(بيروت) ـ قوات الأمن العراقية ضربت وركلت واحتجزت واستجوبت مشاركين في مظاهرة في "المنطقة الخضراء" في بغداد في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. لم يتصل المسؤولون الأمنيون بالضحايا رغم صدور أمر عن رئيس الوزراء حيدر العبادي بفتح تحقيق، ولم ترد السلطات على مطالب بالحصول على معلومات تخص تقدم التحقيق.
في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أعلن نشطاء في المنطقة الخضراء ـ بعد سلسلة من الاحتجاجات الأسبوعية ضدّ مزاعم تتعلق بالفساد ـ عن خطة لتقديم عريضة للبرلمان. وعلى بعد بضع مئات الأمتار من مكان التجمع، ضربت قوات الأمن عديد المتظاهرين وركلتهم، واصطحبت 3 آخرين للاستجواب، واحتجزت حوالي 30 لساعتين، بحسب إفادات لـ 3 منهم. في اليوم نفسه، أمر رئيس الوزراء حيدر العبادي بفتح تحقيق فوري في المزاعم المتعلقة بالاعتداءات، ومحاسبة المعتدين على الحق في التظاهر السلمي.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "قيمة التصريحات العلنية تكمن في متابعة تنفيذها. لقد أعلنت السلطات العراقية مرارا وتكرارا عن فتح تحقيقات، ولكن مرتكبي الانتهاكات يستمرون في عملهم دون محاسبة".
دعت عريضة "هل يستيقظ مجلس النواب من غفوته؟" البرلمان إلى سن تشريع يتماشى مع إصلاحات مكافحة الفساد التي تبنتها الحكومة والبرلمان في أوائل أغسطس/آب.
اقتادت قوة أمنية مقنعة 3 من المتظاهرين في المنطقة الخضراء إلى مقر "اللواء 56، قيادة العمليات الخاصة، مقر قيادة عمليات بغداد"، بحسب ما صرح به 2 منهم لـ هيومن رايتس ووتش. وهناك استجوبهم ضابط برتبة لواء، قال أحدهم إنه رآه في مظاهرات يوم الجمعة قرب ميدان التحرير. كما قال أحدهم إن قوات الأمن، قبل الاستجواب، ضربتهم وركلتهم وصفعتهم وأهانتهم، ووضعتهم في وضعيات مؤلمة. كانت السيارة التي نُقلوا فيها إلى المكان حيث أطلق سراحهم بعد ساعات تحمل لوحة خضراء تابعة لوزارة الدفاع، ولكن كانت بعض أرقامها ممسوحة، بحسب أحد المتظاهرين.
رغم الأمر الصادر عن العبادي بفتح تحقيق، وقرب الأحداث من جميع المباني الحكومية الرئيسية، واستعداد الشهود للتعاون، لم تتصل أي جهة مختصة في التحقيق بالمتظاهرين للإدلاء بمعلومات، بحسب ما أكده لـ هيومن رايتس ووتش 5 متظاهرين مازالوا على اتصال بمتظاهرين آخرين.
اجتمع المتظاهرون صباح 17 نوفمبر/تشرين الثاني في مطعم حيدر دبل في حي مريم كرادة المتاخم للمنطقة الخضراء، وهي منطقة شديدة التأمين وفيها وزارات. حوالي الساعة 11 صباحا، بلغ عدد المتظاهرين 60 شخصا تقريبا، فجاءت عربات أمنية، وحاصرت المحتجين داخل المطعم.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 5 متظاهرين أكدوا جميعا وجود عشرات عناصر الأمن، كان نصفهم تقريبا في ملابس مدنية، وأغلبهم مقنعين ويحملون مسدسات. كانت احدى المركبات تحمل مدفعا رشاشا. قال المتظاهرون الخمسة إن الزي الرسمي الذي كانت ترتديه بعض العناصر أسود اللون ويحمل شارة "فرقة الأسلحة والتكتيكات الخاصة" أو قوات مكافحة الشغب. كما أكدوا أن العناصر التي كانت ترتدي زيا رسميا كانت تحمل بنادق آلية وهراوات.
قال 3 متظاهرين إن القوات التي كانت في ملابس مدنية، والتي كانت في الصف الأول، لكمت عديد المتظاهرين. قال قائد لقوات الأمن: "أطلقوا النار صوب أرجل المتظاهرين إذا ساروا خطوة واحدة إلى الأمام".
أمسك 8 رجال مقنعين بـ 3 متظاهرين: علي هاشم وحسين النجار وعماد المياحي، واقتادوهم بعيدا في سيارة. كما لكموا عددا من المتظاهرين الآخرين ووضعوهم في حافلات صغيرة. ثم سارت الحافلات، مصحوبة بعربات عسكرية، مسافة غير بعيدة، ثم توقفت. جمعت قوات الأمن جميع الهواتف الخلوية وأمرت المتظاهرين بعدم التظاهر لأن البلاد في حرب مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ "داعش"). وبعد ساعة، أرجعت لهم أغراضهم، وأطلقت سراحهم.
قال أحد المحتجين المخطوفين الثلاثة لـ هيومن رايتس ووتش إنه استرق النظر من تحت العصابة الموضوعة على عينيه بينما كانت العربة تسير فوق مطبات تخفيض السرعة، فعرف أنهم كانوا يدخلون إلى المنطقة الخضراء.
اقتادتهم عناصر الأمن إلى رواق قذر داخل مبنى تعرضوا فيه إلى الإهانة والضرب، وأجبروا على الركوع وجباههم على الأرض لفترة قال أحد المحتجزين إنها تجاوزت الساعة. وكان الذين يمرون من هناك يركلونهم ويصفعونهم.
قام الرجال باستجوابهم الواحد تلو الآخر في غرفة تحقيق، وسألهم أحدهم لماذا يرغبون في اسقاط البرلمان ومن يقف وراءهم. سمح حارس لأحد المتظاهرين بنزع عصابته للذهاب إلى الحمام. ولما عاد هذا الأخير إلى غرفة التحقيق دون عصابة، شاهد اللواء الذي كان يُسدي الأوامر في المكان الذي أوقفوا فيه، وفي مكان احتجاجات يوم الجمعة الماضي، فعرف أنه كان هو المشرف على الاستجواب. كما قال هذا المتظاهر إن اللواء غضب لما رآه دون عصابة، فصفعه.
أعلم رجل آخر اللواء بقدوم أحد أعضاء البرلمان وأنه يرغب في الدخول، فأمر اللواء 3 عناصر من الأمن بإخراج المتظاهرين الثلاثة من الباب الخلفي. سار عديد العناصر بالمتظاهرين في سيارة إلى محل الفقمة للآيس كريم، على مسافة بضعة كيلومترات من المنطقة الخضراء، ثم أطلقوا سراحهم. قال أحد المتظاهرين إن السيارة كانت تحمل شعار "اللواء 56 ـ قيادة العمليات الخاصة، مقر قيادة عمليات بغداد".
قال جو ستورك: "أولئك الذين يعملون بشكل سلمي من أجل عراق أفضل يواجهون مخاطر شخصية كبيرة من العصابات الإجرامية والميليشيات وقوات الأمن الرسمية. أما المسيئون إلى المحتجين السلميين، فيفلتون من المحاسبة الفعالة ما دام القضاء العراقي لا يحترم سيادة القانون ولا يحاسب المعتدين".