(واشنطن) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن محكمة العدل العليا بإسرائيل حكمت في 22 سبتمبر/أيلول 2014 ببطلان القانون المنشئ للمقر الذي تقوم إسرائيل فيه باحتجاز الآلاف من طالبي اللجوء والمهاجرين.
ويمهل الحكم الحكومة 90 يوماً لإغلاق المقر، المسمى مركز "حولوت" للإقامة، أو تغيير الإطار القانوني لسياسة قالت المحكمة أن أثرها التراكمي يرقى إلى مصاف الاحتجاز. أعلنت المحكمة أيضاً عن بطلان النص الذي يسمح للحكومة باحتجاز "المتسللين" حديثي الوصول لمدد تصل إلى العام.
قال بيل فريليك، مدير برنامج اللاجئين في هيومن رايتس ووتش، "أصابت محكمة العدل الإسرائيلية العليا حينما اعتبرت أن حولوت هو مركز للاحتجاز، رغم اعتراضات الحكومة النافية لهذا. وعلى إسرئيل، بدلاً من استخدام الاحتجاز والتهديد به كوسيلة لإكراه الإريتريين والسودانيين على العودة إلى بلدان يواجهون فيها خطر الاضطهاد، أن تضع نظاماً عادلاً وعملياً للجوء يمنحهم الحماية وفرصة العيش بكرامة".
ويتفق هذا الحكم الإيجابي مع نتائج هيومن رايتس ووتش التي توصلت إليها في تقرير لها مؤخرا وصف "مركز الإقامة" الذي كان محور حكم المحكمة بأنه "مركز احتجاز في كل شيء عدا اسمه".
قالت المحكمة: "دعونا لا نسمح للاسم ـ ’مقر مفتوح‘ ـ بأن يضللنا، حيث أن اشتراط إثبات حضور النزلاء 3 مرات يومياً، إضافة إلى بعد المركز الكبير عن بلدات المنطقة، يستبعدان أي احتمال لمغادرة المركز بانتظام".
وقالت المحكمة إن سياسة الحكومة في احتجاز المهاجرين تخرق قوانين إسرائيل الأساسية، التي تعاملها المحاكم الإسرائيلية معاملة الدستور، قائلة إن "كل شخص، بحكم أنه شخص، له حق في الكرامة الإنسانية .. والمتسللون أشخاص. وإذا كان هذا يتطلب الشرح فدعونا نشرحه صراحة: لا يفقد المتسللون مثقال ذرة من حقهم في الكرامة الإنسانية لمجرد أنهم وصلوا إلى البلاد بهذه الطريقة أو تلك".
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد زعمت أن مركز الاحتجاز هو مقر "مفتوح"، لكن لوائحه وموقعه في جهة نائية من صحراء النقب كانت تحرم الأشخاص من القدرة على مغادرته إلا لساعات قليلة. وقد حكمت المحكمة بأغلبية 7-2 بإبطال القانون المنشئ لمركز حولوت.
في 9 سبتمبر/أيلول، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً بعنوان "اجعلوا حياتهم بائسة: إرغام إسرائيل لطالبي اللجو الإريتريين والسودانيين على مغادرة إسرائيل"، وكان يوثق كيفية استخدام السلطات الإسرائيلية للاحتجاز دون أجل مسمى والتهديد به لإكراه ما يقرب من 7000 إريتري وسوداني على مغادرة البلاد. ورغم أن المحكمة لم تفصل في استخدام الاحتجاز لإكراه المهاجرين على الرحيل، إلا أن القرار الذي كتبه القاضي عوزي فوغلمان تعلل بـ"الضغوط والوسائل غير المعقولة التي تدفع الشخص إلى مغادرة البلاد، وقد تجعل من خروجه ترحيلاً قسرياً لا يمكن السماح به".
قامت هيومن رايتس ووتش أيضاً بتوثيق كيف واجه بعض السودانيين العائدين التعذيب والاحتجاز التعسفي والاتهام بالخيانة لدخول إسرائيل، بينما واجه الإريتريون العائدون مخاطر جسيمة من التعرض للانتهاكات.
في سبتمبر/أيلول 2013 حكمت المحكمة العليا ببطلان تعديل تم إدخاله في يناير/كانون الثاني 2012 على قانون منع التسلل الذي يرجع إلى عام 1954، والذي كان يسمح للسلطات باحتجاز "المتسللين" دون أجل مسمى. واستجابة للحكم قام البرلمان الإسرائيلي، أو الكنيست، بتبني تعديل جديد لقانون مكافحة التسلل في ديسمبر/كانون الأول 2013 ينشئ "مراكز الإقامة" المزعومة حيث يمكن احتجاز بعض "المتسللين" ـ أي هؤلاء الذين لا يمكن ترحيلهم ـ دون أجل مسمى. وفي التطبيق الفعلي كان المعنيون هم السودانيين والإريتريين.
نصت تعديلات ديسمبر/كانون الأول 2013 أيضاً على سجن "المتسللين" حديثي الوصول لمدد تصل إلى عام في مقرات مغلقة تماماً تشبه السجون، مثل مركز احتجاز "صحارونيم" بصحراء النقب.
وقد دفعت السلطات بأن حولوت، وهو مقر صحراوي محاط بسور يبلغ ارتفاعه 4 أمتار ويقع على بعد نحو 65 كيلومتراً من بئر السبع، هو "مقر مفتوح للإقامة" وليس مركز احتجاز، لأن من المسموح للمقيمين المحتجزين هناك أن يغادروا المبنى لفترات وجيزة. لكن الحقيقة هي أن "المقيمين" عليهم إثبات حضورهم 3 مرات يومياً والتواجد داخل المركز قبل حلول العاشرة مساءً.
حكمت المحكمة بضرورة تخفيض إثبات الحضور في حولوت على الفور من 3 مرات إلى مرتين يومياً، لحين إغلاق المركز خلال 90 يوماً أو وضع إطار قانوني بديل له.
وفي حكم بأغلبية 6-3 أصوات ارتأت المحكمة أيضاً أن النص الذي يسمح باحتجاز "المتسللين" حديثي الوصول لمدة عام في مراكز الاحتجاز الأخرى الأكثر تشدداً يخرق القوانين الأساسية لإسرائيل، مما يعني الاعتداد بقانون دخول إسرائيل وحده، وهو القانون الذي يسمح بالإفراج بعد قضاء 60 يوماً رهن الاحتجاز.
استشهدت تقارير إعلامية عن حكم المحكمة بتصريح وزير الداخلية جدعون ساعر بأنه "لا يستطيع قبول حكم المحكمة العليا" الذي يعني إذا تم تنفيذه "أننا لن نحصل على دولة يهودية ديمقراطية .. لأن المتسللين غير الشرعيين سيجتاحون حدودنا". وقد نقل عن ساعر قوله أن على الحكومة تعديل قوانين إسرائيل الأساسية المتعلقة بالكرامة الإنسانية، والتي شكلت أساس حكم المحكمة العليا، لاستبعاد اختصاص المحكمة من مراجعة التشريعات المتعلقة بالتسلل إلى إسرائيل.
وخلال الفترة من 2006 وحتى 2013 دخل إسرائيل 64 ألفا من طالبي اللجوء والمهاجرين، ومنهم 50 ألف سوداني وإريتري، عبر الحدود البرية مع مصر في شبه جزيرة سيناء. ومنذ ذلك الحين استكملت إسرائيل إقامة جدار عازل بطول الحدود، وتناقص عدد الأشخاص الذين يدخلون البلاد بطرق غير نظامية إلى ما يقرب من الصفر.
كانت إسرائيل ترفض السماح للسودانيين والإريتريين بطلب اللجوء حتى أواخر 2012، بزعم أنهم "متسللون للعمل" وأنها توفر لهم حماية كافية من خلال عدم القيام بترحيلهم إلى بلدانهم. ومنذ ذلك الحين رفضت إسرائيل 100 بالمئة من طلبات اللجوء الصادرة من مواطنين سودانيين، وأكثر من 99 بالمئة من طلبات اللجوء الصادرة من إريتريين. ويحق للسودانيين في إسرائيل المطالبة باللجوء في المكان ـ أي المطالبة التي نشأت عن أحداث وقعت أو أنشطة انخرط فيها ملتمس اللجوء بعد مغادرة بلده ـ لأنهم يقعون بموجب القانون السوداني تحت طائلة السجن لمدة 10 أعوام لمجرد دخول إسرائيل. أما الإريتريون فمعظمهم يستند في المطالبة باللجوء إلى خشية العقاب المفرط الذي يرقى للاضطهاد لتهربهم من التجنيد الإجباري مدى الحياة في إريتريا، لأن الحكومة تعتبر التهرب من التجنيد أو الفرار منه من أعمال الخيانة وانعدام الولاء. ولا تمنح إسرائيل للسودانيين أو الإريتريين الحق الرسمي في العمل، ويعاني كثيرون من مشاكل في الوصول إلى الرعاية الصحية الكافية، كما وجدت هيومن رايتس ووتش.
وقد انصب حكم المحكمة على الاحتجاز ولم يتطرق إلى غيره من الإجراءات الإسرائيلية المسيئة المتعلقة باللجوء.
أوصت هيومن رايتس ووتش في تقريرها بأن تعترف إسرائيل بالوجاهة الظاهرية لمطالبة السودانيين باللجوء، وأن تنظر في طلبات الإريتريين للجوء بما يتفق مع توجيهات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بشأن تقييم احتياجات الحماية الدولية لملتمسي اللجوء من إريتريا. وعلى إسرائيل أيضاً أن تمنح مواطني البلدين وضع الإقامة المؤقتة لمدة 12 شهراً القابلة للتجديد مع التصريح بالعمل، إلى أن تصبح العودة إلى بلديهما مأمونة، بحسب هيومن رايتس ووتش.
قال بيل فريليك: "على السلطات التوقف عن التملص من أحكام المحكمة العليا بشأن حقوق المهاجرين وملتمسي اللجوء، وعلى الحكومة الإسرائيلية صرف طاقاتها إلى الامتثال لأوامر المحكمة، ومعاملة الأشخاص الذين تحبسهم بمعايير الكرامة الأساسية".