نُشر في USA Today
عندما أعلنت السعودية في سبتمبر/أيلول أنها أخيرا سترفع الحظر على قيادة النساء في 24 يونيو/حزيران 2018، ظننت أنني سأحتفل بإنجاز ناضلت ناشطات حقوق النساء السعوديات الشجاعات منذ ما يقرب من 3 عقود لتحقيقه. بدلا من ذلك، ومع اقتراب يوم الأحد، أشعر بالانزعاج الشديد لأن العديد من رافعات ورافعي لواء هذه الإصلاحات تم إسكاتهم أو سجنهم أو إجبارهم على الخروج إلى المنفى.
منذ 15 مايو/أيار، اعتقلت السلطات السعودية أكثر من 10 ناشطات سعوديات بارزات ومؤيديهن الذكور، وفرضت حظر سفر على آخرين. ومن بين المعتقلين بعض أوائل النساء اللواتي تحدَّين الحظر على القيادة في السعودية في عام 1990
.تم الإفراج عن البعض مؤقتا، لكن لا يزال تسعة ناشطات ونشطاء وراء القضبان، ويواجهون تهما خطيرة وأحكام سجن طويلة.
نُشرت صور أبرز الناشطات في مجال حقوق المرأة - عزيزة اليوسف، وإيمان النفجان، ولجين الهذلول - على تويتر والمواقع الإخبارية وعليها عبارة "خائنة". ووفقا لوسائل الإعلام المحلية، ستتم إحالة التسعة على المحكمة الجنائية المتخصصة - التي أنشئت للفصل في الجرائم المتعلقة بالإرهاب.
وإذا تمت إدانتهم، قد يُحكم عليهم بالسجن حتى20 سنة.
خوف من الناشطين
لم تتسامح السعودية قط مع المعارضة. فالسلطات تحظر الاحتجاجات والنقابات العمالية ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة. ومع ذلك، فإن النفاق المتمثل في اتخاذ إجراءات صارمة ضد نشطاء حقوق المرأة في حين تتلقى الإشادة على الإصلاحات التي طالبوا بها منذ فترة طويلة أمر ملفت. كما يكشف عن الخوف في قلب الدولة السعودية. فإذا أقرت السلطات بدور النساء اللواتي ناضلن من أجل رفع الحظر عن القيادة، سيعني ذلك الإقرار بأنه يمكن كسب الإصلاحات من خلال النضال، ومن ثم قد يطالب السعوديون بالمزيد.
هذا الشهر، ألقت السلطات السعودية القبض على امرأتين أخريين: نوف عبد العزيز، التي دعمت علنا النساء اللواتي اعتقلن في مايو/أيار، وصديقتها مياء الزهراني، بعد أن نشرت رسالة من نوف أعطتها إياها لتنشرها في حالة اعتقال نوف. وفي هذا السياق، قالت نوف: "أنا لست بمحرضة، ولا مخربة، ولا إرهابية، ولا مجرمة ولا خائنة... لم أكن سوى مواطنة صالحة أحب بلدي وأتمنى له الأفضل".
هناك تفسير واحد واضح لاعتقال السلطات السعودية هؤلاء النساء. في سبتمبر/أيلول، في وقت الإعلان عن رفع حظر القيادة، اتصلت السلطات بالناشطات السعوديات وأمرتهن عدم التحدث إلى وسائل الإعلام. ويبدو أن الهدف كان ضمان حصول ولي العهد، محمد بن سلمان، على الإشادة كلها.
وهكذا، بينما يتوافد الصحفيون الدوليون على السعودية ليشهدوا نهاية تاريخية لأحد أوضح أشكال التمييز الجندري في العالم، يبدو أن الحكومة تريد ضمان بقاء الأضواء مسلطة على ولي العهد – دون أن يظهر أثر للناشطات اللواتي حققن ذلك فعلا في أي مكان.
سعى بن سلمان (32 سنة) إلى تنويع الاقتصاد من خلال خطته "رؤية 2030"، والتي تشمل زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة وفتح البلاد أمام المستثمرين الأجانب. وقد أدى هذا إلى إصلاحات تدريجية: تقييد سلطة الشرطة الدينية وفتح دور السينما. واتخذ خطوات صغيرة في مجال حقوق المرأة. سيتم السماح للبنات قريبا بممارسة الرياضة في المدارس، ويمكن للنساء حضور المباريات الرياضية في الملاعب كمتفرجات، وسيعملن قريبا في مراقبة الحركة الجوية، ومراقبة الجوازات، وشرطة المرور – وهي وظائف كانت مغلقة أمامهم في السابق.
ومع ذلك، لا يزال نظام ولاية الذكور في البلاد، وهو أكبر عائق أمام حقوق المرأة السعودية، ساري المفعول. بموجب هذا النظام، يجب على النساء الحصول على إذن من ولي أمرهن – الأب أو الأخ أو الزوج أو حتى الأبن – للسفر إلى الخارج والحصول على جواز سفر والتسجيل في التعليم العالي والخضوع لإجهاض منقذ للحياة وإطلاق سراحهن من سجن أو مأوى، أو الزواج.
فلنتذكر البطلات الحقيقيات
في وقت سابق من هذا العام، ذهب ولي العهد في جولة حول العالم لتقديم نفسه كمصلح، ولمغازلة السياسيين والشركات والمشاهير. تم تصميم حملة العلاقات العامة الصاخبة لتحويل انتباه العالم عن القمع الذي يمارسه في الداخل. وبينما كانت السلطات السعودية تحتجز ناشطات حقوق المرأة، أنتجت صورا ومقاطع فيديو لمسؤولين يمنحون النساء رخص القيادة؛ ونشرت مجلة "فوغ أرابيا" تغطية زاهية لأميرة سعودية في مقعد السائق لسيارة فاخرة.
يريد ولي العهد السعودي الشيء وضده: أن تتم الإشادة به كمصلح على المستوى العالمي، وضمان وضعه كمصلح وحيد في الداخل. وقد نجحت هذه الإستراتيجية إلى حد ما، فكندا والنرويج وحدهما اللتان أعربتا عن قلقهما بشأن هذه الاعتقالات.
هنأ عدد لا يحصى من قادة العالم بن سلمان على رفع الحظر على القيادة، لكنهم لم يقولوا شيئا بعد عن القمع الجديد.
عندما تجلس النساء السعوديات خلف عجلة القيادة يوم الأحد، علينا أن نتذكر البطلات والأبطال الحقيقيين وراء هذا الإصلاح الذين يقبعون في السجن أو تم إسكاتهم. قد ينسبه ولي العهد لنفسه، ولكن على بقية العالم أن يعلمه بأنه لم ينخدع.
روثنا بيغم باحثة حقوق المرأة في الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش. اتبعوها على تويتر: @Rothna_Begum