(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الحكومة السورية تعاقب أسرا بأكملها مرتبطة بأشخاص مدرَجين تعسفا على لائحة إرهابيين مزعومين، عبر تجميد أموالها المنقولة وغير المنقولة. على الحكومة إنهاء العقاب الجماعي بحق الأسر، وتقديم أدلة على قيام الأشخاص المستهدفين بأعمال غير قانونية، والسماح لهم بالاعتراض على إدراجهم على اللائحة أو إلغاء تجميد أموالهم.
كانت هيومن رايتس ووتش قد وثّقت استخدام السلطات السورية لغة فضفاضة في قانون مكافحة الإرهاب لتجريم تقديم المساعدات الإنسانية، وتسجيل انتهاكات حقوق الإنسان، والاعتراض السلمي. يعطي المرسوم 63 السلطة لوزارة المالية لتجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة للأشخاص بانتظار التحقيق في جرائمهم كمشتبه في أنهم إرهابيون بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 2012، حتى عندما لا يُتهمون بأي جريمة. بالإضافة إلى العيوب الجوهرية في هذا القانون وعدم احترامه للإجراءات الواجبة، وكذلك القانون المنطبق على محكمة الإرهاب (القانون رقم 22)، أظهر بحث جديد لـ هيومن رايتس ووتش أن طريقة تنفيذ الوزارة أحكام القانون، بما في ذلك استهداف أسر الأشخاص المدرجين على اللائحة، تشكل عقابا جماعيا وتنتهك الحق في الملكية.
قالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: "اتساع مجال المرسوم 63 يُظهر شعور الحكومة السورية بالتهديد من مجرد العمل الإنساني والتعبير عن الاعتراض. على سوريا أن تتوقف عن استخدام قانون مكافحة الإرهاب بطرق تعسفية ترقى إلى العقاب الجماعي".
يتنافى المرسوم مع نية الحكومة المعلنة تشجيع السوريين الهاربين من الحرب الأهلية المستمرة منذ 8 سنوات على العودة إلى سوريا.
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 4 أشخاص طالهم هذا المرسوم، وقريب أحد الأشخاص، وموظف سابق في تسجيل أراضٍ. شملت هذه القضايا سكانا سابقين في الغوطة، وحلب، وريف دمشق، أي المناطق التي استعادتها القوات الحكومية من المجموعات المناهضة للحكومة بين 2014 و2019. كما راجعت هيومن رايتس ووتش وثائق منشورة على الإنترنت تضم جداول بأسماء مئات الأشخاص الذين جُمدت أموالهم المنقولة وغير المنقولة بموجب قانون مكافحة الإرهاب.
تتضمن الجداول تاريخ الميلاد، والسن، واسم الوالدة لكل واحد من مجموعة أشخاص من مناطق كانت خاضعة للقوات المناهضة للحكومة والذين صودرت أو جُمِّدت أصولهم. وتضم أيضا الأسرة المباشرة، بمن فيها الزوجات والأولاد، وفي العديد من الحالات الوالدين. أكد موظف تسجيل الأراضي صحة الوثائق، إلا أن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من التحقق من اللوائح بشكل مستقل. اللوائح مؤرَّخة بين 2016 و2018.
أفاد الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات بأنه لم يتم إشعارهم بورود أسمائهم في الجداول. وقالوا إنهم علِموا بتجميد أصولهم أو مصادرتها عند محاولتهم الوصول إليها، أو تسجيلها، أو إجراء معاملات تتعلق بممتلكاتهم، أو عندما رأوا أسماءهم على الجداول بعد نشرها في وسائل إعلامية تابعة لقوى المعارضة.
قال أحد الأشخاص: "لم يتم إعلامي بهذا القرار. قرأت اسمي في أحد الجداول التي نشرها موقع زمان الوصل [إحدى الوسائل الإعلامية]". قرأت اسمي واسم والدي. خسرنا منزلا، وسيارة، ومصنعا".
وتؤثر الجداول بشكل واسع على أقارب أسماؤهم غير مدرجة عليها. قال أحدهم إنه لم يتفاجأ بقراءة اسمه في الجدول، إنما أثّر التجميد على أقارب له موجودين في مناطق خاضعة للحكومة وكانوا يعتمدون على صيدلية تملكها الأسرة لتأمين معيشتهم. هو أيضا اكتشف ذلك عبر موقع زمان الوصل، مثل شقيقه الذي بقي في منطقة خاضعة للحكومة ولم يتمكن من الوصول إلى الملكية أو نقلها إلى نفسه.
قال الشخص الذي أُجريت معه المقابلة: "عندما ذهب [شقيقي] إلى الصيدلية وجدها مقفلة بالشمع والمفتاح بحوزة فرع الأمن الوطني [المحلي]. وعندما ذهب ليطلب المفتاح قالوا له إنني خائن وإرهابي. فأجاب أنه ليس على تواصل معي وأن هذا مصدر رزق مهم للأسرة. فضربوه وطردوه".
قال جميع الذين أجريت معهم مقابلات، باستثناء شخص واحد، إنهم كانوا عمال إغاثة أو شاركوا في مظاهرات لكنهم لم يحملوا السلاح قط. قال أحد أقرباء امرأة جُمدَت ممتلكاتها إنها لم تكن ناشطة سياسيا. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد هذه المزاعم بشكل مستقل.
باستثناء الشخص الوحيد الذي قال إن شقيقه لجأ إلى الأجهزة الأمنية لمحاولة استعادة الممتلكات، قال الجميع إنهم لم يتصلوا بالسلطات. كانوا إما خائفين من تعريض أفراد من أسرتهم للخطر أو لم يعرفوا بمن يتصلون لحل مشكلة المصادرة.
بمعاقبة الأشخاص على أساس علاقتهم الأسرية مع المتهم، وليس على أساس المسؤولية الجنائية الفردية، يشكل تطبيق وزارة المالية المرسوم 63 عقابا جماعيا، وهو ما يحظره قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدوليّين. ينطبق حظر العقاب الجماعي على العقوبات الجنائية بحق أشخاص لأفعال لا يتحملون عنها مسؤولية جنائية فردية، ويمتد أيضا إلى "كافة أنواع العقوبات والمضايقات، و... الإدارية منها، أكانت من خلال عمل الشرطة أو غير ذلك".
وينتهك المرسوم أيضا ضمانات الإجراءات الواجبة، حيث أن القانون لا يسمح بالاستئناف ولا يتم إشعار الأشخاص بإدراج أسمائهم على اللائحة. وينتهك المرسوم الحق في الملكية، المحمي بموجب المادة 15 من الدستور السوري والقانون الدولي، عبر السماح للحكومة بمصادرة ممتلكات الأفراد دون اتباع الإجراءات الواجبة وبدون أي إشعار.
يعرّف قانون مكافحة الإرهاب السوري الإرهاب بأنه "كل فعل يهدف إلى إيجاد حالة من الذعر بين الناس أو الإخلال بالأمن العام أو الإضرار بالبنى التحتية أو الأساسية للدولة ويرتكب باستخدام الأسلحة أو الذخائر أو المتفجرات أو المواد الملتهبة أو المنتجات السامة أو المحرقة أو العوامل الوبائية أو الجرثومية مهما كان نوع هذه الوسائل أو باستخدام أي أداة تؤدي الغرض ذاته". وثّقت هيومن رايتس ووتش أن عبارة "مهما كان نوع هذه الوسائل" تسمح للحكومة باعتبار أي عمل عملا إرهابيا، وبحبس الأشخاص الذين يؤمنون المساعدات الإٍنسانية أو يشاركون في مظاهرات سلمية.
لا يوضح القانون نفسه الإجراءات المنطبقة على محاكمات الإرهاب، لكن القانون 22 لعام 2012، الذي أنشأ محكمة الإرهاب والتي يمكنها النظر في الجرائم المندرجة تحت قانون مكافحة الإرهاب، لا يشمل مراجع تتعلق بالإجراءات الواجبة. هذه القلة من المعايير الإجرائية تؤكد عددا من المخاوف المتعلقة بالمحاكمات العادلة، منها عدم كفاية الرقابة والإجراءات الاستئنافية.
على الحكومة السورية أن تقدم أسبابا محددة لإدراج الأشخاص على لائحتها للإرهابيين المزعومين، وإلا فعليها إزالة أسمائهم من اللائحة وإلغاء تجميد أصولهم. كما عليها السماح للأشخاص المتأثرين بالاعتراض على إدراج أسمائهم. ينبغي للحكومة تعديل قانون مكافحة الإرهاب، والقوانين والمراسيم المنبثقة عنه، وإزالة جميع تعريفات الإرهاب الفضفاضة، وتضمين ضمانات للإجراءات الواجبة والمحاكمات العادلة، بما فيها محاكمات مفتوحة، والحق بالاستعانة بوكيل قانوني، والحق الكامل في الاستئناف.
قالت فقيه: "أسوة بأدوات قانونية أخرى، تستخدم سوريا المرسوم 63 للسماح بممارسات ظالمة وتعسفية تحرم الناس حتى من سبل عيشهم. لن تكون سوريا آمنة أو مستقرة طالما أن قوانينها وممارساتها تنتهك حقوق الناس".