(بيروت) ـ السلطات المصرية لم تحتجز أي مسؤول حكومي أو أي فرد من قوات الأمن المسؤولة عن القتل الجماعي للمتظاهرين في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة منذ عامين. وكانت قوات الأمن قد قامت في 14 أغسطس/آب 2013 بقتل ما لا يقل عن 817 شخصاً، وأكثر من ألف على الأرجح، في اعتصام حاشد، في ما يرجح أن يرقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية.
وبالنظر إلى رفض الحكومة المصرية لإجراء تحقيق جدي في وقائع القتل أو تقديم أي تعويض للضحايا، فإن على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إقرار لجنة دولية للتحقيق في الفض الوحشي لاعتصام رابعة العدوية وغيره من وقائع القتل الجماعي للمتظاهرين في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013. وعلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إقرار تحقيق مماثل.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "لقد عادت واشنطن وأوروبا إلى التعامل مع الحكومة التي تحتفل بما لعله كان أسوأ جريمة قتل في يوم واحد للمتظاهرين في التاريخ الحديث، بدلاً من التحقيق فيها. ويمثل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي لم يتصد بعد للوضع الحقوقي الخطير والمتدهور في مصر، أحد المسارات القليلة الباقية للمحاسبة في هذه المذبحة الوحشية".
وتتعلل الولايات المتحدة وحلفاء مصر في أوروبا، بدلاً من التعامل الجدي مع إفلات حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الصارخ من العقاب، بأن استئناف علاقاتها مع مصر من أولويات أمنها القومي، بما في ذلك تزويد مصر بالمعونة والمعدات العسكرية.
وقد وقع فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس/آب 2013، بعد ما يزيد قليلاً على شهر من عزل الجيش المصري ـ بقيادة السيسي، وزير الدفاع آنذاك ـ لمحمد مرسي، أول رئيس مصري ينتخب بحرية، والمسؤول رفيع المستوى السابق في الإخوان المسلمين. جاء عزل مرسي عقب احتجاجات جماعية على حكمه، وبعد هذا قام مؤيدو مرسي وغيرهم من معارضي تحركات الجيش بمظاهرات في أنحاء مصر. وقد تصدت قوات الأمن للمظاهرات بالقوة المميتة على نحو ممنهج، فبين عزل مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، ويوم 16 أغسطس/آب 2013، وثقت هيومن رايتس ووتش ستة حوادث قامت فيها قوات الأمن بقتل المتظاهرين دون وجه حق، تاركة ما لا يقل عن 1185 من القتلى.
وكان أسوأ تلك الحوادث هو فض اعتصام رابعة العدوية، حيث بلغت الحشود 85 ألفاً في ذروة الاعتصام. وقد أعلنت الحكومة عن نية فض الاعتصام لكنها لم تحدد موعداً له. ومع أول أضواء 14 أغسطس/آب، قامت قوات الأمن، باستخدام حاملات الأفراد المدرعة والقناصة، بإطلاق الذخيرة الحية على الحشود بعد قليل من إذاعة نداء مسجل بإخلاء الميدان عبر مكبرات الصوت. لم توفر الشرطة مخرجاً آمناً وأطلقت النار على كثيرين ممن حاولوا الفرار.
وكانت السلطات قد توقعت عدداً كبيراً من الخسائر: إذ صرح وزير الداخلية محمد إبراهيم، ورئيس الوزراء حازم الببلاوي، على السواء وفي العلن، إنهما كانا يتوقعان مقتل أعداد أكبر من المتظاهرين. وبعد عام نُقل عن الببلاوي قوله في مقابلة مع "المصري اليوم"، وهي صحيفة مستقلة، إن "جميع الخيارات كانت سيئة" لفض الاعتصام، وإن كل من "أخطأ" يجب إرساله إلى المحكمة.
وكان الجيش والشرطة المصريين قد قاما في وقت أسبق بقتل 61 متظاهراً أمام مقر الحرس الجمهوري في 8 يوليو/تموز، و95 متظاهراً عند نصب المنصة التذكاري في 27 يوليو/تموز. وفي يوم فض رابعة، قتلت الشرطة ما لا يقل عن 87 متظاهراً عند فض اعتصام آخر بميدان النهضة. وفي 16 أغسطس/آب قتلت الشرطة 120 آخرين من الأشخاص الذين استمروا في الاحتجاج على عزل مرسي في ميدان رمسيس بوسط القاهرة.
وتوحي الطبيعة الممنهجة وواسعة النطاق لعمليات القتل هذه، وما جمعته هيومن رايتس ووتش من أدلة، بأن وقائع القتل كانت جزءاً من سياسة تقضي باستخدام القوة المميتة ضد متظاهرين عزلاً في غالبيتهم، مما يجعل منها جرائم محتملة ضد الإنسانية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2013، شكلت الحكومة المصرية لجنة تقصي الحقائق حول أحداث 30 يونيو، المنسوبة إلى تاريخ بدء المظاهرات ضد حكم مرسي، للنظر في حوادث القتل والأحداث التي سببتها وأعقبتها. ونشرت الحكومة ملخصاً تنفيذياً لنتائج اللجنة في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ولم يوص الملخص بتوجيه الاتهام إلى أي مسؤول حكومي أو فرد من أفراد قوات الأمن.
لم تنشر الحكومة النص الكامل للتقرير، كما لم تشر إلى نية القيام بهذا. ولم يعلن مكتب النائب العام، صاحب امتياز ومسؤولية فتح التحقيقات الجنائية، عن أية اتهامات. وفي 16 يوليو/تموز وافقت حكومة السيسي على تسمية ميدان رابعة باسم هشام بركات، النائب العام الذي قدم الموافقة القانونية على الفض في 2013، والذي اغتيل في يونيو/حزيران.
وكانت الملاحقة الوحيدة التي أسفرت عنها حوادث القتل الجماعي في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013 تتعلق بالاختناق حتى الموت لـ37 متظاهراً في 18 أغسطس/آب 2013. وقد توفي الرجال، الذين اعتقلوا في فض رابعة، بعد أن أطلق أحد رجال الشرطة الغاز المسيل للدموع داخل عربة الترحيلات المكتظة التي تم احتجازهم المؤقت فيها. وفي 13 أغسطس/آب 2015، قامت إحدى المحاكم بتخفيف حكم سابق بالسجن لمدة 10 سنوات على نقيب شرطة متورط في الوفيات إلى 5 سنوات في أعقاب إعادة محاكمته. وما زال من الممكن إحالة القضية إلى أرفع محاكم الاستئناف المصرية. وقد تلقى 3 من رجال الشرطة الأدنى رتبة أحكاماُ بالسجن لمدة عام واحد مع وقف التنفيذ.
وقد اعتقلت الشرطة مئات المتظاهرين أثناء فض اعتصام رابعة واحتجزتهم احتياطياً لما يقرب من عامين. وفي 12 أغسطس/آب أحالت النيابة القضية إلى المحاكمة، متهمة المتظاهرين بقطع الطرق والإضرار بالوحدة الوطنية. وأفادت صحيفة "الشروق" المستقلة بأن النيابة لم تكشف عن أعداد المتظاهرين المحالين إلى المحاكمة، رغم اعتقاد المحامين باحتجاز ما يزيد على 400.
وقد امتنع المسؤولون الأمريكيون عن وصف عزل مرسي بالانقلاب، وهو ما كان من شأنه الوقف الفوري للمعونة العسكرية. لكن بعد وقائع القتل في رابعة، ألغت الولايات المتحدة مناورات عسكرية مشتركة كانت مقررة مع مصر، وأعلنت عن مراجعة "الخطوات الإضافية التي قد نتخذها بحسب الضرورة فيما يخص العلاقة الأمريكية-المصرية".
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2013، علقت الولايات المتحدة تسليم أربعة من نظم الأسلحة الكبرى إلى مصر. وفي أغسطس/آب 2014 رفعت هذا التعليق وقامت بتسليم 10 من مروحيات "آباتشي" الهجومية. وفي مارس/آذار 2015 رفعت الإدارة جميع أشكال التعليق، مما أتاح تسليم 12 من مقاتلات "إف-16" وما يصل إلى 125 من معدات دبابات "إم1 إيه1"، مع الإعلان أيضاً عن خطط لإحكام القيود على القدرة الشرائية للمعونة العسكرية المصرية. وفي أغسطس/آب ذهب وزير الخارجية جون كيري إلى القاهرة لقيادة أولى جولات الحوار الاستراتيجي مع مصر منذ 2009.
كما رحبت الحكومات الأوروبية ـ وخاصة فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة ـ بحكومة السيسي، فالتقى السيسي بالرئيس فرانسوا أولاند في فرنسا في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وقامت فرنسا عقب هذا ببيع 24 من مقاتلات "رافال" لمصر وتسليم الثلاثة الأوائل في 21 يوليو/تموز. وفي يونيو/حزيران التقى السيسي بالمستشارة أنغيلا ميركل في برلين في نفس يوم قيام شركة "سيمنز" الصناعية الألمانية بتوقيع صفقة تبلغ قيمتها 8 مليار يورو لتوريد محطات طاقة تعمل بالغاز والرياح لمصر. كما قامت حكومة رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون بدعوة السيسي إلى لقاء.
وقال جو ستورك: "إن غياب العدالة لضحايا مذبحة رابعة وغيرها من وقائع القتل الجماعي هو جرح مفتوح في التاريخ المصري. والتعامل مع هذه الجريمة ضروري قبل أن يتسنى لمصر البدء في التحرك إلى الأمام".