(القدس) ـ الحكومة الإسرائيلية أن تعلن عن وقف فوري لهدم المنازل "غير القانونية" للمواطنين البدو. تقوم الحكومة بهدم منازل البدو اعتمادًا على قوانين وقواعد تمييزية، ودون احترام لكرامتهم أو التزاماتها الخاصة بحقوق الإنسان.
كما يتعين على الحكومة الإسرائيلية سحب مقترح قانون يمكن أن ينطوي على تمييز ضدّ البدو عبر فرض قواعد قاسية تتعلق بحقوق ملكية الأرض، والسماح بتهجير واسع النطاق لمجموعات من البدو يعود تاريخها إلى أجيال كاملة، وفرض قيود كبيرة على حقهم في الطعن على القرارات. يعتقد مسؤولون حكوميون إسرائيليون أن تنفيذ هذا القانون سيتسبب في تهجير 30 ألف بدوي، بينما تقول منظمات حقوقية إسرائيلية إن العدد قد يكون 40 ألفًا أو أكثر.
وقال جو ستورك، القائم بأعمال المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "قامت إسرائيل بدفع البدو إلى الانتقال إلى أمكنة ما فتئت تتقلص من حيث المساحة، وقامت بتشجيع اليهود الإسرائيليين وربما مساعدتهم على الانتقال إليها. يتعين على رئيس الوزراء نتنياهو وضع حدّ لهذا التمييز الخطير ضدّ المواطنين البدو، وليس دعم القانون الذي يُكرّس له".
استنادًا إلى إحصاءات حكومية، يعيش مائتي ألف بدوي من منطقة النقب جنوب البلاد، يُمثلون أغلبية في سبع بلدات خططت لها الحكومة، وبعض الآلاف الآخرين يعيشون في 11 قرية بدوية تُعتبر الحكومة بصدد "الاعتراف بها". ولكن وثائق التخطيط والخرائط الإسرائيلية تُقصي 35 قرية بدوية "غير معترف بها"، تقدر الحكومة أن عدد سكانها يتراوح بين 70 و90 ألفًا.
تقوم إسرائيل بهدم منازل البدو في منطقة النقب على اعتبار أنها بُنيت دون تراخيص، في العادة في تجمعات سكنية غير مرخص لها. ولكن إسرائيل رفضت لعقود من الزمن الاعتراف القانوني بهذه التجمعات السكنية أو السماح لسكانها بالحصول على وثائق تثبت امتلاكهم لها من أجدادهم. ودائمًا ما ترفض الحكومة الإسرائيلية أو تؤخر مناقشة مخططات تقدمها منظمات تسعى إلى الترخيص للتجمعات السكانية البدوية، مما يجعل حصول السكان على تراخيص أمرًا مستحيلا. فضلاً عن ذلك، تلعب الحكومة دورًا نشيطًا في تخطيط وتوسيع التجمعات السكنية اليهودية في المنطقة، وسمحت للمواطنين اليهود بالبناء بأثر رجعي هناك.
يقول البدو إنهم ورثوا الأراضي التي تعيش عليها عائلاتهم منذ أجيال من أجدادهم، ولكن إسرائيل لا تعترف بهذه المزاعم دون الاستظهار بوثائق رسمية تثبت امتلاكهم لها، في الوقت الذي لا تتوفر فيه هذه الوثائق إلا للقليل منهم. وتزعم إسرائيل أن أراضي منطقة النقب غير المسجلة باسم أشخاص هي ملك للدولة، وكثيرًا ما تمنح للتجمعات السكنية والمزارعين اليهود عقود إيجار طويلة الأمد لاستخدام "أراضي الدولة"، بما في ذلك الأراضي التي تمت مصادرتها من البدو الإسرائيليين، بينما رفضت بشكل دائم السماح بذلك للمواطنين البدو.
وقامت هيومن رايتس ووتش منذ فترة طويلة بتوثيق الأعمال التمييزية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية في حق البدو، وهدم منازلهم بشكل تمييزي. كما قامت هيومن رايتس ووتش منذ مارس/آذار 2013 بتوثيق هدم 18 منزلا و11 مرفقاً آخر للبدو، منها ثمانية خيام كان يعيش فيها ضحايا عمليات هدم سابقة.
وتمت العديد من عمليات الهدم في قرية عتير قرب بئر السبع، وهي تجمع سكني فيه قرابة 500 شخص. وعاش السكان البدو في قرية عتير منذ أن قامت السلطات الإسرائيلية بترحيلهم إلى هناك في 1956 ورفضت الاعتراف بالقرية أو ربطها بشبكات الكهرباء والماء، وهي تخطط لزراعة غابة هناك. وفي 16 مايو/أيار، قامت قوات الأمن بهدم منازل لقرابة 70 شخصًا، ثم عادت في 29 مايو/أيار و27 يونيو/حزيران لهدم الخيام التي كان يسكنها الأشخاص المهجرون.
وقال (ر) إن قوات الأمن قامت في إحدى الحالات بهدم منزل لعائلة فيها طفلان يعانيان من إعاقات دون السماح لوالديهما باستخراج دوائهما، ومعدات السمع الخاصة بهما، واسطوانة أوكسجين، وان ضابطًا إسرائيليا لم يسمح لزوجته بمزيد من الوقت قبل تجريف المنزل ونقل الأنقاض بالشاحنات.
حاولت أن أتحاور مع الرجل، بينما أحضرت زوجتي الوثيقة التي تثبت أن أبنائي معاقين، وطلبت منهم أن يسمحوا لها بإخراج بعض الحاجات من المنزل، لكنه ألقاها أرضًا وقال: "لا يهمني ذلك".
تزعم السلطات الإسرائيلية أنها ببساطة تقوم بتنفيذ قوانين البناء، وتشجيع البدو على شراء الأراضي والمساكن في سبع تجمعات سكنية للبدو في إطار مخطط الحكومة. منحت إسرائيل تمويلا لبرنامج تنمية اقتصادية لصالح بدو النقب، وحددت مناطق سكنية للبدو على أنها ضمن "مناطق الأولوية الوطنية" المؤهلة للحصول على إعانات أخرى.
رفض العديد من البدو الانتقال إلى القرى لأن الحكومة تفرض عليهم التخلي عن المطالبة بالأراضي التي انتقلت إليهم جيلا بعد آخر. ولا يوجد في القرى، وسبع منها هي من بين ثماني قرى الأشد فقرًا في إسرائيل، ما يكفي من الأرض لتربية الحيوانات، مثل مناطق الرعي.
وفي 24 يونيو/حزيران، وافق البرلمان الإسرائيلي على مشروع قانون لتنظيم البدو في منطقة النقب، في قراءة أولى، بعد أن أعده مكتب رئيس الوزراء. وإذا تمت الموافقة على المشروع في قراءتين أخريين، فانه يُصبح بعد ذلك قانونًا ساريًا. ويسعى القانون إلى حلّ وضع إقامة البدو في تجمعات سكنية "غير مرخص لها". ويُمكن أي يسوي القانون وضعية بعض التجمعات حتى تصبح مستجيبة إلى بعض المعايير، ولكنه يخلق إجراءات إدارية يمكن أن ينتج عنها هدم سريع للتجمعات السكنية التي لا تقوم بذلك. وفي الوقت الحالي، توافق المحاكم الإسرائيلية على قرارات الحكومة بهدم منازل البدو بشكل فردي.
انضمت إسرائيل سنة 1991 إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما يفرض عليها ضمان الحق في السكن. وقالت اللجنة المسؤولة عن تفسير أحكام العهد إن هذا الحق يعني أن الحكومات لا تستطيع تنفيذ أي تهجير قسري إلا في "ظروف استثنائية جدًا"، وبما يتناسب مع مبادئ حقوق الإنسان التي تتطلب تشاور الحكومة مع الأفراد والجماعات المتأثرة، وتحديد مصلحة عامة واضحة تتطلب الإخلاء، وضمان تمكين المتضررين من فرصة حقيقية للطعن فيه، وتوفير التعويض المناسب وترتيبات الأرض البديلة والسكن الملائم.
ويحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان على الدول التمييز ضد الأقليات، بما في ذلك في حقوق الأرض والسكن. ويتعين على الحكومات أن تثبت أن أي معاملة تفضيلية تؤثر على أحدى المجموعات بالسلب هي متناسبة مع هدف مشروع.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة أن تعوّض للبدو الذين هدمت ممتلكاتهم ومنازلهم في انتهاك لحقهم في السكن وعدم التمييز. كما يجب على الحكومة السماح لهم بالعودة إلى قراهم في انتظار الوصول إلى اتفاق نهائي مع البدو الذين تم ترحيلهم يحترم حقوقهم التي يكفلها القانون الدولي.
وقال جو ستورك: "لقد سعى مكتب رئيس الوزراء إلى الدفع بهذا القانون الذي سيؤدي إلى تهجير آلاف العائلات البدوية بشكل قسري. يتعين على حلفاء إسرائيل أن يطلبوا من رئيس الوزراء، بعبارات واضحة لا لبس فيها، التخلي عن هذا القانون التمييزي".
لمزيد من المعلومات حول مشروع القانون، والقانون الدولي، وعمليات الهدم الأخيرة، يُرجى مواصلة القراءة أدناه.
مشروع القانون
يعتمد مشروع القانون على خطط وضعتها الحكومة على امتداد العديد من السنوات، بداية من لجنة غولبرغ، التي كان يترأسها قاض سابق في المحكمة العليا، والتي أصدرت تقريرها النهائي في 2008. وفي 2009، كلف بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، إيهود برافر، مسؤول مجلس الأمن القومي، بوضع خطة لتنفيذ التقرير. وفي 2011، عين نتياهو زئيف بيغن وزيرا دون حقيبة لوضع اللمسات الأخيرة على خطة برافر. وقدم بيغن خطته في يناير/كانون الثاني 2013.
وسوف ينشئ القانون آلية إدارية للبت في ادعاءات ملكية الأرض من قبل المواطنين البدو والأمر بهدم البناءات "غير القانونية". كما سيتسبب القانون في تقييد لجوء البدو إلى المحاكم للاعتراض على قرارات الهدم بشكل فردي، ولهيئات التخطيط للاعتراض على المخططات التي تقصي التجمعات السكنية البدوية. ولقد رفضت المحاكم جميع ادعاءات البدو بملكية الأراضي والتي اعتمدت على استخدام الأرض عبر التاريخ، بينما رفضت هيئات التخطيط الاعتراف بأغلب التجمعات السكنية البدوية، باستثناء 11 قرية "معترف بها".
ويوفر مشروع القانون إمكانية الاعتراف ببعض التجمعات السكنية البدوية الأخرى، دون أن يحددها. ولكن يمكن لمشروع القانون، عبر إلغاء لجوء البدو إلى المحاكم والاجراءات الأخرى، أن يُسرّع في عمليات الهدم والتهجير المستمرة. وينص مشروع القانون على زيادة عدد قوات الأمن لتنفيذ عمليات الإخلاء. وقال مسؤولون إن عمليات الإخلاء التي يسمح بها هذا القانون، إذا تم تمريره، سوف تُنفذ بحلول عام 2016.
تقول الحكومة إنها ستمنح سكنًا للأشخاص المهجرين في البلدات التي خططت لها، والتي رفض البدو الانتقال إليها بسبب الفقر وعدم توفر مساحات فيها للاضطلاع بأنشطتهم الاقتصادية التقليدية. كما رفض البدو المشاركة في خطط إعادة التوطين الحكومية التي يمكن أن تفرض عليهم أن يزعموا ملكية أرض في تجمع سكني آخر.
سوف يسمح القانون لبعض البدو ممن لم تقم إسرائيل بتهجيرهم في الأربعينيات والخمسينيات، والذين مازالوا يعيشون على الأراضي التي ورثوها من أجدادهم، بأن يطالبوا بحقوقهم في ملكية الأرض. ولكنه يفرض قيودا تعسفية على أهلية البدو (وورثتهم) الذين تقدموا بمطالب تسجيل أراضيهم بين 1971 و1979، وهي الفترة الوحيدة التي سمحت فيها إسرائيل للبدو بتقديم مطالب ملكية الأراضي، رغم أن المسؤولين لم يبتوا في أي من هذه المطالب.
علاوة على ذلك، فان المطالب الوحيدة تقريباً التي يمكن النظر فيها، استنادًا إلى مشروع القانون، هي المتعلقة بالأراضي التي كان يعيش فيها البدو أو كانوا يقومون بزراعتها عندما قدموا مطلب التسجيل، ولكن يمكن الاستجابة إلى هذا المعيار استنادًا إلى دراسات أراضي الدولة أو السجلات الرسمية الأخرى. ولن يستطيع البدو المطالبة بأراض قضت المحكمة بأنها ملك للحكومة، وهي النتيجة التي تم التوصل إليها في حوالي مائتي قضية رفعها البدو وادّعوا فيها بملكية الأرض دون وجود أفعال رسمية.
ويحق للبدو الذين تم تهجيرهم من أراضي أجدادهم تقديم مطالب تعويض، ولكن فقط في إطار المعايير الضيقة التي يفرضها المخطط، وسيكون لعدد محدود منهم الحق في المطالبة بملكية الأرض. وسيكون البدو مؤهلين للتعويض فقط إذا وافقوا على التهجير وتنازلوا عن جميع مزاعمهم بملكية أراضي أجدادهم.
سيتمكن البدو الذين يتجاوزون جميع هذه الاختبارات من الحصول على ملكية الأرض، بنسبة تحددها الحكومة تساوي 62.5 بالمائة من الأرض المطالب بها كأقصى تقدير، مع إمكانية فرض قيود أخرى عليها. ولكن ذلك لا يعني أنهم سيحصلون على أراضيهم الأصلية، بل فقط على أرض "مماثلة"، عندما ترى الدولة أنه من "الممكن" منح هذه الأرض.
لا يُحدد القانون المكان الذي سيُنقل إليه البدو المهجرين، ولكنه ينص ضمنيًا على إمكانية نقلهم إلى التجمعات السكنية البدوية التي ستعترف بها إسرائيل بشكل قانوني، أو الإحدى عشر قرية بدوية التي اعترفت بها، أو القرى البدوية السبعة التي خططت لها الحكومة. ويمكن لأصحاب المطالب الحصول على تعويض بنسبة تحددها الحكومة.
وعملا بالقانون المقترح، يمكن للسلطات الحكومية تحديد أي من القرى البدوية الخمسة والثلاثين "الغير معترف بها" التي تعتبرها الدولة بُنيت بطريقة غير قانونية والتي سيتم هدمها، وتلك التي يمكن الاعتراف بها، إن وُجدت أصلا. وستحدد الحكومة ذلك بالاعتماد على ما إذا كان المكان الذي توجد فيه القرية البدوية متوافقا مع المخطط العام للمنطقة، وفيه ما يكفي من "المساحة، والكثافة السكانية، والاستمرارية، والقدرة الاقتصادية".
لا توجد هذه المعايير في قواعد وقوانين التخطيط الإسرائيلية الأخرى، ولم تقم إسرائيل بتطبيقها عندما منحت ترخيصًا بأثر رجعي لبنايات سكنية يهودية والمزارع المملوكة للقطاع الخاص في النقب. وقامت هيومن رايتس ووتش بتغطية العشرات من هذه الحالات.
يقول البدو إن إسرائيل لم تقم باستشارتهم في القانون المقترح، وخرج الآلاف في مسيرات ضدّه، بينما تزعم الحكومة أنها قامت باستشارتهم لمدة ثلاثة أشهر، ولكن ذلك حدث بعد سبتمبر/أيلول 2011، بعدما وافقت الحكومة على جوانب هامة من القانون التي لم تقم بتغييرها.
القرى البدوية والمخطط الرئيسي لإسرائيل
يعيش عشرات الآلاف من المواطنين البدو في منطقة النقب قي قرى "غير معترف بها". ولأن الحكومة تعتبر هذه القرى غير قانونية، فهي لم تقم بوصلها بشكل كاف بالخدمات الأساسية والبنية التحتية مثل الماء والكهرباء والصرف الصحي ومكبّات النفايات. ورغم أن القرى لا تظهر على الخرائط الرسمية، فإن بعضها يعود إلى ما قبل تأسيس إسرائيل في 1948، بينما تأسست بعض القرى الأخرى بعد أن قام الجيش الإسرائيلي بتهجير القبائل البدوية بشكل قسري من أراضي أجدادهم مباشرة بعد حرب 1948.
أصدرت إسرائيل قوانين في الخمسينات والستينات مكنت الحكومة من السيطرة على ساحات كبيرة من صحراء النقب حيث كان البدو يعيشون ويستخدمون الأرض. وعندما أصدرت سلطات التخطيط أول مخطط رئيسي في إسرائيل أواخر الستينات، لم تقم بإدماج أي من القرى البدوية الموجودة في النقب.
اعترضت مجموعات مختلفة من السكان البدو في النقب، تعمل مع منظمات غير حكومية للتخطيط وحقوق الإنسان في إسرائيل، بشكل متكرر على إقصاء قراهم من المخططات الرئيسية. وفي فبراير/شباط 2011، قدم مواطنون بدو ومنظمات حقوقية لهيئات التخطيط في إسرائيل مخططًا بديلا يمكن بموجبه أن تعترف السلطات بجميع القرى البدوية، ولكن السلطات الإسرائيلية لم تردّ على ذلك. وجاء في تفسير الحكومة الإسرائيلية لمشروع القانون المتعلق بالبدو، الذي صدر في 23 يناير/كانون الثاني 2013، رفض للمخططات البديلة للقرى البدوية، واعتبرتها "مقترحات لا علاقة لها بالواقع"، دون أن توضح ذلك بشكل أفضل.
وقالت الحكومة إن القانون المقترح سيقتضي تهجير وادي النعم، أكبر قرية بدوية "غير معترف بها" يُقدّر عدد سكانها بـ 14 ألف نسمة، وأقل "من ثلاثة آلاف عائلة أخرى" تعيش في قرى أخرى غير معترف بها. وفي 2011، قدر إيال غاباي، المدير العام السابق لمكتب رئيس الوزراء، عدد الأشخاص الذين سيتم تهجيرهم بـ 30 ألف شخص.
قامت السلطات الإسرائيلية بتنفيذ عمليات هدم لمنازل وبنايات أخرى للبدو دون القيام بمشاورات مسبقة ذات معنى مع السكان. ويتحجج المسؤولون الإسرائيليون بالمصلحة العامة في إنفاذ قوانين البناء كمبرر للهدم. وباستثناء 11 قرية بدوية تُعتبر السلطات الإسرائيلية بصدد الاعتراف بها، تم رفض حلول بديلة عن الهدم في خمسة وثلاثين قرية أخرى غير معترف بها، بما في ذلك إعادة تقسيم القرى البدوية والمناطق السكنية الموجودة. وكانت إسرائيل، في العديد من الحالات، قد قامت بتهجير البدو إلى هذه المناطق في الخمسينات، وفي حالات أخرى، فان القرى سبقت إنشاء الدولة في 1948.
وحتى في القرى "المعترف بها" المخطط لها، تقوم السلطات الإسرائيلية بهدم البنايات الجديدة على أساس أنها لا توجد في "المخططات التفصيلية" للقرى. ويقول البدو والقائمين بالتخطيط إن على الحكومة مراجعة تلك المخططات بما يسمح بإنشاء بنايات جديدة وتحقيق تطور طبيعي.
عمليات هدم جديدة في عتير
في قرية عتير، حيث تمت مؤخرًا عمليات هدم متعددة، تتعامل سلطات التخطيط الإسرائيلية مع سكان القرية، وعددهم حوالي 500 نسمة، على أنهم محتلين. وينتمي السكان إلى عشيرة القيعان، التي أطردتها إسرائيل سنة 1948 من أرضها في الشمال الغربي، حيث بُنيت مستوطنة كيبوتز شوفال. ومنعت السلطات أهل العشيرة من العودة، وتصدت لمحاولاتهم بإعادة التمركز في العديد من الأماكن الأخرى إلى سنة 1956 عندما أجّر الجيش للعشيرة 7 آلاف دنم (700 هكتار) في وادي عتير، السهل الذي تقع فيه قرية عتير، بحسب سجلات عسكرية تحصل عليها مركز عدالة، وهي منظمة غير حكومية تدافع على حقوق الأقلية العربية في إسرائيل.
ولم تربط السلطات الإسرائيلية قرية عتير بشبكات الماء والكهرباء، ولم تًصدر تراخيص للبناء فيها. ومنذ الستينات، حددت الحكومة الجزء الأكبر من الأرض على أنها غابات، سيقوم بغراستها الصندوق القومي اليهودي. وفي الثمانينات، ألغت إدارة أراضي إسرائيل، التي سلم لها الجيش الملف، إيجار الأرض لعشيرة القيعان. وفي فبراير/شباط 2013، وافقت إحدى هيئات التخطيط المحلية على غراسة "غابة ياتير" في مكان عتير. وقامت منظمتان إسرائيليتان، هما مركز عدالة ومنظمة بيمكوم، باستئناف المخطط الذي لا يعترف بأن الموقع مسكون، ولا يقدم أي سكن بديل للسكان.
وقال سكان لـ هيومن رايتس ووتش إن عددًا كبيرًا من قوات الأمن الإسرائيلية قام في 16 مايو/أيار، حوالي الساعة السابعة صباحًا، بهدم 18 بناية في عتير، بما في ذلك 16 مبنى سكنيًا، وإسطبل كبير للحيوانات، وخيمة جماعية، وأربع لوحات للطاقة الشمسية، وحوالي 700 شجرة زيتون وتين ورمان وحمضيات. كما قالوا إنهم كانوا يعلمون بقرارات الهدم المتعلقة فقط بثلاث مباني.
وقال (ر)، ويبلغ من العمر 26 سنة، إن قوات الأمن قامت بهدم منزله ذي الجدران الإسمنتية الذي بناه في 2007 الذي كان يسكن فيه مع زوجته، التي تعاني من مرض اضطراب الدم، وابنيهما اللذان يبلغان من العمر سنة واحدة وسنتين ويعانيان من أمراض خلقية، ومنها متلازمة بارتر التي تصيب الكلى:
جاؤوا وحاصروا المنطقة بأكملها، كان عدد القوات كبيرا جدا، وحدث كل شيء بسرعة كبيرة. كانت زوجتي تهم بغسل الأطفال، ونزعت لهما آلات السمع ووضعتهما في درج، لما دخل شخص يرتدي زيًا أخضر وطلب منا مغادرة المنزل على الفور. أخذت الحقيبة التي أحتفظ فيها بكل شيء: وثائق، وأوراق طبية، ووثائق هوية، والمال ثم خرجت. حدث ذلك بشكل سريع. ثم دخلوا إلى المنزل وأخرجونا منه، وبدؤوا في تجريفه. لم يعطونا وقتا لنقل أي شيء، باستثناء تلك الحقيبة. لقد جرفوا المنزل بكلّ ما فيه، الثلاجة وكلّ شيء، ثم نقلوا كلّ شيء إلى مصب الفضلات. كان يوجد داخل المنزل اسطوانة أوكسجين، وآلتي سمع، واحدة لكل طفل، وخمسة أنواع من الأدوية المختلفة التي يتناولانها.
وفي 29 مايو/أيار، عادت السلطات الإسرائيلية إلى عتيروهدمت تسع خيام كان يحتمي فيها ضحايا عمليات الهدم التي حصلت يوم 16 مايو/أيار، إضافة إلى منزلين آخرين، وقامت بمصادرة مولدّي كهرباء. وقال السكان إنهم كانوا يعلمون بقرار هدم واحد لإحدى لبنايات السكنية.
وشاهدت هيومن رايتس ووتش السكان يبنون خيمتين كبيرتين أثناء زيارتها إلى الموقع في 31 مايو/أيار. وفي 1 يونيو/حزيران، أعلمت السلطات الإسرائيلية الناس بإخلاء الخيام الجديدة في غضون 48 ساعة، ولكنها لم تقم بهدمها. وفي 8 يونيو/حزيران، قال "ر" أثناء مكالمة مع هيومن رايتس ووتش إن الأشخاص الذين هدمت منازلهم وخيماتهم كانوا يعيشون معًا في الخيام الكبيرة، ولذلك فإن القوات الإسرائيلية ستنفذ عددًا أقل من عمليات الهدم في المستقبل مقارنة بما سيكون عليه الحال لو أعاد السكان بناء مباني متعددة وصغيرة للسكن العائلي. كما قال (ر): "بعد أن قاموا بتجريف الخيام للمرة الثانية، صرنا نعيش في خيمة تمسح خمسة أمتار من كل جهة، ولكن الأمر كان صعبًا، فالطقس كان دائمًا حار جدًا، وكنا دائمًا نحتاج إلى أن نبقى داخلها. اليوم بلغت الحرارة 40 درجة مئوية".
وقال (ر) إنه وزوجته أرسلا أبناءهما للعيش مع والدي أمهم في قرية أخرى، ولا يلتقي بهم إلا مرة في الأسبوع. وأضاف: "أبنائي ليسوا في حالة صحية جيدة حتى يعيشوا في الخيمة التي أعيش فيها الآن. وها قد عادوا إلى تناول دوائهم، عندما تم تدمير المنزل في المرة الأولى اضطروا إلى البقاء دون دواء لمدة أسبوع، إلى أن استطعت أن أوفره لهم من جديد. كان لدينا خزان الأكسيجين إذا واجهوا صعوبة في التنفس، أما الآن فلم يعد لدينا خزان".
شاهدت هيومن رايتس ووتش نتائج عمليات هدم أخرى تمت في عتير في 27 يونيو/حزيران. وقال بعض السكان إن القوات الإسرائيلية عادت حوالي الساعة التاسعة صباحًا، وهدمت بناية سكنية. وقالت أم راسم لـ هيومن رايتس ووتش، وهي من السكان هناك، إن أهل القرية قاموا أيضا بتفكيك أربع خيام سكنية قبل قدوم قوات الأمن لمنعهم من هدمها. وأضافت: "شاهدنا قوات الأمن قادمة ألينا فقام السكان بتفكيك الخيام الأربعة بأنفسهم، ولكن القوات قامت على كل حال بمصادرة الأعمدة المعدنية التي تُستخدم في إحدى الخيام".
وقال (أ)، ويبلغ من العمر 25 سنة، إن قوات الأمن قامت بهدم منزله في عتير في 16 مايو/أيار، ثم قامت بتجريف الخيمة التي كان يعيش فيها في 29 مايو/أيار. وأضاف أ: "كنت أعيش في إحدى الخيام مع زوجتي وابني، وعمره سنة ونصف، وابنتي، وعمرها ستة أشهر. قمنا بإخراج ما استطعنا إخراجه من المنزل في تلك الدقائق المعدودة التي منحونا إياها، أما الباقي فنقلوه في شاحناتهم إلى مكان إلقاء النفايات". وقال (ن)، وهو أيضًا من السكان وعمره 18 سنة، إن السلطات الإسرائيلية قامت في 16 مايو/أيار بهدم المنزل الذي كان يعيش فيه مع والديه وسبعة من إخوته وأخواته. كما قال إن عمليات الهدم تسببت في المجموع في تشريد نحو 70 شخصًا.
وقال سكان عتير لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولين من هيأة البدو التابعة للحكومة الإسرائيلية قاموا بزيارتهم في مارس/آذار، وشجعوهم على الانتقال إلى حورة، وهي واحدة من قرى البدو السبعة التي بُنيت سنة 1979. وقال سكان عتير إنهم لا يرغبون في الانتقال إلى حورة لأنهم لن يستطيعوا مواصلة طريقتهم في الحياة القائمة على الرعي والزراعة.
وقال (ر): "بدأت الحكومة تتحدث إلينا في مارس/آذار، كانوا يزوروننا كل يوم، فقلنا لهم نحن مستعدون للانتقال إلى حورة، ولكن عليكم أن تسمحوا لنا هناك بالقيام بما نقوم به هنا. نحن لا نعارض الانتقال، ولكن لا نستطيع الانتقال [دون ضمانات]. وبعدها، لم يعودوا إلينا".
عمليات هدم جديدة أخرى
في مارس/آذار، قامت السلطات الإسرائيلية بهدم منزل (أ)، وعمره 51 سنة، في قرية وادي المشاش غير المعترف بها. وقال (أ)، ويعمل سائقًا لرافعة في مصنع للكيمياويات في رامات هافاف، إنه بنى منزله منذ 18 سنة، ولكن السلطات أصدرت قرارًا بهدمه عندما قام بتوسيعه وإصلاحه منذ سنتين حتى يصير قادرًا على استيعاب أفراد عائلته التي ما فتئت تكبر، وله عشرة أطفال ويبلغ أصغرهم سنًا ست سنوات. وأضاف: "قالوا لي إما أن تهدم المنزل بنفسك، وإما فسنقوم نحن بهدمه. كان سقف منزلي من الاسمنت، ولذلك اضطروا إلى هدمه بجرافة كبيرة".
وطلبت السلطات الإسرائيلية من أ الانتقال إلى سيغيف شالوم، إحدى القرى التي أعدتها إسرائيل للبدو، أو بئر هداج، وهي واحدة من القرى المعترف بها، فاعترض أ على ذلك وقال: "لا يوجد ما يكفي من الأرض في سيغيف شالوم، أعرف أشخاصًا انتقلوا إلى هناك ثم عادوا إلى هنا. ثم هم يقومون بهدم المنازل في بئر هداج أيضًا، رغم أنهم اعترفوا بالقرية".
وفي حالة أخرى، قال (ن)، وهو من سكان قرية "رخمة" البدوية غير المعترف بها، إنه بنى منزلا منذ 22 سنة، وأصيب بأضرار، ولكنه لا يستطيع إصلاحه. وأضاف: "منذ أشهر قليلة، هبت ريح قوية تسببت في هدم 40 منزلا هنا، وأتلفت سقف بيتي الذي كان من الزنك، ولكنني لا أستطيع إصلاح السقف القديم لأنهم سوف يهدمون المنزل بأكمله". كما قال (ن) إن في الكثير من الحالات الأخرى، قامت السلطات الإسرائيلية بهدم مباني "غير قانونية" بعد أن قام أصحابها بإصلاحها، وإنه لن يستطيع الحصول على تراخيص بناء خاصة بمنزله وسقفه.
وفي 18 أبريل/نيسان، قامت القوات الإسرائيلية في وادي النعم، أكبر قرية بدوية "غير معترف بها"، بهدم متجر كان على ملك موسى الجلجاوي، الذي توفي في ديسمبر/كانون الأول 2012 عن سنّ 40 سنة. وقال بعض السكان إن هذا المتجر الذي تبلغ مساحته 32 مترًا مربعًا أصبح مصدر الرزق الوحيد لأرملته وأبنائه الثمانية. وقال الشيخ عطية الجلجاوي لـ هيومن رايتس ووتش، وعمره 76 سنة وهو عم موسى الجلجاوي، إن السلطات الإسرائيلية أصدرت قرارًا بهدم المحلّ منذ سنتين. وطلبت السلطات من ابن أخيه، مباشرة قبل الهدم، إخراج كل شيء بداخله.
ونفذت السلطات الإسرائيلية العديد من عمليات الهدم الأخرى. واستنادًا إلى منتدى التعايش في النقب، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية، قامت السلطات الإسرائيلية في 21 أغسطس/آب بهدم خيام في قرية العراقيب البدوية للمرة الثانية والخمسين منذ 2010. وقاوم سكان العراقيب محاولات الهدم المتكررة بالعودة إلى الموقع.
وإضافة إلى عمليات الهدم التاسعة والعشرين التي قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيقها، قام منتدى التعايش في النقب بتوثيق 44 عملية هدم منازل، وتسع عمليات هدم متاجر، ومأوي للحيوانات، وبنايات أخرى في قرى بدوية في النقب حتى 26 أغسطس/آب 2013. نفذت القوات الإسرائيلية 26 عملية من عمليات الهدم في القرى "المعترف بها" المخططة الخاصة بالبدو.
المعايير القانونية الدولية
قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق التمييز الممنهج الذي يُواجهه المواطنين البدو في تقرير "خارج حدود الخريطة" الصادر في 130 صفحة، والذي نُشر في مارس/آذار 2008.
يُستمد الحق في الحماية الإجرائية ضدّ الإخلاء الاضطراري أو القسري من الحق في السكن اللائق الذي يكفله العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإسرائيل طرف فيه. وعرّفت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي أنشئت لمراقبة امتثال الدول الأطراف للعهد، الإخلاء القسري، على أنه "نقل الأفراد والأسر و/أو المجتمعات المحلية، بشكل دائم أو مؤقت وضدّ مشيئتهم، من البيوت و/أو الأراضي التي يشغلونها، دون إتاحة سبل مناسبة من الحماية القانونية أو غيرها من أنواع الحماية".
وأكدت اللجنة على أن عمليات الإخلاء، وحتى تكون قانونية، يجب "أن يكون هدفها تعزيز الرفاه في مجتمع ديمقراطي"، وأن تُنفذ "مع الامتثال الدقيق للأحكام ذات الصلة من القانون الدولي لحقوق الإنسان ووفقًا للمبادئ العامة المراعية للمعقولية والتناسب".
كما أكدت اللجنة على أن "حالات إخلاء المساكن بالإكراه تتعارض للوهلة الأولى مع مقتضيات العهد، ولا يمكن أن تكون مبررة إلا في ظروف استثنائية جدًا، ووفقا لمبادئ القانون الدولي ذات الصلة".
ولاحظت اللجنة أن طريقة تقليص الحاجة إلى القوة تكون عبر "استكشاف" جميع "البدائل المجدية"، ويجب استخدام عملية الإخلاء، "وخاصة ما يتعلق منها بجماعات كبيرة"، بالتشاور مع المتضررين. وإذا تواصل قرار الإخلاء، "ينبغي توفير سبل الانتصاف أو الإجراءات القانونية للمتأثرين بأوامر الإخلاء"، ويتمتع الأفراد المعنيين بالحق في "التعويض الكافي عن أي ممتلكات تتأثر من جراء ذلك، شخصية كانت أم عقارية".
تُلزم الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز لسنة 1965 الدول بـ "ضمان حق كل شخص، دون تمييز، لا سيما بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي"، في المعاملة المتساوية أمام المحاكم، والحق في السكن. ودعت اللجنة في تعليقها العام رقم 23 (1997) الدول الأطراف إلى الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية وحمايتها في "امتلاك وتطوير ومراقبة واستخدام أراضيهم ومواردهم الجماعية"، واتخاذ الخطوات لإرجاع الأراضي إذا حرم منها السكان دون موافقتهم. وفي مارس/آذار 2012، دعت اللجنة إسرائيل إلى سحب مقترح القانون التمييزي لتسوية البدو في النقب الذي سيُشرع لعمليات هدم المنازل والتهجير القسري في حق المجتمعات البدوية الأصلية.