خلال مؤتمر أصدقاء سوريا للدول المانحة الأسبوع الماضي، تعهدت الدول بتقديم مساعدات إنسانية بقيمة 4.4 مليار دولار إلى سوريا والدول المجاورة المستضيفة للاجئين. بدوره خطا لبنان، الذي لديه أكبر عدد للاجئين بالنسبة إلى عدد السكان في العالم، خطوات هامة فيما يتعلق بحقوق اللاجئين، كمعالجة وضع الإقامة، التعليم، الحماية القانونية، وعدم الإعادة القسرية. يمكن لهذه الخطوات أن يكون لها تأثير حقيقي وإيجابي على حياة ما يقدر بـ 1.5 مليون سوري في البلاد... إذا أوفى لبنان بالتزاماته.
حماية اللاجئين
اعتاد لبنان تقديم تعهدات بتخفيف القيود الصارمة على إقامة السوريين، دون الإيفاء بها. في مؤتمر المانحين في لندن عام 2016، تعهد لبنان "بمراجعة الأطر التنظيمية الحالية المتعلقة بشروط الإقامة وتصاريح العمل". لكن بعد عامين، تشير التقديرات إلى افتقار 74 بالمئة من اللاجئين إلى إقامة قانونية ووجود 76 بالمئة في حالة فقر.
يؤثر الافتقار إلى الإقامة القانونية على معظم جوانب حياة اللاجئين، ويحد قدرتهم على الحركة بحرية وإعالة أسرهم دون الخوف من الاعتقال. كما يمنع حصولهم على التعليم والرعاية الصحية، ويساهم في عمالة الأطفال والزواج المبكر. خلّفت الخطوات السابقة بشأن هذه المسألة وهما بحدوث تقدم إنما دون معالجة صلب المشكلة.
عام 2017، أعفى لبنان بعض السوريين من رسم الإقامة السنوي المرهق البالغ 200 دولار. لكن استبعد القرار حوالي 500 ألف سوري غير مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وأي شخص اعتمد على كفيل لبناني للحصول على إقامة قانونية، فضلا عن قبول مكاتب المعالجة عددا محدودا من الطلبات، مما قلل من تأثير القرار. بالمثل، كان قرار شهر مارس/آذار بتسهيل الإقامة القانونية للسوريين بين 15 و18 عاما مفتاح ضمان بقاء الأطفال الأكبر سنا في المدرسة، لكنه استبعد أي شخص بلغ 19 عاما، وفرض قيودا غير ضرورية على أنواع وثائق الهوية المطلوبة.
في بروكسل الأسبوع الماضي، التزم لبنان بضمان "قدرة جميع اللاجئين المؤهلين على تجديد إقامتهم مجانا"، وتعهد بتوسيع الإعفاء من الرسوم ليشمل جميع اللاجئين، ومعالجة المزيد من الطلبات. على الحكومة متابعة هذا الالتزام، وإنهاء مقاربتها لهذه المسألة التي تخطو خطوة إلى الأمام ثم خطوة إلى الخلف.
التعليم
بعد مرور 7 سنوات وصرف مئات ملايين الدولارات لمعالجة هذه الأزمة، تشير التقديرات إلى وجود 330 ألف طفل لاجئ خارج المدرسة في لبنان. التزم لبنان والمجتمع الدولي في بروكسل بخطة "وصول جميع الأطفال إلى التعليم" (RACE 2)، لكن ترمي الخطة إلى تسجيل 250 ألف طفل فقط بحلول عام 2021 (منهم 5,000 فقط في المدارس الثانوية)، وهو أقل من نصف عدد الأطفال اللاجئين في سن الدراسة والمقدّر بنحو 630 ألف طفل. الالتزامات بمعالجة العوائق التي تحول دون التعليم والجودة والمراقبة واعدة، لكن يجب تنفيذها. كما أن المدارس اللبنانية تميز بشكل روتيني ضد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا يذكر ذلك تقرير المؤتمر، لكن على الحكومة معالجته.
العودة
في ظل تصدر قضية عودة اللاجئين واجهة المناقشات السياسية، من المهم أن يلتزم لبنان أيضا "بالعودة الآمنة والمحترمة والطوعية" للاجئين وفقا لمبدأ عدم الإعادة القسرية. خلال العام الماضي، دعا السياسيون اللبنانيون على نحو متزايد إلى عودة اللاجئين، متذرعين بأن العديد من المناطق في سوريا باتت آمنة. يتجاهل السياسيون الطبيعة المتقلبة للحرب، ويقين العديد من السوريين بأن الحكومة ستضطهدهم حتى بعد انتهاء المعارك. قبل أسبوعين، استدعت وزارة الخارجية اللبنانية الممثل القُطري للمفوضية بعد أن أصدرت الأخيرة بيانا محايدا، قالت فيه إنها لم تشارك في عودة 500 لاجئ إلى سوريا. ذكرت وسائل إعلام محلية أن الحكومة طالبت المفوضية بالامتناع عن الإدلاء ببيانات بشأن الإعادة، في تقويض لولاية الحماية التي تشكل صلب عمل المفوضية. وأمس، قال الرئيس ميشال عون إنه سيسعى إلى "حل" لمسألة اللاجئين دون الأمم المتحدة، بعد أيام فقط من دعوة الإمارات، السعودية، ومصر إلى تسهيل عودة اللاجئين.
الإخلاءات والانتهاكات على مستوى البلديات
الدعم المقدم من المانحين أمر مهم، لكن على لبنان بدوره أن يبرهن عن استعداده لحماية حقوق اللاجئين. وقفت الحكومة المركزية بجانب البلديات خلال ارتكاب الأخيرة مجموعة انتهاكات، مثل الإجراءات التمييزية المتمثلة بحظر التجول والإجلاء الجماعي بحق السوريين. منذ عام 2016، طردت 13 بلدية بالقوة أكثر من 3,600 سوري دون اتباع الإجراءات الواجبة وبلا أساس قانوني، وينتظر 42 ألف آخرون إخلاءات محتملة. الالتزام في بروكسل بـ "دعم وتأييد حكم القانون" بداية جيدة، لكن ينبغي للسلطات اللبنانية إظهار استعدادها لفرض حقوق اللاجئين على المستوى المحلي.
الفجوات الحالية
رغم بعض الخطوات الإيجابية في بروكسل، كانت التزامات التمويل أدنى من المتوقع بمقدار 1.6 مليار دولار، في سبب يرجع إلى حد كبير إلى عدم تعهد الولايات المتحدة بأي دعم. كما كانت أقل بقرابة 5 مليارات دولار من المبلغ الذي حددته الأمم المتحدة لتمويل الاستجابة الإنسانية. لم يعلن المجتمع الدولي أهدافا أعلى لإعادة توطين اللاجئين، مع مواصلة الدول الأكبر والأكثر ثراء التخلي عن مسؤوليتها في استقبال المزيد من اللاجئين. لم يبدِ لبنان من جانبه أي التزامات بدعم معيشة اللاجئين، رغم الحواجز التي تحول دون حصول السوريين على تصاريح العمل وعملهم بشكل غير رسمي، ما يصعّب عليهم دعم أسرهم. على المانحين زيادة التمويل وإعادة التوطين على مدار العام، لكن على لبنان حاليا البدء بالإيفاء بالتزاماته التي قطعها في بروكسل.