خلال الأيام القليلة الماضية، كما تكرر على مدار السنوات الأخيرة، قامت جموع من الرجال بالاعتداء على سيدات وفتيات شاركن في مظاهرات بميدان التحرير. هذه المرة حدثت الاعتداءات أثناء احتفالات انتخاب وتنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي في الفترة من 3 إلى 8 يونيو/حزيران، الرجل المسؤول الآن عن سلامة جميع المصريين.
بعد الهجوم، أمر الرئيس السيسي وزير الداخلية باتخاذ اللازم لمكافحة التحرش الجنسي، بل إنه أيضاً زار ضحية اعتداء جنسي في المستشفى ليعتذر لها، مقدماً الوعد بمحاسبة الجناة. لكن التعهدات التي قطعها الرئيس السيسي مؤخراً على مسار القضاء على ظاهرة التحرش والاعتداء الجنسي المتفشية يجب أن تتحقق على الأرض.
لقد وثقت منظمات مجتمع مدني مصرية ما لا يقل عن تسع وقائع اعتداء وتحرش جنسي جماعي في ميدان التحرير أثناء الاحتفالات التالية على ظهور نتائج الانتخابات وأثناء التنصيب. رداً عليها أفادت وزارة الداخلية بالقبض على سبعة رجال، وفتحت النيابة العامة تحقيقاً مع ثلاثة رجال آخرين يُشتبه في اعتداءهم على سيدة تبلغ من العمر 42 عاماً. وأصدر المتحدث باسم الرئاسة إيهاب بدوي بياناً ورد فيه أن السيسي أمر بتشكيل لجنة وزارية تشارك فيها المؤسستين الدينيتين الإسلامية والمسيحية "للوقوف على أسباب انتشار ظاهرة التحرش، وتحديد استراتيجية وطنية لمواجهتها".
في 12 يونيو/حزيران اجتمعت اللجنة للمرة الأولى، وكان من المشاركين رئيس الوزراء، ووزراء الداخلية والتعليم والتضامن الاجتماعي والأوقاف، وكذلك رئيسة المجلس القومي للمرأة وممثلين عن الأزهر والكنيسة القبطية الأرثوذكسية. اقترحوا خططاً منها زيادة الأمن للمرأة في الميادين والتجمعات العامة، وكذلك التوعية ضد التحرش بالمرأة من خلال الحملات الإعلامية والمدارس.
لكن إذا كان السيسي جاداً في إنهاء وباء التحرش والاعتداء الجنسي في الشوارع المصرية، فعليه أن يضمن أن تتجاوز الخطوات التالية هذه الإجراءات والتدابير. يجب أن تُكلف اللجنة الجديدة بمسؤولية البحث عن نهج متكامل وشامل، يشمل التشريع ووضع خطة وطنية لحماية النساء في مصر من جميع أشكال العنف. يجب أن تقر هذه المبادرة بأن الاعتداءات التي وقعت يوم التنصيب ليست إلا قمة الجبل الجليدي. فالتحرش والاعتداء الجنسي أصبحا وافرين بحيث باتت الكثير من السيدات تخشى المشي في الشوارع في مصر.
في 9 يونيو/حزيران أفادت منظمات حقوقية مصرية بوجود ما لا يقل عن 500 ناجية من جرائم الاغتصاب الجماعي والاعتداء الجنسي الجماعي، في الفترة من فبراير/شباط 2011 وحتى يناير/كانون الثاني 2014، وكذلك آلاف السيدات اللاتي تعرضن للتحرش الجنسي. في العام الماضي وثقت هيومن رايتس ووتش العنف الجنسي المتفشي في مصر، واشتمل ذلك على ما لا يقل عن 91 حالة بين 30 يونيو/حزيران و3 يوليو/تموز 2013 أثناء المظاهرات التي شهدتها تلك الفترة، وكذلك تم توثيق رد فعل الحكومة الضعيف.
وفي 5 يونيو/حزيران، قبل أيام من أحدث موجات الاعتداءات، بدأ نفاذ قرار الرئيس السابق عدلي منصور رقم 50 لسنة 2014، بشأن التحرش الجنسي. نُظر إلى القرار بصفته "قانون التحرش الجنسي"، لكن يجب أن يُنظر إليه بصفته تعديلين ضيقين لقانون العقوبات القائم.
يغيّر القرار من تعريف التعرض للغير والتحرش الجنسي. أصبح تعريف التعرض للغير حالياً هو "التعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية". يمكن الحكم على المخالفين بالحبس ستة أشهر و/أو غرامة 3000 إلى 5000 جنيه مصري (نحو 420 إلى 700 دولار أمريكي). تعتبر مثل هذه الأعمال تحرشاً جنسياً في حال كان الفعل "بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية" ويغلظ من العقوبة إلى السجن عاماً على الأقل و/أو غرامة 5 إلى 10 آلاف جنيه مصري (نحو 700 إلى 1400 دولار أمريكي).
كما يغلظ القرار من العقوبات في بعض الظروف، مثلاً إذا كان للجاني سلطة على الضحية "وظيفية أو أسرية أو دراسية" أو إذا ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحاً، وقتها تصبح العقوبة بالسجن والغرامة من 20 إلى 50 ألف جنيه مصري.
هذه التعديلات والتحقيقات الجنائية في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى تشكيل لجنة وزارية، هي بداية طيبة. لكن هذه الخطوات في حد ذاتها لا تكفي. في 9 يونيو/حزيران طالبت 25 منظمة حقوقية مصرية بقانون متكامل عن العنف ضد المرأة واستراتيجية وطنية لتنفيذ القوانين التي تمت الموافقة عليها مؤخراً. المطلوب على وجه التحديد هو نهج متكامل لعلاج العنف ضد المرأة. وما يلي هو ما ينبغي على حكومة السيسي واللجنة الجديدة عمله:
أولاً يجب تفعيل المزيد من الإصلاحات القانونية. يحتاج قانون العقوبات إلى تعريف متكامل وحديث للاغتصاب وتعريف واضح للاعتداء الجنسي. تشير المادة 267 من قانون العقوبات إلى الاغتصاب بصفته "من واقع أنثى بغير رضاها". مصطلح "الاغتصاب" يجب أن يشمل جميع أشكال الإيلاج بدون موافقة أو حدوث ذلك في ظروف تنطوي على الإكراه يُسحب فيها من الرضا معناه، بما في ذلك الإيلاج المهبلي والشرجي أو الاختراق الفموي لأي جزء من أجزاء الجسد أو بأية أداة. المادتان 268 و269 من قانون العقوبات تجرم "هتك العرض" لكن لا تعرّف هتك العرض. يجب على الحكومة تفعيل تشريع حول كل أشكال العنف ضد المرأة، يغطي الوقاية من العنف والحماية والدعم للناجيات، بما في ذلك العنف الأسري على سبيل المثال.
ثانياً، يجب صياغة استراتيجية وطنية متكاملة بشأن العنف ضد المرأة لتنفيذ هذا التشريع المذكور. يجب أن تشتمل على آلية للمراقبة للإشراف على تنفيذ التشريع، وتكون هذه الآلية مسؤولة أمام البرلمان، ثم صياغة بروتوكولات واستراتيجيات وطنية لجميع الوزارات المعنية. يجب أن تتشاور السلطات مع منظمات حقوق المرأة المصرية والناجيات أثناء صياغة الاستراتيجية وأي تشريع ذات صلة، والتنسيق مع جميع أطياف المجتمع من واقع التوعية. يجب أن تتوفر آلية لتمويل تنفيذ الإصلاحات التشريعية والاستراتيجية.
ثالثاً، يجب أن تعد الحكومة بروتوكولات لضمان الدعم الطبي والنفسي-اجتماعي لضحايا الاعتداءات الجنسية. يجب أن تتوفر في هذه البروتوكولات أمور من قبيل ضمان السرية والخصوصية، والتعامل مع الصدمة، وإحالة الضحايا لخدمات أخرى، وتوفير العلاج في الوقت المناسب. يجب توفير التدريب للشرطة والعاملين بالمجال الطبي على جميع هذه البروتوكولات والقوانين.
يمكن للسلطات المصرية مراجعة دليل الأمم المتحدة للتشريعات الخاصة بالعنف ضد المرأة، وفيه مكونات مكافحة العنف ضد المرأة.
مطلوب من السلطات المصرية أن تتصرف – بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ومصر دولة طرف فيها، وبموجب الدستور المصري – من أجل حماية "النساء من جميع أشكال العنف".
إن تصريحات الرئيس السيسي العلنية رداً على اعتداءات يوم التنصيب هي خطوة أولى إيجابية. لكن التخلص من العنف الجنسي يحتاج إلى تنفيذ نهج متكامل ومنسق للتصدي لجميع أشكال العنف ضد المرأة.
روثنا بيغم هي باحثة حقوق المرأة المعنية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش. على تويتر: @rothna_begum