Skip to main content
تبرعوا الآن
طوال 15 عاما، فرضت السلطات الإسرائيلية قيودا شاملة على تنقل الناس من قطاع غزة وإليه. © 2016 عين ميديا

 إلى أن يمارس المجتمع الدولي ضغوطا كافية لدفع السلطات الإسرائيلية إلى التخلي عن سياستها المستمرة منذ أمد طويل، والمتمثلة في حبس الفلسطينيين وخنقهم وإخضاعهم في غزة، ستستمر هذه الحلقة المفرغة.

فيديوهات لغارات جوية إسرائيلية تمطر غزة. صور منازل تحولت إلى أنقاض فوق رؤوس رجال ونساء وأطفال. صفارات الإنذار تدوّي لدى إطلاق وابل جديد من الصواريخ الفلسطينية باتجاه التجمعات السكانية الإسرائيلية. الرعب من ارتفاع حصيلة القتلى. دعوات إلى ضبط النفس.

تتكرر هذه المشاهد بهذا التسلسل مرارا في السنوات الأخيرة. وفي كل مرة، تؤجج مشاعر الغضب العارم، والعجز، وحرقة القلب لدى أولئك الذين يكترثون بأمر إسرائيل وفلسطين.

بالنسبة إلى سكان غزة، هو صراع من أجل البقاء. كما كتبت زميلتي في "هيومن رايتس ووتش" المقيمة في غزة، عبير المصري، وهي تحاول وصف المواجهات العسكرية العام الماضي: "أجد صعوبة في العثور على كلمات تصف الرعب وأنا مستيقظة طوال الليل وانا غير متأكدة إذا ما كنت سأرى ضوء النهار مرة أخرى، ومعاناة الذين أجريت معهم مقابلات ممن نجوا من الضربات الإسرائيلية التي محت عائلاتهم من الوجود، وعذاب رؤية تحوّل أبراج غزة البارزة إلى جبال من الأنقاض".

أما سكان جنوب إسرائيل، فهم مجبرون على "العيش في خوف دائم" أثناء المواجهات العسكرية "من أن يسقط صاروخ على رؤوسنا في أي لحظة"، كما أخبرنا قريب رجل قُتل في هجوم صاروخي عام 2019.

هجوم بدون سابق استفزاز

في 5 أغسطس/آب، قصفت السلطات الإسرائيلية منزل أحد قادة "حركة الجهاد الإسلامي" تيسير الجعبري، دون استفزاز واضح. أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد إلى "تهديد وشيك" تشكّله الحركة بعد أن اعتقلت إسرائيل بسام السعدي، وهو قيادي آخر في الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، وأساءت معاملته على ما يبدو، قبلها بعدة أيام.

قُتل على الأقل 49 فلسطينيا في غزة، بينهم 17 طفلا، في الضربات الإسرائيلية والهجمات الصاروخية الفلسطينية بين 5 و7 أغسطس/آب، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة. يبدو أن الصواريخ التي أطلقتها حركة الجهاد الإسلامي تجاه إسرائيل تسببت في بعض الأضرار هناك دون إصابات في صفوف الإسرائيليين.

تحقق منظمات حقوق الإنسان في هذه الأحداث، وسيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تتشكل لدينا صورة كاملة لما حدث. لكن هناك بعض الملاحظات الأولية استندنا فيها إلى الجولات السابقة من الأعمال العدائية في غزة والتي وثقناها لسنوات.

أولا، استخدام الأسلحة المتفجرة ذات التأثير الواسع من قبل إسرائيل في قطاع غزة المكتظ يسبب ضررا متوقعا بالمدنيين.

خلال التصعيد في مايو/أيار 2021، وثّقت هيومن رايتس ووتش ضربات غير قانونية وجرائم حرب إسرائيلية، منها ضربات قتلت عشرات المدنيين، وقضت على عائلات بأكملها، ودمرت أربعة أبراج شاهقة في غزة مليئة بالشقق السكنية والشركات، مع غياب أهداف عسكرية واضحة في تلك المناطق.

في الماضي، وثّقت هيومن رايتس ووتش أيضا استخدام السلطات الإسرائيلية المنتظم للقوة المفرطة وغير المتناسبة، وفي بعض الأحيان، تعمّدت استهداف المدنيين أو البنية التحتية المدنية.

ثانيا، تتسم الهجمات الصاروخية العشوائية التي شنتها حركة الجهاد الإسلامي على المدن الإسرائيلية بنفس أوصاف هجمات مماثلة، سبق ووجدت هيومن رايتس ووتش أنها تنتهك قوانين الحرب وترقى إلى جرائم حرب. تحظر قوانين الحرب الهجمات التي لا تتخذ هدفا عسكريا محددا أو التي تستخدم وسيلة أو طريقة هجوم لا يمكن توجيهها ضد هدف عسكري محدد.

في مايو/أيار 2021، لم تسفر الهجمات الصاروخية الفلسطينية عن مقتل 13 مدنيا في إسرائيل فحسب، بل أدت الذخائر التي انفجرت بالخطأ أو وقعت في مكان قريب إلى مقتل سبعة فلسطينيين على الأقل في غزة، بحسب ما وثّقت هيومن رايتس ووتش.

في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش في أغسطس/آب 2021، صرّحت حماس أن الهجمات الصاروخية استهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية، وليس "المدنيين أو الأعيان المدنية"، وأنها اتخذت الاحتياطات لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين. إلا أن حماس لم تقدم قائمة المواقع العسكرية التي استهدفتها في معارك مايو/أيار، وفي إجابتها على رد من هيومن رايتس ووتش، اعتبرت ذلك "أمراً أمنياً وسرياً".

حصار على الأرض وفي الفضاء الافتراضي

ثالثا، إغلاق المعابر إلى غزة من قبل السلطات الإسرائيلية بين 2 و7 أغسطس/آب يعكس إجراءات مماثلة اتُخذت في جولات سابقة من التصعيد. وجدت هيومن رايتس ووتش أن هذه الإجراءات عقابية وتشكل عقابا جماعيا، أي جريمة حرب. منع هذا الإغلاق حركة الأشخاص والبضائع، بما في ذلك الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة، ومنع سكان غزة الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة من تلقي العلاج خارج القطاع.

في الواقع، أُغلقت محطة توليد الكهرباء في غزة في 6 أغسطس/آب بسبب نقص الوقود، ما يترك للعائلات حوالي أربع ساعات من الكهرباء يوميا في صيف لاهب. يؤثر انقطاع التيار الكهربائي المُزمن ولفترات طويلة على الحياة اليومية، لا سيما لدى الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يعتمدون على الضوء للتواصل بلغة الإشارة أو يتنقّلون بمساعدة معدات كهربائية، مثل المصاعد أو الكراسي المتحركة الكهربائية.

فاقمت هذه القيود الأثر الساحق الذي يخلّفه أصلا الإغلاق الإسرائيلي للقطاع منذ أكثر من 15 عاما. القيود الإسرائيلية الشاملة على حركة الأشخاص والبضائع، والتي غالبا ما تفاقمها القيود مصر على حدودها مع غزة، تحرم أكثر من 2.1 مليون فلسطيني في القطاع من حقهم في حرية التنقل، وتدمّر الاقتصاد، وتشكل جزءا من جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد اللتين تمارسهما السلطات الإسرائيلية ضد ملايين الفلسطينيين، وهما جريمتان ضد الإنسانية.

حلقة مفرغة

وفقا لتقرير من منظمة "أنقذوا الأطفال" صادر في يونيو/حزيران، أفاد أربعة من أصل خمسة أطفال تمت مقابلتهم في غزة بأنهم يعيشون مع الاكتئاب، والحزن، والخوف بعد 15 عاما من الإغلاق.

رابعا، أفادت منظمة "حملة" الفلسطينية التي تعنى بالحقوق الرقمية مرة أخرى أن شركات التواصل الاجتماعي تزيل منشورات فلسطينيين ونشطاء مؤيدين للفلسطينيين بشأن الأحداث على الأرض. وثّقت هيومن رايتس ووتش العام الماضي كيف أزالت "فيسبوك" وقمعت بشكل جائر محتوى مماثلا، منه ما يتعلق بانتهاكات حقوقية ارتُكبت في إسرائيل وفلسطين خلال الأعمال العدائية في مايو/أيار 2021.

إذا كنا قد تعلمنا شيئا، فهو التالي: طالما أن هناك إفلاتا من العقاب على الانتهاكات الجسيمة من قبل جميع الأطراف، وبقيت غزة سجنا مفتوحا، واستمرّت السلطات الإسرائيلية في ارتكاب جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد، ستكون هناك جولات جديدة من القتال في المستقبل.

إلى أن يمارس المجتمع الدولي ضغوطا كافية لدفع السلطات الإسرائيلية إلى التخلي عن سياستها المستمرة منذ أمد طويل، والمتمثلة في محاصرة الفلسطينيين، وخنقهم، وإخضاعهم في غزة، فإن هذه الحلقة المفرغة ستستمر.

 

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة