(بيروت) - أفادت "هيومن رايتس ووتش" اليوم أن المحاكم الثورية في إيران حكمت على 208 على الأقل من أفراد أقلية الدراويش بالسجن وعقوبات أخرى في محاكمات منذ مايو/أيار 2018، منتهكة حقوقهم الأساسية. كانت السلطات قد احتجزت أكثر من 300 من أفراد هذه الجماعة في سجني فشافوية وقرتشك السيئي الصيت بعد تظاهرات أواخر شهر فبراير/شباط الماضي، التي شهدت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن في طهران.
أصدرت المحاكم أحكاما منها عقوبات بالسجن تتراوح بين 4 أشهر و 26 سنة، والجلد، والنفي الداخلي، وحظر السفر، وحظر العضوية في المنظمات الاجتماعية والسياسية. يُعتبر الجلد كعقوبة شكلا من أشكال التعذيب بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
قالت سارة ليا ويتسون، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "هذه المحاكمات الجائرة لأكثر من 200 من الدراويش هي إحدى أكبر الحملات القمعية ضد أقلية دينية في إيران منذ عقد من الزمن. استخدمت السلطات احتجاجات فبراير/شباط كذريعة لتخويف هذه الفئة الضعيفة، وإسكات شريحة من المجتمع الإيراني تطالب بحقوقها الأساسية من دولة أمنية قمعية".
خلال يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، تجمع العشرات من أفراد أقلية الدراويش مرارا في شارع غولستان هفتوم في حي باسداران شماليّ طهران لحماية مسكن زعيمهم الروحي نور علي تابنده، الذي كانوا يخشون أن تعتقله المخابرات. في 19 و20 فبراير/شباط، أفادت عدة تقارير إعلامية وتصريحات شهود بأن الاشتباكات بين قوات الأمن وبعض المتظاهرين خلفت إصابات خطيرة بين عشرات الدراويش وأدت إلى مقتل 4 من موظفي الأمن، منهم 3 دهستهم حافلة.
خلال محاكمات استمرت 15 دقيقة فقط، أهان القضاة المتهمين مرارا وتكرارا وركزوا أسئلتهم على دينهم بدل أي جريمة معترف بها، حسبما ذكرت مصادر مطلعة لهيومن رايتس ووتش. يقيّد القانون الإيراني حق المعتقلين المتهمين بجرائم أمن قومي في توكيل محام خلال فترة التحقيق. في يونيو/حزيران، نشر الجهاز القضائي قائمة تضم 20 محاميا يُسمح لهم بتمثيل المحتجزين بتهم جرائم الأمن القومي أثناء التحقيق في محافظة طهران. قالت مصادر مطلعة على القضايا المذكورة لهيومن رايتس ووتش إنه حتى بعد فترة التحقيق، رفض مكتب المدعي العام وقضاة محكمة الثورة إعطاء الدراويش حق التمثيل من قبل المحامين الذين اختاروهم.
قالت هيومن رايتس ووتش إن القضاء الإيراني يستخدم بشكل منتظم تهما أمنية غامضة التعريف لمقاضاة مَن يمارسون حرياتهم الأساسية في التعبير والتجمع السلمي.
أصدرت السلطات أكثر من 40 حكما غيابيا بعد أن امتنع الدراويش المتهمون عن الحضور أمام المحكمة احتجاجا على المحاكمات. لم تصبح الاتهامات والأدلة ضد المتهمين علنية بعد، لكن العديد من الأحكام التي نشرها أقارب المتهمين على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى أن القضاة استخدموا تهما فضفاضة متعلقة بالأمن القومي إلى حد كبير لمقاضاة هذا النشاط الذي كان سلميا عموما.
كان من بين المدانين محررون ومساهمون في موقع "مجذوبان نور"، الذي ينشر أخبار عن دراويش كنابادي. من بين التهم الموجهة إليهم "الدعاية ضد الدولة"، التي تنتهك حقهم في حرية التعبير.
في 15 أغسطس/آب، أفاد حساب مجذوبان نور على تويتر بأن محكمة الثورة حكمت على مصطفى عبدي، أحد محرري الموقع، بالسجن 26 سنة و3 أشهر، و148 جلدة، والنفي الداخلي لسنتين. كما منعته من السفر خارج إيران لمدة سنتين ومن العضوية في الأحزاب السياسية والأنشطة المرتبطة بوسائل الإعلام، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي.
في 18 أغسطس/آب، غرّدت فائزة عبدبور، زوجة محمدي شريفي، وهو طالب وناشط في مجال حقوق الطفل، على "تويتر" أن القاضي أبو القاسم صلواتي في الشعبة 15 من محكمة الثورة في طهران حكمت على شريفي بالسجن 12 سنة، و74 جلدة، والنفي الداخلي لسنتين، وحظر السفر لسنتين، وحظر العضوية في الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية والأنشطة المرتبطة بوسائط الإعلام، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي. منذ عام 2009، أصدر صلواتي مئات الأحكام ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين.
قالت عبدبور إن المحكمة أدانت شريفي لأنشطة لا يبدو أنها جرائم جنائية معترف بها، مثل "زيارة عائلة الناشط النقابي رضا شهابي في 28 سبتمبر/أيلول 2017، و"الدعوة إلى مظاهرة غير قانونية لدعمه أمام وزارة العمل في 26 ديسمبر/كانون الأول 2017"، و"دعم أقلية الدراويش وغيرها في خطاب عام أمام طلاب جامعة شريف التكنولوجية"، و"إنشاء قناة على تطبيق تلغرام للتواصل بعنوان "لا للقتل الحضري" دعما للدراويش، و"المشاركة في صياغة بيان مشترك للطلاب الناشطين".
في 29 يوليو/تموز، أفاد حساب مجذوبان نور على تويتر أن الشعبة 26 من محكمة الثورة في طهران حكمت على الناشط كسرى نوري بالسجن 7 سنوات و6 أشهر بتهم عديدة واهية، بما في ذلك "التجمع والتآمر ضد الأمن القومي"، والسجن 18 شهرا و74 جلدة بتهمة "الإخلال بالنظام العام" و18 شهرا بتهمة "التمرد على رجال أمن أثناء مزاولة مهامهم" و"الدعاية ضد الدولة". قالت المحكمة التي أجرت المحاكمة غيابيا إن نوري كان شخصية قيادية خلال احتجاجات فبراير/شباط، وإن "أنشطته غير القانونية" شملت "إعطاء وسائل الإعلام المعارضة معلومات حول الدراويش"، و"كتابة مقالات تدافع عن حقوق الإنسان ضد الدولة"، و"المشاركة في احتجاجات يناير/كانون الثاني".
كما حكمت محكمة الثورة على 6 نساء من الدراويش - نزيلة نوري، وعائشة جلال الدين، وسيما انتصاري، وشيما انتصاري، وسبيده مرادي، وشكوفه يداللهي، ومريم فارسيابي - بالسجن 5 سنوات، ويقبعن في سجن قرتشك.
في 18 يونيو/حزيران، أُعدم عضو جماعة الدراويش محمد ثلاث بتهمة قتل 3 من رجال الشرطة بقيادة حافلة عبر حشد من رجال الأمن خلال اشتباكات 19 و20 فبراير/شباط. أدين في 18 مارس/آذار بعد محاكمة أثارت مخاوف جدية بشأن نزاهتها ومزاعم بأن السلطات عذبته أثناء الاعتقال.
في 4 مارس/آذار، أبلغت قوات الشرطة أسرة محمد راجي، الذي اعتُقل أثناء الاحتجاجات، بأنه توفي في الحجز. قالت هيومن رايتس ووتش إن السلطات لم تُجرِ تحقيقا محايدا في ملابسات وفاة راجي أو في مزاعم الإفراط في استخدام القوة من قبل رجال الأمن خلال احتجاجات فبراير/شباط.
يعتبر دراويش نعمت الله كنابادي أنفسهم من أتباع الاثني عشرية الشيعية، الديانة الرسمية للدولة في إيران، لكن السلطات قد اضطهدتهم بسبب معتقداتهم الدينية في السنوات الأخيرة.
بموجب القانون الدولي، يحق للجميع المشاركة في التجمعات القانونية والسلمية، بناء على المبادئ المنصوص عليها في "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" و"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" الذي وقعت عليه إيران. تدعو "مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون" إلى لجوء قوات الأمن إلى وسائل لاعنفية قبل استخدام القوة. في حال لم يكن تفادي استخدام القوة المشروعة ممكنا، على مسؤولي أمن الدولة ضبط النفس والتصرف بحسب خطورة الجُرم والحدّ من الإصابات بقدر المستطاع.
يُحظر التعذيب والمعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة في جميع الأوقات، ولا يمكن تقديم الأدلة المستقاة عن طريق التعذيب أو أي شكل آخر من الإكراه كدليل في المحاكمة. كما يطالب العهد الدولي بالحق في محاكمة جنائية منصفة، بما في ذلك حق الإخطار على وجه السرعة بطبيعة الاتهام وسببه؛ والحصول على الوقت والتسهيلات الكافية لإعداد الدفاع؛ والتواصل مع محام من اختيار الشخص ليكون حاضرا في المحاكمة وليستجوب شهود الادعاء.
قالت ويتسن: "الحكم على أكثر من 200 من الدراويش في انتهاك لحقهم في محاكمة عادلة هو آخر تذكير للطريقة التي يضطهد بها جهاز الأمن القمعي للسلطات الإيرانية مواطنيه كل يوم".