- ارتكبت الشرطة التونسيّة، والجيش والحرس الوطني، بما في ذلك الحرس البحري، انتهاكات خطيرة ضدّ المهاجرين، واللاجئين، وطالبي اللجوء الأفارقة السود.
- في ما يتعلّق بالأفارقة السود، تونس ليست مكانا آمنا لإنزال مواطني البلدان الثالثة الذين يتمّ اعتراضهم أو إنقاذهم في البحر، ولا "بلدا ثالثا آمنا" لنقل طالبي اللجوء إليها.
- ينبغي لتونس إجراء إصلاحات لضمان احترام حقوق الإنسان والقضاء على التمييز العرقي. وينبغي للاتحاد الأوروبي تعليق تمويل مراقبة الهجرة الموجه إلى قوات الأمن، ووضع شروط حقوقيّة للحصول على دعم إضافي.
(تونس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن قوات الشرطة، والجيش، والحرس الوطني التونسية، بما فيها الحرس البحري، ارتكبت انتهاكات خطيرة ضدّ المهاجرين، واللاجئين، وطالبي اللجوء الأفارقة السود. شملت الانتهاكات الموثَّقة الضرب، واستخدام القوّة المفرطة، وفي بعض الحالات التعذيب، والاعتقال والإيقاف التعسفيين، والطرد الجماعي، والأفعال الخطرة في عرض البحر، والإخلاء القسري، وسرقة الأموال والممتلكات.
إلا أن "الاتحاد الأوروبي" أعلن في 16 جويلية/تموز عن توقيع مذكرة تفاهم مع تونس بشأن "شراكة استراتيجية" جديدة وحزمة تمويل بقيمة مليار يورو للبلاد، منها 105 مليون يورو لـ "إدارة الحدود... والبحث والإنقاذ ومكافحة التهريب والإعادة". سلّط رئيس الوزراء الهولندي مارك روته الضوء على أن الشراكة ستشمل التركيز على "تعزيز الجهود لوقف الهجرة غير النظامية". لم تتضمن مذكرة التفاهم، التي يجب أن توافق عليها رسميا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ضمانات جادة بأن السلطات التونسية ستمنع انتهاكات حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء، وأن الدعم المالي أو المادي من الاتحاد لن يصل إلى الكيانات المسؤولة عن الانتهاكات الحقوقية.
قالت لورين سيبرت، باحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش: "ارتكبت السلطات التونسيّة انتهاكات بحق الأفارقة السود، وأذكت العنصريّة والعداء ضد الأجانب، وأعادت قسرا أشخاصا فارين بالقوارب مهددين بالتعرض لأذى كبير في تونس. إنّ تمويل الاتحاد الأوروبي لقوات الأمن التي ترتكب انتهاكات أثناء مراقبة الهجرة يجعله يتشارك معها المسؤولية عن معاناة المهاجرين، واللاجئين، وطالبي اللجوء في تونس".
سبق أن خصص الاتحاد الأوروبي ما لا يقل عن 93-178 مليون يورو ضمن التمويل التراكمي لتونس المرتبط بالهجرة بين 2015 و2022، بما يشمل تعزيز قوات الأمن وتجهيزها لمنع الهجرة غير النظامية وإيقاف القوارب المتجهة إلى أوروبا. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الاتحاد الأوروبي تعليق تمويل قوات الأمن التونسية بشأن مراقبة الهجرة ووضع معايير حقوقية واضحة لأي دعم إضافي. على الدول الأعضاء في الاتحاد حجب دعمها لإدارة الهجرة والحدود بموجب المذكرة الموقعة مؤخرا إلى حين تنفيذ تقييم حقوقي دقيق.
بالإضافة إلى انتهاكات قوات الأمن الموثقة، لم توفّر السلطات التونسيّة الحماية أو العدالة أو الدعم اللازم للكثير من ضحايا الإخلاء القسري والهجمات العنصريّة، بل وعمدت أحيانا إلى عرقلة هذه الجهود. ونتيجة لذلك، فإنّ تونس – في ما يتعلّق بالأفارقة السود – ليست مكانا آمنا لإنزال مواطني البلدان الثالثة الذين يتم اعتراضهم وانقاذهم في البحر، وليست "بلدا ثالثا آمنا" لنقل طالبي اللجوء.
منذ مارس/آذار، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات هاتفية ومباشرة مع 24 شخصا – 22 رجلا، وامرأة واحدة، وفتاة واحدة – يعيشون في تونس، منهم 19 مهاجرا، وأربعة طالبي لجوء، ولاجئ واحد، وهم من السنغال، ومالي، وساحل العاج، وسيراليون، وغينيا، والكاميرون، والسودان. في حالات خمسة أشخاص، بقيت تواريخ وطرق دخول الذين تمت مقابلتهم غير معلومة. لم تُذكر أسماء بعض الأشخاص الذين تمت مقابلتهم لأسباب تتعلق بأمنهم أو بطلب منهم.
كما قابلت هيومن رايتس ووتش أربعة ممثلين عن منظمات من المجتمع المدني في تونس، هي "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" (المنتدى التونسي)، و"محامون بلا حدود"، و"الأورو-متوسطية للحقوق" و"ألارم فون"، وهي شبكة خط ساخن للإنقاذ؛ ومتطوّعا قدّم مساعدة للاجئين في تونس العاصمة؛ والصحفية في تونس العاصمة إليزا فولكمان؛ والأستاذة الجامعية والخبيرة في الشأن التونسي مونيكا ماركس. أجرى هؤلاء السبعة مقابلات أو قدّموا مساعدة إلى عشرات المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين في تونس، وهم على علم بانتهاكات الشرطة أو الحرس البحري أو سبق أن وثّقوها.
من بين المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين الذين تمت مقابلتهم، عاد تسعة إلى بلدانهم في رحلات إعادة طارئة في مارس/آذار، وظلّ ثمانية في تونس العاصمة أو صفاقس، وهي مدينة ساحلية جنوب شرق العاصمة. أما السبعة الآخرين، فكانوا ضمن ما يصل إلى 1,200 من الأفارقة السود الذين طردتهم قوات الأمن أو رحّلتهم قسرا إلى الحدود البريّة مع ليبيا والجزائر في مطلع جويلية/تموز 2023.
في المحصلة، تعرّض 22 ممن تمت مقابلتهم لانتهاكات حقوقيّة على يد السلطات التونسيّة.
رغم أن الانتهاكات الموثقة حصلت بين 2019 و2023، إلا أنّ أغلبها حدث بعد أن أمر الرئيس قيس سعيّد قوات الأمن في فيفري/شباط بقمع الهجرة غير النظاميّة، ورَبط المهاجرين الأفارقة غير المسجلين بالجريمة وبـ"مؤامرة" لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس. خطاب سعيّد، الذي وصفه خبراء في الأمم المتحدة بالعنصري، أعقبه تصاعد في خطاب الكراهية، والتمييز، والهجمات.
قال 15 شخصا تمت مقابلتهم إنهم تعرضوا للعنف على يد قوات الشرطة والجيش والحرس الوطني، بما يشمل الحرس البحري. ومنهم لاجئ وطالب لجوء تعرضا للضرب والصعق بالكهرباء على يد الشرطة أثناء إيقافهما في تونس العاصمة. قال خمسة أشخاص إنّ السلطات صادرت أموالهم وممتلكات أخرى ولم ترجعها إليهم قط.
قال الأشخاص السبعة الذين تمت مقابلتهم وطُردوا إلى المناطق الحدودية في جويلية/تموز إنّ قوات الجيش والحرس الوطني تركتهم في الصحراء دون ما يكفي من الطعام أو الماء. ورغم أنّ السلطات التونسيّة أعادت بعضهم إلى داخل تونس بعد أسبوع، إلا أنّ البعض الآخر ما زالوا بحاجة إلى مساعدة أو لا يُعرف مصيرهم.
ما لا يقل عن تسعة من الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات تعرضوا للاعتقال والإيقاف التعسفيين في تونس العاصمة وأريانة وصفاقس، حيث صنّفتهم الشرطة على أساس لونهم. قالوا إنّ الأعوان لم يتحققوا من أوراقهم قبل اعتقالهم، وفي أغلب الحالات لم يُجروا تقييمات فردية لأوضاعهم القانونية ولم يسمحوا لهم بالطعن في اعتقالهم.
كان لدى رجل ماليّ عمره 31 عاما تمت مقابلته تصريح إقامة ساري المفعول حين اعتقلته السلطات في منتصف 2022 في أريانة. قال: "لم يسألوني عمّا إذا كانت لديّ أوراق. اعتُقل صديقي معي... وهو ضابط عسكري غيني كان قد جاء إلى تونس لتلقي علاج طبي، ويحمل جواز سفر عليه ختم [ساري المفعول]".
روى خمسة أشخاص الانتهاكات التي تعرضوا لها أثناء وبعد عمليّات الاعتراض والإنقاذ قرب صفاقس، على ما يبدو من قبل الحرس البحري، الذي يُسمى أيضا حرس السواحل. شملت هذه الانتهاكات الضرب، والسرقة، وترك قارب بدون محرّك، وقلب قارب، وإهانة الناجين والبصق عليهم.
كما تحدّث ثلاثة ممثلين عن منظمات المجتمع المدني عن الممارسات الإشكاليّة المتزايدة للحرس البحري منذ 2022، بما في ذلك الضرب، والاستخدام الخطير للغاز المسيل للدموع، وإطلاق النار في الهواء، وفكّ وإتلاف محركات القوارب وترك الناس عالقين في البحر، والتسبب في موجات تؤدي إلى قلب القارب، والتأخر في الانقاذ، وسرقة الأموال والهواتف.
كتبت هيومن رايتس ووتش إلى وزارتَي الخارجية والداخلية التونسية في 28 يونيو/حزيران لإطلاعهما على نتائج البحث وطرح أسئلة، لكنها لم تتلق أيّ ردّ.
بالإضافة إلى انتهاكات قوّات الأمن، قال ما لا يقلّ عن 12 رجلا تمت مقابلتهم أيضا إنهم تعرضوا لانتهاكات على يد مدنيين تونسيين، منهم عشرة تعرضوا للاعتداء أو السرقة، وخمسة أجبرهم مالكو مساكنهم على إخلائها. جميع الحوادث، باستثناء اثنين، وقعت بعد خطاب الرئيس سعيّد في فيفري/شباط.
في الأشهر التالية لخطاب سعيّد، وفي سياق الوضع الاقتصادي المتدهور في تونس، وتفاقم القمع والعنف القائم على كراهية الأجانب، وتزايد أعداد القوارب المغادرة والوفيات في عرض البحر، زار حوالي عشرة مسؤولين أوروبيين تونس لمناقشة المسائل الاقتصادية والأمنية والهجرة مع مسؤولين تونسيين. أشار وزير الداخلية الألماني إلى أهمية "حقوق اللاجئين" و"خلق طرق هجرة قانونية"، لكن القليل فقط من الآخرين عبّروا علنا عن قلقهم بشأن حقوق الإنسان. قال وزير الداخليّة الفرنسي إنّ فرنسا ستدعم تونس بـ25.8 مليون يورو للمساعدة في "احتواء التدفق غير القانوني للمهاجرين".
صرفت ملايين اليوروهات من الاتحاد الأوروبي والتمويلات الثنائية – خاصة من إيطاليا – لدعم، وتجهيز، وتدريب قوات الحرس البحري و"قوات الأمن الداخلي" و"مؤسسات إدارة الحدود البريّة" التونسية.
أصبح "تصدير" الحدود – أي منع وصول المهاجرين غير النظاميين من خلال الاستعانة بدول ثالثة لمراقبة الهجرة – لبنة أساسيّة في استجابة الاتحاد الأوروبي للهجرة المختلطة، وهو ما أدّى إلى انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان. دعم قوات الأمن المنتهِكة لا يؤدي سوى إلى المزيد من الانتهاكات الحقوقيّة التي تدفع إلى الهجرة.
قالت سيبرت: "ينبغي للاتحاد الأوروبي والحكومة التونسيّة إدخال تغيير جذري على مقاربتهما للتعامل مع تحديات الهجرة. مراقبة الحدود ليست مبررا للدوس على الحقوق وتجاهل مسؤوليات الحماية الدوليّة".
سياق الهجرة واللاجئين في تونس
تونس هي بلد أصل، ووجهة، وعبور للمهاجرين، واللاجئين، وطالبي اللجوء. في النصف الأول من 2023، تجاوزت تونس ليبيا كنقطة انطلاق للقوارب الواصلة إلى إيطاليا. بحسب "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" (مفوضيّة اللاجئين)، فإنّ من بين 69,599 شخصا وصلوا إلى إيطاليا بين جانفي/كانون الثاني و9 جويلية/تموز عبر البحر الأبيض المتوسط، انطلق 37,720 من تونس، و28,558 من ليبيا، والبقية من تركيا والجزائر.
بلدان الأصل الأكثر شيوعا بالنسبة للواصلين إلى إيطاليا كانت كما يلي، من حيث الترتيب التنازلي: ساحل العاج، مصر، غينيا، باكستان، بنغلاديش، تونس، سوريا، بوركينا فاسو، كاميرون، ومالي. شهدت كل من كاميرون، وبوركينا فاسو، ومالي، وغينيا انتهاكات حقوقيّة واسعة بسبب النزاعات، والانقلابات، والقمع الحكومي في السنوات الأخيرة.
تشير تقديرات رسميّة صدرت سنة 2021 إلى وجود 21 ألف أجنبي من دول أفريقية غير مغاربيّة في تونس، التي يبلغ عدد سكانها 12 مليونا. كانت البلاد تستضيف 9 آلاف لاجئ وطالب لجوء مُسجّل حتى جانفي/كانون الثاني. تونس دولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة والاتفاقية الأفريقية للاجئين، وينصّ دستورها على الحق في اللجوء السياسي. لكن ليس فيها قانون أو نظام وطني خاص باللجوء. المفوضيّة هي التي تُشرف على تسجيل اللاجئين وتحديد وضع اللجوء.
رغم أنّ المعايير الدوليّة لحقوق الإنسان تشجّع على عدم تجريم الهجرة غير النظاميّة، إلا أنّ قانونَين تونسيَّين يعود تاريخهما إلى 1968 و2004 يُجرّمان دخول الأجانب، وإقامتهم، وخروجهم بشكل غير شرعي، وكذلك تنظيم الدخول والخروج بشكل غير قانوني والمساعدة عليه. وتشمل العقوبات السَّجن والغرامات. لا توجد في تونس أسس قانونية صريحة للاحتجاز الإداري للمهاجرين، غير أن العديد من المنظمات وثقت إيقاف مهاجرين أفارقة. تسمح تونس بالسفر بدون تأشيرة لمدة 90 يوما مع ختم دخول للعديد من الجنسيات الأفريقية، لكن الحصول على تصريح إقامة قد يكون صعبا.
بحسب المنتدى التونسي، فإنّ السلطات التونسية اعتقلت أكثر من 3,500 مهاجر بسبب "الإقامة غير الشرعية" واعترضت أكثر من 23 ألف شخص حاولوا الانطلاق بشكل غير قانوني من تونس بين جانفي/كانون الثاني وماي/أيار 2023. قال المتحدث باسم المنتدى رمضان بن عمر لـ هيومن رايتس ووتش إنّ معظم الاعتقالات المسجّلة للمهاجرين حصلت قرب الحدود الجزائرية رغم أنّ المئات منها حصلت أيضا في تونس وصفاقس ومدن أخرى بعد خطاب الرئيس.
الطرد الجماعي إلى الحدود مع ليبيا والجزائر
بين 2 و5 يوليو/تموز 2023، نفذت قوات الشرطة والحرس الوطني والجيش التونسية مداهمات في صفاقس وحولها، واعتقلت تعسفا مئات الأفارقة السود الحاملين لجنسيات متعددة، سواء كان وضعهم نظامي أو غير نظامي. وبدون أي اجراءات قانونية واجبة، طرد الحرس الوطني والجيش أو نقل قسرا ما يصل إلى 1,200 شخص في عدة مجموعات إلى الحدود مع ليبيا والجزائر.
نقلت السلطات ما يُقدّر بـ600-700 شخص جنوبا إلى الحدود مع ليبيا قرب بلدة بن قردان، بحسب خمسة أشخاص طردوا إلى هناك. كما نقلت المئات الآخرين غربا إلى عدة مواقع على الحدود مع الجزائر في ولايات توزر وقفصة والقصرين، بحسب اثنين من المطرودين، وممثلين عن الأمم المتحدة، ومنظمة ألارم فون.
كان من بين المئات الذين طردوا إلى منطقة عسكرية نائية على الحدود مع ليبيا ما لا يقل عن 29 طفلا وثلاث نساء حوامل. ستة على الأقل من الذين نُقلوا كانوا طالبي لجوء مسجلين لدى المفوضية. قال الأشخاص الذين قابلناهم إنّ عناصر الحرس الوطني أو الجيش ضربوهم وأساؤوا معاملتهم أثناء عمليات الطرد، وقالت فتاة عمرها 16 عاما إنها تعرضت للاعتداء الجنسي. كما قالوا إنّ أعوان الأمن ألقوا طعامهم، وحطموا هواتفهم، وتركوهم في منطقة لا يُمكنهم من خلالها العبور إلى ليبيا أو العودة إلى تونس، حيث عمدت قوات الأمن من كلا الجانبين إلى دفعهم على التراجع. وفّروا موقعهم بتقنية GPS من 2 إلى 4 جويلية/تموز، وفيديوهات وصور للناس المطرودين، ولإصاباتهم، وهواتفهم المحطمة، وجوازات سفرهم، وبطاقاتهم القنصلية وبطاقات طالبي اللجوء.
في 7 يوليو/تموز، قابلت هيومن رايتس ووتش شخصين تم طردهما أو نقلهما قسرا إلى الحدود الجزائرية أو بالقرب منها يومي 4 و5 يوليو/تموز. كانا في مجموعتين تتكونان من 15 شخصا، منهم سبع نساء – اثنتان منهنّ حاملان – وطفل. قالا إنّهم نُقلوا من صفاقس بالحافلات، وأجبروا على السير في الصحراء دون ما يكفي من الطعام والماء، وصدّتهم قوات الأمن الجزائرية والتونسية من كلا الجانبين. أرسلت طالبة لجوء غينية موقع مجموعتها بتقنية GPS في ولاية قفصة، وأرسل لنا رجل عاجي موقع مجموعته في ولاية القصرين. كما وفّروا فيديوهات للمجموعتين وهما تسيران في الصحراء.
في بيان صدر في 8 جويلية/تموز، وصف الرئيس سعيّد المزاعم المتعلقة بانتهاكات قوات الأمن ضدّ المهاجرين بـ"الأكاذيب" و"الأخبار الزائفة". في نهاية أسبوع 8 جويلية/تموز، قدمت فرق "الهلال الأحمر التونسي" الطعام والماء ومساعدات طبية لبعض المهاجرين على الحدود الليبية والجزائرية أو بالقرب منها، وهي مجموعة الإغاثة الوحيدة التي سمحت لها السلطات التونسية بدخول المنطقة الحدودية مع ليبيا.
في 10 جويلية/تموز، نقلت السلطات التونسية أخيرا أكثر من 600 شخص من الحدود مع ليبيا إلى ملاجئ "منظمة الهجرة الدولية" ومنشآت أخرى في بن قردان ومدنين وتطاوين، وفقا لممثلين عن الأمم المتحدة ورجل عاجي من ضمن الذين نقلوا إلى مدنين وشارك موقعه. لكن في 11 جويلية/تموز، تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى مهاجرين قالا إنهما كانا ضمن مجموعة تضمّ أكثر من مئة شخص، ومازالوا عالقين على الحدود مع ليبيا، وأرسلا فيديوهات وشاركا موقعهما.
زعم مهاجرون على الحدود مع كلا البلدين لـ هيومن رايتس ووتش وآخرين أنّ العديد من الأشخاص توفوا أو قتلوا بعد عمليات الطرد، لكن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من التحقق من رواياتهم بشكل مستقل. في 11 جويلية/تموز، أفادت وكالة "فرانس برس" أنّه تم العثور على جثتين لمهاجرين في الصحراء قرب الحدود التونسية-الجزائرية. كما نشرت "الجزيرة"، التي زارت الحدود التونسية-الليبية عدة مرات، لقطات سُجلت في 11 جويلية/تموز وتُظهر مجموعتين من المهاجرين الأفارقة ما زالتا عالقتين – فيهما أكثر من 150 شخصا – وجثة مهاجر لقي حتفه.
تونس طرف في "الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري"؛ و"الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب"، الذي يحظر عمليات الطرد الجماعي؛ واتفاقية الأمم المتحدة والاتفاقية الأفريقية بشأن اللاجئين، و"اتفاقية مناهضة التعذيب"، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، وهي جميعها تحظر عمليات الإعادة القسرية أو الطرد إلى بلدان قد يواجه فيها الشخص التعذيب، أو قد تكون فيها حياته أو حريته معرضة للخطر أو لضرر جسيم آخر.
انتهاكات الشرطة
بخلاف الذين طُردوا، تعرّض 11 شخصا من الذين قابلناهم إلى انتهاكات من قبل الشرطة في تونس العاصمة، وصفاقس، وأريانة، وبلدة قرب الحدود الجزائرية، منها ما لا يقل عن ثماني حالات عنف. قال اثنان إنّ الشرطة طردتهما قسرا من شقتهما. وقال سبعة إنّ الشرطة أساءت إليهم عنصريا، وهدّدت أحدهم بالقتل.
كان سيدي مبايي (25 عاما)، وهو رجل سنغالي أعيدا إلى بلده في مارس/آذار، قد دخل تونس بطريقة غير نظامية في 2021، وعمل فيها كبائع متجول. تحدّث عن انتهاكات الشرطة في تونس العاصمة:
[في 25 فيفري/شباط]، ذهبت إلى المدينة لبيع الهواتف المحمولة، والقمصان، والأقمشة في السوق... تقدّم نحوي ثلاثة أعوان شرطة وسألوني عن جنسيتي. قالوا: "هل سمعت ما قاله الرئيس؟ عليك أن تخرج..." لم يطلبوا مني... أي وثائق، وأخذوا مني كل ما كنت أبيعه... [قاومتهم]... فضربوني بشدّة، ولكموني وضربوني بالهراوات، فسال الدم من أنفي...
اقتادوني إلى مركز الشرطة... ووضعوني في زنزانة، واستمروا في ضربي وإهانتي... قالوا شيئا ما عن كوني أسود... دون أن يطلبوا مني وثائقي. أمضيت يوما هناك، ورفضت المغادرة دون ممتلكاتي، لكني في الأخير غادرت. هدّدوني قائلين: "إذا عدت وبعت هذه الأشياء مرة أخرى، فسنقتلك. غادر البلاد فورا"... كنت أعيش مع خمسة سنغاليين آخرين في شقة يملكها شرطي... وعند العودة، وجدنا أشياءنا مرمية بالخارج.
بابي ساخو (29 عاما)، وهو رجل سنغالي جاء إلى تونس العاصمة بشكل غير نظامي للعمل، تعرض للعنف والإجلاء القسري من قبل الشرطة قبل إعادته إلى الوطن في مارس/آذار:
في نهاية فيفري/شباط ... جاء خمسة أعوان شرطة ... كنا أربعة نعمل في مرآب غسيل السيارات، أنا واثنان من غامبيا، وواحد من ساح العاج... لم يطلبوا أوراقنا. ... صرخوا فينا، وأهانونا... وضربوني ضربا مبرحا بالهراوات ... أصيب الإيفواري بجروح وكان ينزف ... أغلقوا مرآبنا ونحن الذين نغسل سيارت الشرطة عادةً!
ثم أخذتنا الشرطة إلى شقتنا وحذرت صاحبها من أنه لم يعد لدينا الحق في البقاء... أخذوا حقائبنا ووضعوها في الخارج ... لم آخذ جواز سفري. أخذت الشرطة هاتفَيّ... الآخرون قالوا لي إن الشرطة أخذت بعض نقودهم.
قال الميكانيكي السنغالي موسى بالدي (30 عاما) إنه جاء إلى تونس العام 2021 بتأشيرة عمل. سافر إلى تونس العاصمة في فيفري/شباط 2023 لشراء قطع غيار للسيارات. "أوقف شرطي سيارة الأجرة التي كنت فيها وأجبرني على النزول، ودفعني. قال، "أنت أسود، ليس لديك الحق في أن تكون هنا ...". لم يطلب أوراقي، فقط استهدفني بسبب لون بشرتي". روى ما حدث في مركز الشرطة: "لكمني عونا شرطة وضرباني. أعطوني الطعام مرة واحدة فقط خلال يومين [في الاعتقال]، ونمت على الأرض". لم تطرح الشرطة أي أسئلة حول وضعه القانوني: "قالوا ... سنطلق سراحك، لكن عليك مغادرة البلد".
عبد الله با (27 عاما)، وهو سنغالي أيضا، يعيش في تونس العاصمة منذ 2022. في فيفري/شباط 2023، جاءت الشرطة إلى ورشة البناء حيث كان يعمل واعتقلت ما لا يقل عن 10 أشخاص، وهم عمال لديهم وثائق وآخرون بدون وثائق من غرب ووسط أفريقيا:
كان هناك تونسيون ومغاربة، لكنهم اعتقلوا فقط أصحاب البشرة السوداء. سألونا عن البلد الذي أتينا منه لكنهم لم يطلبوا أوراقنا... قاومنا الاعتقال وخرج جزء من سكان البلدة... رشقونا بالحجارة... ضربتنا الشرطة بالهراوات... أخذونا إلى مركز شرطة في تونس العاصمة واحتجزونا خمس ساعات دون أن يطلبوا رؤية أوراقنا... ثم أطلقوا سراحنا وقالوا لنا أن نغادر تونس. ... سرقت الشرطة أيضا هاتفي الـ "آيفون 12"، وقال آخرون إن الشرطة أخذت أموالهم.
قال رجل من مالي عمره 24 عاما لا يحمل وثائق رسمية إنه كان يعمل في مطعم في تونس قبل إعادته إلى وطنه في مارس/ آذار. في فيفري/شباط، اعتقلته الشرطة أثناء عودته من العمل مع مالي آخر، لكنها لم تجر أي عملية تحقق قانوني. أضاف:
لم يطلبوا أوراقي... إذا رأوا [شخصا] أسود، يأخذونه ويضعونه في سيارتهم. أثناء الاعتقال، كان التونسيون يشاهدون ويصرخون، "عليكم أيها السود أن تغادروا ..." أخذت الشرطة نقود [صديقي] ... حوالي 600 دينار ... احتجزونا أربعة أيام [في مركز شرطة]. ... كنا ننام على الأرض ... كانوا يعطوننا الخبز والماء مرتين في اليوم فقط. ... وجدنا حوالي 100 أفريقي [محتجزين] هناك ... عاملونا كأننا لسنا بشرا.
قال كاميروني عمره 24 عاما ويعيش في صفاقس، وهو لا يحمل وثائق رسمية، إن الشرطة داهمت مرات عدة في أوائل 2023 المنزل الذي كان يعيش فيه مع العديد من المهاجرين وأخذت هواتفهم وأموالهم.
لم تقتصر انتهاكات الشرطة على العام 2023. قال رجل مالي عمره 31 عاما إنه في ديسمبر/كانون الأول 2021، وجدته مجموعة من ستة إلى ثمانية أعوان شرطة نائما في محطة قطار واعتدوا عليه قبل اعتقال إلقاء القبض عليه لدخوله بشكل غير نظامي في بلدة قرب الحدود الجزائرية: "ضربوني أكثر من مرة بهراواتهم، حتى وقعت، ثم ركلوني".
قال رجل مالي عمره 32 عاما، رُحِّل إلى وطنه في مارس/آذار، إن الشرطة في صفاقس أخذت اثنين من هواتفه في منتصف العام 2022، بالإضافة إلى نقود كان يحملها صديقه. أضاف: "أعوان الشرطة، عندما يرون رجلا أسود بحقيبة صغيرة، سيفتشونه. عندما يجدون المال [أو الأشياء الثمينة] سيأخذونها يأخذونه".
حملة الشرطة على اللاجئين المتظاهرين
بعد خطاب الرئيس سعيّد، أصبح عشرات اللاجئين، وطالبي اللجوء، وغيرهم الذين أصبحوا بلا مأوى بسبب الطرد أو جراء الخوف على سلامتهم، أمام مكاتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين والمنظمة الدولية للهجرة في لاك 1 في تونس العاصمة. بعض الذين كانوا أمام المفوضية حصّنوا المنطقة وبدأوا بالاحتجاج. بعد أن دخل أشخاص عدة بالقوة إلى جزء من مقر المفوضية، وصلت الشرطة في 11 أفريل/نيسان لتفريق المخيم. استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع والقوة، وقام بعض الأشخاص برشق السيارات أو الشرطة بالحجارة.
قالت الصحفية إليزيا فولكمان، التي وصلت إلى مكان الحادث لاحقا ذلك اليوم: "رد فعل الشرطة كان الاستخدام غير المتناسب للعنف... لا سيما بالنظر إلى الأشخاص المستضعفين هناك، العائلات والأطفال الصغار". استمعت هيومن رايتس ووتش إلى مقابلة سجلتها فولكمان في 11 أفريل/نيسان مع شاهد على الأحداث، قال إنه رأى الشرطة تصفع امرأة سودانية قبل أن يتصاعد الموقف، وإن الشرطة ضربت الناس بالعصي وأطلقت "عدة رشقات من الغاز المسيل للدموع".
قال طالب لجوء سوداني، كان يخيم أمام مقر المفوضية منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022، لـ هيومن رايتس ووتش إنه وآخرين حصّنوا المنطقة للحماية وفي 10 أفريل/نيسان دخلوا مقر المفوضية "لشرب الماء واستخدام المرحاض". وقال إنه في 11 أفريل/نيسان: "كانت الشرطة هي التي بدأت العنف. جاؤوا ... وأطلقوا علينا الغاز [المسيل للدموع]. وكانت تلك هي المرة الأولى التي ألقى فيها أعوان الشرطة الحجارة علينا - رأيت اثنين منهم يفعلان ذلك". قال إنه رأى بعد ذلك بعض الأشخاص يرشقون الشرطة بالحجارة. قال إنه بعد فراره من المنطقة، ضربته الشرطة واعتقلته مع آخرين في الشارع.
احتجزت الشرطة في البداية بين 80 إلى 100 شخص في مركز شرطة اللاك 1، بينهم بعض النساء والأطفال، وتركت المخيم مدمرا. أطلقوا سراح طالب اللجوء السوداني مع آخرين لاحقا ذلك اليوم، لكنهم نقلوا 31 رجلا إلى سجن المرناقية بتهم مختلفة، منها العصيان والاعتداء، وفقًا لمندوب عن "محامون بلا حدود" قدمت المنظمة المساعدة القانونية للمتهمين، الذين أطلق سراحهم في أواخر أفريل/نيسان، مع إسقاط التهم فيما بعد لنصف المجموعة والنصف الآخر في انتظار جلسة سبتمبر/أيلول، بحسب المندوب الممثل.
كان بين المعتقلين طالب لجوء سيراليوني، كان قد خيم أمام المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين منذ طرده من شقته في فيفري/شباط. راجعت هيومن رايتس ووتش وثيقة حكومية تؤكد إطلاق سراحه من سجن المرناقية أواخر أفريل/نيسان. قال إنه، أثناء الحملة على المخيّم 11 أفريل/نيسان، "ليبيري [طالب لجوء] تضربه الشرطة... كانت هناك الكثير من الدماء". قال إنه لم يشارك في أعمال عنف لكنه سجل مقاطع فيديو وأجرى مكالمات هاتفية. قال إن الشرطة قبضت عليه واعتقلته وعذبته أثناء الاحتجاز:
في حافلة الشرطة، بدأ أحد [الأعوان] بخنقني لإجباري على فتح هاتفي. ... أخذوني إلى مركز الشرطة في اللاك 1. وفصلوا ثلاثة منا، أنا و [طالب لجوء] سيراليوني و[المصاب] الليبيري ...
وضعونا [الشرطة] في حجرة خاصة، حيث عذبونا. استخدم [عونان بالزي الرسمي] ... عصا خشبية ... وضربونا على رؤوسنا وكاحلينا والأماكن توجد... اثنان [عونان آخران بالزي الرسمي] صدمونا بأجهزة إلكترونية مثل مسدسات الصعق الكهربائي ... أحد [رجل في ملابس مدنية] ... قال لي بالإنجليزية، "أنت ... تقول إن تونس ليست آمنة... أنتم المهاجرون واللاجئون السفلة تريدون تشويه إفساد صورتنا". ... أعوان الشرطة الآخرون كانوا يهينوننا بالعربية... عذبونا... لحوالي 45 دقيقة.
كما قال لاجئ سوداني لـ هيومن رايتس ووتش إنه تعرض للضرب والصعق الكهربائي على أيدي الشرطة في مركز اللاك 1 قبل نقله إلى سجن المرناقية.
قال أحد سكان تونس العاصمة، الذي ساعد عدة رجال في الحصول على المساعدة الطبية بعد الإفراج عنهم من سجن المرناقية في ماي أيار، إن لاجئَيْن، إريتري وآخر من أفريقيا الوسطى، قالا إن الشرطة استخدمت أسلحة كهربائية محمولة مثل الصواعق الكهربائية أثناء القبض عليهم. قال أيضا إن لاجئين إريتريين أخبروه أنه في مركز اللاك 1، "ضربتهم الشرطة... خارج نطاق الكاميرا".
قال طالب اللجوء السوداني الذي احتُجز وأفرج عنه في اليوم نفسه إنه رأى عدة محتجزين أفارقة نُقلوا إلى غرفة أخرى في المركز وسمعهم يبكون من الألم، ثم أخبره البعض فيما بعد أن الشرطة استخدمت أجهزة لصعقهم بالكهرباء. لقد أقنعه عنف الشرطة بمغادرة تونس. قال: "أطلب من بعض الأشخاص الذين أعرفهم مساعدتي في عبور البحر لأكون بعيدا عن هذا البلد".
الانتهاكات والاعتراض البحري من قبل حرس السواحل
من بين الأشخاص الستة الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش وحاولوا إجراء رحلة واحدة أو أكثر على متن قارب إلى أوروبا، تعرض خمسة منهم "لعمليات سحب" أو إعادة قسرية للقوارب المغادرة أو إجراءات أخرى من قبل السلطات لمنع الناس من مغادرة بلد ما خارج المعابر الحدودية الرسمية. يمكن أن تنتهك عمليات السحب حقوق الأفراد في طلب اللجوء ومغادرة أي بلد، سواء كانت دولتهم أو غيرها، ما يؤدي إلى محاصرة الأشخاص في مواقف تنطوي على انتهاكات.
وصف خمسة ممن تمت مقابلتهم الانتهاكات التي ارتكبتها السلطات التونسية أثناء أو بعد عمليات الاعتراض البحري (أربعة) أو عمليات الإنقاذ (واحد) قرب صفاقس بين 2019 و2023.
قال ساليف كيتا، وهو مالي عمره 28 عاما أعيد إلى وطنه في مارس/آذار، إنه حاول القيام برحلة على متن قارب في 2019، قادمًا من صفاقس. قال: "أخذ حرس السواحل الوطني محركنا وتركونا عالقين في البحر. كان علينا كسر قطع الخشب من القارب... للتجديف عائدين".
حاول رجل عاجي في صفاقس القيام برحلة بحرية في جانفي/كانون الثاني 2022. وقال إن حرس السواحل اعترضوهم وضربوا الركاب بالعصي. قال إنه رأى أثناء وجوده في البحر أيضا قاربا للمهاجرين كان بين ركابه أطفال وقلبته الأمواج الناجمة عن زورق حرس السواحل.
حاول رجل من مالي عمره 32 عاما القيام برحلة بحرية. كان قد دخل تونس بشكل نظامي، لكن انتهت صلاحية ختم دخوله. نظرا لتعذر حصوله على تصريح إقامة، انطلق في ديسمبر/كانون الأول 2021 في رحلة من نقطة قرب صفاقس في قارب مع حوالي 50 شخصا من غرب ووسط أفريقيا. وقال إن السلطات اعترضتهم خلال 15 دقيقة: "أخذوا أموال الناس أو هواتفهم... ومن لم يكن معهم [هاتف أو مال]، ضربوه وشتموه. حتى أنني رأيت [عنصرا] يضرب إحدى النساء... أخذوا هاتفي ".
قال رجل كاميروني عمره 24 عاما إن حرس السواحل أنقذوه هو وآخرين بعد أن انقلب قاربهم قرب صفاقس في أفريل/نيسان 2023. وبمجرد وصوله إلى اليابسة، أهانه الأعوان وبصقوا عليه وضربوه هو والناجين الآخرين قبل إطلاق سراحهم.
موسى كمارا، وهو مالي عمره 28 عاما في صفاقس، دخل تونس في ماي/أيار 2022. في ديسمبر/كانون الأول 2022، انطلق من صفاقس في قارب على متنه حوالي 25 من غرب أفريقيا. "بالكاد مرت 30 دقيقة، جاء [حرس السواحل] و[وضعوا قاربهم بجانب قاربنا] وقالوا" توقف! "لم نتوقف، لذلك بدأ أحد أعوان الحرس الوطني بضرب الناس بهراوة ... ضربوا ثلاثة رجال، بمن فيهم أنا... أصيب أحد أصدقائي". اقتادتهم السلطات إلى صفاقس وأفرجت عنهم.
بعد هذه التجربة، بقي كمارا في تونس، لكن غير رأيه بسبب خطاب سعيّد وتداعياته: "قررت أن أجرب [رحلة بحرية] مرة أخرى. قال الرئيس أن علينا مغادرة البلاد. إذا لم أغادر، فلن أجد مكانا أعيش أو أعمل فيه".
قال بن عمر، من المنتدى التونسي: "خلق الرئيس مناخا من الرعب للمهاجرين في تونس، لذلك يسارع الكثيرون إلى المغادرة. في الأشهر القليلة الماضية، بدأ حرس السواحل باستخدام الغاز المسيل للدموع لإجبار [القوارب] على التوقف... واستهدفوا المهاجرين الذين يحاولون تصويرهم... يصادرون الهواتف بعد كل عملية".
قالت متطوعة في "ألارم فون" في تونس العاصمة إن فريقها جمع روايات مماثلة: "منذ العام 2022، هناك نمط سلوك حرس السواحل التونسيين لمحاولة مهاجمة القوارب... باستخدام العصي لضرب الناس، وفي بعض الحالات [باستخدام] الغاز المسيل للدموع ... إطلاق النار في الهواء أو باتجاه المحرك... أحيانا... يتركون الناس عالقين [في البحر في قوارب معطلة]". تم الاستشهاد بالعديد من هذه الممارسات في بيان صدر في ديسمبر/كانون الأول من قبل أكثر من 50 مجموعة في تونس، ومرة أخرى في أفريل/نيسان.
دعم الاتحاد الأوروبي لمراقبة الهجرة
بين 2015 و2021، خصص الاتحاد الأوروبي 93.5 مليون يورو لتونس من "الصندوق الاستئماني للطوارئ لأفريقيا"، الذي سعى إلى مكافحة الهجرة غير النظامية والنزوح وعدم الاستقرار. وشمل ذلك 37.6 مليون يورو لـ "إدارة الحدود" وجهود مكافحة "تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر". ذكرت وثيقة صادرة عن الاتحاد الأوروبي في فبراير/شباط 2022 أن تمويل مكافحة التهريب/الاتجار "يوفر المعدات والتدريب لأعوان قوات الأمن الداخلي، وكذلك الجمارك التونسية".
وقالت الوثيقة نفسها إن الاتحاد الأوروبي "سيخصص" ما يصل إلى 85 مليون يورو للمشاريع المتعلقة بالهجرة في تونس في 2021-2022. ولم تحدد ما تم إنفاقه بالفعل، رغم أن وثيقة صادرة عن الاتحاد الأوروبي في فيفري/شباط 2021 تنص على أنه "يجري حاليا تنفيذ برنامج دعم كبير جدا ممول من الاتحاد الأوروبي، يستفيد منه حرس السواحل التونسي". كان من الممكن تخصيص ما يصل إلى 55 مليون يورو من 85 مليون يورو لدعم مراقبة الهجرة في تونس، بناءً على التفصيل في وثيقة العام 2022: إدارة الحدود (25 مليون يورو، بما في ذلك دعم حرس السواحل)؛ "حوكمة" الهجرة والحماية (6-10 مليون يورو)؛ الهجرة القانونية وتنقل العمالة (20-25 مليون يورو)؛ مكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بهم (12-20 مليون يورو)؛ وعمليات الإعادة (5 مليون يورو).
كما توضح وثيقة 2022 تفاصيل الدعم الثنائي المكثف لتونس من قبل إيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى. بالإضافة إلى "صندوقها للتعاون في مجال الهجرة (حوالي 10 ملايين يورو)"، قدمت إيطاليا المعدات (المركبات والقوارب وغير ذلك) "بقيمة إجمالية قدرها 138 مليون يورو منذ العام 2011" و"المساعدة الفنية المتعلقة بمراقبة الحدود (2017-2018)... لما مجموعه 12 مليون يورو"، والتي تضمنت دعم الشرطة والحرس الوطني التونسيين. كما قدمت ألمانيا القوارب والمركبات، بينما قدمت إسبانيا معدات تكنولوجيا المعلومات.
يتضمن برنامج الاتحاد الأوروبي للهجرة متعدد البلدان للجوار الجنوبي 2021-2027، الذي يشمل تونس، بعض العناصر الإيجابية – دعم تطوير سياسات اللجوء ومسارات الهجرة القانونية وإشراك المجتمع المدني – لكنه ما يزال يسلط الضوء على دعم "إجراءات إنفاذ القانون" و"سلطات حرس الحدود والسواحل" لمراقبة الحدود. تدمج مؤشرات المشروع الإشكالية عمليات اعتراض البحر وعمليات الإنقاذ ("عدد المهاجرين الذين تم اعتراضهم/إنقاذهم من خلال عمليات البحث والإنقاذ في البحر" و"على الأرض").
اقترح السياسيون الأوروبيون مرارا وتكرارا شراكات مختلفة للهجرة مع تونس، بما في ذلك مراكز خارجية لمعالجة الطلبات، وصفقات "الدولة الثالثة الآمنة"، والاتفاقيات التي يمكن أن تسمح بإعادة مواطني الدول الثالثة الذين عبروا تونس.
يعترف القانون الدولي بإمكانية تعيين دول ثالثة آمنة، ما يمكّن البلدان المستقبلة من نقل طالبي اللجوء على افتراض أن الدولة التي سافروا عبرها، أو أي دولة أخرى، يمكنها فحص طلبات لجوئهم بشكل عادل وتوفير حماية فعالة. تسرد المبادئ التوجيهية لمفوضية اللاجئين شروط عمليات النقل هذه، بما في ذلك احترام معايير قانون اللاجئين وحقوق الإنسان و"الحماية من تهديدات السلامة الجسدية أو الحرية". يتطلب توجيه إجراءات اللجوء في الاتحاد الأوروبي أن تفي الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بمعايير محددة ليتم تصنيفها على أنها "آمنة"، بما في ذلك "عدم وجود خطر التعرض لضرر جسيم".
نظرا إلى الانتهاكات الموثقة التي ارتكبتها قوات الأمن والهجمات المعادية للأجانب ضد المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين في تونس، بالإضافة إلى غياب قانون وطني للجوء في تونس، يبدو أن تونس لا تفي بمعايير قانون الاتحاد الأوروبي الخاصة بالدولة الثالثة الآمنة. ينبغي ألا يعاد الأفارقة السود على وجه الخصوص قسرا أو يتم نقلهم إلى تونس.
التوصيات
- ينبغي للبرلمان الأوروبي، في مفاوضاته مع مجلس الاتحاد الأوروبي بشأن ميثاق الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالهجرة واللجوء، أن يسعى إلى تقييد الاستخدام التقديري لمفهوم "الدولة الثالثة الآمنة" من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد. ينبغي أن تتفق مؤسسات الاتحاد ودوله الأعضاء على معايير واضحة لتعيين دولة "دولة ثالثة آمنة" لأغراض إعادة أو نقل مواطني دول أخرى، لضمان أن الدول الأعضاء في الاتحاد لا تضعف معايير الحماية في تطبيقها للمفهوم، وأن تحدد علنا ما إذا كانت تونس تفي بهذه المعايير، مع الأخذ في الاعتبار الهجمات والانتهاكات المستمرة ضد الأفارقة السود في تونس.
- ينبغي للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء المعنية تعليق التمويل وغيره من أشكال الدعم لقوات الأمن التونسية لمراقبة الحدود/الهجرة، وربط أي مساعدة مستقبلية بمعايير لحقوق الإنسان يمكن التحقق منها.
- ينبغي للحكومة التونسية التحقيق في جميع الانتهاكات المبلغ عنها ضد المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين المرتكبة من قبل السلطات أو المدنيين؛ وضمان المساءلة، بما يشمل الإجراءات القانونية المناسبة؛ وتنفيذ الإصلاحات وأنظمة الرقابة ضمن الشرطة والحرس الوطني (بما في ذلك حرس السواحل) والجيش لضمان احترام حقوق الإنسان، وإنهاء التمييز العنصري أو العنف، والامتناع عن زيادة الكراهية العنصرية أو التمييز ضد الأفارقة السود.