل إلى نهب وحرق منشآت إنسانية تابعة للأمم المتحدة احتجاجا على انعدام فرص العمل، ما أجبر مجموعات الإغاثة على تعليق عملياتها.
كما تعرّض أفراد حفظ السلام التابعين لبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان إلى هجمات من قبل مسلحين في عدة مناسبات، وقٌتل جندي نبالي في يونيو/حزيران وأصيب آخر بجروح في سبتمبر/أيلول. استمرّت الجماعات المسلحة والجنود الحكوميون في مهاجمة مجمعات آلية مراقبة وقف إطلاق النار والأمن الانتقالي، ومنها جوبا بور، بانتيو، ملكال، واو، أكوبو، ومالوت.
الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري
احتجزت قوات الأمن الحكومية، وخاصة "جهاز الأمن الوطني"، معارضي الحكومة ومنتقديها، ومنهم نشطاء حقوقيون وأكاديميون. في يوليو/تموز، اعتقل مسؤولون في جهاز الأمن الوطني الناشط بيتر بيار أجاك، المحتجز دون تهم في المركز الرئيسي لجهاز الأمن الوطني في جوبا حتى وقت كتابة هذا الملخص، في الحبس الانفرادي بحسب تقارير. مازال رجل الأعمال كاربينو وول رهن الاحتجاز دون تهم منذ أبريل/نيسان.
كما أخضع عناصر الأمن الوطني والجيش محتجزين مدنيين إلى أوضاع قاسية، شملت الضرب والصعق الكهربائي وغيرها من ضروب سوء العاملة. منذ بداية النزاع، اختفى عدد لا يحصى من الأشخاص أو لقوا حتفهم رهن الاحتجاز.
في يناير/كانون الثاني 2017، اختُطف المحامي دونغ صامويل والمعارض أغري إدري في نيروبي في كينيا ثم ظهرا في المقر الرئيسي للأمن الوطني في جوبا في وقت لاحق من نفس الشهر. لم تعترف الحكومة باحتجازهما ولم تحقق في اختفائهما القسري. كذلك، مازال مصير موظفي الأمم المتحدة أنطوني نيرو وجيمس لوال غير معلوم بعد أن كانا محتجزين في منشأة احتجاز الأمن الوطني قرب نهر جوبا منذ ديسمبر/كانون الأول 2016.
أعلنت الحكومة إطلاق سراح 21 محتجزا في أغسطس/آب و5 آخرين في أكتوبر/تشرين الأول. جميع المحتجزين السابقين الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش لم توجه إليهم أي تهم رغم أنهم احتجزوا لأشهر. كما أفرجت الحكومة عن وليام إندلي وجيمس قديت داك، المتحدث الرسمي باسم رياك مشار، وحُكم على كليهما بالإعدام في فبراير/شباط بتهم ملفقة.
حرية التعبير وتكوين الجمعيات
استدعى مسؤولو الأمن الوطني صحفيين ورؤساء تحرير واستجوبوهم وضايقوهم، وفرضوا رقابة على مقالات صحفية. في فبراير/شباط، أصدرت الأمم المتحدة تقريرا رصدت فيه 60 حادثة، شملت أعمال قتل واعتقالات تعسفية واحتجاز صحفيين ورؤساء تحرير، وإغلاق وتعليق صحف وحجب مواقع الكترونية بين يوليو/تموز 2016 وديسمبر/كانون الأول 2017.
في فبراير/شباط ومايو/أيار، استدعى الأمن الوطني رئيسة تحرير "جوبا مونيتور" وحذرها مرارا من نشر تقارير يعتبرها منتقدة للحكومة. في مارس/آذار، علقت "هيئة تنظيم الإعلام" عمل "راديو ميرايا" التابع للأمم المتحدة، لكن المحطة تحدّت السلطات واستمرت في البث.
كما استمرت السلطات، وخاصة جهاز الأمن الوطني، في مضايقة نشطاء المجتمع المدني، وأدّت الإجراءات الحكومية، مثل اشتراط الحصول على ترخيص مسبق من الأمن الوطني لعقد اجتماعات عامة وعمليات التسجيل البيروقراطية والمراقبة، إلى القضاء على ممارسة حرية التعبير وتكوين الجمعيات.
في فبراير/شباط، أصدرت سلطات جونقلي أمرا حكوميا بحلّ جميع المنظمات الشبابية في الولاية بزعم انخراطها في نشاطات تقوّض النظام العام.
كما واجه نشطاء المجتمع المدني المشاركون في عملية السلام مضايقات وتهديدات. ففي يونيو/حزيران، تعرضت ناشطة للتهديد من قبل ممثل حكومي في أديس أبابا، بينما خضعت أخرى للمراقبة. كما ذكر 4 نشطاء آخرين في المنفى في دول الجوار أنهم تعرضوا لمضايقات وتهديدات ومراقبة من قبل السلطات.
في أغسطس/آب، تعرض ناشط من المجتمع المدني إلى الاعتقال والاحتجاز في يامبيو ثم نُقل إلى المقر الرئيسي للأمن الوطني في جوبا. أفرج عنه أواخر أكتوبر/تشرين الأول دون تهم.
في تقرير صدر في سبتمبر/أيلول، وضع الأمين العام للأمم المتحدة جنوب السودان على قائمة سوداء تشمل 38 بلدا يواجه فيها الناس المضايقة والانتقام بسبب تعاونهم مع الأمم المتحدة في مسائل حقوق الإنسان.
العدالة والمحاسبة
في سبتمبر/أيلول، أدانت محكمة عسكرية في جنوب السودان 9 جنود بجرائم ارتكبوها أثناء هجوم في يوليو/تموز 2016 على مجمع يسكنه عمال إغاثة دوليين. هاجم عشرات الجنود المجمع، قتلوا صحفي، واغتصبوا عمال إغاثة – بشكل فردي وجماعي – ونهبوا المكان ودمروه. برّأت المحكمة واحدا من الجنود العشرة، وحكمت على البقية بالسجن، وقدمت تعويضا ماليا على الاغتصاب والضحايا المصابين بطلق ناري، و51 بقرة لعائلة جون غاتلواك، الصحفي المقتول. غير أن الحكومة لم تعالج مسألة الإفلات من العقاب على العنف الجنسي والعنف الجندري في حق مواطني جنوب السودان.
لم يُحرز جنوب السودان تقدما في إنشاء المحكمة المختلطة التي نص عليها اتفاق السلام لسنة 2015، والمضمنة كذلك في الاتفاق الذي تم احياؤه. كما لم يوقّع بعد على مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأفريقي ولم يتبنَّ تشريعات لإنشاء المحكمة.
في مايو/أيار، عيّن سيلفا كير الجنرال غابرييل جوك رياك قائدا لقوات الدفاع في "جيش التحرير الشعبي السوداني". رياك خاضع لعقوبات من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
في أغسطس/آب، أعلن سيلفا كير عفوا عن مشار وقادة آخرين من المتمردين، وهي خطوة انتقدتها هيومن رايتس ووتش لأنها مخالفة لحظر العفو عن جرائم الحرب المكفول في القانون الدولي.
الأطراف الدولية الرئيسية
أدانت أطراف دولية وإقليمية استمرار خرق وقف إطلاق النار، وهددت باتخاذ خطوات عقابية. فرضت الولايات المتحدة حظر أسلحة أحادي الجانب على جنوب السودان في فبراير/شباط، وعاقبت 15 كيانا من جنوب السودان يعمل في مجال النفط.
في يوليو/تموز، فرض مجلس الأمن الدولي – في تصويت أيدته 9 دول وامتنعت 6 دول أخرى من التصويت عليه – حظر أسلحة قابل للتطبيق عالميا، فضلا عن عقوبات مركزة تمثلت في حظر سفر وتجميد أصول على 2 من أصل 3 أشخاص كانوا أصلا خاضعين لعقوبات أحادية الجانب من الاتحاد الأوروبي منذ فبراير/شباط، فارتفع العدد الإجمالي لمواطني جنوب السودان المستهدفين بعقوبات الأمم المتحدة إلى 8.
في مارس/آذار، جدد "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" ولاية "لجنة حقوق الإنسان في جنوب السودان" لسنة إضافية. قدّمت اللجنة أسماء أشخاص وجماعات متورطين في انتهاكات إلى "المفوضية السامية لحقوق الإنسان".
تحت رعاية الكتلة التجارية الإقليمية، لعبت كل من "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية" والسودان وإثيوبيا وكينيا أدوارا أساسية في الوساطة في اتفاق السلام الذي أعيد إحياؤه. وفي سبتمبر/أيلول، طلبت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية من مجلس الأمن الدولي إدراج قوات من جنوب السودان وأوغندا وجيبوتي والصومال في "قوة الحماية الإقليمية" التي منحتها ولاية في صيف 2016، والتي تم نشرها بشكل جزئي فقط.
في سبتمبر/أيلول، انضم جنوب السودان إلى "البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن إشراك الأطفال في المنازعات المسلحة".
"لجنة الاتحاد الأفريقي" لها صلاحية إنشاء محكمة مختلطة دون إشراك حكومة جنوب السودان بموجب بنود اتفاق السلام لعام 2015، وبموجب الاتفاق الذي أعيد إحياؤه، لكنها لم تتحرك بعد لمواجهة تقاعس السلطات في جنوب السودان في تحقيق أي تقدم.