(أربيل) - قالت "هيومن رايتس ووتش" إن قوات الأمن العراقية أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع على الحشود، فقتلت ثمانية متظاهرين على الأقل خلال المظاهرات في بغداد في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2019. وعلى الرغم من أن القوات في بغداد امتنعت عن استخدام الذخيرة الحية، إلا أن محاولة المتظاهرين إحراق مقرات "قوات الحشد الشعبي" في مظاهرات المدن الجنوبية دفعت قوات داخل هذه المباني إلى فتح النار وقتل المتظاهرين. وفي البصرة، دهست سيارة للشرطة حشدا من المتظاهرين ما أدى إلى إصابة بعضهم.
قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "حتى في مواجهة الهجمات العنيفة من قبل المتظاهرين، قوات الأمن ملزمة بأن يقتصر ردها بشكل محدد جدا على ما هو متناسب مع الفعل وضروري لحفظ الأمن. ما رأيناه حتى الآن مرارا وتكرارا هو استخدام قوات الأمن القوة غير الضرورية، حتى بوجه المتظاهرين السلميين".
بدأت الاحتجاجات في بغداد والمحافظات ذات الأغلبية الشيعية في جنوب العراق في 1 أكتوبر/تشرين الأول، حين طالب المتظاهرون بتحسين الخدمات وبالمزيد من الإجراءات للحد من الفساد. بين 1 و9 أكتوبر/تشرين الأول، وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام قوات الأمن للقوة القاتلة المفرطة في مواجهة المتظاهرين الذين كانوا يقذفون الحجارة، ما أسفر عن مقتل 149 شخصا وجرح 5,449 آخرين. كما أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين ورشّتهم بالماء المغلي لتفريقهم.
بعد تزايد الغضب الشعبي من ارتفاع عدد القتلى، وافق رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في 22 أكتوبر/تشرين الأول على توصيات بالتحقيق في الوفيات، تضمنت فصل كبار مسؤولي الأمن والتحقيق مع مسؤولين كبار. وتوصل التحقيق إلى أن 70 % من القتلى ماتوا جراء أعيرة نارية في الرأس أو الصدر. قال التحقيق أنه يتعين على السلطات أيضا إحالة القادة المتورطين في الانتهاكات إلى القضاء.
أكد متحدث باسم وزارة الداخلية للعراقيين في 24 أكتوبر/تشرين الأول أن العنف الشديد لن يتكرر، مؤكدا أن مسؤولية قوات الأمن هي تأمين المظاهرات، والحفاظ على السلم الأهلي، وحماية مصالح المواطنين، وضمان استمرار الحركة في بغداد والمدن. أضاف أن الجميع يحرص على السلام والاستقرار، والتغلب على الأخطاء التي حدثت في المظاهرات السابقة، داعيا المواطنين إلى العودة لممارسة حياتهم الطبيعية.
في 25 أكتوبر/تشرين الأول، استؤنفت الاحتجاجات في بغداد والمحافظات الجنوبية وهي مستمرة حتى الآن. ووفقا للمفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان في العراق، فقد قُتل 30 محتجا وأصيب 2,312 شخصا في ذلك اليوم، لكن عدد القتلى ارتفع إلى 63 على الأقل بحلول 26 أكتوبر/ تشرين الأول. وقالت المفوضية إن المحتجين أحرقوا وألحقوا أضرارا بما لا يقل عن 50 مبنى حكوميا ومقرا للأحزاب السياسية في مختلف مدن الجنوب. وقال أيضا إن صحفيَّيْن أصيبا. وفقا لمؤسسة "ناس" الإعلامية، أمرت لجنة الاتصالات والإعلام بحجب محطة التلفزيون المحلية "دجلة" عن البث للمرة الثانية هذا الشهر بسبب تغطيتها الاحتجاجات.
قالت ويتسن: "التأكيدات المضللة من قبل الحكومة بأن الحشود لن تواجه مرة أخرى العنف والترهيب ربما شجع البعض على الاعتقاد بأنهم سيكونون في مأمن إذا أرادوا التظاهر بسلمية".
قال صحفي دولي كان حاضرا في مظاهرة بغداد يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول إنه لم يرَ المتظاهرين يلجؤون إلى العنف. وقال إنه رأى قوات أمن بالزي الأسود وقيل إنهم من شرطة مكافحة الشغب أو قوات الأمن التي تحمي الطريق إلى المنطقة الدولية ببغداد (أو المنطقة الخضراء)، وهي تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع باستمرار من الساعة 10 صباحا حتى مغادرته الساعة 4:30 بعد الظهر. وقال إن القوات أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع أحيانا على المتظاهرين مباشرة، في محاولة منعهم اختراق المنطقة. وأضاف إنه شاهد في مناسبات عدة قوات الأمن وهي تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع مع نقص واضح في التدريب على ما يبدو – لدرجة أن القنابل سقطت بعيدا عن المحتجين المستهدفين. نشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي حوالي الساعة 1 بعد الظهر أظهرت رجلا أصيب فيما يبدو في رأسه بقنبلة غاز مسيل للدموع فقتل.
قال أحد المتظاهرين في بغداد لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان على بعد متر واحد من المحتج الذي قُتل في الفيديو وإنه رأى القوات تطلق القنابل على جموع الناس. وأضاف: "كنا نحتج فقط، لم نلقِ أي شيء على شرطة مكافحة الشغب".
قالت مفوضية حقوق الإنسان في 26 أكتوبر/تشرين الأول إنه في 25 أكتوبر/تشرين الأول في بغداد، قتلت قنابل الغاز المسيل على ثمانية متظاهرين بعدما اصطدمت بهم.
تطابقت أقوال المتظاهر والصحفي، إذ أكدا أنه وعلى النقيض من احتجاجات أوائل أكتوبر/تشرين الأول، لم تطلق قوات الأمن في بغداد الرصاص الحي على الحشود في 25 أكتوبر/تشرين الأول، ولكنها أطلقت الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية. وأبلغت وسائل الإعلام عن خمس إصابات في الرأس نتيجة قنابل الغاز المسيل للدموع في تظاهرات بغداد يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول.
بموجب المعايير الحقوقية الدولية، يمكن لقوى الأمن استخدام القوة فقط في حالات الضرورة القصوى ولتحقيق هدف مشروع في فرض الأمن. ينبغي لقوات الأمن استخدام الغاز المسيل للدموع عند الضرورة فقط لتفادي الأذى الجسدي، وعند الإمكان عليها إعطاء إنذار مسبق. خلال المظاهرات العنيفة، ينبغي استخدامه بشكل يتناسب مع خطورة الاعتداء، ولتطبيق هدف إنفاذ القانون، ويجب استعماله مع وسائل أخرى غير قاتلة. لا يُسمح باستخدام القوة القاتلة عمدا إلا عند ضرورة حماية الحياة.
راجعت هيومن رايتس ووتش مقطع فيديو نشر على "واتساب"، يُزعم إنه لمظاهرة في السماوة، على بعد 240 كيلومتر من بغداد، يظهر فيه المتظاهرون وهم يرمون الحجارة باتجاه القوى الأمنية ويُسمع صوت إطلاق النار. فيديو آخر، يُزعم أنه من البصرة، يظهر سيارة شرطة تسير بسرعة عالية وتصطدم بمجموعة من المتظاهرين الذين هاجموها عند توقفها. قال متظاهر كان موجودا في البصرة في 25 أكتوبر/تشرين الأول إنه رأى سيارة شرطة مكافحة الشغب تسير بسرعة عالية في حشد من المتظاهرين، داهسة 10 على الأقل، من بينهم صبي عمره حوالي 14 عاما كان يجلس على مكعب اسمنتي في الطريق. قال لـ هيومن رايتس ووتش: "رأيت السيارة تقطع رجله. سمعت لاحقا أنه توفي".
أخبر مراقب حقوقي تابع لمنظمة محلية هيومن رايتس ووتش أنه حضر مظاهرة في العمارة، على بعد 300 كيلومتر جنوب شرق بغداد، حيث حاول المتظاهرون عند حوالي الساعة 3:30 بعد الظهر إضرام النار في مقر "عصائب أهل الحق" التابعة لـ الحشد الشعبي. قال إن ستة رجال بثياب مدنية ظهروا على سطح المبنى مسلحين برشاشات "كلاشينكوف"، وقنابل يدوية، وبندقيات صيد، وفتحوا النار على المتظاهرين الذين كانوا يحاولون الاقتراب. "الساعة 4 بعد الظهر، رأيتهم يصيبون رجلا في رأسه أمام المقر. كان مع مجموعة من حوالي 20 متظاهرا يحاولون دخول المبنى". قال إنه رأى 10 متظاهرين مصابين بطلق ناري ومجروحين أمام المقر، وإنه غادر المكان حوالي الساعة 6 بعد سماعه شائعات عن وصول المزيد من القوات المسلحة.
في الناصرية، قال أحد المتظاهرين إنه كان برفقة مجموعة من حوالي ألف شخص يتجهون نحو مقر عصائب أهل الحق. وبينما كانوا يقتربون لحرق المقر، أطلقت قوات من داخل المبنى النار عليهم. قال إنهم ركضوا للاختباء في الجوار، قرب مستشفى، وبدا أن الطلقات تأتيهم من هناك أيضا. أخبره متظاهرون أنهم رأوا قناصا على سطح المشفى.
قال لـ هيومن رايتس ووتش: "حين نهضنا، رأينا علامات الرصاص على الحائط فوق رؤوسنا. كما رأيت سائق سيارة أجرة كان في موقف السيارات يوصل شخصا إلى المستشفى وهو يُصاب برأسه بطلق ناري، ورأيت لاحقا طبيبا في المستشفى كان قد أصيب وقتل". قال أيضا إنه رأى رجالا في آلية تابعة لعصائب أهل الحق تطلق النار على سيارة شرطة.
يحمي دستور العراق الحق في حرية التجمع والتظاهر السلمي. الحكومة العراقية مُلزمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بحماية الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، وينبغي لقواتها الأمنية الالتزام بصرامة بالمبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون الصادرة عن الأمم المتحدة، وتطبيق وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام العنف. ينبغي للسلطات ضمان تدريب قوى إنفاذ القانون بشكل مناسب على استخدام الغاز المسيل للدموع، واستعماله بالتوافق مع مبادئ الأمم المتحدة الأساسية.
ينبغي لشركاء العراق الدوليين إدانة الاستخدام المفرط للقوة، وإنهاء المساعدات المخصصة للوحدات المتورطة في الانتهاكات الخطيرة، والتفسير العلني لأسس تعليق أو إنهاء المساعدات العسكرية.
قالت ويتسن: "ليس مقبولا أن تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع على الحشود مباشرة، بدلا من إطلاقها فوقهم. ينبغي ألا يموت أحد جراء قنابل الغاز المسيل للدموع".