بعد انقضاء عامين على فضيحة سجن "أبو غريب"، تبين الدراسات مدى تفشي الانتهاكات بحق المحتجزين في العراق وأفغانستان وغوانتانامو، كما تبين أن الولايات المتحدة لم تقم إلا بخطوات محدودة للتحقيق مع العناصر المتورطين ومعاقبتهم.
وتعرض دراسة موجزة نشرت اليوم بعنوان "بالأرقام" نتائج مشروع "محاسبة المسؤولين عن الإساءة إلى المحتجزين"، وهو مشروع مشترك بين مركز حقوق الإنسان والعدالة الدولية بجامعة نيويورك، وهيومن رايتس ووتش، وحقوق الإنسان أولاً (هيومن رايتس فيرست). ويعتبر أول مسعى شامل للمحاسبة على الادعاءات الموثقة حول حوادث تعذيب وانتهاكات في مراكز الاحتجاز التابعة للولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وغوانتانامو.
وقالت البروفيسورة ميغ ساترثويت، مديرة مركز حقوق الإنسان والعدالة الدولية في كلية الحقوق بجامعة نيويورك: "صرح المسؤولون الأمريكيون منذ عامين أن الانتهاكات التي حدثت في سجن أبو غريب لم تكن إلا سلوكاً شاذاً، وأن الأشخاص الذين ارتكبوها بحق المحتجزين سيقدمون للعدالة. لكن أبحاثنا تظهر أن الانتهاكات بحق المحتجزين واسعة الانتشار وأن عدداً محدوداً من الأشخاص قد قدموا إلى العدالة فعلاً".
وقد جمع هذا المشروع حتى الآن مئات الادعاءات بالإساءة إلى المحتجزين وتعذيبهم منذ أواخر عام 2001. وهي ادعاءات تفيد بتورط أكثر من 600 عنصراً عسكرياً ومدنياً أمريكياً في انتهاكات طالت أكثر من 460 محتجزاً.
وكشف نتائج المشروع أنه لم يجر التحقيق في كثير من هذه الادعاءات، كما أن التحقيقات التي جرت غالباً ما أقفلت بشكل مبكر أو توقفت من غير التوصل إلى نتيجة. وفي الحالات التي ثبت وقوع الانتهاكات فيها، وحدد المحققون العسكريون هوية مرتكبيها، فإن القادة العسكريين غالباً ما فضلوا اللجوء إلى تدابير تأديبية متساهلة وغير قضائية بدلاً من اللجوء للمحاكم الجنائية العسكرية. وأما المحاكمات العسكرية التي جرت فعلاً فقد انتهى معظمها بصدور أحكام بالحبس لأقل من عام واحد أو بعقوبات لم تصل حد الحبس (كالصرف من الخدمة أو تخفيض الرتبة العسكرية).
وقال توم مالينوفسكي، المتحدث باسم هيومن رايتس ووتش في واشنطن: "لقد شهدنا سلسلة من التحقيقات غير الجدية والعقوبات المتساهلة. ويبدو أن اهتمام الحكومة باحتواء أمر فضيحة الإساءة إلى المحتجزين أكبر من اهتمامها بمعالجة المشكلات التي أنتجت هذه الانتهاكات".
وقد خلص المشروع إلى أن الغالبية العظمى ممن جرى التحقيق معهم بشأن الانتهاكات كانوا من العسكريين المجندين وليس من الضباط. وبموجب القانون العسكري يمكن محاسبة الضباط على الانتهاكات التي يرتكبها مرؤوسوهم وفقاً لمبدأ المسؤولية القيادية. لكن المشروع لم يعثر ولو على حالة واحدة لمحاسبة ضابط بموجب هذا المبدأ.
وقالت إليزا ماسيمينو، مديرة مكتب واشنطن في منظمة "هيومن رايتس فيرست": "من غير محاسبة وفقاً للتسلسل العسكري لن يكون هناك رادع عن الانتهاكات، والمرجح أن تتواصل الانتهاكات وأعمال التعذيب التي وثقناها".
وقد تم إطلاق مشروع "محاسبة المسؤولين عن الإساءة إلى المحتجزين " في مارس/آذار 2005 كمشروع بحث مشترك لجمع ودراسة الادعاءات المعقولة بالإساءة إلى المحتجزين لدى الولايات المتحدة في مراكز الاحتجاز في أفغانستان والعراق وخليج غوانتانامو، ثم تقييم الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة، إنْ وجدت، استجابةً لهذه الادعاءات. وقد وثّق المشروع أيضاً التحقيقات والتدابير التأديبية أو الملاحقات الجنائية المتعلقة بتلك الادعاءات.
ومن النتائج الرئيسية التي تنشر اليوم:
• إن الانتهاكات بحق المحتجزين واسعة الانتشار؛ فقد وثق المشروع لأكثر من 330 حالة يوجد فيها ادعاء معقول بقيام العناصر المدنية أو العسكرية الأمريكية بالإساءة إلى المحتجزين أو تعذيبهم أو قتلهم. وهناك أكثر من 600 عنصراً أمريكياً متورطاً في هذه الانتهاكات التي طالت أكثر من 460 محتجزاً؛
• لم تصدر أحكام بالسجن إلا بحق نسبة بسيطة من أصل أكثر من 600 عنصراً متورطين في هذه الحالات (40 شخصاً)؛
• يبدو أنه لم يجر تحقيق كافٍ إلا في نصف حالات الانتهاك التي جمعها المشروع، والتي بلغ عددها المئات؛
• وفي الحالات التي أجريت فيها محاكمات عسكرية (وهي النظير العسكري للمحاكمات الجنائية)، كانت مدد معظم أحكام الحبس الصادرة عنها أقل من سنة واحدة حتى في الحالات التي انطوت على انتهاكات خطيرة. ولم تصدر أحكام بالحبس لسنة أو أكثر إلا على عشرة جنود أمريكيين؛
• لم تجر محاسبة أي ضابط أمريكي بموجب مبدأ المسؤولية القيادية على الأفعال الجنائية التي اقترفها مرؤوسوه. وقد أدين ثلاثة ضباط فقط في المحاكم العسكرية بسبب إقدامهم على الإساءة للمحتجزين؛
• ورغم إحالة حوالي عشرين مدنياً (منهم عناصر من المخابرات المركزية) إلى وزارة العدل لمحاكمتهم بسبب الإساءة إلى المحتجزين، فإن الوزارة لم تبد إلا قدراً محدوداً جداً من المبادرة للتحقيق في هذه الحالات. ولم توجِّه تهمة الإساءة إلى المحتجزين إلى أي عنصر من المخابرات المركزية، فيما وُجِّه الاتهام إلى متعاقد مدني واحد.
توصيات:
من أجل معالجة الإخفاق الخطير في المحاسبة، والذي وثقته دراسات مشروع "محاسبة المسؤولين عن الإساءة إلى المحتَجَزين"، فإن مركز حقوق الإنسان والعدالة الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، وهيومن رايتس فيرست ، يتقدمون بالتوصيات التالية:
• يجب أن يعين الكونغرس هيئة مستقلة لإعادة النظر في سياسات الاحتجاز والاستجواب الأمريكية والعمليات المتعلقة بها في العالم؛
• على كل من وزير الدفاع والمدعي العام إصدار الأمر إلى الإدارات التابعة لهما للقيام بما يلي: 1) اتخاذ إجراءات سريعة للتحقيق في ادعاءات التعذيب وغيره من ضروب الإساءة إلى المحتجزين لدى الولايات المتحدة في الخارج؛ 2) الشروع في المحاكمات كلما سمحت بذلك الأدلة المتوفرة؛ 3) توجيه السلطات المعنية للعمل على ضمان اتخاذ التدابير الجنائية اللازمة بحق الأشخاص المتورطين في جرائم القتل والتعذيب ومختلف أنواع الانتهاكات بصرف النظر عن رتبهم أو مناصبهم؛
• على وزير الدفاع تكليف جهة واحدة مركزية عالية المستوى تملك صلاحيات قضائية قادرة على ممارسة مهام المحاكم العسكرية في جميع أقسام الجيش لكي تحقق مع جميع العسكريين الأمريكيين، بصرف النظر عن رتبهم، ممن شاركوا في جرائم الحرب، من قبيل التعذيب أو غيره من ضروب إساءة المعاملة بحق المحتجزين لدى الولايات المتحدة، أو من أمروا بها، أو كانوا مسؤولين عنها في اطار مسؤولية القائد عن أفعال مرؤوسيه؛
• على الكونغرس اعتماد آلية للتحقق من ترفيع الضباط، عبر الطلب من جميع وحدات الجيش تقديم شهادة لكل ضابط يتطلب ترفيعه مصادقة الكونغرس، تثبت أنه لم يتورط بأية حالة من حالات تعذيب المحتجزين أو الإساءة إليهم أو غير ذلك من ضروب إساءة المعاملة بما فيها مبدأ مسؤولية القائد عن أفعال مرؤوسيه.
الدراسة متوفرة على الرابط: https://www.hrw.org/reports/2006/ct0406/ct0406summaryar.pdf