Iraq



Iraq Iraq
  

الأردن

يستضيف الأردن الآن قرابة 800,000 شخص عراقي الجنسية، وغالبيتهم العظمى من اللاجئين، مع أن جزءاً قليلاً منهم فقط تم الاعتراف به كلاجئ. ولا يخول منح المرء وضعية اللاجئ أن يصبح لاجئاً؛ فهذه الوضعية، عندما يتم منحها، تعني أن الشخص يستوفي معايير اللجوء، وهو أمر يحدث بالضرورة قبل الاعتراف الرسمي بكونه لاجئ. ولا يعني غياب الاعتراف الرسمي أن اللاجئ أو طالب اللجوء (الشخص الباحث عن الاعتراف به كلاجئ) هو أقل استحقاقاً للحماية.

وتعمد السلطات الأردنية إلى النظر إلى العراقيين نظرات متباينة على اعتبارهم "ضيوفاً" أو "زواراً مؤقتين" أو "أجانب غير شرعيين". والأردن بلد لم يوقع على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وليس لديه قانون لجوء أو تدابير خاصة بطالبي اللجوء. وقد بقي، طيلة السنوات الثلاث الأولى من الحرب، متسامحاً إزاء الأعداد الكبيرة من العراقيين التي تعبر حدوده وتقيم في مناطقه، مُفضلاً أن يتجاهل متعمداً هذا العدد من العراقيين، إذ يشيح بوجهه تاركاً العراقيين يعينون أنفسهم بأنفسهم.

إلا أن كلاً الموقفين الشعبي والحكومي تغير بعد شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2005 عندما قام ثلاثة عراقيين بتفجير عدد من القنابل قتلت 60 شخصاً في ثلاثة فنادق شهيرة في عمان. ومنذ ذلك الوقت، شددت السلطات من إجراءات تجديد إذن الإقامة المؤقتة للعراقيين والبقاء في البلد بشكل قانوني؛ وكثفت السلطات من جهود تضييق الهجرة سواء في الداخل أو على الحدود.

والمثير للسخرية أن مواقف الحكومة الأردنية ازدادت تصلباً أواخر عام 2006 ومطلع عام 2007، في رد فعل سلبي واضح إزاء بروز إدراك واهتمام عالمي إيجابي بوضع اللاجئين العراقيين، وظهور البوادر الأولى لاهتمام حكومات من خارج المنطقة بمساعدة الأردن في رعاية أعداد كبيرة ومتزايدة من جموع العراقيين اللاجئين.

وكان للسلطات الأردنية رد فعل سلبي خاصةً تجاه تغير سياسة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، حيث قالت هذه المفوضية في الأول من يناير/كانون الثاني 2007، بأنه "نظراً للواقع الموضوعي للنزاع المسلح والعنف المعمم في العراق" وإدراكاً أنه بسبب "العدد الكبير المشمول في ذلك، فإن وضع اللجوء الفردي غير ملائم"، ومن هنا فإن المفوضية "تعتبر هؤلاء الأشخاص لاجئين بحكم الأمر الواقع".

وبناء على شهادات حديثة للاجئين أكدها مسافرون آخرون، كسائقي الشاحنات وسيارات الأجرة، أوقف الأردن تقريباً دخول المواطنين العراقيين عبر الحدود مع العراق وهو يرفض استقبال الكثير من، إن لم يكن معظم، العراقيين الذين يحاولون القدوم على متن الطائرات.

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2006، يفيد اللاجئون والمسافرون الآخرون بأن المسؤولين الأردنيين يبعدون الرجال العراقيين غير المتزوجين والفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و35 عاماً على الحدود. بل إن الروايات الأخيرة تشير إلى أن الأردن يطبق منع الدخول على نطاق أوسع. وفي بعض الحالات يتم رفض استقبال العراقيون في منافذ الدخول لعدم إبرازهم جواز السفر الجديد من نوع G، الذي يصعب تزويره أكثر من الجوازات الصادرة سابقاً. إلا أن العراقيين لا يستطيعون استصداره إلا من وزارة الداخلية بعد دفع مبلغ كبير من المال، وبعد فترات طويلة من الانتظار، يخضعون خلالها للتدقيق السياسي والديني من قبل السلطات المانحة لهذه الجوازات. وفي حالات أخرى، يسأل حرس الحدود الأردني العراقيين عن هويتهم الدينية ويرفضون كل من هو شيعي أو يبدو أنه شيعي. وفي بعض الحالات، يتم منع عراقيين من الدخول مجدداً إلى الأردن بعد مغادرته إلى العراق، مع أن لديهم إذن قانوني بالإقامة في الأردن ويمتلكون وثائق سفر شرعية، مما يتسبب بانفصالهم عن عائلاتهم.

وقال رجل مسيحي من بغداد كان يعمل سائقاً لدى الصليب الأحمر لـ هيومن رايتس ووتش إنه فرّ إلى الأردن هو وزوجته وأطفاله الأربعة في يونيو/حزيران 2006، بعد إصابة أحد أبنائه في انفجار سيارة مفخخة وتلقيه تهديداً مكتوباً يقول "أنت كافر، وزوجتك عاهرة. سنطاردك حتى آخر يوم في حياتك". إلا أن زوجته عادت في الآونة الأخيرة، مع أصغر أبنائها، إلى بغداد؛ لأن والدها تعرض لأزمة قلبية، وحاولا بعد ذلك العودة إلى الأردن عن طريق البر في 27 مارس/آذار 2007، إلا أن حرس الحدود الأردني رفض استقبالهما رغم إبراز وثائق سفر قانونية، وقال الرجل: "قامت زوجتي بإخبار حرس الحدود بأن لها ثلاثة أطفال صغار في عمان، إلا أنهم قالوا لها (قد تكونين لاجئة) وأبعدوها، وأعتقد بأنهم لم يدعوها تدخل؛ لأن أولادها الآخرين موجودون هنا في الأردن".

ويعتبر قيام مسؤول حدود بحرمان امرأة وطفلها من الدخول لمجرد اعتقاده بأنهما لاجئان انتهاكاً للحق في التماس ملجأ آمن له ولمبادئ حقوق الإنسان الأساسية الأخرى. وإذا كان مسؤولو الحكومة يشتتون العائلات عمداً – كما تشير هذه الرواية وروايات أخرى – فإن ذلك انتهاك إضافي للحقوق الأساسية للأسرة والأطفال.

وبعد أن تم طرد هذه المرأة عن الحدود وعادت أدراجها إلى بغداد، حاولت أن تعود بابنها إلى الأردن جوا، لكن مسئول الهجرة في مطار عمان رفض إدخالها قائلا لها بأن الحاسوب يبين أنها تم رفضها على الحدود البرية، وقال زوجها: "ما زلنا نملك إذناً قانونياً بالإقامة المؤقتة في الأردن، وليست علينا أية غرامات"، لكن في الوقت الذي تم فيه إجراء المقابلة، لم يكن لدى الرجل إلا يومين قبل انتهاء صلاحية سند الإقامة المؤقتة.

وقد صلت جواً من بغداد في شهر يوليو/تموز 2006 امرأةٌ سنّية لها من العمر أربعين عاماً، تم قتل زوجها وقُطعت أوصاله أمام ناظريها، ثم تعرضت لمعاملة وحشية، وتم اغتصابها جماعياً من قِبل ثمانية رجال (وقد كشفت لباحثي هيومن رايتس ووتش عن الندبات الموجودة على قدميها وركبتيها وساقيها وظهرها ومعدتها ورأسها ووجهها). وأفادت هذه المرأة بأن سلطات الهجرة الأردنية قبلت فقط اثنين من العراقيين القادمين على متن تلك الطائرة، وأعادت جميع الباقين؛ وتقول المرأة بأن السبب الوحيد الذي جعلهم يسمحون لها بالدخول هو أنها تحمل تأشيرة دخول إلى المغرب على جواز سفرها، وقد أخبرتهم أنها مجرد عابرة للأردن. وروى آخرون مشاكل صادفتهم في المطار، وأخبر شخص عراقي في الخمسينيات من عمره ميسور الحال هيومن رايتس ووتش عن عودته إلى عمان بعد حضوره مؤتمر في المملكة المتحدة، فقال:

يبدو أن الحكومة الأردنية تغير الأنظمة كل شهرين، فقبل ثمانية أشهر، ذهبت إلى إنجلترا، وفي المطار استجوبتني الاستخبارات الأردنية، إذ قالوا، "أنت عراقي، فلماذا ترجع إلينا؟" أخبرتهم أن زوجتي وابنتي هنا، وما حماني هو أنني أسافر مع شخص أمريكي. ولو كنت وحيدا، فأنا واثق بأنهم كانوا ليبعدوني إلى العراق، وقد دونوا على جواز سفري بأنني أستطيع البقاء لأسبوعين فقط، وأنا الآن موجود هنا بشكل غير قانوني، وهذا الشهر تغيرت السياسة مجدداً، إذ منحوا القليل من العراقيين الذين قبلوهم في المطار تأشيرة عبور لمدة اثنتين وسبعين ساعة فقط غير قابلة للتجديد، وإذا وصلت إلى المطار دون وثائق خاصة، فإن السلطات الأردنية تحتجزك وترسلك إلى العراق.

في السابق كان يكفي لتجديد سند الإقامة أن تذهب إلى سوريا. أما الآن فحتى الذين يذهبون إلى سوريا، لا يمكنهم العودة.

ويؤكد مسافرون آخرون جدد على صعوبة دخول الأردن براً وجواً، وليس فقط لجهة قيود الدخول إنما مخاطر السفر بحد ذاته. وذكر رجل مسن بعمر السابعة والسبعين من النجف لماذا بات وصول الشيعة الجدد أمراً نادراً. والرجل ذو اللحية الرمادية والمرتدي الثياب التقليدية، لا يعترف بأنه لاجئ، وقد حاول دخول الأردن براً في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2006 للعلاج الطبي، إلا أنه تعرض للإبعاد عن الحدود، وأكد أنهم عند الحدود "لا يدعون أحدا يدخل أبداً، ولم يسألوا عن جواز السفر الجديد من نوع G؛ بل أرجعونا وحسب، وقلت لهم إنني قادم للعلاج الطبي، لكنهم رفضوا استقبالي".

وبعد رفض المجموعة على الحدود، عادت إلى بغداد، وكانوا يسافرون في قافلة مؤلفة من شاحنتين كبيرتين مكشوفتين، وهذه الشاحنات هي الوحيدة التي تقود المسافرين إلى الأردن (لا يسمح الأردن للسيارات الخاصة التي تحمل لوحات عراقية مرخصة بالدخول إلى البلد منذ يناير/كانون الثاني 2006). وبعد حوالي 150 كيلومترا من الحدود، أجبرت مجموعة من المسلحين الشاحنتين على الوقوف وأنزلوا المسافرين منها. وسألوا المسافرين إن كانوا سنة أو شيعة، وطلبوا رؤية جوازات السفر، واختبروهم بأن طلبوا منهم أن يتلوا دعوات معينة. وقال  الرجل العجوز: "لو رأوا جواز سفري لكنت الآن مقتولا"، وقد أخبرهم بأنه سني وأنه أضاع جواز سفره، ولم يفتشوه؛ وقال إن الجماعة المسلحة أجبرت المسافرين الشيعة أيضاً على الانبطاح أرضاً، وأطلقوا النار عليهم وقتلوهم، باستثنائه هو وزوجته المسنة، وقال: "لعلهم احترموا أنني رجل مسن"، وقد توسل إليهم أن يبقوا على حياة السائق، وهكذا تمكن من العودة إلى بغداد.

وفي 16 مارس/آذار 2006 عاد الرجل وحده جواً إلى عمان، إذ قال "عندما جئنا براً لم يقبلونا، فأتيت بمفردي لأننا كنا نعرف بأنهم لن يقبلونا معاً"، وفي المطار قال بأن السلطات الأردنية أعادت جميع العراقيين الذين كانوا على متن طائرته؛ وبعد أن قدم الدليل على أنه أخذ موعداً للعلاج الطبي وبأنه مكفول من قبل كفيل أردني سيدفع 2,000 دولار لقاء معالجته، منحوه سند إقامة لمدة 3 أشهر، إذ ذكر أنه سيعود إلى العراق براً عندما تنتهي هذه المدة؛ لأن عليه أن يعود إلى زوجته ولا يستطيع تحمل نفقات السفر جواً، وختم حديثه قائلاً: "أنني خائف ولكن لا بد من العودة".

و تم إجبار مهني عراقي مسيحي من بلدة عربية ذات غالبية سنية (تم إغفال ذكر مهنته واسمه واسم بلدته حمايةً لأفراد أسرته التي لا تزال هناك) على الفرار أواخر عام 2006 بعد أن قامت مجموعة مسلحة باختطاف والده، وهو زعيم ديني، وقتله، كما هددوه هو بالقتل، وقال: "تم تهديدي عام 2003 وعام 2004 بوصفي [تم إغفال المهنة]، لكنني بقيت"، وتابع يقول:  "أما الآن فالأمر يتعلق بأسرتي، وليس بمجرد أن أخسر حياتي؛ ونحن لسنا خائفين فحسب، إلا أن حدثاً محدداً أجبرنا على مغادرة العراق". وقد وصل، بصحبة أفراد أسرته وزوجته وهم يحملون وثائق السفر خاصة، إلى مطار عمان أواخر عام 2006. وقال الرجل بأن السلطات الأردنية رفضت دخول جميع العراقيين الذين وصلوا على متن الطائرتين يوم وصوله، لكنه تدبر أمر دخوله إلى الأردن من خلال معرفته بأحد المسئولين، إلا أنه لم يستطع إدخال أسرته، وهو الآن مقيم في الأردن بشكل غير قانوني، وقال: "حاولت إحضار عائلتي في شهر فبراير/شباط، إلا أنه رفضوا دخولهم في المطار"، وقد قام بالتسجيل في مفوضية اللاجئين، ولكنه حين أخبر أحد مسئولي المفوضية بأمر أسرته، أجابه مسئول المفوضية بأنهم عاجزون عن المساعدة لأن أسرته لا تزال داخل العراق، وقال:

لا أستطيع العودة إلى العراق، فأنا على قائمة الموت، وعائلتي تحت التهديد، وإقامتي في عمان ليست آمنة؛ سوف يعيدونني إلى العراق متى شاءوا، وهذا أمر خطر، إذ دخلت الأردن مرات عديدة قبل أن يحدث هذا، إلا أن الأمر ليس مجرد نزهة، فأنا خاضع لتهديد جدي، والعودة إلى العراق تعني موتي.

وأفادت مصادر مختلفة لـ هيومن رايتس ووتش بأن مسئولي الحدود الأردنية يعيدون الآن بشكل خاص طالبي اللجوء الشيعة، وقال أحد الرجال بأن والديه (أحدهما سني والآخر شيعي) عندما وصلا إلى الحدود الأردنية، سمحوا لوالدته السنية بالدخول ورفضوا إدخال والده الشيعي ووضعوا الختم الأحمر على جوازه (مانعين إياه من الدخول مستقبلاً)؛ ولأنهما لا يريدان الانفصال عن أحدهما الآخر، فقد عادا معاً إلى بغداد، وقال: "اتصلوا بنا من الحدود وهما يبكيان". وشهد لاجئ سني في مصر، اضطهدته الميليشيات الشيعية في بغداد، بأن حرس الحدود منعوا الشيعة من دخول الأردن عندما عبرها في يونيو/حزيران 2006 في طريقه إلى مصر، وقال:

لم يكن دخول الأردن سهلاً، إذ صادفتنا مشاكل كبيرة على الحدود... لم يدعوا الشيعة يدخلون... وسألوا عن دين كل شخص... إذا قلت أنك سني، تمت الموافقة، وإذا قلت بأنك شيعي لم يقبلوك، وقد سمحوا لنا بالدخول بإذن إقامة لأسبوع واحد، فقط لأن ابنتي كانت مريضة.

وبالإضافة إلى الرفض على المعابر الحدودية وفي المطار، يروي اللاجئون في الأردن أن الشرطة وسلطات الهجرة زادت من حملات المداهمة، حيث تقوم باعتقال الناس في المنتزهات وأماكن العمل، والأحياء التي يحتشد فيها العراقيون، ويبدو أن التوقيف يحدث بحق أعداد كبيرة وأن عمليات الترحيل تتم بسرعة متزايدة.

وروت امرأة عراقية في عمان لـ هيومن رايتس ووتش بأن الشرطة الأردنية أوقفت ثلاث من أصدقائها في 7 إبريل/نسيان، في معمل يعملن به بشكل غير قانوني، وأخذتهم الشرطة بشكل مفاجئ إلى الحدود، وقالت المرأة "حدث كل شيء بسرعة كبيرة"، وتابعت تقول: "يخشى الناس أن يمشوا في المدينة، حتى بوجود وثائق مفوضية اللاجئين؛ فالشرطة تداهم ليس المعامل وأماكن العمل فحسب، بل ويقبضون على الأشخاص بالتقاطهم من الشوارع".

وقال رجل دين عراقي: "يقبض مسئولو الحكومة على الناس الآن، وقبل بضعة أشهر، كان الرجال الذين يعملون بشكل غير قانوني فقط هم المعرضون للخطر، وكم يؤلمنا أن نرى امرأة يتم اعتقالها من قِبل الشرطة، وهو عار كبير من وجهة نظر شعوب الشرق الأوسط، وفي حي جبل الحسين [حيث يعيش كثير من العراقيين] رأيت الشرطة تقبض على شاب مؤخراً، وكان يصرخ في الشارع: لا أريد أن أتعرض للقتل".