بيروت - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات الإيرانية كثّفت قمعها للمجتمع المدني مع اقتراب الذكرى السنوية لوفاة مهسا جينا أميني في الحجز، والتي أدت إلى احتجاجات عمّت البلاد. ينبغي لجميع وفود الدول الأعضاء في "الأمم المتحدة" التي تجتمع مع نظرائها الإيرانيين خلال أسبوع قادة "الجمعية العامة للأمم المتحدة" السنوي في نيويورك أن تتطرّق لمحنة النشطاء وتضعها في صلب نقاشاتها.
كثّفت السلطات الإيرانية قمع المعارضة والتعبير السلميّين من خلال الترهيب، والاعتقالات، والملاحقات القضائية، ومحاكمة النشطاء، والفنانين، والمعارضين، والمحامين، والأكاديميين، والطلاب، وأقارب الذين قتلوا خلال احتجاجات 2022. ردت السلطات أيضا على التحدي الواسع للحجاب الإلزامي بتكثيف جهودها لفرض قانون اللباس على النساء، باستخدام مجموعة من التكتيكات، منها الاستدعاءات القانونية، والمبادرات التشريعية الجديدة، وزيادة الضغط على الشركات الخاصة لفرض قانون الحجاب.
قالت تارا سبهري فر، باحثة أولى في شؤون إيران في هيومن رايتس ووتش: "تحاول السلطات الإيرانية تضييق الخناق على المعارضين لمنع إحياء ذكرى وفاة مهسا جينا أميني في الحجز، والتي أصبحت رمزا لقمع الحكومة الممنهج للنساء، والظلم والإفلات من العقاب. لكن السلطات الإيرانية لا تستطيع محو الإحباط المتزايد، وتعالي الأصوات المطالبة بالتغيير الجذري، والمقاومة والتضامن في المجتمع الإيراني في مواجهة القمع المتزايد".
استهدفت السلطات أقارب الذين قتلوا أو أعدِموا خلال الاحتجاجات، وصعّدت ضغوطها على هذه العائلات في الأشهر الأخيرة.
تُحقّق جماعات حقوق الإنسان في مقتل أكثر من 500 شخص، بينهم 69 طفلا، خلال الاحتجاجات. جمعت هيومن رايتس ووتش تقارير عن الذين استُجوبوا، واعتُقلوا، وحوكموا و/أو حُكم عليهم بالسجن خلال الشهر الماضي من أقارب 36 شخصا على الأقل ممن قُتلوا أو أُعدموا بعد محاكمات غير عادلة خلال احتجاجات العام الماضي. في 14 أغسطس/آب، أفادت "بي بي سي فارسي" أن السلطات ضغطت على عائلات ضحايا الاحتجاجات لتجنب إقامة مراسم تأبين لأحبائهم.
لاحقت السلطات أيضا المحامين الذين يعملون من أجل حقوق المحتجين أو عائلاتهم أو يدعمونها. اتُهم صالح نيكبخت، المحامي الذي يمثل عائلة أميني، بـ "الدعاية ضد الدولة" في "الفرع 28" من المحكمة الثورية الإسلامية في طهران. قال محامي نيكبخت لـ "وكلابرس" إن التهمة تنبع من مقابلات نيكبخت مع وسائل إعلام محلية وأجنبية حول عدة قضايا اجتماعية وسياسية، منها قضية أميني.
أفادت "شبكة كردستان لحقوق الإنسان"، وهو موقع إخباري مستقل، أن السلطات القضائية استدعت 55 محاميا إلى "الفرع 2" من مكتب مدعي عام الثورة في بوكان، بمحافظة كردستان في إيران، في يوليو/تموز. قال التقرير إن نيابة بوكان تقدمت بشكوى ضد هؤلاء المحامين بسبب توقيعهم على بيان أعلنوا فيه استعدادهم لتقديم المساعدة القانونية لعائلة أميني.
تصاعدت حملة القمع أيضا في حرم الجامعات. جمعت هيومن رايتس ووتش حالات فصل، أو إيقاف عن العمل، أو تقاعد إجباري، أو عدم تجديد العقود لـ 27 مدرسا جامعيا على الأقل انتقدوا سياسات الحكومة، منذ أواخر يوليو/تموز، قبل بداية العام الدراسي الحالي. من المرجح أن العدد الفعلي أعلى.
في 14 أغسطس/آب، ذكرت صحيفة "شرق" اليومية أن مديري الجامعات صعّدوا الضغوط على الطلاب، وأخضعوا عشرات الطلاب في جامعات "العلامة الطباطبائي"، و"تربية مدرس"، و"بوعلي سينا" لإجراءات تأديبية. وفقا لقاعدة بيانات "اللجنة التطوعية لمتابعة أوضاع المحتجزين"، تعرّض 161 طالبا على الأقل منذ سبتمبر/أيلول الماضي لإجراءات تأديبية بسبب نشاطهم المتعلق بالاحتجاجات.
واجه الفنانون الذين أبدوا دعمهم لحركة الاحتجاج أعمالا انتقامية واعتقالات وملاحقات قضائية. في 28 أغسطس/آب، مثلا، اعتقلت السلطات المغني والملحن مهدي يراحي، بعدما أصدر أغنية لدعم الحركة الاحتجاجية. أفادت "ميزان نيوز"، وكالة أنباء القضاء، أن يراحي اتُهم بـ "إصدار أغنية غير قانونية".
في 12 يوليو/تموز، أعلن أسد الله جعفري، رئيس السلطة القضائية في محافظة أصفهان، أن مغني الراب المعتقل توماج صالحي، الذي اعتُقل خلال الاحتجاجات، حُكم عليه بالسجن لستة أعوام وثلاثة أشهر بتهمة "الإفساد في الأرض".
ما يزال مغني الراب الكردي سامان صيدي (ياسين) في السجن، حيث اعتُقل أيضا خلال الاحتجاجات ويواجه تهم "العداء للدولة" لحيازة سلاح و"التآمر لتهديد الأمن القومي". أفادت شبكة كردستان لحقوق الإنسان بتعرّضه للتعذيب الجسدي والنفسي أثناء احتجازه، بما في ذلك الحبس الانفرادي والضرب المبرح، كما أنه حاول الانتحار.
في فبراير/شباط، أعلنت السلطات الإيرانية عن عفو واسع، شمل إطلاق سراح أو عفو أو تخفيف أحكام، بحق المعتقلين أو المتهمين أو المحتجزين خلال الاحتجاجات الواسعة في إيران. عقب إعلان العفو، أطلقت السلطات الإيرانية سراح العديد من المعتقلين. في 13 مارس/آذار، قال حجت الاسلام اژهای، رئيس السلطة القضائية الإيرانية، في مقابلة إن أوامر العفو المتعلقة بالاحتجاجات شملت 22 ألف شخص.
لكن العفو استثنى العديد من المدافعين الحقوقيين المحكومين بالسجن لفترات طويلة والمحتجين المتهمين بتهم عقوبتها الإعدام. منذ أبريل/نيسان، اعتقلت السلطات أو حكمت على، أو استدعت إلى السجن عشرات المدافعين الحقوقيين، منهم نشطاء حقوق العمال، وصحفيين، ومدافعين عن حقوق المرأة. كان بعضهم قد أُطلق سراحهم وحصلوا على عفو منذ أشهر فقط.
في واحدة من أحدث الاعتقالات الجماعية، في 16 أغسطس/آب، أفادت المنظمة المستقلة لحقوق المرأة "بیدارزني" أن قوات الأمن الإيرانية داهمت عدة منازل واعتقلت 12 شخصا، بينهم 11 مدافعة عن حقوق المرأة وناشطا سياسيا في محافظة گيلان. أصدر مكتب المخابرات العامة في محافظة گيلان بيانا قال فيه إنه اعتقل شبكة من 12 شخصا "كانوا يخططون لزعزعة الأمن". اعتادت المخابرات والسلطات القضائية توجيه تهم غامضة تتعلق بالأمن القومي في إجراءات قضائية لا تفي أبدا بالمعايير الدولية.
بالإضافة إلى حملتها الوحشية على المعارضة السلمية، كثّفت السلطات الإيرانية منذ بداية الصيف ضغوطها المنسّقة لفرض قوانين الحجاب الإلزامية في البلاد. حاكمت السلطات نساء، منهن مشاهير، لظهورهن في الأماكن العامة دون حجاب، وأصدرت مخالفات مرورية لسيارات تُقلّ راكبات دون حجاب، وأغلقت شركات، من ضمنها المقاهي ومكاتب القطاع الخاص، لعدم امتثالها لقوانين الحجاب، وفقا للعديد من تقارير إعلامية محلية.
في حالات حديثة، أمر القضاء الإيراني ممثلتين على الأقل أدينتا لعدم امتثالهما لقوانين الحجاب الإلزامي بالخضوع للعلاج النفسي. احتجّت جمعيات الصحة العقلية الإيرانية على هذه الأوامر.
تُراجع "اللجنة القضائية البرلمانية" حاليا مشروع قانون الحجاب والعفة المكوّن من 70 مادة والذي ينص على فرض عقوبات إضافية، منها غرامات إضافية والفصل من العمل والتعليم، لمن يظهرن دون الحجاب. في 13 أغسطس/آب، أحال البرلمان الإيراني التشريع إلى مراجعة اللجنة القضائية البرلمانية، دون مناقشة عامة حول مشروع القانون.
قمعت السلطات الإيرانية بوحشية الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت في سبتمبر/أيلول 2022، باستخدام القوة المفرطة والقاتلة واعتقلت عشرات الآلاف من المتظاهرين والمعارضين السلميين. وثّقت هيومن رايتس ووتش الاستخدام الواسع للعنف وسوء المعاملة، بما يشمل التحرش الجنسي والتعذيب والانتهاكات الجسيمة للإجراءات القانونية الواجبة ضد المعتقلين، من ضمنهم الأطفال. أعدمت السلطات سبعة أشخاص حُكم عليهم في محاكمات لم تمتثل إلى حد كبير للمعايير الدولية المتعلقة بالاحتجاجات.
قالت سبهري فر: "كان المجتمع الدولي صريحا في دعم حركة الاحتجاج عندما خرج الناس إلى الشوارع في إيران العام الماضي. لكن تحقيق الحقوق والمساواة التي طالب بها المحتجون هو عمل يتطلب جهودا على مدى أجيال وليس أشهر. ينبغي لمن رفعوا صوتهم التركيز الآن على دعم النشطاء، والفنانين، والأكاديميين، والمحامين، والطلاب، وعائلات القتلى، وأعضاء المجتمع المدني وجميع الذين يدفعون ثمنا باهظا لمقاومتهم المستمرة للقمع".