Iraq



Iraq Iraq
  

مصــر

تستضيف مصر حالياً حوالي 150,000 عراقي، وقد اتخذت مصر أيضاً خطوات تعيق وصول مزيد من اللاجئين العراقيين، وأدى ذلك، كما في الأردن، إلى تفريق الأسر، وزاد من حدة القلق عند اللاجئين الموجودين سابقاً فيها، وعمق من حالة اليأس عند الذين ما زالوا في العراق ويحاولون إيجاد طريقة للخروج منه.

وقد درجت السلطات المصرية، حتى شهر أكتوبر/تشرين الأول 2006، على التجديد الروتيني لتأشيرة الدخول السياحية للمواطنين العراقيين الموجودين في مصر. أما الآن، فقد أصبحت وزارة الداخلية المصرية أكثر تشدداً في تجديد التأشيرات السياحية، وأخبرت العراقيين بأن من يرغب في البقاء في مصر عليه أن يسجل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في القاهرة. ونتيجة لذلك، شهد مكتب المفوضية تزايداً في أعداد طالبي اللجوء العراقيين؛ وبعد حصولهم على الوثائق الصادرة لهم من المفوضية، عليهم الذهاب إلى وزارة الخارجية ليتلقوا رقماً مرجعاً، ومن هناك عليهم الذهاب إلى وزارة الداخلية ليمهروا بطاقاتهم، التي حصلوا عليها من المفوضية، بختم الإقامة.

وبدأت السلطات المصرية، مطلع يناير/كانون الثاني 2007، بفرض إجراءات جديدة مشددة على العراقيين الراغبين بالدخول إليها. وفيما مضى كان يمكن للعراقيين وهم في العراق أن يحصلوا على تأشيرة دخول سياحية عبر تقديم جوازات سفرهم إلى وكالات السفر في بغداد، والتي تأخذ الجوازات إلى القنصليات المصرية في دمشق أو عمان. أما الآن فإن السلطات المصرية تطلب إجراء مقابلة شخصية مع أحد أفراد العائلة على الأقل في تلك القنصليات، مما أدى إلى تناقص الأعداد بشكل كبير، لأن العراقيين لا يستطيعون المجيء إلى سوريا أو الأردن. وبما أنه لا يوجد مكتب دبلوماسي مصري في العراق، فإنه من المستحيل عملياً الآن أن يحصل العراقيون الذين ما زالوا في العراق على تأشيرة دخول إلى مصر.

وقد سببت الإجراءات الجديدة تناقضاً كبيراً في وصول عراقيين جدد، بالإضافة إلى تمزيق العائلات، حيث يتمكن واحد أو أكثر من أفراد الأسرة من الوصول إلى مصر، بينما أفراد الأسرة الآخرين لا يزالون في العراق.

ورغم أن هيومن رايتس ووتش لم توثّق أية حالة أبعدت فيها السلطات المصرية عراقيين تجاوزوا المدة التي تسمح  بها تأشيرة الدخول، أو أرجعت إلى العراق أشخاصاً تم رفضهم في المطار، فإن هيومن رايتس ووتش قد سمعت عن عراقيين قدموا من سوريا والأردن وتمت إعادتهم إلى تلك البلدان. ومع أن الأقارب يروون أن سلطات الهجرة السورية قبلت بالعائدين إليها، فإن اللاجئين في الأردن أفادوا بأن من عاد إلى الأردن قادماً من مصر قد تم توقيفه في المطار وتم ترحيله إلى العراق.

وقال مهندس سني من حي مختلط في بغداد، غادر إلى الأردن بعد أن تفحصت ما سماها "الميليشيا الحكومية"، وثائق هويته على إحدى نقاط التفتيش عندما كان في سيارته مع زوجته وأطفاله وهددوه بأن يوقفوه في الحال: "أرادوا توقيفي لمجرد أنني سني"، وأضاف بأنه كان يرغب بالتوجه مباشرة إلى القاهرة، لكن عملية الحصول على تأشيرة الدخول كانت بطيئة جداً، وقال: "قدمنا طلباً عاجلاً للحصول على جوازات السفر وغادرنا، وحملتنا سيارة أجرة إلى الحدود الأردنية".

وأوضح أنه لم يمكث في الأردن؛ لأن الأردنيين لم يسمحوا له بتجديد إذن الإقامة المؤقتة، وقال: "عليك أن تدفع ما يقارب 1.5 دينار (2 دولار) مقابل كل يوم لا تملك فيه إذن إقامة في الأردن، والأغنياء فقط يمكنهم البقاء في الأردن"، وأضاف: "اخترنا مصر لأنه قيل لنا بأنها أرخص من سوريا والأردن، ولأن سوريا بدأت تشهد وجود بعض الميليشيات، وهناك عمليات اختطاف داخل سوريا، وقد عبر إليها العنف الطائفي".

وقال بأنهم استطاعوا الحصول على تأشيرة دخول مصرية من وكالة سفر في الأردن، واستغرقت العملية قرابة أسبوعين، وسافروا جواً من عمان إلى القاهرة في 3 أغسطس/آب 2006، وقال: "عندما قدمنا من الأردن كنا العراقيين الوحيدين على متن الطائرة، فأغلب العراقيين يأتون من سوريا أو من بغداد مباشرة".

ومع ذلك، أغلقت الإجراءات الجديدة الطريق المباشر من بغداد إلى القاهرة، وقال: "ما زال والداي وأقاربي في بغداد، ولم أسمع شيئاً عن والديّ طيلة أسبوعين أو ثلاثة [فاضت عيناه بالدمع وهو يقول ذلك]. وهما لا يملكان مالاً ليغادرا العراق، ولا يمكنهما الحصول على تأشيرة دخول".

ووصف رجل آخر يعيش في القاهرة نفسه بأنه بعثي علماني من منطقة حديثة في محافظة الأنبار، وغادرها بعد أن اعتقلته القوات الأميركية واحتجزته سبعة أشهر. وقد خشى ما يمكن أن يحدث له لو اعتقلوه مجدداً، وشعر بعدم ارتياح متزايد حيال تنامي قوة كل من الميليشيات السنية والشيعية بسبب ما يراه فيها من تطرف ديني، وهكذا فقد قدم مباشرة من بغداد إلى القاهرة في 1 يونيو/حزيران 2005، وقال إن وضع أقربائه الذين ما زالوا في العراق ليس آمناً. وقال: "كل يوم يتلقون في المنازل مكالمات تهديد"، وأوضح أن أفراد أسرته يواجهون مصاعب في الحصول على تأشيرات الدخول المصرية، حيث قال: "إنه أمر صعب جداً". ولدى سؤاله من طرف هيومن رايتس ووتش إن كانت أسرته تخطط لمغادرة العراق أجاب: "وإلى أين سيذهبون؟".

وكشف عراقي آخر في أواخر العشرينيات ويعيش في الإسكندرية، عن المصاعب المتزايدة التي تواجه حاملي الجنسية العراقية في الاحتفاظ بالإقامة في مصر وفي الحفاظ على وحدة العائلة أمام التعقيدات المتزايدة المفروضة على الدخول إلى مصر. وكان قد وصل إلى مصر في سبتمبر/أيلول 2006 وحصل على إذن إقامة لشهر واحد، وعندما ذهب لتجديده، بدأت المشاكل:

بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2006 بعد عيد الفطر، جاء رجال أمن الدولة إلى بيتي، وأخذوني واستجوبوني عن سبب مجيئي إلى مصر، فقلت لهم بأنني هربت من الحرب في العراق، فأخبروني بأن مصر لا تمنح الإقامة للعراقيين، وطلبوا مني الذهاب إلى مكتب جوازات السفر، فذهبت إلى هناك في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2006، فأخبروني بأن طلبي قد قوبل بالرفض، وأرادوا جواز سفري ليختموا عليه بأن علي أن أغادر مصر، فخطفت الجواز وهربت، وأنا الآن موجود في مصر بشكل غير قانوني منذ ذلك الحين، وعندما أغادر مصر سيكون علي دفع غرامة مالية على تجاوز المدة المسموح بها في تأشيرة الدخول.

ولم تنته مشاكل الرجل عند هذا الحد، فقد هربت زوجته وأطفاله إلى سوريا، ويريدون أن ينضموا إليه في مصر. وانتظروا شهراً كاملاً في سوريا لاستكمال إجراءات الحصول على تأشيرة دخول إلى مصر، وفي مطلع مارس/آذار 2007 جاؤوا إلى القاهرة جواً.

كانوا يحملون التذاكر وتأشيرات الدخول، ولكن عندما وصلوا إلى مطار القاهرة، منعهم المصريون من الدخول، واحتجزوهم ليلة واحدة، واتصلت بي السلطات المصرية على هاتفي الخلوي، وكنت وقتها في المطار أنتظر زوجتي وأطفالي، وأعلمتني السلطات بأن عليّ أن أعود إلى المطار في اليوم التالي. واكتشفت أنهم وضعوا زوجتي وأطفالي على متن طائرة وأعادوهم إلى سوريا. وقد قبلتهم سوريا عندما عادوا إليها.

وقرر الرجل أن يذهب إلى سوريا لينضم إلى زوجته وأطفاله، رغم حصوله على مقابلة تسجيل لدى مفوضية اللاجئين في القاهرة في 16 إبريل/نيسان، وقد أظهر تذكرة الطائرة لـ هيومن رايتس ووتش، قائلاً:

هناك كثير من القصص المشابهة لقصة زوجتي وأطفالي. فقد روت لي زوجتي أن جميع العراقيين الذين كانوا معها على متن الطائرة قد تم احتجازهم هم الآخرين في المطار، ومن ثم تمت إعادتهم إلى سوريا. والعراقي الوحيد الذين قبلوا دخوله هو شخص حصل مُسبقاً على الإقامة في مصر.

لماذا تتم معاملة العراقيين على هذا النحو؟ نحن لسنا قادمين لقضاء عطلة، بل نحن هاربون من جحيم العراق، وعلى تلك الدول أن تبقي حدودها مفتوحة؛ فخيارنا الوحيد في العراق هو: إما القتل أو الرحيل.