Skip to main content
تبرعوا الآن

سياسة الطرد الجماعي السعودية تعرض الصوماليين للمخاطر

كان محمد، وهو صومالي يبلغ من العمر 22 عاماً، يتكسب عيشه بالمملكة العربية السعودية من مهنة غسل السيارات، ونتيجة لضغط الحكومة المتزايد على أرباب أعمال أولئك  العمال الذين لا يحملون وثائق رسمية فقد تم فصل محمد من عمله. وبعد مرور عدة أسابيع من شهر ديسمبر/كانون الأول دون عمل، قام محمد بتسليم نفسه للشرطة، حيث احتجز لمدة 57 يوماً تالية لذلك في ظروف مروعة. قال محمد، "لم يكن في مركز الاحتجاز الأول بالرياض سوى القليل من الطعام. كنا نتقاتل عليه". وأضاف، "وهكذا كان الأقوى يأكل أكثره. فضلاً عن أن الحراس أمرونا بالوقوف مواجهين الجدار ثم انهالوا ضرباً على ظهورنا بقضبان معدنية. أما مكان الاحتجاز الثاني فقد كان به مرحاضان فقط لأكثر من 1200 شخص، بينهم العشرات من الأطفال". محمد متواجد الآن بالعاصمة الصومالية مقديشو. وهو واحد ضمن أكثر من 25000 صومالي، من بينهم مئات النساء والأطفال، قامت السلطات السعودية منذ الشهر الأخير من عام 2013 بتجميعهم وترحيلهم إلى موطنهم الذي مزقته الحرب.

استمرت موجة عمليات الترحيل في أوائل عام 2014، فأجبر المئات على الرحيل أسبوعياً خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار وحتى الآن. ومن المتوقع أن يطرد السعوديون الآلاف سواهم. وتمثل تلك الخطوات جزءاً من حملة تشنها سلطات القوى العاملة والخدمات الأمنية السعودية لتوقيف وترحيل من لا يحملون وثائق رسمية من المهاجرين من بلدان عدة، وهي عملية تؤكد الحكومة أنها سوف تتيح فرص التوظف بالقطاع الخاص لمواطني العربية السعودية.

وصف تسعة من المرحلين مؤخراً التقى بهم باحثو هيومن رايتس ووتش في مقديشو في أوائل شهر فبراير/شباط أحوال احتجازهم في السعودية فكانت مشابهة لتلك التي الأحوال عاشها محمد، إذ تحدثوا عن التكدس الشديد، وقلة كل من الهواء وضوء النهار، ورداءة المرافق الصحية، الحر القائظ في بعض الحالات في مقابل البرد الشديد في غيرها، والقدرة المحدودة على الوصول للمعونة الطبية. كذلك قال بعضهم أن مشاكل صحية مزمنة من بينها السعال بصورة متواصلة قد تمكنت منهم، نتيجة للفترة التي قضوها بالحجز. كان الأطفال يحتجزون بصحبة ذويهم، إلا أن بعضهم أيضاً قد فصلوا عن والديهم أو القائمين على رعايتهم.

سالادو، البالغة من العمر35 عاماً، هي أم لطفلين وقد احتجزت لتسعة أيام بصحبة طفليها البالغ عمراهما 7،9 أعوام، إضافة لأطفال شقيقتها الثلاثة، وذلك بمدينة جدة قبيل ترحيلهم. قالت سالادو، "الغرفة التي مكثنا بها بصحبة 150 غيرنا من النساء والأطفال كانت شديدة الحرارة ولم يكن هناك تكييف للهواء" وأضافت، "الأطفال أصابهم الإعياء، ولدي أخذ في التقيؤ وكانت معدته منتفخة بشدة. لم تكن هناك حشايا، لم يكن أمام الناس سوي افتراش الأرض. وصف غالبية من تم ترحيلهم مؤخراً أحوال عدم كفاية الطعام، على رداءته، أثناء الاحتجاز. والعديد منهم قالوا إن الناس في الزنازين كانوا يتقاتلون من أجل الأماكن فضلاً عن تقاتلهم على الطعام. قالت رائيزا، البالغة 45 عاماً، والتي تم احتجازها لثلاثة أشهر وبرفقتها ابنتها التي تعاني مشكلات تتعلق بصحتها العقلية، "كان هناك أناس كثيرون بالغرفة، وعدد من الأطفال الصغار"، وأضافت، "كان عليك أن تقاتل لكي تحصل على حيز يخصك".

كذلك ذكر آخرون أنهم تعرضوا للضرب وغيره من صور المعاملة المسيئة أثناء إتمام إجراءات ترحيلهم. قالت "ساديو" إنها كانت في شهر حملها التاسع وكانت تقف في الطابور في مطار جدة حين قرعت شرطية ظهرها بهراوة. وقد جاء ساديو المخاض ووضعت حملها على أرضية قمرة الطائرة أثناء طيرانها باتجاه مقديشو.

وبالنظر لأعداد الأشخاص الذين يتم ترحيلهم إلى جانب خطورة الموقف في الصومال، فإن السعودية قد تكون في حالة خرق لالتزامها تجاه القانون الدولي بعدم إعادة أي شخص إلى مكان قد يكون فيه تهديداً لحياته أو حريته، أو يواجه فيه الاضطهاد أو التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية أو المهينة. فمحمد مثلاً قد غادر بَيْدَوَا وسط جنوب الصومال في عام 2008 فراراً من النزاعات والركود الاقتصادي. ولا تزال مسببات سفره دون تغيير، فالقتال لا يزال مستمراً في أجزاء كثيرة من وسط جنوب الصومال، والسيطرة الحكومية محدودة بدرجة خطيرة، وجماعة الشباب الإسلامية المسلحة تسيطر على أجزاء واسعة من الإقليم.

أعمال الطرد الجماعي

يمثل الصوماليون في المملكة العربية السعودية جزءاً من واحدة من أكبر قوى العمل في المهجر في العالم من حيث التعداد؛ إذ يعج دليل البلاد بما لا يقل عن 7.5 مليون عامل أجنبي مهاجر يمثلون ما يزيد عن نصف قوة العمل سواء اليدوي أو المكتبي أو أعمال الخدمات في السعودية.         ولقد اعتمد المسئولون السعوديون منذ عام 2011         نظاماً يحدد حصة للعمال الأجانب في القطاع الخاص نتيجة وعيهم المتزايد بحالة البطالة المتفشية بين سكان البلاد الأصليين. وفي أبريل/نيسان 2013 دشنت الشرطة السعودية ومسؤولو القوى العاملة  حملة قومية لتوقيف وطرد العاملين الذين لا يحملون وثائق رسمية، وقد شمل ذلك العاملين دون تصريح إقامة ساري المفعول، أو تصريح بالعمل أو من يتم ضبطهم أثناء عملهم لدى رب عمل بخلاف كفيلهم القانوني. وكان من بين فصول تلك الحملة أن داهمت الشرطة المباني الإدارية ونصبت نقاطاً للتفتيش على الطرق الرئيسية. وفي أعقاب مناشدة من قبل رجال الأعمال والبعثات الأجنبية، علق الملك عبد الله حملة الطرد. وأعلن عن "فترة سماح" كي يتمكن العاملون إما من تصحيح أوضاعهم أو مغادرة المملكة، تلك الفترة التي أعلن يوم 2 يوليو/تموز تمديدها لثلاثة أشهر أخرى.

هذا وقد استأنفت السلطات السعودية يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني الغارات والتوقيف الجماعي، محتجزة بذلك في اليومين الأولين وحدهما ما لا يقل عن 20000 عامل، وذلك طبقاً لما ورد بجريدة سعودي غازيت ومقرها جدة. وقد قال العديد من المرحلين الصوماليين إنهم سلموا أنفسهم للشرطة خشية تعرضهم للضرب إن لم يفعلوا.

وقد ساهم الجهد الحكومي في العديد من الهجمات على العمال الذين لا يحملون وثائق رسمية. وقد وقع أشد تلك الاعتداءات مساء يوم 9 نوفمبر في المناطق المحيطة بحي المنفوحة جنوبي الرياض، والذي ينزل به عدد كبير من الإثيوبيين.  

أخبر اثنان من العمال الإثيوبين المهاجرين هيومن رايتس ووتش بأنهما قد شاهدا مجموعة من الأشخاص مسلحين بالعصي والسيوف والمناجل والأسلحة النارية، وقد بدا أنهم مواطنون سعوديون. يشرعون في مهاجمة العمال الأجانب في تلك الليلة. واحد من العمال قال، "في الليلة الأولي كانت الشرطة، فضلاً عن الشباب، هم من يهاجم ويضرب الإثيوبيين. وحين خرجنا من منازلنا لحمايتهم كان رجال الشرطة متواجدين، إلا إنهم لم يدعونا نفعل أي شيء". كذلك قال إنه رأى دائرة متسعة من الإثيوبيين الباكين يحيطون بالعديد من القتلى والجرحى من المهاجرين. كما ذكر مهاجر آخر من المنفوحة أن جماعة من 20 فردا يحملون المناجل والمسدسات قاموا بتحطيم باب أحد المنازل كان قد التجأ إليه، وهاجموا الأشخاص الذين كانوا بداخله.

أعلنت وزارة الداخلية السعودية في 21 يناير/كانون الثاني أنها قد قامت بترحيل ما يزيد عن 250000 شخص منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بينهم عمال من الصومال وبنغلاديش وإثيوبيا والهند والفلبين ونيبال وباكستان واليمن[1].

العاملون دون وثائق رسمية    

من السهل في العربية السعودية أن ينتهي أمر أي أجنبي بأن يصبح مجردا من الوثائق الرسمية. وقد بين عمل هيومن رايتس ووتش البحثي أن نظام العمل بالعربية السعودية يغذي الاستغلال والانتهاكات ويدفع العديد من العاملين في نهاية الأمر للبحث عن عمل من تحت الطاولة بالمخالفة لقوانين العمل[2].

رائد، وهو شاب يمني يبلغ 24 عاماً، أخبر هيومن رايتس ووتش أنه قد دخل المملكة العربية السعودية بصورة شرعية بعد تلقيه تأشيرة دخول تتيح له العمل لدى إحدى شركات الشحن. وقال أنه لم يتمكن بعد وصوله من العثور على كفيله فكان عليه أن يقبل بالعمل "بمنأى عن السجلات" بإحدى محطات الوقود. وفي النهاية أمكنه تحديد مكان كفيله الذي طالبه بدفع 4000 ريال سعودي (تعادل 1066دولار أمريكي) مقابل تصريح الإقامة والعمل، وأخبر رائد أن شركة الشحن قصة مختلقة لأسباب قانونية. قال رائد إنه بعد دفع المال أخفق الكفيل السعودي في تزويده ببطاقة إقامة وهدد بإبلاغ السلطات بأمره إذا ما اتصل به مجدداً. وفي نهاية الأمر قرر رائد في مغادرة البلاد متحملاً سداد 4000 ريال أخرى مقابل تأشيرة الخروج. كذلك قال رائد، "مكثت لعشرة أشهر دون إقامة" وأضاف، "أشعر باكتئاب شديد، هذه ليست بحياة".

في ظل نظام الكفالة يتحمل رب العمل المسئولية عن عامل أجنبي مأجور، ويتعين عليه أن يسلمه إذناً صريحاً قبل أن يكون بمقدور العامل دخول العربية السعودية أو تغيير الوظيفة أو مغادرة البلاد. كذلك فإن رب العمل يعد مسؤولاً عن تحديث تصاريح عمل وإقامة عماله. وإذا ما أخفق رب العمل في اتخاذ تلك التدابير فإن العامل هو من يدفع ثمن ذلك.

وكثيراً ما يسيء أرباب الأعمال استعمال تلك السلطة على العاملين، منتهكين بذلك القانون السعودي، إذ يقوم أرباب الأعمال بمصادرة جوازات السفر وحجز الأجور وإجبار المهاجرين  على العمل ضد إرادتهم أو بشروط تنم عن الاستغلال. ولقد قامت هيومن رايتس ووتش على مدى الأعوام العشرة الماضية بتوثيق عدد وافر من الحالات التي لم يكن فيها بمقدور العمال الفكاك من شروط العمل المنتهكة لحقوقهم أو حتى العودة لأوطانهم عقب انقضاء آجال عقودهم نتيجة تنكر أرباب أعمالهم لحقهم في الحصول على تصريح بمغادرة البلاد[3].

ويبدو أن كثرة من العمال، نتيجة لعدم رغبتهم في الاستمرار في ذلك الموقف  المتعسف بحقهم، يختارون خرق قوانين العمل وذلك بالبحث عن عمل ذي شروط أفضل لدى رب عمل آخر. وهناك غيرهم يعلقون ببساطة داخل المملكة، غير قادرين على المغادرة نتيجة لمتطلبات تأشيرة الخروج، إذ أنهم يعملون لإعالة أنفسهم وذويهم في أوطانهم.

ويجعل الفساد المتفشي داخل نظام الكفالة الموقف أكثراً سوءاً. فالآلاف من العمال الأجانب في العربية السعودية يعملون بشكل غير قانوني في ظل التدابير التي تنظم "تأشيرة السفر الحرة"، إذ يقوم السعوديون الذين يظهرون بمظهر أرباب الأعمال الكفلاء بجلب العمالة من الخارج لشغل وظائف بمنشآت أعمال لا وجود لها، مثلما كان الأمر في حالة رائد. ويقوم العمال الذين يدخلون إلى الأراضي السعودية في ظل ذلك التخطيط  بالعمل منذ البداية خارج نطاق النظام الرقابي على الشركات التي يسعدها تفادي الفحص الرسمي الدقيق، في الوقت الذي يدفع فيه العامل "الأتعاب" بانتظام لكفيل التأشيرة الحرة مقابل تجديد تصاريح الإقامة والعمل. في الوقت الذي تعد فيه السلطات أولئك العمال ضمن العاملين دون وثائق رسمية ولذا تنعدم قدرتهم على السعي لتدارك الانتهاكات التي يعانونها. كذلك فإن المهاجرين الذين يتم ضبطهم أثناء عملهم طبقاً لذلك المخطط يكونون عرضة للتوقيف والترحيل. ومن غير المعلوم ما إذا كانت السلطات قد قامت بمقاضاة أي من مواطني العربية السعودية ممن يظهرون بمظهر أرباب الأعمال لإفساد نظام التأشيرة، إلا أن وزير العمل عادل فقيه أعلن في شهر ديسمبر/كانون الأول أن أولئك الذين يستخدمون عمالاً أجانب دون توفير للعمل سيواجهون المقاضاة وسيصنفون باعتبارهم "متجرين بالبشر"[4].

أحداث العنف الجارية في الصومال

يمثل مأزق الصوماليين الذين يتم ترحيلهم من العربية السعودية تحديداً نذيراً بالخطر، نظراً للموقف على الأرض في الصومال، وبصفة خاصة القتال الدائر في عدة أجزاء من وسط جنوب الصومال، حيث تستمر سيطرة جماعة الشباب على قطاع كبير من الإقليم. بينما يمضي الهجوم الجديد الذي تشنه قوات الاتحاد الأفريقي قدماً في سبيله. ويعاني الكثير من المدنيين في تلك المناطق عوزاً أليماً، وقد أعربت الأمم المتحدة عن مخاوفها من عرقلة القتال المتجدد لإمكانية دخول عمال الإغاثة الإنسانية مناطق القتال.

ويعيش في مقديشو مئات الآلاف من الأشخاص في ظروف مروعة داخل مخيمات خاصة بالنازحين داخل البلاد. وتتفشى الانتهاكات داخل تلك المخيمات على نحو مفرط[5]. وقد قام أفراد من قوات أمن الدولة والجماعات المسلحة باغتصاب وضرب وإساءة معاملة الصوماليين النازحين بصور أخرى، وبصفة خاصة منذ أخذ الناس في التدفق إلى قلب العاصمة أثناء المجاعة التي حدثت عام 2011.

أعلنت الحكومة الصومالية في شهر يناير/كانون الثاني عن خطط لإعادة توطين عشرات الآلاف من النازحين إلى قلب مقديشو في أماكن أفضل للإقامة. وقد تأجلت تلك الخطط بصورة رئيسية  نظراً لعجز الحكومة عن توفير الحماية الأساسية للمواقع المخطط إعادة التوطين بها، وذلك فيما تتواصل الانتهاكات. ويوثق تقرير صدر عن هيومن رايتس ووتش في شهر فبراير/شباط مستويات عالية للاغتصاب والانتهاكات الجنسية بحق النساء والفتيات في مقديشو خلال عام 2013، وبصفة خاصة بين النساء النازحات اللاتي كن يتعرض للمهاجمة داخل مخيمات المخصصة للنازحين وبالقرب منها[6].

تشن جماعة الشباب هجمات بالقنابل وغيرها من الهجمات داخل مقديشو. وقد أعلنوا يوم 13فبراير/شباط مسئوليتهم عن انفجار السيارة المفخخة الذي وقع في ذلك اليوم خارج مطار مقديشو، وبدا أنه يستهدف قافلة تابعة للأمم المتحدة، وهو الحادث الذي أودى بحياة ستة أشخاص، من بينهم اثنان من المدنيين تم ترحيلهما مؤخراً من المملكة العربية السعودية. ومثل تلك الهجمات، سواء منها تلك التي تستهدف المدنيين مباشرة أو تلك التي تتسبب في قتل المدنيين، ليست بالأمر غير العادي، بيد أنه كثيراً ما يغض الإعلام الدولي الطرف عنها، ما لم تكن أرقام الخسائر بصفة خاصة أرقاماً كبيرة، مثل حادث انفجار السيارة المفخخة أمام قاعة إحدى المحاكم بمقديشو في شهر أبريل/نيسان 2013، وهو الحادث الذي أودي بحياة ما يربو على 30 شخص، أو أن يكون العمل موجهاً ضد أهداف أجنبية، كالهجوم الذي أدي في شهر يونيو/حزيران 2013 إلى تدمير مجمع مباني الأمم المتحدة.

كذلك ترتكب جماعة الشباب انتهاكات خطيرة بحق المدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ويشمل ذلك تجنيد الأطفال قسراً، وكذلك الهجمات ضد الأشخاص الذين يعتقد أنهم ممن يؤيدون الحكومة الصومالية[7]. وقد قامت جماعة الشباب يوم 5 مارس/آذار بإعدام ثلاثة أشخاص بزعم كونهم جواسيس، وذلك في مدينة براوة وهي واحدة من المعاقل الحصينة لتلك الجماعة.

كثير ممن يتم ترحيلهم من جدة ليسوا من مقديشو، ولكن من أجزاء أخرى وسط جنوب الصومال. فقد تم ترحيل سلاد البالغ من العمر 26 عاما،ً على سبيل المثال، من جدة لمقديشو في منتصف يناير. ولكونه ينتمي في الأصل لمنطقة باكول التي لا تزال خاضعة بدرجة كبيرة لسيطرة جماعة الشباب فقد أمضى ليلته الأولى نائماً على أرض شوارع العاصمة.

إن المخاطر التي يتعرض لها الأشخاص الذين يتم إرسالهم لمقديشو دون شبكة دعم محلية ومع افتقارهم للمهارات الضرورية التي هم بحاجة إليها في صومال اليوم هي مخاطر حقيقية للغاية. فقد أصيب سعيد، البالغ من العمر 26 عاماً والذي أرسلت به هولندا إياباً، بجراح في هجوم على أحد فنادق وسط مقديشو وذلك عقب عودته بأيام. وسعيد، الذي ولد بمدينة كسمايو غير المستقرة جنوبي الصومال، كان قد حاول دونما نجاح طلب اللجوء. ولم يكن قد وضع قدميه على أراضي الصومال لعقدين من الزمن، كم أنه لم يكن قد ذهب مطلقاً إلى مقديشو.

المعايير القانونية

لم تصدق المملكة العربية السعودية على اتفاقية سنة1951الخاصة بوضع اللاجئين، ولا يوجد لديها نظام لمنح اللجوء. كذلك لا تسمح الحكومة السعودية لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، ولديها مكتب صغير بالرياض، بتلقي أو مراجعة دعاوى اللاجئين، وهو ما يعرف بعملية "تحديد وضع اللاجئ". وليس لدى السلطات السعودية أية إجراءات رسمية أخرى تسمح للصوماليين أو غيرهم ممن يخشون الاضطهاد أو أي أذي آخر في أوطانهم أن يلتمسوا الحماية في العربية السعودية.      

لا يسمح لبلد، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، أن تحاصر عشرات الآلاف من البشر ثم تقوم بطردهم صوب بلدان يدمرها العنف دون منحهم فرصة التماس الحماية. ويحظر القانون الدولي العرفي "الإعادة القسرية"، أي إعادة أي شخص إلى مكان تكون فيه حياته أو حريته عرضة لتهديد أو إلى حيث تحتمل مواجهتهم لاضطهاد أو تعذيب أو معاملة غير إنسانية أو مهينة، ولا يضعف الحماية ضد الإعادة القسرية بأية حال إذا ما كان أشخاص قد تركوا أوطانهم لأسباب اقتصادية أو غيرها من أسباب وذلك إلى جانب الحرب.أصدرت مفوضية شؤون اللاجئين يوم 17 يناير/كانون الثاني دليلاً بالمبادئ التوجيهية في حالة العودة إلى الصومال، جاء فيه تحديداً أن "وسط جنوب الصومال مكان خطر للغاية". كذلك قامت الهيئة الدولية بمناشدة الدول عدم رد أي شخص إلى الصومال قبل مقابلته والتأكد من أنه لن يواجه تهديداً بالاضطهاد أو بأي أذى خطير إذا ما أعيد إلي هناك". وتقول مفوضية شؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة على السواء إن المملكة العربية السعودية لم تقم بمثل ذلك التحديد لوضع المهاجرين قبل رد الصوماليين إياباً. إن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون المهاجرين ذاتها ليست لديها إمكانية الوصول إلى المحتجزين قبيل ترحيلهم.

يتعين إذا على العربية السعودية، كحد أدنى، أن تدخل فوراً من الإجراءات ما يسمح للاجئين، بمن فيهم الصوماليين، بطلب اللجوء، أو غيره من أشكال الحماية. فإذا ما اتضح للعربية السعودية أن أي شخص معرض لخطر الإيذاء في الصومال، وجب على السلطات أن توفر له وضعية مأمونة وقانونية، وعليها أن تعمل بالتعاون من مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك. ويجب ألا يحتجز الأطفال بسبب وضعهم كمهاجرين. كذلك يجب ألا يحتجز الأطفال غير المصحوبين، أي من يسافرون منفردين بلا راع، جنباً إلى جنب مع البالغين من غير ذوي القربى.

لن يحتاج الأمر من السلطات السعودية الشيء الكثير كي تضمن أن أناساً من بلدان واقعة بين شقي رحى النزاعات لا يرزحون تحت وطأة سياسات مقـِّيدة تجاه الأجانب. وبالصياغة البليغة للشاب سلاد من باكول: "حتى وإن كنا بلداً لم يزل في نزاع، فإننا نستحق أن نعامل معاملة إنسانية".         

ليتيسيا بادِر باحثة في شئون حقوق الإنسان في الصومال بمنظمة هيومن رايتس ووتش.

 آدم كوغل باحث في شئون حقوق الإنسان في الشرق الأوسط  بمنظمة هيومن رايتس ووتش.

وبالإمكان متابعتهما على موقع تويتر @LaetitiaBader، @cooglea



[1]المصدر: جريدة سعودي غازيت بتاريخ 23 يناير/كانون الثاني 2014.

[2]أنظر تقرير هيومن رايتس ووتش حول الانتهاكات بحق عمال المنازل الآسيويين في العربية السعودية:

Human Rights Watch, “As If I Am Not Human”: Abuses Against Asian Domestic Workers in Saudi Arabia (New York, July 2008)

[3]أنظر المصدر ذاته ص 11.

[4]أنظر : جريدة سعودي غازيت بتاريخ 26 ديسمبر/كانون الأول 2013.

[5]أنظر تقرير هيومن رايتس ووتش حول الانتهاكات بحق النازحين داخلياً في مقديشو:

Human Rights Watch, Hostages of the Gatekeepers: Abuses Against Internally Displaced in Mogadishu, Somalia(New York, March 2013).

[6]أنظر تقرير هيومن رايتس ووتش حول الخطة خماسية النقاط لتقليص أحداث العنف الجنسي في الصومال:

 Human Rights Watch, “Here, Rape Is Normal”: A Five-Point Plan to Curtail Sexual Violence in Somalia (New York, February 2014).

[7]أنظر تقرير هيومن رايتس ووتش حول تجنيد الأطفال والزواج القسري ومهاجمة المدارس في الصومال

Human Rights Watch,No Place for Children: Child Recruitment, Forced Marriage and Attacks on Schools in Somalia (New York, February 2012).

 

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد

الأكثر مشاهدة