(نيروبي) ـ قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير نشرته اليوم إن قوات تتبع حكومة جنوب السودان ومقاتلين متحالفين معها ارتكبوا عشرات جرائم القتل والاغتصاب والإحراق والنهب واسع النطاق لممتلكات المدنيين في هجمة عسكرية بولاية الوحدة، مما أدى إلى النزوح الجماعي. ترقى الهجمات العمدية على المدنيين وممتلكاتهم أثناء الهجمة بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران 2015 إلى جرائم الحرب، كما قد تشكل أعمال القتل والاغتصاب جرائم ضد الإنسانية.
يستند التقرير المكون من 42 صفحة، "أحرقوا كل شيء: تدمير القرى وجرائم القتل والعنف الجنسي في ولاية الوحدة بجنوب السودان"، إلى ما يزيد على 170 مقابلة تمت بين يونيو/حزيران ويوليو/تموز مع الناجين والشهود. وقد نزح أكثر من 125 من هؤلاء بفعل القتال أو الاعتداء على قراهم من قبل قوات الحكومة أو المليشيات المتحالفة معها من جماعة بول نوير العرقية. ووثقت هيومن رايتس ووتش روايات صادمة لما يقارب 60 جريمة قتل غير مشروع ضد نساء ورجال وأطفال مدنيين، وبينهم بعض كبار السن، فتم شنق البعض، وإطلاق الرصاص على البعض، وإحراق آخرين أحياء. وقد اختير من أجريت معهم المقابلات عشوائياً. ومن شبه المؤكد أن عدد الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش لا يمثل سوى قسماً ضئيلاً من المجموع الكلي.
قال دانيال بيكيلي، مدير قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "قامت قوات موالية للحكومة بعمليات قتل مروعة وجرائم اغتصاب واسعة النطاق، كما أحرقت منازلاً تفوق الحصر فيما كانت تجتاح مساحات كبيرة من ولاية الوحدة. وتأتي الهجمة المدمرة في الولاية كأحدث الفصول في نزاع يتسم باستهانة صادمة بأرواح المدنيين".
وقعت جرائم القتل في البلدات والقرى، إلا أن مقاتلي جماعة بول نوير العرقية، الذين كانوا يعاونون القوات الحكومية، أطلقوا النار أيضاً على المدنيين المذعورين أثناء مطاردتهم في الأحراش والمستنقعات. قالت إحدى النساء، التي وصفت مثل كثيرين غيرها أنها قضت أيام مختبئة وسط القصب أو الأعشاب العالية: "كانوا يتصيدون الناس والأبقار".
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع أشخاص من أكثر من 25 قرية أو تجمع سكاني، فقالوا إن مقاتلي القوات الحكومة والمليشيات المتحالفة تعمدوا إحراق قراهم جزئياً أو كلياً، كما تعمدوا تدمير مخزونات الطعام والحبوب المخصصة للزراعة.
بدأ نزاع جنوب السودان في ديسمبر/كانون الأول 2013، وأشعلت فتيله معركة بالرصاص بين قوات موالية للرئيس سيلفا كير وأخرى موالية لنائب الرئيس السابق ريك ماتشار. وهيمنت على النزاع جرائم الحرب، بما فيها قتل المدنيين على نطاق واسع بسبب أصلهم العرقي أو ولائهم المفترض، ففر مليونا شخص من منازلهم.
في أبريل/نيسان 2015، شنت الحكومة هجمة متعددة المحاور لاستعادة أراضِ تسيطر عليها المعارضة في ولاية الوحدة، فتسببت الحملة التي أطلقها الجيش الشعبي لتحرير سودان والمليشيات المتحالفة معه في نزوح ما لا يقل عن مئة ألف شخص، بحسب الأمم المتحدة. وفر عشرات الآلاف من المعدمين، دون طعام أو ماشية أو مأوى، إلى إحدى قواعد الأمم المتحدة في عاصمة الولاية، حيث يعيش الكثيرون في ظروف من الاكتظاظ ورداءة الشروط الصحية. كما فر آخرون إلى مناطق المستنقعات حيث تجاهد وكالات الإغاثة للوصول إليهم.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التوسع في العقوبات الفردية المستهدفة بحق القادة وغيرهم من المسؤولين عن الجرائم الخطيرة أثناء هجمة ولاية الوحدة، وفرض حظر للتسلح على أطراف النزاع للمساعدة في وقف الهجمات المستمرة على المدنيين. وعلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما التقدم بتعهد علني للمطالبة بحظر التسلح عند زيارته للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا بإثيوبيا في أواخر يوليو/تموز، بحسب هيومن رايتس ووتش.
كما على مجلس الأمن تعزيز السبل لزيادة المحاسبة، من قبيل إنشاء محكمة مختلطة تتكون من محامين من جنوب السودان ومحامين وقضاة دوليين للتحقيق في أسوأ الجرائم وملاحقتها، أو إقرار تحقيق من جانب المحكمة الجنائية الدولية، أو كلا السبيلين. ويتعين على الاتحاد الأفريقي والحكومات الإقليمية والشركاء الرئيسيين لجنوب السودان مثل الولايات المتحدة دعم تلك الخطوات.
انطوت بعض الهجمات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش على معارك مع مقاتلي المعارضة وحلفائهم، وبخاصة في مقاطعتي ماينديت وبانيجيار في جنوب ولاية الوحدة. لكن في حالات كثيرة كانت الهجمات على التجمعات السكانية في روبكونا وغويت وكوتش بوسط الولاية تمضي دون مقاومة، حيث كان مقاتلو المعارضة وغيرهم من الرجال قد فروا مسبقاً في محاولة لحماية مواشيهم أو خوفاً من الاستهداف، فواجهت النساء، المتروكات مع الأطفال، وحشية المهاجمين.
وثقت هيومن رايتس ووتش 63 حالة اغتصاب، تشمل الاغتصاب الجماعي وحالات تم فيها اغتصاب نساء من قبل عدة مقاتلين. كما تواتر اعتداء جنود الحكومة ومقاتلي جماعة بول نوير بالضرب على السيدات، بشكل متكرر أحياناً، وتهديدهن بالقتل. وتم إرغام نساء وأطفال عدة على حمل الممتلكات المنهوبة عائدين إلى موطن البول نوير، طوال أيام في بعض الأحيان. كما تم اختطاف نساء وفتيات أخريات، باعتبارهن أنفسهن من الممتلكات.
لم تتلق الخدمات الطبية أو غيرها من الخدمات المخصصة لحالات العنف الجنسي سوى امرأة واحدة ضمن اللواتي أجرت معهن هيومن رايتس ووتش المقابلات.
أجرت هيومن رايتس ووتش أيضاً مقابلات مع 50 شخصاً نزحوا بفعل الهجمات الحكومية والقتال فيما بين القوات الحكومية والمتحالفة معها وجماعات المدنيين المسلحين التي التحق بها بعض مقاتلي المعارضة في هجمة منفصلة ومتزامنة في جنوب ولاية الوحدة. وهدم جنود الحكومة ميناء الطاير تماماً وأحرقوا أجزاء من بلدات وقرى أخرى، واغتصبوا واختطفوا مدنيين وأطلقوا النار على الأشخاص الفارين، الذين أُصيب بعضهم ثم سحقتهم دبابات الحكومة.
من الضروري أن تتضمن التحقيقات أدوار الضباط القادة الذين تورطت قواتهم في الانتهاكات، على سبيل المثال، ينبغي للتحقيق أن يحدد أية مسؤولية جنائية، على أساس مباشر أو بموجب مسؤولية القيادة على السواء، تقع على عاتق قائد الجيش الشعبي لتحرير السودان في ولاية الوحدة ثياب غاتلواك تايتاي ونائبه ماثيو بولجانغ. وقد تورطت قوات الفرقة الرابعة في الهجوم على وسط ولاية الوحدة. كما ينبغي خضوع قادة الهجوم على جنوب الولاية في مايو/أيار للتحقيق بدورهم، وكذلك دور رئيس الأركان بول مالونغ، في التخطيط للهجمات، ولتحديد إلى أي مدى كان يعلم أو يفترض أن يعلم بوقوع الانتهاكات.
وقال دانيال بيكيلي: "تتحمل النساء والفتيات القسم الأكبر من هذه الهجمة الوحشية حيث يستهدفهن المقاتلون بالاغتصاب والاختطاف والضرب والتشغيل القسري. وتوحي الاعتداءات الوحشية على المدنيين الفارين، إضافة إلى إحراق القرى على نطاق واسع، وإحراق الأطعمة وغيرها من المواد التي يحتاجها الناس للبقاء على قيد الحياة، بأن هدف الحكومة كان تهجير الناس قسرياً من منازلهم".