(نيويورك) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن شروط سريلانكا التي تقضي بحرق جثة أي شخص يموت بسبب فيروس "كورونا" تتعارض مع إرشادات الصحة العامة وتميز ضد الجالية المسلمة. حجة الحكومة الواهية بأن الدفن وفقا للتقاليد الإسلامية يشكل خطرا على الصحة العامة هي وصم واضطهاد لأقلية ضعيفة أصلا وتتسبب بمعاناة كبيرة لها.
زعمت حكومة الرئيس السريلانكي غوتابايا راجَبكسا أن دفن الأشخاص الذين ماتوا بسبب فيروس كورونا قد "يلوث المياه الجوفية". لم تغير سريلانكا سياستها، التي وضعتها أول مرة في تعليمات 31 مارس/آذار 2020، رغم إرشادات "منظمة الصحة العالمية" بأن الدفن آمن، ورغم المعارضة المتزايدة من خبراء الأمم المتحدة، والمهنيين الطبيين في سريلانكا، والزعماء الدينيين من جميع الأديان الرئيسية في البلاد. من بين من حُرقت جثثهم ضد رغبات أسرهم رضيع عمره 20 يوما وامرأة اعترفت السلطات لاحقا بأنها لم تكن مصابة بفيروس بكورونا.
قال ميناكشي غانغولي، مديرة جنوب آسيا في هيومن رايتس ووتش: "بالنسبة للعائلات المفجوعة أصلا بفقدان أحد أحبتها، تخلص سلطات راجابكسا من الرفات بشكل قسري بطريقة تتعارض مع معتقدات هذه الأُسر هو اعتداء شائن ومهين على الحقوق الدينية والكرامة الأساسية. لن تؤدي هذه السياسة إلا إلى تغذية التعصب والانقسام الاجتماعي".
في الأسابيع الأخيرة، أثارت هذه السياسة احتجاجات في جميع أنحاء البلاد. أزالت السلطات شرائط من القماش الأبيض ربطها النشطاء بسياج محرقة بوريلا في كولومبو احتجاجا على حرق جثة الطفل قسرا.
قررت عديد من العائلات المسلمة ترك جثث أحبائها الذين ماتوا بسبب مضاعفات فيروس كورونا في غرف المشرحة بالمستشفيات بدلا من السماح بحرقها. يقول آخرون إنهم أُجبروا على السماح بحرق الجثة، أو أنه حدث دون علمهم.
قال محمد فهيم والد الطفل شيخ لصحفيين: "سأل أصدقائي وعائلتي السلطات كيف يمكنها حرق الجثة إن لم يوقع أي من الوالدين على أي وثيقة تمنح الموافقة. وكأنهم هرعوا لحرق طفلنا. عندما طرحنا أسئلة، لم يكن لديهم أي إجابة مناسبة".
حذرت مجموعات المجتمع المدني السريلانكي في بيان مشترك بعد فرض الحظر أنه كان هناك بالفعل "انتشار خطاب مسيء يحض على الكراهية ضد المسلمين"، وأنه "من المهم ضمان أن القرارات المتعلقة بمسائل الصحة العامة لن ينتج عنها اضطهاد أو تهميش للمسلمين".
لم تفعل الحكومة شيئا يذكر لمكافحة التحريض ضد المسلمين، مثل الشائعات الكاذبة بأن المجتمع المسلم تعمد نشر فيروس كورونا، والتي غالبا ما يشاركها مؤيدو الحكومة وفي وسائل الإعلام الموالية لها. اعتُقل رمزي رزيق، وهو مستخدم مسلم لمواقع التواصل الاجتماعي، واحتجز خمسة أشهر بعد معارضته حظر الدفن والدعوة على "فيسبوك" إلى التسامح الديني.
نمت المعارضة لهذه السياسة في الأسابيع الأخيرة. قالت "الجمعية الطبية السريلانكية" في 1 يناير/كانون الثاني 2021 إن فيروس كورونا لا يمكن أن ينتقل عن طريق الجثث. قال "مجمع الأطباء المجتمعيين في سريلانكا" في 31 ديسمبر/كانون الأول إنه لا يوجد "دليل قوي" يدعم تعليمات الحرق. كتب زعماء دينيون مسيحيون، وهندوس، وبوذيون في رسالة مشتركة في 26 ديسمبر/كانون الأول أن الحقوق الدينية محمية بموجب الدستور السريلانكي. أوصت لجنة خبراء بوزارة الصحة في 29 ديسمبر/كانون الأول بأن التعامل مع الجثث يمكن أن يشمل دفن الجثث وكذلك حرقها.
في أبريل/نيسان، كتب أربعة مقررين خاصين للأمم المتحدة إلى الحكومة قائلين إن القانون ينتهك الحق في حرية الدين، وإن على الحكومة مكافحة محاولات التحريض على الكراهية الدينية والعنف.
في نوفمبر/تشرين الثاني، أدانت "منظمة التعاون الإسلامي" هذه السياسة باعتبارها انتهاكا للحقوق الدينية التي يكفلها القانون الدولي.
قُدّمت عديد من الالتماسات المتعلقة بالحقوق الأساسية ضد التعليمات في "المحكمة العليا"، التي رفضت القضايا في 1 ديسمبر/كانون الأول دون تفسير. قُوِّضت استقلالية المحكمة من خلال اعتماد البرلمان، في أكتوبر/تشرين الأول، التعديل الـ 20 للدستور الذي يمنح الرئيس السيطرة على التعيينات في المحكمة العليا.
قال الرئيس راجابكسا، الذي استقطبت حملته الانتخابية عام 2019 الأغلبية البوذية السنهالية في سريلانكا، في خطابه في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إن هناك "مخاوف مشروعة من أن العرق السنهالي، وديننا، ومواردنا الوطنية وتراثنا ستتعرض للتدمير في مواجهة مختلف السكان المحليين والقوى والأيديولوجيات الأجنبية التي تدعم الانفصال، والتطرف، والإرهاب".
في ديسمبر/كانون الأول، كتب وزير خارجية جزر المالديف عبد الله شاهد على "تويتر" أن الرئيس راجابكسا طلب من المالديف السماح بدفن مسلمي سريلانكا لديها، وهي دولة ذات أغلبية مسلمة. قال أحمد شهيد، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد، إن الاقتراح "قد يؤدي إلى تمكين مزيد من تهميش الجاليات المسلمة في سريلانكا".
قال علي ظاهر مولانا، وهو مسلم سريلانكي وعضو سابق في البرلمان: "نريد أن نُدفن في أرضنا".
تبنت حكومة غوتابايا راجابكسا سياسات وممارسات عديدة لها تأثير تمييزي على الأقليات المسلمة والتاميل في سريلانكا على وجه الخصوص. خلال الحرب الأهلية في سريلانكا التي استمرت 26 عاما وانتهت عام 2009، تورط راجابكسا، بصفته وزيرا للدفاع في عهد شقيقه ماهيندا راجابكسا، بجرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان ضد المدنيين التاميل. بعد أن أصبح غوتابايا راجابكسا رئيسا، تخلى عن التزامات سريلانكا السابقة بالعدالة والمساءلة أمام "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة".
حذرت ميشيل باشليه، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، من أن "استمرار الإفلات من العقاب يهدد بتأجيج العنف الطائفي أو العرقي، وعدم الاستقرار". سينظر مجلس حقوق الإنسان، في بداية دورته في فبراير/شباط، في قرار لدعم القانون الدولي في سريلانكا والسعي إلى حماية الأقليات الضعيفة من مزيد من الانتهاكات.
قالت غانغولي: "حرمان مسلمي سريلانكا من حق دفن موتاهم يسبب أسىً شديدا ويؤجج الكراهية الطائفية، وليس له أي أساس علمي. على الحكومات الأجنبية إدراك الانحدار الخطير في سريلانكا والتصرف قبل أن يتدهور الوضع أكثر."