في الأردن، لا يعتبر الطفل الذي يولد لأم أردنية وأب غير أردني مواطنا بنظر الدولة. في خرق للقانون الدولي لحقوق الإنسان والدستور الأردني، لا يسمح القانون الأردني للأردنية بمنح جنسيتها إلى أبنائها على قدم المساواة مع الرجل.
ولد وعاش معظم هؤلاء الأبناء في الأردن، ولا يعرفون وطنا آخر. لكن الحكومة تعاملهم وكأنهم وافدين لا يملكون الحق الدائم بالإقامة والعمل في الدولة، وتقيد قدرتهم في التملك، والسفر من الأردن والعودة إليه، وتحمل كلفة التعليم الجامعي، والحصول على الرعاية الصحية الحكومية. غالبا ما تحد أشكال الإقصاء والتمييز المتعددة من فرصهم المستقبلية وتفرض على عائلاتهم أعباء اقتصادية واجتماعية.
- أدخلت الحكومة الأردنية إصلاحات في 2014 أعلن عنها بشكل واسع على أنها تمنح "حقوق مدنية" و"امتيازات" لأبناء الأردنيات. هل ما زال أبناء الأردنيات يواجهون قيودا بعد إدخال هذه الإصلاحات المعلن عنها على نطاق واسع؟
نعم، يواجهون قيودا كبيرة، فإصلاحات 2014، التي جاءت بناء على قرار لمجلس الوزراء، وعدت بتخفيف القيود على أبناء الأردنيات، لكن معظمهم ما زال يعاني لتجديد إقاماتهم والحصول على رخصة عمل، الرعاية الصحية الحكومية، والتعليم الحكومي، والتملك والاستثمار وحتى الحصول على رخصة قيادة. فإلى حد بعيد، ولأن قرار مجلس الوزراء لا يمكنه أن يحل محل القوانين والأنظمة القائمة، تستمر الهيئات الحكومية الأردنية في إخضاعهم لنفس القوانين والأنظمة الحاكمة لتقديم الخدمات لغير المواطنين.
نص قرار الحكومة على تفعيل بطاقة تعريفية خاصة وعدت بتسهيل الحصول على هذه الخدمات. لكن سرعان ما ظهرت عقبات مهمة للحصول على هذه البطاقة واستخدامها. لم يتمكن العديدون من تأمين لائحة المستندات المطلوبة والطويلة لتقديم طلب البطاقة التعريفية، أو تحمل كلفتها.
معاملة أبناء الأردنيات غير المواطنين
رفضت السلطات بعض الطلبات لأن قرار الحكومة يشترط أن تكون الأم الأردنية تقيم في الأردن بصفة قانونية لخمس سنوات متتالية عند تقديم الطلب. اعتبرت "اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة" هذا المطلب شكلا من أشكال التمييز ضد حقوق المواطنة وحرية التنقل للنساء الأردنيات. مع حلول فبراير/شباط 2018، كان 20 بالمئة فقط من أبناء الأردنيات قد سجلوا في "دائرة الأحوال المدنية" الأردنية وحصلوا على بطاقاتهم.
أفاد العديد ممن حصلوا على البطاقة التعريفية بعدم حدوث تحسن ملموس في ظروفهم. لا زال عليهم تجديد إقاماتهم سنويا، بإجراءات مرهقة. يستمر من يحتاج منهم إلى تصاريح العمل في مواجهة عقبات قانونية وتنظيمية كبيرة تحول دون حصولهم على العمل الذين هم مؤهلون له. رغم أن القرار الحكومي وعد بإصلاح قانون التملك والاستثمار ومتطلبات استصدار رخصة قيادة، لكن لم يحصل أي تغيير في هذه المجالات.
كان التحسن الوحيد الملحوظ فيما يتعلق بالحصول على الرعاية الصحية الحكومية وعند التسجيل في المدارس الحكومية. لكن من لم يتمكنوا من تحصيل البطاقات التعريفية أو تحقيق مطلب إقامة الأم في الأردن 5 سنوات أصبحوا غير مستحقين لهذه المزايا. أفاد بعضهم بتسديد رسوم أعلى في المستشفيات الحكومية رغم إبرازهم البطاقات التعريفية التي تثبت وضعهم.
- إلى ماذا تدعو "هيومن رايتس ووتش"؟
على الأردن احترام التزاماته الحقوقية ودستوره، من خلال تعديل قانون الجنسية، لتكون الأم على قدم المساواة بالأب في نقل الجنسية إلى أبنائها.
تكفل المادة 6 من الدستور الأردني المساواة لجميع الأردنيين أمام القانون، وتنص على أن "الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين". كما صادق الأردن على معاهدة الأمم المتحدة في 1992 التي تطلب أن تنهي الحكومة أي تمييز ضد المرأة.
إلى أن يُعدل قانون الجنسية ليتوافق مع الدستور والقانون الدولي لحقوق الإنسان، على مجلس النواب الأردني تعديل القوانين ذات الصلة لمنح أبناء الأردنيات غير المواطنين الإقامة الدائمة التلقائية، وإعفائهم من شرط الحصول على تصريح عمل، والسماح لهم بالعمل في المهن المغلقة، وتأمين بطاقة تعريفية صادرة عن الحكومة لجميع ابناء الاردنيات، وإعطائهم الحق بالحصول على الرعاية الصحية والتعليم والحصول على رخصة قيادة أسوة بالمواطنين الأردنيين.
- هل ينفرد الأردن في حرمان النساء من حق تمرير الجنسية لأبنائهن؟
لا، وفقا "للحملة العالمية للمساواة في الحقوق"، يحرم 27 بلدا النساء من المساواة في الحق بتمرير الجنسية إلى أبنائهن، يقع تقريبا نصف هذه البلدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بدلا من أن يكون الأردن نموذجا يُحتذى به إقليميا، إلا أنه متأخر في هذا المجال. منذ 2004، عدلت تونس، الجزائر، المغرب، مصر واليمن قوانينها سامحة للمرأة بتمرير الجنسية إلى أبنائها على قدم المساواة بالرجل. عدل العراق وموريتانيا قوانينهما للسماح للمرأة بتمرير جنسيتها إلى أبنائها المولودين داخل الدولة في حال كان الوالد أجنبيا.
اتخذت دول أخرى، مثل الأردن، تدابير جزئية لمنح أبناء المواطنات بعض المزايا والحقوق بينما تابعت حرمانهم من الجنسية. في 2011، أصدرت الإمارات العربية المتحدة مرسوما نص على إعطاء أبناء الإمارتيات الفرصة المتساوية بالحصول على التعليم والرعاية الصحية والعمل. في السعودية، أعطى مرسوم ملكي أصْدِر في 2013 هؤلاء الأبناء الحقوق نفسها التي يتمتع بها المواطنون فيما يتعلق بالتعليم والرعاية الصحية والعمل. تدرس قطر مشروع قانون يمنح أبناء القطريات من أباء أجانب الإقامة الدائمة، الأمر الذي سيؤمن لهم الرعاية الصحية الحكومية المجانية والتعليم. لكن هذه "التدابير الجزئية" لا تمحي نظاما تمييزا واضحا، كما تظهر حالة الأردن.
- رغم أن الأردن بلد صغير، لكنه استقبل ملايين اللاجئين. في حال أعطى الأردن أبناء الأردنيات الجنسية أو حتى حقوقا اقتصادية اجتماعية مهمة، ألن يرهق هذا الأمر الاقتصاد المحلي ويزعزع استقرار الدولة؟
يجدر الإشادة بمعاملة الأردن للاجئين، من ضمنهم أكثر من نصف مليون سوري أتوا مؤخرا. لكن هؤلاء الأفراد ليسوا لاجئين. معظمهم ولد وتربى وتعلم في الأردن. ووضعهم يشكل لهم معاناة للحصول على حقوق وخدمات أساسية. يجبر العديد منهم على العمل على هامش الاقتصاد – غالبا بطريقة غير قانونية، ويعيق بشدة قدرة من يملك المهارات المميزة ورأس المال والحاصل على التعليم العالي من المساهمة في الاقتصاد.
تشير الدراسات إلى أنه من غير المجدي تهميش الأشخاص المولودين من أباء أجانب. كشف تقرير في 2011 أصدره "مركز المعلومات والبحوث" في "مؤسسة الملك حسين"، شارك في إعداده الاقتصادي الأردني ووزير الدولة السابق للشؤون الاقتصادية يوسف منصور، إن منح أبناء الأردنيات والأزواج الأجانب حقوقا اقتصادية واجتماعية من شأنه أن يزيد الإيرادات الضريبية والاستهلاك.
كما أظهرت الدراسة أن منح هؤلاء الأبناء الإقامة الدائمة سيمكنهم من الاندماج عمليا واجتماعيا، رافعا من احتمال متابعة تعليمهم العالي، وبالتالي سيؤدي إلى تنمية رأس المال البشري ونمو محتمل للاقتصاد. في حال تمكن أبناء وبنات الأردنيات من المساهمة في مجتمعاتهم بشكل كامل، لن يكونوا عبئا، بل سيساعدون على رفع الاقتصاد الأردني.
- معظم الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين، تزوجن من فلسطينيين. ألن ينكر إعطاء أبنائهن الجنسية حقهم في العودة؟
"حق العودة" مكفول في القانون الدولي ويملك الفلسطينيون هذا الحق بغض النظر عن جنسيتهم ووضعهم القانوني في أماكن لجوئهم. لكن معظم من قابلتهم هيومن رايتس ووتش لم يذكروا هذا الموضوع. جميعهم ولدوا في الأردن والعديد منهم لم يزر فلسطين قط. رفضت "هلا"، 32 عاما المولدة لأب "غزاوي" وأم أردنية، المفهوم كليا: "سيعود أبي {إلى فلسطين}، قد يعود جدي، لكن أنا؟ أنا أردنية، مصيري متعلق بمصير الأردن".
- ألن يغير منح الجنسية لأبناء الأردنيات من شكل الأردن الديموغرافي وبالتالي يحوله إلى وطن بديل للفلسطينيين؟
غالبا ما يذكر السياسيون والمسؤولون الأردنيون هذه الصلة لتبرير قانون الجنسية الأردني التمييزي. لكن الملك عبد الله الثاني طمأن الأردنيين مرارا أن مفهوم "الوطن البديل" ليس مطروحا للنقاش. في اجتماع مع كبار المسؤولين في فبراير/شباط 2014، وصف الملك هذا المفهوم بالوهم "أقولها مرة أخرى وأؤكد أن الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين، ولا شيء غيّر ذلك لا في الماضي، ولا اليوم، ولا في المستقبل".
أكثر من 40% من الفلسطينيين الذين نزحوا من منازلهم أو طردتهم إسرائيل في 1948 و1967 استقروا في الأردن، جاعلين منه موطنا لأكبر تجمع للاجئين في الشتات الفلسطيني.
لكن الأردن يسمح للأردني، الذي قد يتزوج من 4 نساء، بتمرير جنسيته إلى زوجته وأبنائه بغض النظر عن مكان ولادتهم أو إقامتهم. وفقا "لدائرة الإحصاءات العامة" الأردنية، عدد الأردنيين المتزوجين من فلسطينيات يفوق بكثير عدد الأردنيات المتزوجات من فلسطينيين. هذا التبرير هو تمييز واضح ضد المرأة.
- ألا يملك الأردن السيادة لمنح الجنسية بالتوافق مع قوانينه الداخلية؟
بلا، لكن يُطلب من الأردن ممارسة نفوذه على حياة الأشخاص بالتوافق مع واجباته بموجب القانون الدولي، الذي يلزم الأردن بعدم التمييز ضد المرأة.
بينما لا تعرف القوانين الأردنية التمييز تعريفا واضحا، يعرف القانون الدولي التمييز ضد المرأة كـ "أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه، توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر." وفق هذا التعريف، يميز قانون الجنسية الأردني على أساس الجنس بشكل مباشر.
- لماذا تركز هيومن رايتس ووتش على الأردن بينما هناك دول أخرى في الشرق الأوسط تميز ضد المرأة في ما يتعلق بمنح الجنسية؟
انتقدت هيومن رايتس ووتش دولا أخرى لقوانين الجنسية التمييزية ووثقت نتائجها الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة في أنحاء المنطقة. مؤخرا، قالت هيومن رايتس ووتش إنه على قطر، التي يبدو أنها وافقت على مشروع قانون يمنح أبناء القطريات غير المواطنين الإقامة الدائمة، أن تسمح للنساء بإعطاء أبنائهن الجنسية على قدم المساواة بالرجال. كما انتقدت هيومن رايتس ووتش مشروع قانون لبناني تمييزي ومعيب للغاية يسمح للمرأة بمنح أبنائها الجنسية مستثنيا المرأة المتزوجة من رجل من دول الجوار.
بينما كان الأردن رائدا بين دول الشرق الأوسط بالانضمام إلى معاهدات حقوق الإنسان، وتطبيق إصلاحات حقوقية، إلا أنه متأخر عن عدد من الدول الأخرى في معاملته للمرأة وأبنائها غير المواطنين. سيؤدي الاستمرار في عدم اتخاذ إجراءات إلى نشوء جيل من أبناء الأردنيات وسط التمييز وعدم المساواة.