(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن التحالف في اليمن بقيادة السعودية أوقع عشرات القتلى بين المدنيين في 3 غارات تبدو غير قانونية في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين/الأول 2016. استخدام التحالف أسلحة زوّدته بها الولايات المتحدة في 2 من الهجمات، بما في ذلك قنبلة سُلّمت للسعودية بعد أشهر من بدء النزاع، يضع الولايات المتحدة في خطر التواطؤ في هجمات غير قانونية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الهجمات تؤكد الحاجة المُلحّة إلى تعليق الحكومات الاجنبية كل مبيعات الأسلحة للسعودية، وأن يبعث مكتب المفوض السامي الأممي لحقوق الإنسان مُحققين إضافيين إلى اليمن لإجراء تحقيقات ذات مصداقية في الانتهاكات المفترضة التي يرتكبها التحالف والحوثيون وحلفاؤهم، وكل أطراف النزاع الآخرين.
قالت بريانكا موتابارثي، باحثة أولى في شؤون الطوارئ في هيومن رايتس ووتش: "قوات التحالف بقيادة السعودية تقصف المدنيين في اليمن بأسلحة جديدة زودتها بها الولايات المتحدة. ليس لدى إدارة الرئيس أوباما وقت طويل – إن لم تعلق مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية بشكل كامل فستبقى مقترنة بفظاعات الحرب اليمنية إلى الأبد".
منذ بداية الحملة العسكرية بقيادة السعودية في مارس/آذار 2015، وجدت هيومن رايتس ووتش بقايا أسلحة أمريكية في مواقع 23 ضربة جوية يُفترض أنها غير قانونية، بما فيها أكثر من 12 هجوما باستخدام ذخائر عنقودية أمريكية الصنع. لم يجد الباحثون بقايا يمكن التعرف عليها في كل هجوم وثّقوه. صادقت الولايات المتحدة على مبيعات أسلحة للسعودية بقيمة أكثر من 20 مليار دولار في 2015 فقط. تضمّنت 3 صفقات أسلحة أمريكية في 2015 و2016 بقيمة 3 مليارات دولار تعويض الأسلحة السعودية المستخدمة في اليمن.
وجدت هيومن رايتس ووتش بقايا أسلحة أمريكية الصنع في موقع ضربات جوية للتحالف في أرحب بمحافظة صنعاء وفي محافظة الحُديدة. خلّف هجوم في 10 سبتمبر/أيلول على حفار للمياه في أرحب 31 قتيلا مدنيا على الأقل، من بينهم 3 أطفال.
وجد باحثو هيومن رايتس ووتش بقايا قنبلتين أمريكيتي الصنع من طراز "جي بي يو-12 بيفوايII " (GBU-12 Paveway II) الموجهة بالليزر والتي يبلغ وزن كل منها 500 رطل. ويظهر من العلامات المطبوعة على إحدى تلك القنبلتين أنها من صنع "رايثيون إنك" (Raytheon Inc.)، وهي شركة أمريكية لصنع الأسلحة، مؤرخة في أكتوبر/تشرين الأول 2015 – أي بعد 7 أشهر من بدء الحرب. وصُنعت القنبلة الأخرى في تاريخ غير معروف في 2015. كانت الأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش وجهات أخرى قد أعلنت بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2015 وقوع عدة هجمات غير قانونية على يد قوات التحالف.
استهدفت غارة للتحالف في 29 أكتوبر/تشرين الأول مبنى إدارة أمن الزيدية شمال مدينة الحديدة. وراح ضحية الهجوم العديدُ من الأشخاص المئة الذين كانوا محتجزين هناك. نُشر جنود تابعون للحوثيين وقوات متحالفة معهم وشاحنات مزودة برشاشات في الموقع.
لكن حتى إذا كان الهجوم على هدف عسكري، فقد يكون خلّف ضحايا مدنيين بشكل غير متناسب وغير قانوني. وجد باحثو هيومن رايتس ووتش بقايا قنبلة موجهة بالقمر الصناعي أمريكية الصنع من طراز "جي دام" (JDAM).
خلفت ضربة جوية للتحالف على سوق الهنود، وهي منطقة ذات كثافة سكانية عالية بالحديدة، في 21 سبتمبر/أيلول 28 قتيلا مدنيا، من بينهم 8 أطفال، و32 مصابا آخرين. والهدف العسكري الوحيد المعروف في المنطقة هو القصر الرئاسي الواقع على بعد 450 أو 500 مترا، وكان قد تعرض للقصف في نفس اليوم.
قالت مكتب المفوض السامي الأممي لحقوق الإنسان إن 4125 مدنيا على الأقل قُتلوا، بينما أصيب 7207 آخرون في اليمن ما بين مارس/آذار 2015 وأكتوبر/تشرين الأول 2016، معظمهم في ضربات جوية للتحالف. ذكر المكتب في أغسطس/آب أن الغارات الجوية كانت أهم سبب في وقوع الضحايا خلال السنة المنصرمة. وكذلك ارتكب الحوثيون وحلفاؤهم، بمن فيهم القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، العديد من الانتهاكات الخطيرة.
استخدم التحالف بقيادة السعودية مرارا أسلحة أمريكية الصنع في هجمات غير قانونية. استُخدمت أسلحة أمريكية في أخطر هجومين شهدتهما الحرب حتى الآن: هجوم 15 مارس/آذار على سوق مستباء الذي خلف 97 قتيلا مدنيا، وهجوم 8 أكتوبر/تشرين الأول على قاعة جنازة بصنعاء، خلف 100 قتيل وأكثر من 500 جريح. ويبدو أن الهجومين كلاهما جريمتا حرب.
توفير الولايات المتحدة الأسلحة للسعودية باستمرار، رغم وجود أدلة على استخدامها المتكرر في هجمات غير قانونية، قد يجعلها شريكة في بعض انتهاكات التحالف في اليمن. والولايات المتحدة أيضا طرف في النزاع في اليمن، إذ تقدم معلومات استهداف وتزود الطائرات بالوقود خلال الغارات الجوية، لكن الولايات المتحدة لم تعلن القيام بأي تحقيق مستقل في أنشطتها في حرب اليمن. وحسب تحقيق قامت به "رويترز"، فقد ناقش مسؤولون أمريكيون داخليا ما إذا كان دعمُ الولايات المتحدة للتحالف قد يجعل موظفين أمريكيين مسؤولين جنائيا في جرائم الحرب في اليمن.
قالت هيومن رايتس ووتش إن في مايو/أيار، علقت الولايات المتحدة إرسال الذخائر العنقودية إلى السعودية، لكن على الرئيس باراك أوباما أن يوقف كل مبيعات الذخائر العنقودية للسعودية قبل انتهاء ولايته، وجعل منع الذخائر العنقودية دائما ويشمل كل الدول الأخرى.
مباشرة بعد هجوم 8 أكتوبر/تشرين الأول على قاعة الجنازة، أعلن مجلس الأمن القومي الأمريكي أن الولايات المتحدة "شرعت فورا في مراجعة دعمها المحدود أصلا" للتحالف وأنها "مستعدة لإعادة النظر في هذا الدعم". لم تخرج الولايات المتحدة بأية إعلانات أخرى حول الكيفية التي تنوي بها تعديل دعمها للحرب في اليمن، كما لم تنشر أي بيان بنتائج المراجعة. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الرئيس أوباما أن يتأكد من أن المراجعة ستنظر في مشاركة القوات الامريكية في أية هجمات غير قانونية في اليمن، وأن تُنشر نتائجها قبل انتهاء ولايته.
تبيع الحكومة البريطانية هي الأخرى الأسلحة إلى السعودية، رغم ضغوط متصاعدة من البرلمان بشأن الحملة العسكرية السعودية في اليمن ووجود أدلة على استخدام أسلحة بريطانية الصنع في اليمن. وثّقت هيومن رايتس ووتش استخدام أسلحة بريطانية الصنع في 3 هجمات تبدو غير قانونية في اليمن. منذ مارس/آذار 2015، صادقت بريطانيا على ما قيمته 3.3 مليار جنيه استرليني من مبيعات المُعدات العسكرية للسعودية، حسبما ذكرت "الحملة ضد تجارة الأسلحة" ومقرها لندن.
في 15 نوفمبر/تشرين الثاني، خلُصت وزارة الخارجية البريطانية، رغم وجود كثير من الأدلة على العكس، إلى أنه ليس هناك خطر واضح بأن تُقدم السعودية على خروقات خطيرة للقانون الانساني الدولي باليمن. وكانت الوزارة قد أصدرت سابقا 6 تصحيحات لبياناتها تتراجع فيها عن نفيها السابق لارتكاب التحالف خروقات لقانون الحرب في اليمن. لكنها ذكرت أن "موظفي وزارة الدفاع البريطانية لم يتمكنوا من تكوين صورة كاملة عن احترام التحالف للقانون الانساني الدولي في اليمن، حيث لا تتوفر لديهم كل المعلومات الضرورية لذلك".
لم يعلن "الفريق المشترك لتقييم الحوادث" (الفريق) التابع للتحالف بقيادة السعودية ولا اللجنة الوطنية بقيادة اليمن القيام بتحقيقات في الغارات الجوية الثلاث. بعدما نشر الفريق في 4 أغسطس/آب نتائج تحقيق أوليّ في 8 غارات برّأ فيها التحالف من مسؤولياته بشكل كبير، لم ينشر إلا النتائج الأولية لتحقيق إضافي في الغارة التي استهدفت قاعة الجنازة يوم 8 أكتوبر/تشرين/الأول، بعدما لقيت الغارة انتقادات دولية واسعة. وقالت هيومن رايتس ووتش إن التحقيقات التي نشرها الفريق لم تحترم المعايير الدولية للتحقيقات الشفافة وذات المصداقية في انتهاكات قوانين الحرب.
في سبتمبر/أيلول، أقر مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قرارا يكلف مكتب المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان لإرسال المزيد من الخبراء الحقوقيين للتحقيق في انتهاكات كل الأطراف، ونشر تقرير بالنتائج التي يتوصلون إليها. قالت هيومن رايتس ووتش إن تلك الهجمات الثلاث تؤكد الحاجة إلى دعم أطراف النزاع والحكومات المعنية بشكل كامل تفويض المجلس الموسع لإجراء التحقيقات.
قالت موتابارثي: "لا يمكن للحكومات التي تبيع الأسلحة للسعودية الاعتماد بمصداقية على التحقيقات التي يشرف عليها التحالف ولا اليمن لتحديد ما إذا كانت تلك الأسلحة تُستخدم ضد مدنيين. على الولايات المتحدة وبريطانيا، وغيرهما ممن يبيع السعودية أسلحة، تعليق تلك المبيعات إلى حين تقليص الهجمات غير القانونية والتحقيق فيها بشكل ملائم".
حفّار المياه في أرحب، 10 سبتمبر/أيلول 2016
الضحايا: 31 قتيلا مدنيا على الأقل، منهم 3 أطفال، و42 جريحا
الذخائر التي تم التعرف عليها: قنبلتان من طراز GBU-12 Paveway II الموجهة بالليزر والتي يبلغ وزنها 500 رطل. أجنحة القنبلة الأولى من صنع Raytheon في الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2015. صنعت أجنحة الثانية في الولايات المتحدة في 2015، ويبقى التاريخ المحدد مجهولا.
أغار طيران التحالف قبل فجر 10 سبتمبر/أيلول على موقع لحفر المياه قرب بيت سعدان في محافظة أرحب، على بعد 30 كيلومترا إلى الشمال من صنعاء. كان موقع الحفر في منطقة غير مأهولة لا يمكن بلوغها إلا عبر طريق ترابية، على بعد حوالي كيلومترين من أقرب قرية. قالت مكتب المفوض السامي الأممي لحقوق الإنسان إن غارات متعددة طيلة الصباح أوقعت 31 قتيلا مدنيا على الأقل و42 مصابا آخرين.
ضربت الغارة الأولى بالقرب من مأوى العمال الذي كان فيه حوالي 12 عاملا ومديرا واحدا، ما أدى إلى مقتل 6 وإصابة 5 آخرين. في الساعة 9 صباحا، بعدما هرع عشرات القرويين لانتشال جثت القتلى ومعاينة الموقع، عادت 3 طائرات وقصفت المنطقة حوالي 12 مرة بفارق 15 دقيقة كل مرة، حسب شهود عيان. استمرت الغارات إلى حوالي منتصف النهار، مخلفة حوالي 15 قتيلا مدنيا وعشرات المصابين. أكدت هيومن رايتس ووتش بشكل مستقل أسماء وأعمار 21 شخصا لقوا حتفهم في الهجوم، من بينهم 3 أطفال عمرهم 12 و14 و15 عاما.
قال يحيى عبد الله، وهو أستاذ عمره 34 عاما، إنه قضى الأمسية مع أخيه محمد وعُمّال آخرين بالموقع. لقي أخوه حتفه في الغارة الأولى. غادر عبد الله الموقع قبل 20 دقيقة من الغارة الأولى، وكان على طريق العودة عندما سمع الانفجارات:
رأيت الضوء المنبعث من قنبلة في موقع الحفر. حاولت الاتصال بهم هاتفيا لكن لم يُجبني أحد... وصلت بينما كانت آلة الحفر في حالة تشغيل ورأيت جثامين مبعثرة ومحروقة. كانوا كلهم في الأماكن التي كانوا يعملون أو يجلسون فيها. رأيت 5 جثامين بما فيها جثمان أخي محمد. وجدت أولا ساقه المبتورة خارج (مأوى العمال)، على بعد حوالي 6 أمتار، وذراعه على الباب... ونصف جثمانه مدفون في الانقاض.
قال المزارع سليم السعداني إنه عندما سمع بمقتل عمه مهدي السعداني في الغارة، توجه إلى الموقع ووصل حوالي الثامنة صباحا:
(كان هناك) حوالي 300 شخص من بينهم أقارب القتلى يحاولون انتشال الجثث.... رأيت طائرتين آتيتين من الجنوب. بين الثامنة والتاسعة صباحا، رأيت الصاروخ قادما بينما كنت بجانب جثمان عمّي.
قال السعداني إنه أُغمي عليه لفترة وجيزة بعدما أوقعه الانفجار أرضا:
رأيت نفسي ملطخا بالدماء وهربت. لم أر إلا الدخان واللهيب. رأيت جثمان رجل مسنّ أمامي، وهو من (ثناء) القرية المجاورة. كان قد فارق الحياة. نُقلت إلى المستشفى. كنت مصابا (بشظايا) في يدي اليسرى... و(شظايا) في ظهري.
قال عدة شهود إن 3 طائرات للتحالف حلقت في المنطقة، وألقت قنابلها وهي تتحرك في دوائر آخذة في الاتساع، فيما كان يحاول من تجمعوا الهرب. ركض الناس في كافة الاتجاهات هربا من القصف على حد قولهم.
زارت هيومن رايتس ووتش الموقع في 10 نوفمبر/تشرين الثاني وفحصت أنقاض مأوى العمال، وكذلك الحطام المحترق لشاحنة نقل وقود. كانت هناك 11 حفرة على الأقل خلفتها قنابل، أو مواقع ارتطام، في المنطقة المجاورة. تُظهر مقاطع فيديو للموقع صُوّرت يوم الغارة العديد من الجثث المحترقة والمشوهة.
فحصت هيومن رايتس ووتش وصوّرت فوتوغرافيا مخلفات قنبلة زنة 500 رطل طراز جي بي يو-12 بيفواي II موجهة بالليزر. جزء من نظام التوجيه (مجموعة الجناح) صنعتها شركة رايثيون في الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2015، بحسب البيانات الظاهرة على المخلفات.
قال سكان بيت سعدان إنهم جمعوا معا 22 مليون ريال يمني (88 ألف دولار) من مدخراتهم الشخصية لتمويل حفر بئر لإمداد قريتهم بمياه الشرب. وقع القصف في اليوم الأخير من الحفر، بعد أن وصل أهل القرية في إلى المياه، على حد قول مُزارع محلي. قال عدة شهود إنه لم يكن هناك أي مقاتلين حوثيين أو معدات عسكرية تخصهم في المنطقة قبل الغارات.
عندما سألت "وكالة الأنباء الفرنسية" الناطق باسم التحالف اللواء أحمد العسيري عن الهجوم كان ردّه: "كل عملياتنا في تلك المنطقة تستهدف مواقع للحوثيين". لم يعلن التحالف عن تحقيق في الهجوم.
الهجمات المتعمدة أو العشوائية على المدنيين والبنية التحتية المدنية هي انتهاك خطير لقوانين الحرب، وإذا نُفذت بشكل عمدي أو نتيجة إهمال فهي تمثل جرائم حرب.
إدارة أمن الزيدية، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2016
الضحايا: مقتل 63 شخصا بين أفراد حوثيين ومدنيين وإصابة 67 آخرين
الأسلحة المُتعرف عليها: منظومة موجهة بالقمر الصناعي طراز "JDAM" أمريكية الصنع
بين الثامنة والتاسعة مساء 29 أكتوبر/تشرين الأول وقعت 3 غارات جوية أصابت إدارة أمن الزيدية، 60 كم شمال مدينة الحديدة بمحافظة الحديدة. إضافة إلى استخدام المبنى كسجن، تمركز أفراد وشاحنات مجهزة ببنادق آلية تابعين للحوثيين والقوات المتحالفة معهم في المنشأة، ما جعلها هدفا عسكريا مشروعا. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد إن كان هؤلاء الأفراد والمركبات قد تواجدوا هناك وقت الهجوم.
قتلت الغارات 63 شخصا على الأقل وأصابت 67 آخرين، بحسب مكتب المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان. الكثير من الخسائر البشرية كانت بحسب الزعم في صفوف محتجزين جنائيين وأمنيين بالمنشأة لم تُنسب إليهم اتهامات، بينهم طفلين على الأقل. كتبت وزارة الخارجية بصنعاء في 1 ديسمبر/كانون الأول ردا على رسالة من هيومن رايتس ووتش إنه كان بالمنشأة نحو 126 شخصا، بين سجناء وعاملين، وقت الهجوم. كتبت الوزارة أن 62 شخصا قُتلوا، منهم 30 سجينا. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من عدد القتلى والمصابين من السجناء، وكم منهم كانوا من مسؤولي إدارة الأمن.
أوضحت رسالة الخارجية أن إدارة الأمن بها جناحين، الأول فيه 84 مشتبها جنائيا والثاني هو قسم سابق للنساء فيه 22 رجلا متهمون "بالإرهاب" ويتعاونون مع التحالف أو متهمون بالعمل على تقويض أمن الدولة. أكد حارس ومحتجز سابق لـ هيومن رايتس ووتش إن مرافق الاحتجاز بالإدارة بها نحو 60 مشتبها به جنائيا ونحو 30 محتجزا يُزعم أنهم أوقفوا لجرائم أمنية. قابلت هيومن رايتس ووتش محتجزين سابقين كانوا في المبنيين.
قال 6 محتجزين سابقين إنهم أمضوا هناك بين عدة أشهر وعدة سنوات للاشتباه بهم في جرائم اعتيادية. لم يُتح لأغلبهم مقابلة محامين أو الحصول على مراجعة قضائية طيلة فترة احتجازهم. قالت الوزارة إن جميع المحتجزين على ذمة التحقيق وبعضهم نُسبت إليهم اتهامات بالفعل. قال "سعيد" – وهو محتجز سابق في الزيدية – لـ هيومن رايتس ووتش إنه احتُجز في جناح النساء السابق لأربعة أشهر على الأقل، بناء على اتهامات من الحوثيين بأنه في صفوف المعارضة المسلحة. قال:
لست جنديا ولم أكن يوما جنديا. أخذوني وعصبوا عينيّ ووضعوني هنا. استجوبوني عدة مرات وأنا معصوب العينين. لم يُسمح لأحد بزيارتي ولم يأخذوني للنيابة أو المحكمة قط.
قال مصدر من الزيدية على علم بأحوال إدارة الأمن إن الحوثيين استخدموا المنشأة كقاعدة للعمليات العسكرية بالمنطقة، وهو الزعم الذي أنكرته وزارة الخارجية في رسالتها إلى هيومن رايتس ووتش. لكن عناصر من اللجان الشعبية الحوثية – وصفتهم الوزارة بأنهم "يقومون بممارسة أعمال أمنية... في إطار مساعدة الجهات الأمنية في حفظ الأمن والاستقرار في ظل العدوان السعودي" – كانوا يشرفون على المحتجزين الأمنيين، كما ورد في الرسالة. من الجائز استهداف أعضاء اللجان الشعبية الذين يعتبرون مقاتلين بدوام كامل.
أصابت الغارات سقف مبنى الإدارة؛ إحدى الزنزانتين اللتين تحويان المشتبه بهم الذكور؛ وزنزانة النساء في المنشأة، التي تحوي المحتجزين الأمنيين.
قال "أحمد"– وكان محتجزا في الجناح الرئيسي بالمنشأة – إنه عندما وقعت الضربة الأولى:
جرينا إلى الباب وحاولنا الخروج، [كنا] نطلب الخروج... ثم سقط الصاروخ الثاني، ثم الثالث الذي أصاب جناحي. كان جميع السجناء لدى الباب عندما وقع الانفجار.
قال أحمد إنه فقد وعيه بعد الضربة الثالثة. أصيب بحروق بنسبة تزيد على 40 في المئة من جسده بسبب الغارة.
قال "عبد الله" وهو سجين آخر:
أصبت في ساقي... مع الضربة الأولى. حاولت الاحتماء [إذ رقدت] على الأرض بعد القنبلة الأولى. ضربت القنبلة الثالثة زنزانتي. بعد انتهاء الانفجار رأيت أن أغلب السجناء قد ماتوا. رأيت حفرة في الجدار فخرجت، ثم أصبحت في الشارع. أخذني شخصان على متن دراجة نارية [إلى المستشفى].
قال حارس بالمنشأة:
كنت قد ذهبت إلى البيت لأتناول العشاء. كنت على مسافة 200 متر من هنا... [عندما] سمعت الانفجار. هز الانفجار البيت. هرعت إلى الخارج لأرى ماذا حدث، ثم وقعت ضربات أخرى. خفتُ وهربت.
حَفر عمال السجن فتحة حتى يتمكنوا [السجناء] من المغادرة. لم أجد وقتا لأحضر المفتاح. أشعر بالعار بسبب ذلك. كنت خائفا وعلى مسافة بعيدة. بعض الناس [السجناء] هربوا من فتحة الجدار.
تفقدت هيومن رايتس ووتش المنشأة في 6 نوفمبر/تشرين الثاني. أضر الهجوم كثيرا بمنطقة استقبال السجن ودمّر إحدى الزنزانتين الكبيرتين اللتين كان بهما المحتجزون الرجال، وكذلك الردهة الرئيسية في مركز احتجاز الرجال.
فحصت هيومن رايتس ووتش وصورت مخلفات الذخائر المستخدمة في الهجمات، وتوصلت لأنها أجزاء من قنبلة أمريكية الصنع موجهة بالقمر الصناعي طراز جي دام.
بما أن قوات الحوثيين نشرت قوات عسكرية في منشأة احتجاز مدنية، فهي لم تتخذ جميع الاحتياطات المستطاعة لتقليص الخطر اللاحق بالمحتجزين.
في الوقت نفسه فإن الغارة الجوية للتحالف على منشأة الاحتجاز تبدو غير متناسبة بشكل غير قانوني بموجب قوانين الحرب، وربما تشكل جريمة حرب. يصبح الهجوم غير متناسب إذا كان ضرره المتوقع بالمدنيين أكبر من الميزة العسكرية المتوقعة منه. في هذه الواقعة كان المكسب العسكري من الهجوم على ما يبدو ضئيلا بالمقارنة بالخسارة الفادحة في أرواح المدنيين بمنشأة الاحتجاز.
حي سوق الهنود، 21 سبتمبر/أيلول 2016
الضحايا: مقتل 28 مدنيا على الأقل بينهم 8 أطفال، وإصابة 32 آخرين
الذخائر المُتعرف عليها: لم يتم العثور على مخلفات ذخائر في الموقع
حوالي الساعة 7:15 مساء 21 سبتمبر/أيلول هاجمت طائرة للتحالف القصر الرئاسي في الحديدة، وكانت السلطات المحلية ما زالت تستخدمه. بعد نحو الساعة، وقعت غارة جوية على بيت بحي سوق الهنود السكني المزدحم، على مسافة 500 مترا من القصر. قتل الهجوم 28 مدنيا على الأقل بينهم 8 أطفال وأصاب 32 آخرين، بحسب مكتب المفوض السامي الأممي لحقوق الإنسان. تأكدت هيومن رايتس ووتش من أسماء وأعمار 24 من القتلى، وبين هؤلاء 6 أطفال.
قال محمد أحمد عبد الجليل، وهو من السكان، إن ليلة القصف كان يقيم عزاء زوجته. تجمع 50 شخصا على الأقل في الشارع أمام بيته، حيث أعدت العائلة خيمة للمعزين، فيها قسم منفصل للنساء. وقعت الغارة على مسافة 30 مترا تقريبا من موقع العزاء. قال:
عندما وقعت الغارة ركض [الضيوف] في كافة الاتجاهات... كنت جالسا في عزاء الرجال. طرت في الهواء أنا و[حفيدتي]، عمرها 4 أعوام. رمانا الانفجار [من الشارع] إلى الجزء الخلفي من البيت. أصيبت في رأسها. ابني البالغ من العمر 23 عاما... أصيب بجرح في رقبته وفي رأسه، وخُلع فكه. كما أصيب [بشظايا] في ساقه.
قُتل زوج بنت عبد الجليل وحفيده.
محمد غريب (41 عاما) هو صاحب متجر يقع على مسافة 150 مترا تقريبا من موقع الهجوم. قال:
كنت في دكاني [عندما] سمعت انفجارا مدويا. تهشم كل الزجاج في الدكان وعبأ الغبار المكان... خرجت ورأيت الناس يركضون مبتعدين: الرجال والنساء والأطفال، وسقط بعضهم على الأرض وكان بعضهم مغطى بالغبار والبعض ملطخ بالدماء.
أصابت القنبلة بناية من 3 طوابق، في منتصفها. سقط كل الطوب وسقطت شرفة على خيمة العزاء [والمعزين]. تضرر 12 بيتا تقريبا.
لم يصف أي من الشهود وجود أهداف عسكرية في المنطقة بخلاف القصر الرئاسي ربما، الذي كان يُستخدم أحيانا في عقد اجتماعات لبعض كبار المسؤولين الحوثيين المشاركين في العمليات العسكرية. يقع القصر على مسافة 450 إلى 500 متر من الحي. ويقع بيت نائب المحافظ الموالي للحوثيين على مسافة 20 مترا، على حد قول أحد سكان الحي. كان مسلحون يحضرون في مركبات عسكرية لزيارة بيت نائب المحافظ، لكن الشاهد لا يعرف إن كانوا قد تواجدوا في بيته وقت الغارة.
تفقدت هيومن رايتس ووتش الموقع في 7 نوفمبر/تشرين الثاني. لم تجد أدلة على وجود هدف عسكري محتمل بالمنطقة بخلاف القصر الجمهوري.
ربما كان الهجوم على سوق الهنود مقصودا كجزء من استهداف القصر الرئاسي، لكنه على ما يبدو كان هجوما عشوائيا إذ لم يميز بين المدنيين والأهداف العسكرية. الهجمات العشوائية التي تُنفذ نتيجة الإهمال تعد جرائم حرب. لم يعلن التحالف إن كان سيحقق في الهجوم.