سياسة الإقامة الجديدة، التي أُعلن عنها الشهر الماضي، لإعفاء بعض اللاجئين السوريين من رسوم الإقامة الباهظة في لبنان هي خطوة إلى الأمام بالنسبة لكثير من الناس الباحثين عن وضع قانوني آمن هنا. لكن هذه السياسة ستترك العديد من الآخرين بدون حماية.
شددت لبنان سياستها بشأن الإقامة قبل عامين، واشترطت على السوريين دفع رسوم بقيمة 200 دولار أمريكي سنويا للحفاظ على وضع قانوني في البلاد. ومنذ ذلك الحين، يقدر أن أكثر من 60 بالمائة من اللاجئين فقدوا وضعهم القانوني، ما حدّ من قدرتهم على التنقل بحرية خوفا من الاعتقال، وصعّب عليهم كثيرا العثور على عمل، والحصول على رعاية صحية أو تعليم، وتسجيل الولادات والزيجات. غياب الوضع القانوني يساهم في انتشار الفقر، وخطر انعدام الجنسية بالنسبة لأطفال اللاجئين حديثي الولادة، والزواج المبكر، والحواجز التي تبقي 250 ألف طفل سوري خارج المدرسة.
بالنسبة لكثير من السوريين هنا، فإن الإعفاء من دفع الرسوم سيحدث تغييرا في حياتهم. لكن جزءا كبيرا من اللاجئين يبقى غير معني بهذا الاعفاء، ما يثير تساؤلات مقلقة بشأن جهود لبنان المتواصلة لنزع الشرعية عن مطالب السوريين بالحصول على وضع لاجئ. يُقصي الأمر ما يقدر بـ 500 ألف سوري غير مسجلين لدى "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، رغم أن الحكومة هي التي وجّهت المفوضية إلى عدم تسجيل السوريين كلاجئين في مايو/أيار 2015. كما يُستثنى من الاعفاء كلّ شخص استخدم كفيلا لبنانيا للحفاظ على الإقامة القانونية، رغم أن عناصر الأمن العام طالبوا دائما السوريين بإيجاد كفيل - في خرق للسياسات اللبنانية.
مكاتب الأمن العام اللبناني لها تاريخ في تطبيق التوجيهات الجديدة بطريقة غير متسقة. تحدثت "هيومن رايتس ووتش" عبر الهاتف مع عديد من مكاتب الأمن العام وتلقت معلومات متناقضة حول كيفية تنفيذ التوجيهات. أحد المكاتب مازال يطلب من اللاجئين التوقيع على تعهد بعدم العمل، رغم أن هذا الشرط أُلغي في الصيف الماضي. وفي الوقت نفسه، واصلت الأجهزة الأمنية اللبنانية شن مداهمات مكثفة لتجمعات اللاجئين، واعتقال من ليس لهم إقامة قانونية.
تبنّت السلطات اللبنانية منذ وقت طويل سياسة تقوّض مطالب السوريين في الحصول على وضع لاجئ، وحدّت من عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. يُسمّي لبنان الأشخاص الذين فروا إليه من سوريا بعد مارس/آذار 2011 "نازحين مؤقتا" بدلا من "لاجئين". وفي يناير/كانون الثاني 2015، بدأ الأمن العام في تطبيق لوائح جديدة بشأن دخول الحدود تسببت في إغلاق الحدود بشكل فعلي أمام كثير من السوريين الفارين من النزاع المسلح والاضطهاد.
يأتي إعلان تجديد الإقامة وسط تصريحات علنية مقلقة حول احتمال إعادة اللاجئين، بما فيها تقارير عن مفاوضات بين "حزب الله" وقوى المعارضة السورية لإعادة اللاجئين من لبنان إلى سوريا. دعا الرئيس اللبناني مؤخرا إلى إعادة اللاجئين إلى مناطق "آمنة" داخل سوريا. وفي فبراير/شباط، دعا وزير الخارجية اللبناني إلى اعتماد "سياسة لتشجيع السوريين على العودة إلى بلادهم".
الوضع داخل سوريا لا يسمح بإنشاء مناطق آمنة حقيقية. قال مفوض الأمم المتحدة السامي للاجئين، فيليبو غراندي، الشهر الماضي: "دعونا لا نضيع الوقت في التخطيط لمناطق آمنة لن تقام لأنها لن تكون آمنة بما فيه الكفاية للعودة". المناطق التي تظهر آمنة اليوم، قد تتعرض لهجوم غدا. واللاجئين الذين تحدثت معهم في الأشهر الأخيرة لا يشعرون بأن الظروف آمنة بما فيه الكفاية للعودة.
القانون الدولي واضح بهذا الشأن: أي إعادة قسرية أو بالإكراه للاجئين من لبنان ستكون غير قانونية، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا مسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أو لديهم وضع قانوني في لبنان. ولكن قد تتسبب هذه السياسة الجديدة في خلق طبقة ثانية من اللاجئين الذين يعيشون دون إقامة، والذين قد يكونوا من بين أول المرحّلين إن حصلت العودة القسرية في أي وقت.
رغم أن لبنان لم يوقع على "اتفاقية اللاجئين لعام 1951"، فهو ملزم بمبدأ عدم الإعادة القسرية الوارد في القانون الدولي العرفي، وعدم إعادة أي شخص إلى مكان يمكن أن يتعرّض فيه للاضطهاد أو التعذيب أو غيره من أشكال سوء المعاملة، أو تكون فيه حياته مهددة، بموجب قانون حقوق الإنسان. تحدث الإعادة القسرية ليس فقط عندما يتم طرد أو رفض طلب لجوء بشكل مباشر، وإنما أيضا عندما يكون الضغط غير المباشر قويا لدرجة أنه يدفع باللاجئين إلى الاعتقاد بأن ليس لهم أي خيار عملي سوى العودة إلى بلد يواجهون فيه هذه المخاطر. بموجب الممارسات الدولية الخاصة باللاجئين، تعتبر العودة إلى الوطن طوعية فقط إذا كان اللاجئ هو الذي يقرّر بكل حريّة العودة من عدمها، وأن يكون على علم تام بالأوضاع في بلاده.
على السلطات اللبنانية توسيع إلغاء الرسوم الجديد ليشمل جميع اللاجئين السوريين في لبنان، وضمان أن يكونوا قادرين على العيش في أمان إلى أن تسمح لهم الظروف بالعودة الآمنة والطوعية إلى سوريا. على المسؤولين اللبنانيين أيضا إعادة تأكيد التزامهم بعدم إعادة أي شخص قسرا إلى سوريا.
أخجل لبنان دولا أكثر ثراء وقوة باستقباله مليون ونصف لاجئ على الأقل - 25 بالمئة من سكانه - في وقت أغلق فيه آخرون أبوابهم. لذلك يستحق لبنان قدرا أكبر من الاحترام والدعم على المستوى الدولي. لكن السوريين المستبعدين من السياسة الجديدة لا يزالون يواجهون مأزقا قانونيا، ستكون له عواقب وخيمة. على لبنان تمديد الوضع القانوني لجميع اللاجئين السوريين في البلاد، وليس استبعاد أكثر الفئات هشاشة.