حُمّى الانتخابات لحقت بلبنان مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقرر عقدها في 7 يونيو/حزيران. وتعد الانتخابات بأن تكون الأكثر تنافسية في لبنان منذ الحرب الأهلية، مع 587 مُرشحاً يتنافسون على 128 مقعداً برلمانياً.[1] والتحالفان اللبنانيان الأساسيان، ويُشار إليهما باسم 8 آذار و14 آذار بناء على تواريخ تنظيم احتجاجات موسعة في عام 2005، يستخدمان موارد هائلة لتحريك المؤيدين ولتحفيزهم على التصويت.
وقد وصف معلقون كثيرون الانتخابات بأنها "تاريخية" و "مصيريّة"، وعقد المرشحون مؤتمرات صحفية لا حصر لها ولهم مواقع كثيرة على الإنترنت. لكن أغلب المرشحين لم يوضحوا برامجهم الانتخابية بشكل محدد، و اكتفوا بتقديم وعود عامة بدعم "السيادة" و"بناء الدولة" و"التنمية" و"الاعتدال" و"العدالة"، لكن دون تحديد خطط لإنجاز هذه الأهداف.
ويستحق الناخبون اللبنانيون نقاش أوسع وأكثر تفصيلاً حول القضايا التي تؤثر عليهم، لا سيما ما يخص برامج المرشحين الرامية لضمان احترام حقوق الإنسان في لبنان. وفيما يلي توصيات هيومن رايتس ووتش للأحزاب السياسية والمرشحين، ونأمل أن يتبنوها ضمن برامجهم وأن يتكفل المجلس النيابي في دورته الجديدة والحكومة بتنفيذها.
و يشجع هيومن رايتس ووتش أن السلطات اللبنانية أبدت قدراً أكبر من الاستعداد في السنوات الأخيرة لمناقشة قضايا حقوق الإنسان. والوزراء والنواب والمسؤولين الأمنيين على اتصال بنشطاء حقوق الإنسان، والإعلام المحلي نشيط في تغطيته لانتهاكات حقوق الإنسان في لبنان. وفيما يستحق هذا الانفتاح الإشادة، فإن التحدي الحقيقي أمام لبنان هو تنفيذ القوانين اللازمة لمنع هذه الانتهاكات.
فقد اعتاد لبنان على إعتماد الإصلاحات التشريعية على الورق دون أن يتبعها التنفيذ. وقد صدق لبنان على اتفاقيات عديدة لحقوق الإنسان دون اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذها. وفيما جعل تكرر تعرض لبنان لموجات عدم الاستقرار والاحتلال والحرب من التنفيذ صعباً، فإن الوقت قد حان كي تترجم السلطات اللبنانية التزاماتها القانونية إلى خطة قابلة للتنفيذ والتطبيق. فمع استقرار الوضع الداخلي واستعداد المجتمع الدولي لتمويل جهود الإصلاح في لبنان، فعلى القادة اللبنانيين التزام الفرصة لإظهار جديّتهم بشأن بناء دولة تحمي وتصون حقوق الإنسان.
هذه المذكرة يرد فيها بعض بواعث اهتمام هيومن رايتس ووتش الأساسية. وهي تقدم توصيات واضحة بناء على الجهود القائمة والممكن تحقيقها خلال فترة زمنية قصيرة. وإذا كانت الأحزاب السياسية اللبنانية والمرشحين البرلمانيين جديين إزاء وعودهم بالإصلاح، فقد حان وقت تبنيهم هذه التوصيات ضمن برامجهم الرسمية.
1. التعذيب
ما زال التعذيب والمعاملة السيئة يشكلان مشكلة جسيمة تعاني منها مراكز الاحتجاز والسجون اللبنانية. وقد جمعت هيومن رايتس ووتش شهادات من عدة محتجزين أفادوا تعرضهم للضرب والتعذيب أثناء الاستجواب، في عدة مراكز احتجاز. وتتراوح الحالات الموثقة بين ضرب قوات الأمن لناطور بناية مشتبه بالسرقة أثناء استجوابه، إلى أعضاء من المخابرات يُعرضون أشخاصاً، مشتبهين بالعضوية في جماعات إسلامية مسلحة، للتعذيب على مدار أيام. وفيما تُجرّم المادة 401 من القانون الجزائي استخدام العنف لانتزاع الاعترافات، فإن القضاء اللبناني نادراً ما يحقق أو يقاضي المسؤولين عن ارتكاب التعذيب المزعوم.
ومنذ عام 2007، اتخذ لبنان بعض الخطوات نحو مكافحة التعذيب. في فبراير/شباط 2007 منح اللجنة الدولية للصليب الأحمر حق زيارة كافة مراكز الاحتجاز اللبنانية، ومنها التي تديرها وزارة الدفاع. ثم شكلت قوات الأمن الداخلي في فبراير/شباط 2008 قسم مُكلف بمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها عناصر من قوى الأمن. لكن القسم ما زال يعاني من قلة عدد العاملين فيه.
وفي 22 ديسمبر/كانون الأول 2008، صدق لبنان على البروتوكول الاختياري الخاص باتفاقية مناهضة التعذيب. وأحد أهم أحكامه تقضي بأن ينشئ لبنان "آلية وقاية وطنية" للمساعدة على منع التعذيب عبر زيارة ومراقبة أماكن الاحتجاز. إلا أن ثمة بواعث قلق جسيمة من أن يصبح مصير البروتوكول مثل مصير اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وقد صدق لبنان على الاتفاقية في عام 2000، لكنه لم يلتزم بعد بأحكامها، ومنها تقديم تقرير عن الخطوات المُتخذة لتنفيذ الاتفاقية، وقد تأخر تقديمه سبع سنوات.
الاختبار الحقيقي الذي يواجه لبنان هو ما إذا كانت السلطات مستعدة للتحقيق ومقاضاة المسؤولين عن التعذيب. وفي هذا المجال، فإن سجل لبنان غير مُبشر. إذ أن هيومن رايتس ووتش لا تعرف إلا بحُكم واحد صدر منذ عام 2004 يدين ضابط شرطة باتهامات على صلة بضرب مشتبه أثناء استجوابه.[2] وقد ارتفع مستوى الآمال في 6 أغسطس/آب 2008، حين طلب وزير الداخلية من المفتشية العامة التحقيق في مزاعم بالإساءة يعتقد أنها وقعت في السجون اللبنانية، إثر صدور تقارير إعلامية عن مزاعم جسيمة بالفساد والمعاملة السيئة يلقاها السجناء في سجن رومية. إلا أن الوزارة لم تكشف عن نتائج التحقيق وليس واضحاً ما إذا كان قد تم نسب الاتهام لأيّ أحد.
وتدعو هيومن رايتس ووتش المرشحين والأحزاب إلى أن تشمل برامجهم التعهد بأنهم سيقومون بـ:
- مطالبة وزارة الداخلية بنشر نتائج التحقيقات التي بادرت بها في أغسطس/آب 2008 وتحديد الإجراءات التي اتخذتها لمكافحة المعاملة السيئة والتعذيب في مراكز الاحتجاز اللبنانية.
- تعديل المادة 401 من القانون الجزائي بحيث تجرّم كافة أشكال التعذيب والمعاملة السيئة، بما في ذلك التعذيب النفسي، وزيادة العقوبة على جرائم التعذيب من الحد الأقصى الحالي البالغ 3 سنوات، بحيث يصبح متناسباً مع مقدار جسامة الجريمة.
- دعوة الحكومة إلى تقديم تقريرها الأول على وجه السرعة إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والذي كان من المقرر تقديمه في عام 2001، وأن تلتزم بتوصيات تلك اللجنة.
- مطالبة الحكومة بالالتزام بالمادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب، التي من شأنها أن تسمح للأفراد في لبنان بتقديم الشكاوى المتعلقة بالتعذيب بشكل مباشر إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
- العمل على ضمان التزام لبنان بالبروتوكول الاختياري الخاص باتفاقية مناهضة التعذيب، وأن يتم إعداد أو تصميم آلية وطنية وقائية في موعد أقصاه 22 ديسمبر/كانون الأول 2009، من شأنها أن تُمنح سلطات واسعة فيما يخص زيارة كافة مراكز الاحتجاز في لبنان.[3]
2. المفقودون
بعد أعوام من التجاهل الرسمي، تعهدت الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري بتاريخ 4 أغسطس/آب 2008، بأن تتخذ الخطوات اللازمة للكشف عن مصير لبنانيين وأبناء جنسيات أخرى "اختفوا" أثناء الحرب الأهلية من 1975 إلى 1990، وأن تصدق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. إلا أن ولاية الحكومة أوشكت على الانتهاء، ولم تتخذ الخطوات اللازمة لتسليط الضوء على مصير المفقودين.
واللجنة المشتركة السورية اللبانية الحالية، والمُشكلة منذ مايو/أيار 2005 للتحقيق في قضايا الاختفاء القسري التي يُعتقد فيها أن الشخص المفقود موجود في سوريا، لم تصدر بعد أي نتائج ملموسة و لم تنشر أيّ من نتائجها.
وتدعو هيومن رايتس ووتش المرشحين والأحزاب إلى أن تشمل برامجهم التعهد بأنهم سيقومون بـ:
- مطالبة اللجنة السورية اللبنانية الحالية بأن تُعلن فوراً عن أية معلومات توصلت إليها منذ مايو/أيار 2005.
- دعم إنشاء لجنة وطنية مستقلة مُشكلة من ممثلين من أسر الضحايا، وجماعات المجتمع المدني المعنية بالمفقودين، والقضاة المستقلين، والنواب، وممثلين عن الحكومة، والمنظمات الدولية ممن لديها خبرة في العمل بقضايا الاختفاء القسري، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ويجب أن تشمل ولاية اللجنة حل مشكلة المفقودين في لبنان، ومن تم اختطافهم من لبنان والمشتبه في احتجازهم خارج الحدود اللبنانية.
يجب أن تتمتع اللجنة الجديدة بسلطات أوسع، تشمل الحق في (1) التماس المعلومات من كافة المصادر الرسمية، ومنها الهيئات الاستخباراتية والأمنية، بشأن الأشخاص المفقودين وأماكن المقابر الجماعية، (2) إلزام المسؤولين الأمنيين بالشهادة، وكذلك قادة الميليشيات السابقين وأعضاءها الذين ربما لديهم معلومات عن المختفين أو ممن قاموا بنقل المحتجزين إلى سوريا أو إسرائيل، (3) الأمر بفتح المقابر الجماعية والتعرف على بقايا الجثامين. وينبغي أن تُطلع اللجنة أسر المفقودين بشكل دوري على التقدم المحرز في العمل والنتائج وأن تكشف عن هذه النتائج علناً.
- يجب دعم التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
3. حقوق المرأة
على الرغم من المشاركة النشطة للمرأة في شتى أوجه الحياة بالمجتمع اللبناني، إلا أن الأحكام التمييزية ما زالت موجودة ضمن قوانين الأحوال الشخصية، وقوانين الجنسية، والقوانين الجزائية الخاصة بالعنف الأسري. وتحديداً فإن القانون اللبناني لا يسمح للمرأة اللبنانية بإعطاء جنسيتها لزوجها أو لأطفالها. وبالنتيجة، فإن آلاف الأطفال يولدون لأمهات لبنانيات وآباء أجانب ويُحرمون من الحصول على التعليم أو الرعاية الصحية أو الإقامة بسبب عدم حصولهم على الجنسية.
ونتيجة لجهود مستمرة تبذلها جماعات حقوق المرأة، فإن قضية تعديل قانون الجنسية من أجل منح المرأة اللبنانية الحق في نقل جنسيتها، قد ربحت الزخم ودعمها العديد من السياسيين، ومنهم وزير الداخلية الحالي زياد بارود.
إلا أن بعض المسؤولين والساسة ذكروا أن أي تعديل على قانون الجنسية يجب أن يستبعد النساء اللبنانيات المتزوجات من رجال فلسطينيين، على أساس أنّ الدستور اللبناني يحظّر "توطين" الفلسطينيين (ظاهرياً لتفادي تقويض "حقهم في العودة"). مثل هذا الاستثناء يُعد تمييزياً ويبدل أحد أشكال التمييز (بين الرجال والنساء في لبنان) بشكل آخر (بين النساء المتزوجات بغير الفلسطينيين والمتزوجات بالفلسطينيين).
من ثم، فإن هيومن رايتس ووتش تدعو المرشحين والأحزاب إلى أن يضموا إلى برامجهم التزاماً بتقديم ودعم تشريع من شأنه أن:
- يؤدي إلى تعديل قانون الجنسية بأسلوب يضمن أن جميع النساء اللبنانيات، بغض النظر عن جنسية الأزواج، يمكنهن نقل جنسيتهن إلى أطفالهن وأزواجهن.
4. عاملات المنازل الوافدات
هناك ما يُقدر بمائتي ألف عاملة منزل في لبنان، أكثرهنّ وافدات من سريلانكا والفلبين وأثيوبيا، ويلعبنّ دوراً هاماً في حياة عدد كبير من الأسر اللبنانية، لكنهن ما زلنّ لا يتمتعنّ بالحماية التي تكفلها قوانين العمل ويتعرضنّ للاستغلال والإساءات المتكررة من قبل أصحاب العمل ووكالات الاستقدام. والشكاوى الأكثر تكراراً التي تصدر عن عاملات المنازل تشمل عدم تلقي الأجور أو التأخر في نيل أجورهنّ، والإجبار على الالتزام بمحل العمل، وعدم الحصول على عطلات بالإضافة إلى الإساءات اللفظية والبدنية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن قوانين العمل اللبنانية لا تشمل عاملات المنازل، و هذا يمنعهنّ من نيل الحقوق المكفولة لغيرهن من العمال، مثل أيام العطلة الأسبوعية، وتحديد ساعات العمل، والإجازات مدفوعة الأجر، وامتيازات وتعويضات العمال. وقوانين إقامة الأجانب تربط إقامة العاملة المنزلية بصاحب عمل محدد، مما يجعل من الصعب على العاملة المنزلية تغيير أصحاب عملها حتى ولو وقعت لها إساءات.
ونظام الكفيل التقييدي له تداعيات مباشرة على قدرة عاملات المنازل على اللجوء لنظام العدالة اللبناني. فالنزاعات ما بين أصحاب العمل والعاملات الوافدات تستغرق في العادة سنوات حتى تنظر فيها المحاكم. وبما أن العاملات الوافدات يفقدنّ وضعهنّ القانوني في لبنان إذا فسخ كفلائهنّ العقد أو إذا هجرنّ أصحاب عملهنّ (حتى في حالة وجود أسباب مشروعة للاستقالة، مثل عدم تلقي الأجور أو التعرض لإساءات)، فإنهنّ نادراً ما يتقدمنّ بشكاوى خشية الاحتجاز لعوزهنّ الوضع القانوني.
وإذا تعرضن للاحتجاز، فإن عاملات المنازل الوافدات يواجهنّ أوضاعاً صعبة وكثيراً ما يمكثنّ رهن الاحتجاز لما يتجاوز مدد محكومياتهنّ.
والأوضاع الصعبة التي تواجهها الوافدات في لبنان لها تبعات مميتة. فقد ماتت 45 عاملة منازل وافدة على الأقل في لبنان عام 2008، وأغلبهنّ انتحرنّ أو قضينّ نحبهنّ أثناء محاولة الفرار.
وبعد سنوات من عدم التحرك، بدأت الحكومة اللبنانية في التصدي لمسألة حقوق العاملات الوافدات، لكن ردها ليس كافياً. في يناير/كانون الثاني 2009، قدمت وزارة العمل أخيراً نموذج عقد عمل يوضّح الشروط والمواصفات الخاصة بتوظيف عاملات المنازل، مثل حد أقصى لساعات العمل اليومية، والحاجة لعطلة لمدة 24 ساعة كل أسبوع، والإجازة المرضية مدفوعة الأجر. وفيما يُعد نموذج العقد خطوة إيجابية من حيث إرساء علاقات عمل واضحة وصحية بين الأسر اللبنانية وعاملات المنازل الوافدات، فإن هيومن رايتس ووتش قلقة من غياب آليات لتطبيق العقد، وكذلك الموضوعات التي يتركها العقد مبهمة أو يحذفها، مثل حق العاملات في مغادرة المنزل الذي يعملن به، ومصادرة جواز سفرهن.
من ثم، فإن هيومن رايتس ووتش تدعو المرشحين والأحزاب كافة إلى تبني التوصيات التالية ضمن برامجهم الانتخابية:
- دعوة وزارة العمل إلى إنشاء وحدة تفتيش عمالية تختص بمراقبة أوضاع العمل الخاصة بعاملات المنازل الوافدات.
- تعديل قانون العمل بحيث يكفل الحماية القانونية لعاملات المنازل على حد سواء مع غيرهن من العمال، بما في ذلك الأحكام الخاصة بساعات العمل، ودفع الأجور، وأيام العطلة، والإجازات المدفوعة الأجر.
- إصلاح قوانين الكفالة التي تتطلب موافقة صاحب العمل على تغيير الكفيل. ويجب تيسير تغيير الكفيل بجعل تأشيرات العمل غير مرتبطة بصاحب عمل محدد. بالإضافة إلى أنه يجب منح تأشيرات عمل محددة المدة (أو أي بديل للاحتجاز) في أثناء مجريات التقاضي التي تنخرط فيها عاملات المنازل الوافدات.
- تفعيل تشريع يحدد آلية سريعة ومبسطة لحل النزاعات لتسوية الخلافات حول الرواتب بين أصحاب العمل وعاملات المنازل.
- دعم جهود تنفيذ الإشراف القضائي على كافة المحتجزين، بما في ذلك الأجانب، لضمان أنه لا يتم احتجاز أحد دون سند قانوني أو لفترة تتجاوز مدة محكوميته.
- التصديق على اتفاقية حماية حقوق جميع العمال المهاجرين وذويهم.
5. اللاجئون الفلسطينيون
ثمة ما يُقدر بـ 300 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، يعيشون في ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، وأغلبهم يقيمون في مخيمات مزدحمة لا تتمتع بالبنية التحتية الأساسية الملائمة. والتمييز ضد الفلسطينيين في لبنان تم توثيقه تكراراً. والقانون اللبناني يحرم اللاجئين الفلسطينيين من الحق في الامتلاك ويقيد من قدرتهم على العمل في مجالات عديدة.[4] فضلاً عن هذا، فإن سُكان بعض المخيمات الفلسطينية ما زالوا يحتاجون لتصاريح من الجيش من أجل جلب مواد بناء إلى المخيمات.
وثمة مجموعة فلسطينيين عرضة للضرر بشكل خاص، تتشكل من 3000 إلى 5000 فلسطيني ممن هم بدون أوراق هوية، ويعيشون في لبنان بلا أي شكل من أشكال الأوراق الثبوتية النافذة. والوضع الحالي المتزعزع للفلسطينيين زاد سوءاً بعد تدمير مخيم نهر البارد في معركة عام 2007 بين الجيش اللبناني وجماعة فتح الإسلام المسلحة، التي خلّفت 30 ألف لاجئ بلا مأوى.
وقد اتخذت الحكومة اللبنانية بعض الخطوات للإقرار وتحسين أوضاع المعيشة السيئة للفلسطينيين. في يونيو/حزيران 2005 خففت وزارة العمل من بعض قيودها على عمل اللاجئين الفلسطينيين، ورفعت الحظر على حوالي 50 مهنة لكن ما زال هنالك ما يُقدر بـ 20 مهنة غير مستحقة للفلسطينيين.[5] وفي أكتوبر/تشرين الأول 2005، شكلت الحكومة اللبنانية لجنة الحوار اللبنانية الفلسطينية، وهي مجموعة عمل مُشكلة من ممثلين من مختلف الوزارات، لهم ولاية تشمل مدّ اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بأوضاع حياتية أفضل.
وفيما تُعد لجنة الحوار تغيير يحظى بالترحيب في منهج الحكومة الخاص بالتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين، فإن أثرها الفعلي مقتصر. وأحد إنجازاتها الملموسة هي إصدار أوراق ثبوتية مؤقتة لنحو 750 فلسطينياً بلا أوراق قانونية بعد أغسطس/آب 2008. إلا أن عملية إصدار الأوراق الثبوتية تعطلت دون إبداء تفسير.
وجزء من المشكلة هو أنه فيما تتلخص سياسة الحكومة المُعلنة في التصدي لـ "المشكلات الاجتماعية الاقتصادية والقانونية والأمنية الخاصة بتواجد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان"، فإن ممارسة السلطات تتمثل في التعامل مع الفلسطينين من زاوية أمنية في الأغلب.[6]
بالإضافة إلى أن أي تقدم يُُحرز بشأن الإصلاحات الخاصة بإنهاء التمييز ضد الفلسطينيين يعترضه مشاعر قوية ضد الفلسطينيين عند بعض اللبنانيين، ويضعفه خطاب للساسة يتردد صداه في الإعلام، مفاده أن أي تحسين في معاملة الفلسطينيين سوف يقوض بشكل ما من حقهم في العودة ويؤدي إلى استيطانهم الدائم في لبنان (يُشار إليه باصطلاح "توطين").[7]
وهذا المنطق غير مقنع. فالوفاء بالحقوق الإنسانية الأساسية للاجئين الفلسطينيين في لبنان لا يُعرض بأي شكل حقهم في العودة للخطر، وهو حق مكفول بموجب القانون الدولي. وينبغي للبنان أن يتبنى منهجاً مختلفاً وأن يوفر للاجئين الفلسطينيين حقوقهم المكفولة لهم بموجب الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها لبنان. ولا يمكن الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني أن يتجاهلا تواجد الفلسطينيين ببساطة، ومن الصعب تصديق أن نظام تمييزي يبعد الفلسطينيين عن العمل ويجبرهم على العيش في فقر سوف يساعد على الحفاظ على حقوقهم كلاجئين.
ويقول آخرون بأن استمرار التمييز ضد الفلسطينيين ضروري لتفادي اندماجهم الكامل بالدولة، وهو الأمر الكفيل ببث الاضطراب في نظام لبنان الطائفي دقيق التوازن. إلا أن هناك خطوات ملموسة عديدة يمكن للبنان اتخاذها لتحسين حياة الفلسطينيين في لبنان، دون منحهم الجنسية أو حق التصويت. وتحديداً ينبغي على لبنان أن يلغي كل أشكال التمييز ضد الفلسطينيين.
من ثم، فإن هيومن رايتس ووتش تدعو المرشحين والأحزاب إلى ضم التوصيات التالية إلى برامجهم الانتخابية:
- تعديل التشريعات التي تقيد من قدرة اللاجئين الفلسطينيين على تملك العقارات، لا سيما القرار الرئاسي رقم 11614 بتاريخ 4 يناير/كانون الثاني 1969، بتعديل من قانون رقم 296 بتاريخ 3 أبريل/نيسان 2001.
- رفع أي قيود باقية على دخول مواد البناء والصيانة والمعدات اللازمة لذلك إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
- إزالة المعوقات على توظيف الفلسطينيين. وينبغي منح اللاجئين الفلسطينيين حق الاطلاع على سوق العمل على قدم المساواة بالمواطنين اللبنانيين.
- إيلاء إعادة بناء مخيم نهر البارد الأولوية وتحسين الأوضاع التي يعيش فيها حالياً اللاجئين المُشردين قسراً عن المخيم.
[1] انظر الموقع الرسمي للانتخابات على: http://www.elections.gov.lb/news/587-candidats-restent-en-lice,-115-abandonnent-la-.aspx
[2] إلا أن ضابط الشرطة تلقى حُكما مخففاً بالحبس 15 يوماً ودفع غرامة 200 دولار. قرار رقم 204/2290، صدر في 8 مارس/آذار 2007.
[3] طبقاً للبروتوكول، فإن للأطراف مدة عام من التصديق لتفعيل آلية وطنية وقائية.
[4] القيود على ملكية العقارات أساسها قرار رئاسي رقم 11614 لعام 1969، بتعديل من قرار رقم 296 لعام 2001. يحظر القرار على الأشخاص "الذين ليست لديهم جنسية من دولة مُعترف بها" الأهلية القانونية اللازمة لامتلاك العقارات في لبنان. وبما أن أغلب الفلسطينيين لا يتبعون دولة معترف بها، فإن القرار يحرمهم من الحق في الأهلية القانونية. وفيما يخص التوظيف، فإن قانون العمل اللبناني لعام 1962 يعامل اللاجئين الفلسطينيين مثل غيرهم من غير اللبنانيين ويطالبهم بالحصول على تصاريح عمل. وقواعد إصدار تصاريح العمل عرضة لمبدأ التبادلية، وبموجبه يمنح لبنان حق العمل لأبناء الدول التي تمنح دولهم للمواطن اللبناني حق العمل. مجدداً، بما أن فلسطين ليست دولة معترف بها، فإن الفلسطينيين مستبعدين من وظائف كثيرة.
[5] مذكرة وزارة العمل رقم (67/1)، 2 يونيو/حزيران 2005. إلا أن قرار وزارة العمل برفع الحظر عن بعض الوظائف لم يتحول إلى قانون ويمكن الرجوع عنه أو تعديله في أي وقت. بالإضافة إلى أن المهن مثل المحاماة والطب والهندسة تحكمها نقاباتها المهنية وهي تفضل حماية الأعضاء اللبنانيين وتطبق القيود على غير المواطنين.
[6] للاطلاع على بيان بسياسة الحكومة، يُرجى الاطلاع على: لجنة الحوار اللبنانية الفلسطينية، "شركاء في المسؤولية"، صفحة 9.
[7] على سبيل المثال، التبرير الرسمي اللبناني للسياسات التي تمنع اللاجئين الفلسطينيين من تحسين منازلهم في تقرير الحكومة المرفوع للجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، ورد أن "السلطات اللبنانية تمنع بناء المخيمات الجديدة، والتوسع في المخيمات القائمة، والتجديد وإعادة البناء، من أجل منع اندماج الوجود الفلسطيني في لبنان والقبول الضمني للاستيطان القسري وتدمير المبدأ وراء حق العودة". التقارير الدورية الثالثة المقدمة من الدول الأطراف المقرر تقديمها عام 2003: لبنان UN Doc. CRC/C/129/Add.7, 25 أكتوبر/تشرين الأول 2005، فقرة 474.