(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على المؤتمر الوطني العام في ليبيا أن يصوت برفض المسودة الأخيرة من قانون جديد يقصد به منع مسؤولي عهد القذافي من تولي المناصب العامة. تتسم أحكام القانون المقترح وإجراءاته بالإفراط في الغموض والتعميم، بحسب هيومن رايتس ووتش. علاوة على هذا فإن تعديلاً حديثاً تم إدخاله على الدستور المؤقت من شأنه حظر المراجعة القضائية للقانون. ينتظر التصويت على المسودة في المؤتمر يوم 5 مايو/أيار 2013.
تداول المؤتمر مشروع القانون لشهور وسط توتر وجدال متصاعدين. في 28 أبريل/نيسان قامت عناصر من المليشيات المسلحة بمحاصرة وزارة الخارجية في طرابلس، ووزارة العدل بعد ذلك بيومين، للمطالبة بإزاحة المسؤولين ممن تولوا المناصب سابقاً في عهد معمر القذافي قبل خلعه في 2011. كما حاصرت الميليشيات المسلحة وزارات الداخلية والمالية والكهرباء في ذلك الأسبوع أيضا.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "من حق الليبيين أن يتوقعوا إزاحة المسؤولين الذين أساءوا استغلال مناصبهم تحت حكم القذافي في ارتكاب جرائم وانتهاك حقوق الإنسان، وعدم السماح لهم بتولي مناصب عامة مجدداً قط. لكن هذا القانون مفرط الغموض ـ وينطوي على إمكانية منع أي شخص سبق له العمل مع السلطات أثناء العقود الأربعة لحكم القذافي".
تشير المسودة الأخيرة لمشروع القانون المنشورة على موقع المؤتمر الإلكتروني إلى أن من شأنه أن ينطبق على أي شخص شغل منصباً عاماً من 9 سبتمبر/أيلول 1969، وهو أول يوم للقذافي في السلطة، وحتى النهاية المعلنة للنزاع المسلح الذي أدى إلى سقوطه ووفاته في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011. سيسري القانون لمدة 5 سنوات، بينما كانت المسودات الأسبق تقول إنه يسري لمدة 10 سنوات.
تفرد المادة الأولى من مشروع القانون قوائم بـ23 فئة من المناصب العامة وكذلك الأفعال المرتكبة في عهد حكومة القذافي ـ مثل اتخاذ "موقف معاد من ثورة 17 فبراير" ـ وتخضع للتمحيص. بموجب المادة 2، يحظر على أي شخص تولى أي منصب من الواردة في المادة الأولى، أو أخفق في تلبية بقية معاييرها، أن يتولى أي منصب عام ينتمي إلى 20 فئة من فئات المناصب، بما فيها السفارات وغيرها من وظائف السلك الدبلوماسي، وكافة المؤسسات التعليمية، وأعضاء الاتحادات والمعينين من قبل المؤتمر الوطني العام، وكذلك الحكومة المؤقتة.
ينص مشروع القانون على إنشاء هيئة لتنفيذ أحكامه واستبعاد مسؤولي عهد القذافي، مع تجريم "الامتناع أو التقصير أو الإهمال أو إعطاء معلومات غير صحيحة" في الاستبيان الذي تضعه الهيئة. هذه الهيئة قائمة بالفعل باسم هيئة النزاهة والوطنية، وسيعاد تسميتها "الهيئة العليا لتطبيق معايير تولي المناصب العامة" بنفس عضويتها.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه رغم كفالة مشروع القانون لحق الطعن على أي قرار تتخذه الهيئة إلا أن القانون يخلو من أي ضمانات بالحد الأدنى من إجراءات المحاكمة السليمة لمن يخضعون للاستبعاد، مثل الحق في أن يتم سماعهم خلال إجراءات التقاضي والحق في الاستشارة القانونية.
في 9 أبريل/نيسان، وافق المؤتمر على تعديل للميثاق الدستوري، أو دستور ليبيا المؤقت، يستبعد أي إمكانية لمراجعة قانون العزل السياسي قضائياً بمجرد تمرير المؤتمر له. ومن شأن هذا أن يقضي على إمكانية قيام المحكمة العليا بإسقاط القانون. في 2012، أسقطت الغرفة الدستورية بالمحكمة العليا القانون الذي يجرم "تمجيد الطاغية"، حكماً بأنه غير دستوري.
قالت سارة ليا ويتسن: "ينبغي للمشرعين الليبيين أن يرسخوا من الضمانات القانونية ما يضمن استبعاد القوانين التي تنتهك حقوق الإنسان والدستور المؤقت، لا أن يزيلوا تدابير الحماية تلك لـ’تحصين‘ مشروعات قوانين تحوم حولها الشبهات من الخضوع للمراجعة القضائية".
من شأن القانون المقترح على الأرجح أن يخالف دستور ليبيا المؤقت، كما يخالف التزامات البلاد الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بحسب هيومن رايتس ووتش.
يلزم القانون الدولي ليبيا بأن تتيح لجميع مواطنيها الحق في شغل المناصب العامة دون تمييز على أساس الانتماء السياسي. وكدولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تلتزم ليبيا بإتاحة فرص متساوية لجميع مواطنيها للمشاركة في الحياة السياسية، دون تمييز أو "قيود غير معقولة". كما أن الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي صدقت عليه ليبيا أيضاً، يلزم الدول بضمان تمتع كافة مواطنيها بحق المشاركة الحرة في حكم بلادهم.
قالت سارة ليا ويتسن: "لا ينبغي للمؤتمر الوطني العام أن يسمح لنفسه بالانحراف نحو وضع قوانين بالغة السوء لمجرد أن جماعات مسلحة طالبت بها. ستتضاءل فرص ليبيا طويلة الأجل في السلم والرخاء كثيراً إذا وافق المؤتمر على تمرير هذا القانون".