قالت هيومن رايتس ووتش والمركز اللبناني لحقوق الإنسان اليوم إن على القضاء اللبناني أن يحقق في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة بحق تسعة موقوفين بدأت محاكمتهم أمام محكمة عسكرية يوم 21 أبريل/نيسان.
والتسعة متهمون بتأليف جمعية غير مشروعة و إجراء اتفاق بينهم بقصد ارتكاب الجنايات على الناس و النيل من سلطة الدولة و أمنها بهدف إثارة فتنة طائفية. كما وجهت إليهم تهمة حيازة ونقل أسلحة ومتفجرات، والتخطيط لاغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله. وقد قابلت هيومن رايتس ووتش والمركز اللبناني لحقوق الإنسان سبعة من الموقوفين التسعة وراقبت محاكمتهم يوم 21 أبريل/نيسان.
وكان جنود لبنانيون وعناصر باللباس المدني اعتقلوا المتهمين التسعة خلال ثلاثة أيام بدءاً من 31 مارس/آذار 2006. وقال الموقوفون لـ هيومن رايتس ووتش والمركز اللبناني لحقوق الإنسان إن الجنود اللبنانيين قاموا بعصب أعينهم لحظة الاعتقال، ونقلوهم إلى وزارة الدفاع حيث احتجزتهم مخابرات الجيش حتى 7 أبريل/نيسان 2006. وخلال وجودهم في وزارة الدفاع تم منع الأشخاص الموقوفين من الاتصال بمحاميهم وعائلاتهم. بل إن معظمهم لم يعرف بأنه موجود في الوزارة حتى بعد مغادرتها.
والموقوفون التسعة هم: غسان شهاب السليمان الصليبي (45)، ومحمد غسان السليمان الصليبي (ابن غسان) (20)، ويوسف منير قبرصلي (32)، وإبراهيم شهاب السليمان الصليبي (شقيق غسان) (36)، وزياد طارق يموت (26)، وصافي محمد إبراهيم عرب (35)، وسراج الدين منير السليمان الصليبي (23)، وعلي أمين خالد (31)، وأحمد عصام الرشيد (22).
مزاعم التعرض للتعذيب أثناء الاحتجاز في وزارة الدفاع
يزعم أربعة من الموقوفين أن المحققين عذبوهم أثناء احتجازهم في وزارة الدفاع، لإرغامهم على الاعتراف. في حين يقول الآخرون إنهم لقوا معاملة سيئة وتعرضوا للتخويف. وذكر غسان الصليبي إن الحراس المسلحين ضربوه على ظهره بعصي خشبية عند وصوله إلى الوزارة، كما عذبوه فيما بعد بوضعه على الكرسي الكهربائي. وهو يزعم أيضاً أن المحققين هددوه بإيقاع الأذى بزوجته إن هو لم يتعاون معهم. كما يزعم ابنه محمد (19 عاماً) الذي جرى اعتقاله في نفس الوقت أن المحققين ضربوه على أخمص قدميه وعلّقوه بوضعية "البلانكو" (وهو التعليق من المعصمين بعد ربطهما من وراء الظهر) التي تسبب ألماً مبرحاً بغية انتزاع اعترافات منه.
ومع أن الموقوفين الخمسة الآخرين لم يتحدثوا عن تعرضهم للتعذيب في وزارة الدفاع، فقد قالوا لـ هيومن رايتس ووتش والمركز اللبناني لحقوق الإنسان إن المحققين كانوا كثيراً ما يلكمونهم خلال الاستجواب. وذكروا إنهم كانوا يشعرون بخوف شديد طيلة الأسبوع الذي أمضوه في الوزارة، لأن عيونهم كانت معصوبةً، ولأنهم كانوا يجهلون مكان وجودهم جهلاً تاماً. وأفاد عدد منهم إنهم وقعوا على اعترافاتهم دون قراءتها.
وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "على القضاء اللبناني أن يحقق في هذه المزاعم الجدّية و الخطيرة ويحاسب المسؤولين عنها"، مضيفة بأنه "لا مصداقية لأي قرار حكم يصدر استناداً إلى اعترافات قدمها هؤلاء الرجال في ظل تلك الظروف".
تقارير عن التعذيب والنقص في التحقيق
ظهرت إلى العلن أول الأخبار المتعلقة بتعذيب المُحتجزين يوم 9 يوليو/تموز 2006 ضمن تقرير نشرته صحيفة "البلد". ثم عادت الصحيفة عينها فنشرت في 23 ديسمبر/كانون الأول 2006 تقريراً آخر وردت فيه رسالة من الموقوفين التسعة يؤكدون فيها إنهم يتعرضون للتعذيب. لكن القضاء اللبناني، رغم التقريرين، لم يحرك ساكناً للتحقيق في هذه المزاعم.
وفي 21 أبريل/نيسان 2007، مثل المتهمون الرئيسيون أمام المحكمة العسكرية في بيروت. وقال عدد منهم لهيئة المحكمة المؤلفة من خمسة قضاة إن المحققين انتزعوا الاعترافات منهم باستخدام التعذيب و الترهيب؛ وقد سمح رئيس المحكمة للمتهمين بالتحدث عما عانوه، بل كان يسألهم أحياناً عما إذا كانوا تلقوا رعاية طبية، لكنه لم يأمر بفتح تحقيق في مزاعم التعذيب.
إن لبنان ملزمٌ، بصفته دولة طرف في اتفاقية مناهضة التعذيب، "بضمان قيام سلطاته المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب". وعلى السلطات اللبنانية أن تضمن أيضاً أن يكون لكل من يزعم التعرض للتعذيب "الحق في أن يرفع شكوى إلى [السلطات] المختصة وفى أن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة وبنزاهة".
وتنص المادة 401 من قانون العقوبات اللبناني على أن كل من يقوم "من سام شخصاُ ضروباً من الشدة لا يجيزها القانون رغبةً منه في الحصول على اقرار عن جريمة أو على معلومات بشأنها عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات".
وقالت هيومن رايتس ووتش والمركز اللبناني لحقوق الإنسان: "ندرك أن ثمة مخاوف حقيقية في لبنان من قيام الأفراد بتسليح أنفسهم، لكن انتزاع الاعترافات بالتعذيب لن يجعل لبنان أكثر أمناً".
تقارير سابقة عن التعذيب في وزارة الدفاع
ينسجم الزعم بتعرض الموقوفين التسعة إلى التعذيب وسوء المعاملة مع تقارير سابقة تحدثت عن هذه الممارسات. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2006، أصدرت "سوليدا" (حركة الدفاع عن اللبنانيين المعتقلين تعسفياً) تقريراً يوثق مختلف أساليب التعذيب المستخدمة في وزارة الدفاع بين عامي 1992 و2005.
وقالت ماري دوناي، رئيسة المركز اللبناني لحقوق الإنسان: "ما زالت وزارة الدفاع تمثل رمزاً من رموز الخوف في لبنان"، مضيفة بأنه "حان الوقت لأن تقلع الوزارة عن ممارسة التعذيب".
وفي وقت الاعتقال، لم تسمح الوزارة لأية منظمة مستقلة بزيارة الموقوفين. وقد توصلت السلطات اللبنانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر في فبراير/شباط 2007 إلى اتفاق يسمح لللجنة بزيارة جميع السجناء في لبنان، بمن فيهم الموجودون في مركز التوقيف بوزارة الدفاع.
المحاكمة أمام القضاء العسكري
عبر كل من هيومن رايتس ووتش والمركز اللبناني لحقوق الإنسان عن قلقهما إزاء محاكمة الموقوفين التسعة أمام القضاء العسكري بدلاً من المحاكم الجنائية العادية، وإزاء منع المراقبين المستقلين وعائلات المتهمين من الدخول إلى قاعة المحكمة. وقالت المنظمتان إن محاكمة مدنيين من قبل القضاء العسكري يجب أن تكون أمراً استثنائياً إلى الحد الأقصى، ولا يجوز أن تحدث إلا ضمن شروط تضمن المحاكمة المنصفة حقاً.
إن المحاكم العسكرية اللبنانية لا تفي بهذه الشروط. ففي عام 1997، أشارت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في ملاحظاتها الختامية حول لبنان إلى قلقها بشأن "الإجراءات التي تتبعها هذه المحاكم العسكرية، فضلاً عن عدم وجود رقابة من جانب القضاء العادي على إجراءات المحاكم العسكرية وأحكامها".
خلفيّة
بعد الأسبوع الأول في وزارة الدفاع قام مسؤولون في الجيش اللبناني بإحالة الموقوفين التسعة إلى المحكمة العسكرية حيث مثلوا أمام قاضي التحقيق العسكري رشيد مزهر، وتمكنوا عند ذلك من رؤية عائلاتهم ومحاميهم. وقال عدد من الموقوفين لـ هيومن رايتس ووتش والمركز اللبناني لحقوق الإنسان إن القاضي مزهر هدد بإعادتهم إلى وزارة الدفاع إذا لم يتعاونوا مع التحقيق.
وبعد بضعة أيام في مركز التوقيف في المحكمة العسكرية، قامت السلطات العسكرية بنقل الموقوفين إلى سجن رومية المركزي؛ وما زالوا فيه إلى اليوم.
والموقوفون الأربعة الذين تحدثوا عن تعرضهم للتعذيب هم: غسان الصليبي، ومحمد الصليبي (ابن غسان)، وزياد يموت، وسراج الدين الصليبي.
والظاهر أن معاملة غسان الصليبي كانت هي الأشد قسوة. فقد قال لـ هيومن رايتس ووتش والمركز اللبناني لحقوق الإنسان: "وضعوني على الكرسي الكهربائي في الليلة الأولى في وزارة الدفاع". وبعد وصوله إلى سجن رومية، عاد المسؤولون العسكريون فأخذوه إلى وزارة الدفاع مرتين. ففي أوائل مايو/أيار 2006، نقله عناصر المخابرات العسكرية من سجن رومية إلى وزارة الدفاع وأمضى فيها قرابة ستة أيام. ويقول غسان إن المحققين وضعوه على الكرسي الكهربائي من جديد وجعلوه يوقع على اعتراف ثانٍ دون السماح له بقراءته. ويفيد بأن الاعتراف الجديد يورط الموقوفين الآخرين في أفعال لم يرتكبوها. وبعد توقيع غسان على الاعتراف الثاني أعاده العسكريون إلى زنزانته في سجن رومية.
وفي أغسطس/آب 2006، وخلال الحرب بين إسرائيل وحزب الله، أخذه عناصر المخابرات العسكرية إلى وزارة الدفاع مرة ثالثة. لكن الصليبي يقول إنه لم يتعرض للتعذيب في هذه المرة ولم يتم إجباره على توقيع اعترافات جديدة.
ويقول محمد الصليبي (ابن غسان) إنه تعرض للتعذيب وسوء المعاملة مدة أوّل ثلاثة أيام من فترة احتجازه في وزارة الدفاع. وقد تحدث عن تعليقه بوضعية "البلانكو" مرتين منفصلتين خلال تلك الفترة. وقال محمد للمحكمة إنه ينكر الاعترافات التي أدلى بها في وزارة الدفاع لأنها انتزعت منه تحت التعذيب.
و قال سراج الدين الصليبي لـ هيومن رايتس ووتش والمركز اللبناني لحقوق الإنسان إن المحققين ضربوه وعرضوه إلى صدمات كهربائية أثناء وجوده في وزارة الدفاع. وقال: "بعد أربعة أيام في وزارة الدفاع قلت لهم: ’اكتبوا ما شئتم‘". وعندما مثل سراج الدين أمام المحكمة أنكر الاعترافات التي قدمها بوزارة الدفاع بقوله: "لو قلت لهم إنني لا أعرف لضربوني".
ومع أن هيومن رايتس ووتش والمركز اللبناني لحقوق الإنسان لم تلتق زياد يموت، وهو أحد الموقوفين المذكورين، فقد قال لهم أحد محاميه إن موظفي وزارة الدفاع قاموا بتعذيبه وضربه ضرباً مبرحاً. وقد أنكر اعترافاته أمام المحكمة وقال إنه تعرض إلى ضرب مبرح.