(نيويورك) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إنه يجب على قوات طرفي النزاع في مدينة سرت الليبية أن تقلّص تعريض المدنيين للخطر وأن تعامل السجناء معاملةً إنسانية. وقد تمكن المقاتلون التابعون للمجلس الوطني الانتقالي من الوصول إلى وسط مدينة سرت بعد أن قاموا بمهاجمتها لمدة تجاوزت ثلاثة أسابيع.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي على قوات المجلس الوطني الانتقالي أن تسرع بنقل المعتقلين من المقاتلين في صفوف قوات القذافي والمدنيين المتهمين بدعم هذه القوات إلى مراكز الاحتجاز التابعة للمجلس الوطني الانتقالي في طرابلس أو بنغازي للحد من خطر الاعتداء عليهم من قبل قوات المجلس المشاركة في المعارك.
وقال فراد آبراهامز، المستشار الخاص لدى هيومن رايتس ووتش: "يجب على القادة الميدانيين في سرت الحرص على أن تقوم قواتهم بحماية المدنيين وتمكينهم من الابتعاد عن ساحة المعركة. ويجب معاملة جميع السجناء معاملة إنسانية وتسليمهم إلى سلطات المجلس الوطني الانتقالي القادرة على ضمان سلامة هؤلاء الأشخاص بشكل أفضل".
وقالت هيومن رايتس ووتش إن قيادة المجلس الوطني الانتقالي وجهت العديد من النداءات إلى المقاتلين بعدم ارتكاب أعمال نهب أو ثأر، ولكن القوات المتواجدة في الميدان لا تستجيب دائمًا إلى هذه النداءات.
ومنذ منتصف سبتمبر/أيلول 2011، قامت القوات الموالية للمجلس الوطني الانتقالي بمهاجمة سرت، وهي مسقط رأس معمر القذافي وإحدى المدينتين التي لا تزال تحت سيطرة القوات الموالية للقذافي. كما قامت الطائرات الحربية التابعة لحلف شمال الأطلسي بمهاجمة أهداف محددة داخل مدينة سرت في ما يبدو أنه تنسيق مع القوات المتحالفة معها في الميدان.
وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول قال قادة ميدانيون تابعون للمجلس الوطني الانتقالي أنهم سيطروا على قاعة وغادوغو للمؤتمرات ومستشفى ابن سينا وجامعة سرت، ولكن قتالا شرسا لا يزول يدور وسط المدينة.
وفرّ الكثير من سكان مدينة سرت، التي كان عدد سكانها يقارب المائة ألف قبل بداية الحرب، بينما لا يزال عدد مجهول من المدنيين وسط المدينة. واستنادا إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي قامت بإجلاء 25 شخصا من جرحى الحرب وعددًا آخر من المرضى من مستشفى ابن سينا يومي 10 و11 أكتوبر/تشرين الأول، فان أكثر من 20 ألف شخص غادروا منازلهم إلى حد الآن، ولكن "آلاف" المدنيين لا زالوا عالقين داخل المدينة. وأفادت تقارير إخبارية أن مئات المدنيين، بما في ذلك السكان والعمال المهاجرين، تمكنوا من الفرار من المدينة عندما هدأ القتال قليلا يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول.
يجب عل أطراف النزاع المسلح في ليبيا التقيد بقوانين الحرب. ويتعرض الأشخاص الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب بشكل متعمد أو عبر الإهمال إلى الملاحقة القضائية بتهمة ارتكاب جرائم حرب لدى المحاكم الداخلية أو المحكمة الجنائية الدولية التي لها سلطة قضائية على الجرائم الدولية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط.
وتنص قوانين الحرب على ضرورة معاملة جميع الأشخاص المحتجزين معاملةً إنسانية وحمايتهم من التعذيب وسوء المعاملة. كما يُحظر النهب وتدمير الممتلكات التي لم يتم استعمالها في عمليات عسكرية.
وعبرت هيومن رايتس ووتش عن قلقها العميق تجاه المقاتلين والمدنيين القادمين من مدينة تاورغاء والذين يتواجدون الآن داخل مدينة سرت، وهم أكثر الأشخاص عرضة إلى سوء المعاملة. وتضم قوات المجلس الوطني الانتقالي التي تهاجم مدينة سرت في صفوفها مقاتلين من مصراتة، ويعتقد هؤلاء أن سكان تاورغاء كانوا ضمن قوات القذافي التي ارتكبت جرائم فضيعة في مصراتة. وفي بداية أكتوبر/تشرين الأول، قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق حصول انتهاكات، تشمل التعذيب، في محيط وداخل مدينة مصراتة قام بها مقاتلون من هذه المدينة في حق أشخاص من تاورغاء.
كما وردت أنباء عن قيام مقاتلين من مصراتة بنهب ممتلكات خاصة في منطقة أبوهادي قرب سرت وإحراق منازل عائلات متهمة بمساندة القذافي.
وخلال الفترة الممتدة بين 24 سبتمبر/أيلول و8 أكتوبر/تشرين الأول، قامت هيومن رايتس ووتش بمقابلة 28 عائلة فرّت مؤخرا من مدينة سرت. وتحدثت هذه العائلات عن وجود قتال عنيف داخل المدينة، وعن انقطاع الكهرباء منذ أواخر أغسطس/آب وعن نقص حاد في المواد الغذائية والطبية.
كما أفاد السكان الفارّون بأن القوات الموالية للمجلس الوطني الانتقالي قامت تكرارًا بقصف مناطق سكنية خلال الأسبوعين الماضيين. وخلال هذه الهجمات، قام السكان بملازمة منازلهم خوفا على سلامتهم ولم يستطيعوا التأكد من المكان الذي كانت تتمركز فيه قوات القذافي.
وقالت ثلاث عائلات أن قذائف القوات الموالية للمجلس الوطني الانتقالي في الجنوب والغرب أصابت منازلهم. كما أفادت إحدى العائلات بأن منزلها أصيب خلال غارة نفذتها قوات حلف شمال الأطلسي. وقالت هذه العائلات أن الهجمات لم تسفر عن وقوع خسائر بشرية في صفوف المدنيين. ونظرا إلى عدم تمكنها من دخول مدينة سرت، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من هذه المزاعم.
وتنص قوانين الحرب على ضرورة التزام القوات المقاتلة بمهاجمة الأهداف العسكرية فقط. ولذلك فإن أي هجوم لا يفرّق بين المقاتلين والمدنيين أو الذي من شأنه أن يعرض المدنيين إلى خطر لا يتناسب مع الفائدة العسكرية المرجوّة، يعتبر هجومًا غير قانوني. وينبغي على القوات المقاتلة اتخاذ جميع الخطوات العملية لحماية المدنيين الذين هم تحت مسؤوليتها من الهجمات وتجنب الانتشار داخل المناطق الآهلة بالسكان.
وقال شخصان من سكان مدينة سرت أنهما شاهدا صواريخ غراد تضرب المدينة وهي قادمة من مناطق تسيطر عليها القوات الموالية للمجلس الوطني الانتقالي. ولم يتسنى التأكد من ذلك. كما أفادت وسائل إعلام خارج مدينة سرت بأن قوات القذافي قامت أيضا بإطلاق صواريخ غراد من داخل المدينة.
ولا تتوفر صواريخ غراد، التي يبلغ مداها بين 4 و40 كيلومترا، على نظام توجيه وتكون عشوائية عندما يتم إطلاقها نحو مناطق آهلة بالسكان. وفي حالة وقوع ذلك، فإن تأثيرها يكون على مساحة واسعة وتتسبب في وقوع خسائر بشرية كبيرة في المناطق المسكونة.
وقال فراد آبراهامز: "لا يجب استعمال صواريخ غراد العشوائية مادام داخل المدينة سكان مدنيون".
وبينما أفادت بعض العائلات بعدم مواجهة صعوبات أثناء مغادرة سرت، قالت عائلات أخرى أن قوات القذافي حاولت سدّ الطريق أمام خروجهم بإطلاق النار عليهم أو فوق سياراتهم. كما أفادت هذه العائلات بأنها سلكت طرقا ملتوية لتتمكن من الهرب وأحيانا قامت بعبور حقول. وقالت هيومن رايتس ووتش إن مهاجمة المدنيين تُعدّ جريمة حرب.
كما قالت العديد من العائلات أن قصف قوات حلف شمال الأطلسي تسبب في وقوع خسائر بشرية. وقال أحد السكان المشردين إن قوات الناتو قامت في 22 سبتمبر/أيلول، على الساعة العاشرة ليلا، بقصف عمارة أمين في شارع دبي وتسببت في مقتل وجرح عدد كبير من السكان. كما قال نفس الشخص أن عشرةً من القناصة التابعين لقوات القذافي كانوا يتمركزون على سطح تلك البناية عندما تم قصفها وأنه كان ضمن طاقم قضى يومين اثنين لإخراج الجثث باستعمال الآليات الثقيلة. وأضاف الرجل أن من ضمن الذين قُتلوا صادق أبوعزوم، وعمره 43 سنة وهو أستاذ تعليم ثانوي، وزوجته.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه في حالة تمركز قناصة على سطح البناية، فإن البناية تكون هدفًا عسكريا مشروعًا. وتعبر هيومن رايتس ووتش عن قلقها إزاء قيام قوات القذافي باتخاذ كل الخطوات الضرورية لإبعاد المدنيين عن المبنى وما إذا قامت قوات حلف شمال الأطلسي بمهاجمة المكان والتسبب في خطر غير متناسب على المدنيين.
كما قال عديد السكان الفارين أن قنابل الناتو ضربت المدارس. وأوضح أحد السكان أن هذه المدارس هي مدرسة ابن خلدون، والمدرسة المركزية، ومدرسة البيان الأول، ومدرسة المجد. ولكن السكان لم يتحدثوا عن وقوع خسائر بشرية في هذه الهجمات. ويبقى من غير المعلوم ما إن كانت قوات القذافي تستعمل هذه المدارس في ذلك الوقت، وهو ما يعني إمكانية اعتبارها أهدافا عسكرية مشروعة.
وإضافة إلى سرت، لا تزال القوات الموالية للقذافي تسيطر على مدينة بني وليد الصحراوية التي تقع 120 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة طرابلس.
وقال فراد آبراهامز "يجب على القوات المقاتلة في آخر معاقل القذافي أن تقوم بحماية المدنيين العالقين وسط القتال وأن تتجنب ارتكاب أعمال نهب وثأر".