بينما نحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان، فإننا نجد أنفسنا أمام تحدٍ جسيم يتمثل في ضآلة ما فعله العالم لانتشال لأهالي دارفور غربي السودان من براثن أعظم كارثة منيت بها حقوق الإنسان هذا العام. ومع إمعان الحكومة السودانية، وميليشياتها العرقية، في حملتها الشعواء من القتل والاغتصاب والنهب والتهجير القسري، وبعد صدور العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن أزمة دارفور، لم يعد بمقدور حكومات العالم أن تدعي الجهل بما يحدث. وبعد سقوط عشرات الآلاف من القتلى، وتشريد زهاء 1,6 مليون شخص من ديارهم، أصبحت دارفور الآن تحتل مكانها البارز بين اهتمامات المجتمع الدولي؛ ولكن ضحايا دارفور لم يجدوا في ذلك أي عزاء أو سلوى. لقد سمعنا الكثير من زفرات الحسرة والألم وعبارات الاستياء والاستنكار الدولي، ولكننا لم نكد نرى حتى الآن أي استجابة ذات جدوى؛ فقد انتقل المجتمع الدولي من طور الجهل إلى طور القلق، ثم إلى طور التظاهر بالتحرك - ولكنه لم يزد على ذلك شيئاً. ومثل هذه الاستجابة الضئيلة الهزيلة، إذ هي تأتي بعد عقد من الإبادة الجماعية الرواندية، فإنها تجعل العهود التي قطعناها على أنفسنا آنذاك، بأن مثل ذلك "لن يتكرر أبدأ"، مدعاةً للسخرية والاحتقار.
إن قوة وحيوية الدفاع العالمي عن حقوق الإنسان باتت معرضة للخطر؛ ففي مواجهة الجرائم التي ترتكبها الخرطوم ضد الإنسانية - وهي فظائع ذهب البعض إلى حد وصفها بالإبادة الجماعية - لا يكفي التنديد بالفظائع، وإطعام الضحايا، وإرسال حفنة من قوات الاتحاد الإفريقي التي تفتقر إلى العتاد اللازم، لا لشيء سوى مراقبة المجازر والتطهير العرقي. ولم يُمارس أي ضغط ذي بال على الحكومة السودانية لوقف حملتها الفتاكة؛ ولم تُرسل أي قوة دولية يُعتدُّ بها للحماية؛ ولم يُقدَّم لساحة القضاء أيٌ ممن أشرفوا على المجازر؛ ولم تنهض أي حكومة بمسؤوليتها عن حماية أهالي دارفور من المقتلة الواسعة النطاق.
ونحن نعرف ما ينبغي فعله لوضع حد للفظائع في دارفور، وتهيئة الظروف المواتية لعودة النازحين إلى ديارهم سالمين. فلا بد من تعزيز قوات الاتحاد الإفريقي في دارفور بدرجة ملموسة؛ ويبلغ قوام هذه القوات حالياً 3500 جندي، وهي قوة هزيلة بالنسبة لمنطقة تبلغ مساحة فرنسا، وتفتقر إلى الطرق ومنشآت البنية الأساسية. ويجب توسيع نطاق صلاحياتها ليشمل حماية المدنيين؛ ومن واجب القوى الحكومية الرئيسية خارج إفريقيا هي الأخرى تقديم الحماية والمساعدة في هذا الصدد، بالرغم من انشغالها بمناطق أخرى.
ويجب علينا أيضاً التحقق من محاسبة من أشرفوا على الفظائع في دارفور وتقديمهم إلى ساحة القضاء؛ وأغلب الظن أن لجنة التحقيق التي أنشأها مجلس الأمن الدولي سوف ترفع توصية للمجلس في يناير/كانون الثاني بإحالة قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولكن هل تمد الصين بصرها إلى ما هو أبعد من عقودها النفطية، لتسمح بمثل هذه الإحالة أن تمضي إلى غايتها؟ وهل تدع روسيا صفقات أسلحتها للخرطوم تقف حائلاً دون ذلك؟ وهل تتغلب الولايات المتحدة على عدائها المستحكم للمحكمة فتسمح بمقاضاة مرتكبي الجرائم التي تصفها بالإبادة الجماعية؟ أم تراها ستصر على إضاعة الوقت في إنشاء محكمة منفصلة، بينما يعاني أهالي دارفور ويهلكون؟ إن التصريحات الكثيرة لمجلس الأمن الدولي التي يعرب فيها عن قلقه بشأن دارفور، سوف يكون لها رنين أجوف، لا قيمة له، إن كانت استجابة المجلس للمناشدات اليائسة من دارفور هي السماح للجناة بالبقاء في نجوة من العقاب، من خلال التسويف أو التقاعس عن التحرك.
في هذا اليوم أيضاً، العاشر من ديسمبر/كانون الأول، تُستأنف محادثات السلام في العاصمة النيجيرية أبوجا بين الحكومة السودانية وجماعتي المتمردين في دارفور؛ وما من شك في أن وقف القتال الدائر سوف يساعد سكان دارفور، ولكن الفظائع لم تكن نتاجاً للحرب وحسب؛ بل تولدت عن قرار الخرطوم بمحاربة حركة التمرد عن طريق شن الاعتداءات المتعمدة على مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء الذين شاء حظهم العاثر أن يشتركوا مع بعض المتمردين في الأصل العرقي.
ولا يجدر بنا، ونحن نتطلع للسلام ولحل سلمي للأزمة، أن نغفل الفظائع التي تعد هي أهم سبب للمعاناة في دارفور اليوم؛ فعملية السلام التي تعالج حرباً دامت 21 عاماً في جزء آخر من السودان، وهو الجنوب، وقعت في خطأ فادح إذ تجاهلت فظائع مماثلة اقترفت هناك؛ ولولا إفلات الجناة من العقاب، لما تجرأت الخرطوم على استئناف فظائعها في دارفور عندما نشأت فيها حركة تمرد جديدة؛ ولا يجوز تكرار هذا الخطأ. وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان، علينا أن نتذكر أن مأساة دارفور هي في المقام الأول أزمة ابتليت بها حقوق الإنسان، وهي أزمة لن تنتهي حتى يقدم المجتمع الدولي الموارد العسكرية والقضائية لحماية أهالي دارفور مما تقترفه الخرطوم من أعمال السلب والنهب والاعتداء.