(القدس، 5 أبريل/نيسان 2012) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم، بعد مرور سنة على الحكم الصادر عن المحكمة الإسرائيلية العليا، إن حكم المحكمة بالإبقاء على نظام التصاريح العسكرية نتج عنه عجز سكان إحدى المناطق المتضررة في الضفة الغربية من مواصلة العمل في أراضيهم الزراعية بشكل كامل.
كما قالت هيومن رايتس ووتش إن نظام التصاريح العسكرية، الذي يفرض على الفلسطينيين الحصول على تصاريح عسكرية خاصة للوصول إلى أراضيهم على الجانب "الإسرائيلي" من الجدار العازل في الضفة الغربية، يعامل على أرض الواقع جميع الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الزراعية في هذه المناطق أو يسعون إلى الوصول إليها على أنهم يمثلون تهديدًا أمنيًا، ويفرض عليهم قيودًا خانقة وغير ضرورية، ويعرّض حياتهم جميعًا إلى الخطر. وينتهك هذا النظام متطلبات القانون الدولي بأن تكون الإجراءات الأمنية متناسبة تماماً مع التهديد الذي يتم اتخاذها من أجله.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يمنع نظام التصاريح الفلسطينيين من العمل في أراضيهم الزراعية، وذلك دون مبرر. لقد أبقت المحكمة العليا في إسرائيل على نظام يتسبب في عزل الفلسطينيين عن أراضيهم دون وجود غاية أمنية متناسبة، حسب ما يقتضي القانون".
تزعم إسرائيل أن العمل بنظام التصاريح ضروري لمنع الفلسطينيين من مهاجمة المدنيين الإسرائيليين. ولكن في نفس الوقت تستعمل إسرائيل نظامًا مختلفًا وأقل تقييدا لمنح تصاريح للفلسطينيين العاملين في المستوطنات الإسرائيلية، وأغلبهم من عمال البناء. رفضت إسرائيل مطالب تقدم بها فلسطينيون للحصول على تصاريح دخول إلى أراضيهم اعتمادًا على معايير بيروقراطية متشددة وليس على أسباب أمنية محددة.
يُذكر أن المواطنين الإسرائيليين، بما في ذلك المستوطنين، والمواطنين غير الإسرائيليين الذين يزورون إسرائيل، جميعهم معفيين من الحصول على تصاريح عسكرية.
يشمل العمل بنظام التصاريح جميع الفلسطينيين الذين يعيشون أو يرغبون في دخول أرض توجد على الجانب الآخر من الجدار العازل التي يسميها الجيش الإسرائيلي "مناطق التماس"، ومساحتها تتجاوز 18400 هكتار. وحتى في الأراضي التي لا تُسمى مناطق تماس، تفرض إسرائيل على الفلسطينيين الحصول على تصريح مسبق من الجيش الإسرائيلي، يسمى التنسيق، للوصول إلى أراضيهم. وعلى مستوى الممارسة، نادرًا ما تسمح إسرائيل للفلسطينيين بدخول أراضيهم الزراعية على الجانب الآخر من الجدار، وفقط لمدة زمنية قصيرة في أيام يُحددها الجيش الإسرائيلي ولا تأخذ بعين الاعتبار أحوال الطقس أو الحاجات الزراعية.
وفي 5 أبريل/نيسان 2011، رفضت المحكمة دعوى مشتركة اعتراضاً على نظام التصاريح، قدمتها في البداية هموكيد: مركز الدفاع عن الفرد، في عام 2003 وتلتها دعوى بنفس الأثر من جمعية حقوق المواطن في إسرائيل في عام 2004. وذكرت الدعاوى المذكورة أن هذا النظام عرّض حقوق الفلسطينيين للخطر بشكل كبير، وغير قانوني، ويرقى إلى مستوى التمييز. وقضت المحكمة بأن النظام الذي يعتمده الجيش في مراقبة تنقل الفلسطينيين عبر الجدار اعتمادًا على تصاريح خاصة "يحافظ بأكبر قدر ممكن على نسيج حياة الفلسطينيين كما كانوا يتمتعون بها قبل غلق المنطقة"، وأن الضرر الذي نتج عن اعتماد هذا النظام كان متناسبًا مع فوائده الأمنية المتمثلة في منع حصول هجمات فلسطينية على الإسرائيليين.
قامت هيومن رايتس ووتش بالتحقيق في إحدى المناطق التي يفُرض عليها نظام التصاريح ونظام التنسيق، وهي مجموعة من ثماني قرى يسكنها قرابة 30 ألف نسمة وتُعرف بـ سهل بدو، يطوقها الجدار من ثلاث جهات. واستنادًا إلى سكان محليين وتقارير للأمم المتحدة، فان الجدار في هذه المنطقة تسبب في عزل مزارعين فلسطينيين عن 50 بالمائة من أراضيهم الزراعية، و70 بالمائة من أراضيهم الرعوية، وهي أراض يعتمدون عليها في حياتهم اليومية. واستنادًا إلى مراقبين تابعين للأمم المتحدة، لم يتمكن المزارعون الفلسطينيون في سهل بدو من الوصول إلى أراضيهم على الجانب الآخر من الجدار العازل لمدة 268 يومًا سنة 2009، و282 يومًا سنة 2010، و328 يومًا سنة 2011، و84 يومًا سنة 2012 إلى حدود 3 أبريل/نيسان.
وكردّ على التماسات أخرى بشأن مسار الجدار العازل من منطقة بدو، أمرت المحكمة العليا الجيش سنة 2004 بتوفير ممر "يقلّص قدر الإمكان معاناة المزارعين". وشيدت إسرائيل خمس بوابات للفلسطينيين في الجدار المحيط بسهل بدو، أكملت انجازها في 2007.
وفي 2009، أعلنت إسرائيل المنطقة المحاذية للجدار منطقة تماس، وفرضت على الفلسطينيين الراغبين في العبور الحصول على تراخيص خاصة، بينما تفرض البوابات الأربع الأخرى الحصول على تنسيق مسبق.
هذه الصعوبة التي يواجهها المزارعون للوصول إلى أراضيهم يقابلها نظام أكثر بساطة خاص بالفلسطينيين العاملين في المستوطنات الإسرائيلية. وعلى سبيل المثال، يعمل قرابة 150 فلسطينيًا من بيت اكسا، إحدى قرى سهل بدو، في مستوطنة هار آدار كعمال نظافة، وعمال في المتاجر، وفي أعمال خدماتية أخرى، بحسب مجلس قرية بيت اكسا. هؤلاء العمال يحصلون على تصاريح عمل صالحة لمدة ثلاثة أشهر وتسمح لهم بالدخول خمسة أيام في الأسبوع.
ويقوم أصحاب الأعمال، مستوطنون من المستوطنات، بجمع وثائق هوية العمال وتسليمها إلى بلدية هار آدار التي ترسلها بدورها إلى الجيش الإسرائيلي لإجراء فحوص أمنية. وفي المقابل، تفرض إسرائيل قيودًا أكثر شدّة على المزارعين. والمزارعون غير مؤهلون لتقديم مطالب للحصول على تصاريح عبور من نفس البوابة كفلسطينيين يعملون في مستوطنة هار آدار إلا إذا توفرت فيهم بعض الشروط البيروقراطية أكثر صرامة من شروط النظام الآخر. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2010، منحت إسرائيل سبعين تصريحًا للمزارعين، كانت صالحة لمدة ثلاث أسابيع. وبعد انتهاء صلاحية التصاريح، قام حاملو التصاريح بتقديم مطالب جديدة، ولكن الجيش وافق في مارس/آذار 2011 على 15 مطلبًا فقط، بحسب مجلس القرية. وبحسب المجلس أيضًا، تراقب البوابة أيضًا العبور إلى ما يقارب ثلث الأراضي الزراعية في قرية بيت سوريك، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على حياة مائتي شخص.
ويتعين أيضًا على المزارعين الحاصلين على تصاريح، الحصول على تصاريح "تنسيق" بشكل مسبق. واستنادًا إلى قائمة التصاريح التي قام مراقبو الأمم المتحدة بجمعها، تحصل المزارعون الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و50 سنة على تصاريح غير صالحة إلا لمدة ثلاث أسابيع، ولكن الجيش يؤخر "التنسيق" لفترات أطول، وهو ما يجعل التصاريح دون جدوى. وبينما بوابة هار آدار مفتوحة بشكل يومي، ما عدا السبت، للفلسطينيين العاملين في المستوطنة، لم تُفتح هذه البوابة إلا عشرة أيام منذ بداية 2012 أمام المزارعين. وفي هذه الأيام، فُتحت البوابة مرتين فقط في اليوم، وفي كل مرة لمدة 20 دقيقة فقط.
وقال جو ستورك: "بينما تقوم إسرائيل بإجراء فحوصها الأمنية على الفلسطينيين العاملين لدى المستوطنين بشكل سريع وتسمح لهم بالعبور، تعمد إلى منع الفلسطينيين الراغبين في الوصول إلى أراضيهم في الوقت الذي تُتلف فيه محاصيلهم في المزارع".
وفي القضية التي نتج عنها الحكم الصادر في أبريل/نيسان 2011، قال الأشخاص الذين قدموا العريضة انه يمكن الاستجابة للحاجات الأمنية بنظام أقل تقييد لأنه يُمكن للجنود تفتيش المزارعين بحثًا عن أسلحة قبل السماح لهم بعبور الحاجز. كما لاحظ أصحاب العريضة أن عدد التصاريح التي منحها الجيش الإسرائيلي تراجع بنسبة 90 بالمائة بين 2006 و2009 في مناطق الضفة الغربية التي تم إعلانها مناطق تماس، وأن رفض المطالب تم على اعتبار أن أصحابها لم يتجاوزوا الاختبار الصعب لإثبات "علاقتهم بالأرض"، وليس لمخاوف أمنية محددة.
وأذعنت المحكمة "لخبرة الجيش الإسرائيلي الأمنية" ووافقت على مزاعم الدولة بأن التفتيش الجسدي كحل بديل لا يوفر "نفس القدر" من الحماية التي يوفرها نظام التصاريح لأن الفلسطينيين الذين يعبرون الحاجز ربما يمثلون تهديدًا آخر غير تهديد السلاح. ولاحظت المحكمة وجود "انخفاض ملحوظ" في عدد التصاريح التي تم إصدارها، ولكنها قالت إنها "لا تعرف الأسباب" وأن الجيش الإسرائيلي بدا "مرنًا في استعداده لإصدار هذه التصاريح". كما قالت المحكمة إن إسرائيل تدخل تحسينات على نظام التصاريح، بما في ذلك إلغاء قاعدة كانت تسمح لكل فلسطيني يحمل تصريح باستعمال بوابة واحدة من بوابات الجدار.
ورغم وجود أدلة على أن نظام التصاريح ضار ويفرض قيودًا لا داعي لها، بما في ذلك وجود حلول بديلة يمكن أن تستجيب لحاجات إسرائيل الأمنية، فشلت المحكمة في التطرق بشكل كاف إلى ما ورد في العريضة بأن النظام المعتمد يرقى إلى التمييز غير المبرر، وقالت إن المحكمة كانت "بعيدة عن استنتاج أن التمييز في تطبيق سياسة مناطق التماس يعتمد على عناصر خاطئة من قبيل الدين والجنسية" وليس على أسباب أمنية. وينص قانون حقوق الإنسان الدولي، الذي ينطبق على الضفة الغربية، على أن أي اختلاف في المعاملة اعتمادًا على الأصل العرقي أو الجنسية يجب أن يكون مبررا بدقة. ولم تفرض المحكمة على السلطات الإسرائيلية تقديم تبرير دقيق لاعتماد نظام التصاريح رغم أن الأدلة التي تم تقديمها كانت تُطبق فقط على المزارعين الفلسطينيين، وكانت مشددة بشكل غير ضروري، ولها عواقب وخيمة على المزارعين.
في 2002، بدأت إسرائيل في بناء جدار عازل، في شكل سياج في بعض المناطق وجدار بارتفاع ثمانية أمتار وأبراج حراسة في مناطق أخرى، للسبب المذكور والمتمثل في منع الانتحاريين الفلسطينيين من مهاجمة المدنيين الإسرائيليين. وخلافًا للحاجز الفاصل بين إسرائيل وغزة، لا يتبع الجدار العازل خط الهدنة، الذي يعرف أيضًا بـ "الخط الأخضر" و"حدود 1967" بين إسرائيل والضفة الغربية. وبحسب الأمم المتحدة، فان 85 بالمائة من مسار الجدار يقع داخل الضفة الغربية، وسوف يحول دون وصول الفلسطينيين إلى 9.4 بالمائة من أراضي الضفة عند اكتماله. ويعزل الجدار في الوقت الحالي آلاف السكان الفلسطينيين عن أراضيهم، ويضيّق على تنقلهم، وفي عديد المناطق يستولي على الأراضي المحتلة.
ويمكن للمواطنين الإسرائيليين، بما في ذلك المواطنين من أصل فلسطيني، وسكان 71 مستوطنة بين الحاجز والخط الأخضر، وكذلك المواطنين الأجانب الذين يزورون إسرائيل، يمكن لهم الدخول إلى أي منطقة غرب الجدار من جانب إسرائيل دون عراقيل. ولدخول المنطقة عند سفرهم من الضفة الغربية في اتجاه الغرب، لا يمر هؤلاء من نفس البوابات التي يمر منها فلسطينيو الضفة الغربية. كما يمر هؤلاء جميعًا بنقاط تفتيش دون الحاجة إلى تصاريح خاصة أو تنسيق مسبق، وتكون هذه النقاط مفتوحة أمامهم بشكل دائم. وتفرض إسرائيل قيودًا على مرور فلسطينيي الضفة الغربية عبر نقاط التفتيش المذكورة.
وفي 2004، قضت محكمة العدل الدولية بأن مسار الجدار غير قانوني في المناطق التي يعبر فيها الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك داخل وحول القدس الشرقية. كما قالت المحكمة انه لم يتم تبرير مسار الجدار بمخاوف أمنية، وساهم في انتهاك حقوق الإنسان الدولية والقانون الدولي الإنساني من خلال تقييد حرية الفلسطينيين في التنقل، وتدمير الممتلكات، والمساهمة في ممارسات إسرائيل الاستيطانية غير القانونية.
أدلّة من سكان سهل بدو
قال أبو منذر، رئيس جمعية المزارعين في منطقة بدو، لـ هيومن رايتس ووتش ان 60 عائلة من قرية بدو، وهي واحدة من ثماني قرى في سهل بدو، تعتمد في معيشتها على 50 هكتارًا من الأرض التي لا تسمح لهم إسرائيل بالوصول إليها. وفي السنة الماضية، حصل مجلس القرية على بذور النكتارين و6000 شتلة زيتون ولوز من وزارة الزراعة الفلسطينية، ولكن الموسم ضاع لأن إسرائيل لم تسمح للقرويين بغرس أشجارهم في الوقت المناسب، بحسب أبو منذر.
كما قال فاروق رداد، مزارع من قرية بدو، لـ هيومن رايتس ووتش إنه يمتلك هكتارين اثنين من أشجار العنب خلف الجدار، ولكنه لم يتمكن من الوصول إليها خلال موسم الحصاد في السنتين الماضيتين.
وأضاف فاروق رداد: "كان والدي وجدي يقضيان يومهما في الأرض للتقليم والحرث، لتبقى يانعة. كانوا يحرثون الأرض خمس مرات في السنة. أما أنا فأقوم بذلك مرة واحدة، ولذلك أنا أشعر باختناق".
تسبب عدم تمكن فاروق رداد من العمل في أرضه بشكل كاف في تراجع محاصيله، وتسبب غلق البوابات في تراجع قيمة المحصول الذي كان يجنيه، وقال: "كنت أبيع العنب بـ 6 شيكل للكيلوغرام الواحد (1.75 دولار أمريكي)، ولكن إذا سمحوا لي بالوصول إلى الأرض الآن، سوف أبيعه بشيكل واحد (0.29 دولار أمريكي)، لأن المنتوج أوشك أن يتعفن".
وقال أبو رامي، رئيس جمعية المزارعين في قرية بيت سوريك، لـ هيومن رايتس ووتش إن خلال الثلاث سنوات منذ أن بدأ الجيش الإسرائيلي بمراقبة عبور الفلاحين إلى أراضيهم، خسر سكان بيت سوريك كامل محصولهم الزراعي على الجانب الآخر من البوابة، وأنهم لم يتمكنوا من إنتاج ما يكفي من زيت الزيتون لتوفير حاجيات عائلاتهم. كما قال أبو رامي إن كل عائلة من بيت سوريك تقع أرضها على الجانب الآخر من البوابة كانت تنتج بين 40 و50 برميلا من زيت الزيتون في السنة، قيمة الواحد منها 600 شيكل.
وأضاف أبو رامي: "تحتاج أرضنا إلى رعاية متواصلة، ويجب احترام مواسم التقليم والحصاد وغيرها. إذا قلمنا شجرة زيتون في وقت غير مناسب، خسرناها. بعد مرور سنتين عن منعي من الوصول إلى أرضي [بسبب نظام التصاريح]، لم تعد هذه الأرض خصبة".