سارة حجازي، ناشطة نسوية كويرية مصرية، رفعت علم قوس قزح في حفل موسيقي في القاهرة. احتجت رانيا العمدوني، وهي ناشطة كويرية تونسية، على تدهور الأوضاع الاقتصادية ووحشية الشرطة في تونس. أعلن محمد البُكاري، مدوّن يمني في السعودية، أنه يؤيد المساواة في الحقوق للجميع، بما في ذلك "المثليين/ات، ومزدوجي/ات التفضيل الجنسي، ومتغيّري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم)".
ما تشترك به هذه الحالات هو أنه تم تحديد الأشخاص الثلاثة من منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، مما سمح لحكوماتهم بمراقبة نشاطهم على الإنترنت واستهدافهم على أرض الواقع. ما حدث بعد ذلك دمّر حياتهم.
في الصورة الشهيرة الآن لسارة حجازي، تظهر محمولة على أكتاف أحد الأصدقاء، وهي تبتسم بابتهاج وتلوّح بعلم قوس قزح في حفل عام 2017 في القاهرة لفرقة "مشروع ليلى"، وهي فرقة لبنانية شعبية ومغنيها الرئيسي مثلي الجنس بشكل علني. نُشِرت الصورة على "فيسبوك" وتمت مشاركتها مرات لا تحصى، وحصدت آلاف التعليقات البغيضة والرسائل المضادة الداعمة في ما أصبح نقاشا رقميا محموما.
بعد أيام، شنت الحكومة المصرية حملة قمع، واعتقلت الشرطة حجازي بتهمة "الانضمام إلى جماعة محظورة تهدف إلى تغيير الدستور"، ومعها أحمد علاء، الذي رفع العلم أيضا، إضافة إلى عشرات من الحاضرين الآخرين. فيما أصبح حملة اعتقالات ضخمة ضد مئات الأشخاص الذين يُنظر إليهم/ن على أنهم/ن مثليين/ات أو متغيري/ات النوع الاجتماعي، أنشأت السلطات المصرية ملفات شخصية مزيفة على تطبيقات المواعدة المثلية لإيقاع الأفراد من مجتمع الميم، وراجعت لقطات فيديو على الإنترنت للحفل الموسيقي، ثم شرعت في القبض على الأشخاص في الشارع بناء على مظهرهم.
تحدثت حجازي عن اضطراب ما بعد الصدمة بعد الإفراج عنها بكفالة. كانت قد سُجنت لمدة ثلاثة أشهر احتياطيا، عذبتها الشرطة خلالها بالصدمات الكهربائية والحبس الانفرادي. كما حرضوا محتجزين آخرين على الاعتداء عليها جنسيا ولفظيا. خوفا من إعادة اعتقالها والحكم عليها بالسجن، لجأت إلى المنفى في تورنتو، حيث أنهت حياتها في 14 يونيو/حزيران 2020. ختمت المرأة البالغة من العمر 30 عاما رسالة وداعها القصيرة بهذه الكلمات: "إلى العالم، كنت قاسيا إلى حد عظيم! ولكني أسامح".
كانت رانيا العمدوني على خط المواجهة خلال المظاهرات التي اندلعت على مستوى البلاد في تونس والتي بدأت في يناير/كانون الثاني 2021، احتجاجا على التدهور الاقتصادي وتفشي عنف الشرطة. الأشخاص الذين عرّفوا عن أنفسهم على أنهم رجال شرطة التقطوا صورتها في مظاهرة، ونشروها على فيسبوك، ونشروا معها معلومات الاتصال الخاصة بها وتعليقات مهينة بسبب تعبيرها الجندري.
بعد فترة وجيزة، انهمرت على ملفها الشخصي تهديدات بالقتل والإهانات – بما في ذلك من أحد أعضاء البرلمان – ورسائل تحرض على العنف ضدها. عندما امتدت مضايقات الشرطة إلى الشارع – خارج المطاعم التي كانت تتردد عليها وقرب مسكنها – حاولت تقديم شكوى. في مركز الشرطة، رفض عناصر الشرطة تسجيل شكواها، ثم احتجزوها لصراخها.
استهدفت قوات الأمن التونسية أيضا نشطاء آخرين من مجتمع الميم أثناء الاحتجاجات، بالاعتقالات والتهديد بالاغتصاب والقتل والاعتداء الجسدي. شُوهت سمعة أفراد مجتمع الميم على وسائل التواصل الاجتماعي وكُشف عن توجهاتهم وهوياتهم ومعلوماتهم الشخصية دون موافقتهم. بعيدا عن الإنترنت، كانت العواقب المترتبة كارثية – فقد الناس وظائفهم، وطُردوا من منازلهم، بل فرّ بعضهم من البلاد.
حُكم على العمدوني بالحبس ستة أشهر وغرامة. رغم إطلاق سراحها بعد الاستئناف، تحدثت عن معاناتها من القلق والاكتئاب الحادَيْن بالإضافة إلى المضايقات المستمرة عبر الإنترنت وفي الشارع.
سافر محمد البُكاري سيرا على الأقدام من اليمن إلى السعودية بعد أن هدّدت الجماعات المسلحة بقتله بسبب نشاطه على الإنترنت وهويته الجندرية غير المعيارية. أثناء إقامته في الرياض كمهاجر غير شرعي، نشر فيديو على "تويتر" يعلن فيه دعمه لحقوق مجتمع الميم؛ مما أثار غضبا معاديا للمثليين من السلطات السعودية والعامة. بعد ذلك، اعتقلته قوات الأمن.
اتُهِم بالترويج للمثلية على الإنترنت و"التشبّه بالنساء"، وحُكم عليه بالسجن عشرة أشهر، وواجه الترحيل إلى اليمن بعد الإفراج عنه. احتجزته عناصر الأمن في الحبس الانفرادي لأسابيع، وأخضعوه لفحص شرجي قسري، وضربوه مرارا لإجباره على "الاعتراف بأنه مثلي". أعيد توطين البكاري الآن بأمان بمساعدة خارجية، لكنه لا يزال معزولا عن مجتمعه ولا يمكنه العودة بأمان إلى منزله.
في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يعتمد الأشخاص والمجموعات التي تدافع عن حقوق مجتمع الميم على المنصات الرقمية للتمكين والوصول إلى المعلومات وبناء الحركات والشبكات. في السياقات التي تمنع فيها الحكومات أفراد مجتمع الميم من العمل، يتنظّم النشطاء بشكل أساسي عبر الإنترنت، لفضح العنف والتمييز ضد مجتمع الميم. في بعض الحالات، ساهمت المناصرة الرقمية بعكس مسار الظلم ضد مجتمع الميم. لكن الحكومات تنبهت لذلك، ولديها ميزة حاسمة – فالقانون إلى جانبها.
معظم دول المنطقة لديها قوانين تُجرّم العلاقات الجنسية المثلية. حتى في البلدان التي لا تفعل ذلك – ومن المفارقات أن مصر واحدة منها – يتم التّسلح بـ"قوانين الأخلاق" الزائفة وقوانين الدعارة والفجور لاستهداف مجتمع الميم.
عندما كنت أوثّق التعذيب الممنهج للأشخاص من مجتمع الميم في السجون المصرية، كان نمط الاستهداف واضحا: اعتمدت السلطات المصرية على الأدلة الرقمية لتعقب أفراد مجتمع الميم واعتقالهم ومقاضاتهم. أخبرني الأشخاص الذين اعتُقلوا أن رجال الشرطة، الذين لم يتمكنوا من العثور على "دليل" عند تفتيش هواتفهم عند الاعتقال، قاموا بتنزيل تطبيقات مواعدة للمثليين/ات على هواتفهم وقاموا بتحميل صور إباحية لتبرير إبقائهم رهن الاحتجاز. تشير الحالات التي وثّقتُها إلى سياسة منسقة من قبل الحكومة المصرية عبر الإنترنت وعلى الأرض، لاضطهاد مجتمع الميم. قال أحد رجال الشرطة لرجل أجريت مقابلة معه أن الإيقاع به واعتقاله جزء من عملية "لتطهير الشوارع من الخولات".
في السنوات الأخيرة، اكتسبت الرقابة الرقمية الحكومية قوة كوسيلة لقمع حرية التعبير وإسكات المعارضين. في الوقت نفسه، توسّع تطبيق قوانين محاربة مجتمع الميم إلى المساحات الإلكترونية – بغضّ النظر عما إذا كانت هناك علاقات جنسية مثلية– حتى أنّها روّعت النقاشات الرقمية لقضايا مجتمع الميم.
تصاعدت عواقب الرقابة الرقمية والتمييز عبر الإنترنت على مجتمع الميم تماما كما أدى تفشي فيروس كورونا وتدابير الإغلاق ذات الصلة إلى إغلاق المجموعات التي وفرت ملاذا آمنا، وتقليص شبكات الأمان المجتمعية القائمة، وتهديد فرص العمل والوصول إلى الخدمات الصحية الصعبة أصلا، وأجبرت الأفراد على تحمّل بيئات مسيئة في كثير من الأحيان.
في المغرب، انطلقت حملة لإفشاء هويات أفراد مجتمع الميم في أبريل/نيسان 2020، في ذروة تفشي كوفيد -19. أنشأ مواطنون عاديون حسابات مزيفة على تطبيقات المواعدة المخصصة للمثليّين/ات وعرّضوا المستخدمين للخطر من خلال تعميم معلوماتهم الخاصة، مما أثار قلق الفئات الضعيفة. لم يكن لدى أفراد مجتمع الميم، الذين طردتهم عائلاتهم من منازلهم أثناء الإغلاق في جميع أنحاء البلاد، مكان يذهبون إليه.
تلعب المنظمات الناشطة في المنطقة دورا مهما في التعامل مع هذه التهديدات والاستجابة لاحتياجات أفراد مجتمع الميم، وتدعو بانتظام المنصات الرقمية إلى إزالة المحتوى الذي يحرّض على العنف وحماية المستخدمين. مع ذلك، في معظم أنحاء المنطقة، يُقيَّد عمل هذه المنظمات أيضا عبر التخويف والتدخل الحكومي.
في لبنان مثلا، كان لا بد من نقل مؤتمر عن الجندر والجنسانية، الذي يُعقد سنويا منذ 2013، إلى الخارج في 2019 بعد أن دعت مجموعة دينية على فيسبوك إلى توقيف المنظّمين وإلغاء المؤتمر بتهمة "التحريض على الفجور". أوقفت قوات الأمن العام مؤتمر 2018، ومنعت إلى أجل غير مسمى نشطاء مجتمع الميم غير اللبنانيين الذين حضروا المؤتمر من الدخول إلى لبنان مرة أخرى. بيّنت حملة القمع تقلّص مساحة نشاط مجتمع الميم في بلد كان يُعرف بأنه ملاذ للمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم العربي.
هذه ليست حوادث منعزلة في كل بلد. عندما تكون بقيادة الدولة، فإنها غالبا ما تعكس استراتيجيات الحكومة لرقمنة الهجمات ضد أفراد مجتمع الميم وتبرير اضطهادهم، لا سيما بحجة الاستجابة للأزمات المستمرة. ليس من قبيل المصادفة أن تشعر الحكومات القمعية في سياقات متنوعة في جميع أنحاء المنطقة بالتهديد من النشاط على الإنترنت – فهو فعّال.
الكشف عن هذه الأنماط المسيئة يُبرِز الضرورة الملحة لإلغاء تجريم العلاقات المثلية والتباين الجندري في المنطقة. بدلا من تجريم وجود أفراد مجتمع الميم واستهدافهم عبر الإنترنت، على الحكومات حمايتهم من الهجمات الرقمية والتهديدات الناجمة عن ذلك على حقوقهم الأساسية وسبل عيشهم واستقلالهم الجسدي.
في الوقت نفسه، تتحمل المنصات الرقمية مسؤولية منع المساحات عبر الإنترنت من أن تصبح مجالا للقمع الذي ترعاه الدول. على الشركات التي تنتج هذه التقنيات الانخراط بشكل هادف مع أفراد مجتمع الميم في تطوير السياسات والميزات، بما في ذلك من خلال توظيفهم كمهندسين وفي فرق السياسات الخاصة بهم، من التصميم إلى التنفيذ.
رشا يونس باحثة في مجال حقوق مجتمع الميم في هيومن رايتس ووتش.