(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن انتخاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لولاية ثالثة مدتها ست سنوات جاء بعد حملة اعتقالات، وترهيب، وشروط مرهقة على المرشحين، ما منع أي منافسة حقيقية. أعلنت السلطات في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023 فوز السيسي بـ 89.6% من الأصوات في الانتخابات التي جرت من 10 إلى 12 ديسمبر/كانون الأول.
في الأشهر التي سبقت الانتخابات، قمعت قوات الأمن الاحتجاجات السلمية، وضايقت واحتجزت وحاكمت عشرات الصحفيين والنشطاء السياسيين والحقوقيين. استهدفت السلطات غالبا المؤيدين المفترضين لأحمد الطنطاوي وأفراد عائلته، وهو معارض قوي للقيادة المصرية ومنافس محتمل على الرئاسة، ونجحت باستبعاد ترشيحه من خلال منعه من التأهل. بمنع إجراء انتخابات تنافسية، قوّضت السلطات بشدة الحق في المشاركة السياسية.
قال عمرو مجدي، باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول، قضت حكومة عبد الفتاح السيسي بإحكام على أي منافسة محتملة. قضاء الحكومة على الانتخابات المستقلة هو الفصل الأخير من حملة القمع المستمرة التي دمرت إلى حد كبير الفضاء المدني وكبّلت المشاركة السياسية في البلاد خلال العقد الماضي".
استخدمت السلطات مجموعة من الأدوات القمعية للقضاء على المنافسين المحتملين. أنهى الطنطاوي، وهو عضو سابق في مجلس النواب ويُنظر إليه على نطاق واسع على أنه المنافس الأبرز للسيسي، حملته الانتخابية في أكتوبر/تشرين الأول بعد فشله في التأهل. في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، أحالت السلطات الطنطاوي، ومدير حملته، و21 من مؤيديه المعتقلين إلى المحاكمة أمام محكمة ابتدائية، فقط بسبب حملته السلمية لكسب الدعم. ستعقد الجلسة القادمة في هذه القضية في 9 يناير/كانون الثاني 2024.
وثّقت هيومن رايتس ووتش سابقا كيف كثفت السلطات أساليب الترهيب غير القانونية ضد الطنطاوي، الرئيس السابق لـ "حزب الكرامة" الناصري اليساري، وعائلته ومؤيديه، بعد أن أعلن في مارس/آذار أنه سيعود إلى مصر من الخارج للترشح للرئاسة. بعد هذا الإعلان، سارعت السلطات إلى القبض على العديد من أفراد عائلته في أبريل/نيسان ومايو/أيار، لكنها أطلقت سراحهم لاحقا بدون محاكمة، حسبما قال محام حقوقي لـ هيومن رايتس ووتش.
بعد عودة الطنطاوي إلى مصر في مايو/أيار، تمكنت حملته من حشد دعم نادر وواضح في الشارع، كما يتضح في فيديوهات في وسائل التواصل الاجتماعي والتقارير الإعلامية، بالإضافة إلى مئات آلاف المتابعين في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي لحملته. إلا أن حملة الطنطاوي لم تتمكن من الحصول على تأييد 20 عضوا في مجلس النواب أو 25 ألف ناخب في 15 محافظة على الأقل، وهما شرطان يلزِم القانون الراغب في الترشح في الانتخابات الرئاسية بتحقيق أحدهما.
تهيمن الأحزاب المؤيدة للسيسي بأغلبية ساحقة على مجلس النواب وتوافق على القرارات الحكومية بدون تدقيق، بما يشمل التعديلات الدستورية لعام 2019 التي عززت سلطة السيسي عبر السماح له بالترشح لفترة إضافية واحدة بالإضافة إلى الفترتين السابقتين، ومددت أيضا فترة ولايته الحالية من أربع إلى ست سنوات.
بموجب مرسوم "الهيئة الوطنية للانتخابات" الصادر في 25 سبتمبر/أيلول، يمكن للمواطنين المصريين تسجيل توكيلهم لمرشح ما بزيارة أحد مكاتب التوثيق الحكومية المخصصة البالغ عددها 217، التابعة لوزارة العدل، حيث يمكنهم التوقيع على استمارة إلكترونية بحضور أحد موظفي المكتب. يمكن للمصريين في الخارج تسجيل التوكيل في بعثات دبلوماسية معيّنة. سمحت السلطات بـ 20 يوما فقط لتقديم التوكيلات، من 25 سبتمبر/أيلول إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول.
قالت هيومن رايتس ووتش إن حملة التواصل التي قام بها الطنطاوي، وخاصة جهود جمع التوكيلات من الجمهور، واجهت قمعا شديدا من قبل الأجهزة الأمنية. في 13 أكتوبر/تشرين الأول، أنهى الطنطاوي حملته الانتخابية، قائلا إنه لم يتمكن من جمع إلا نحو نصف عدد التوكيلات المطلوبة. وثّقت هيومن رايتس ووتش ثماني حالات مُنع فيها الأفراد من تقديم توكيل للطنطاوي أو غيره من المنافسين المحتملين للسيسي.
كما استهدفت السلطات الطنطاوي وأنصاره باعتقالات واسعة. حتى 25 سبتمبر/أيلول، حين أعلِن جدول التصويت الرسمي، كانت قوات الأمن سبق أن اعتقلت 73 من أنصار الطنطاوي ومتطوعيه في أكثر من 12 محافظة، بحسب "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وهي منظمة حقوقية مستقلة رائدة. قالت المبادرة إنه حتى نوفمبر/تشرين الثاني، كان العدد قد ارتفع إلى 127 على الأقل.
اتهمت النيابة معظمهم بجرائم تتعلق بالإرهاب و"نشر أخبار كاذبة". قالت المبادرة، التي حضر محاموها بعض جلسات استجواب النيابة، إن قوات الأمن اعتقلت العديد منهم لمجرد أنهم ملأوا استمارة على الإنترنت للتطوع في حملة الطنطاوي أو لمشاركتهم في نشاط على وسائل التواصل الاجتماعي.
منذ أوائل 2023 وحتى منتصف سبتمبر/أيلول، اعتقلت قوات الأمن نحو 2,028 شخصا على خلفية الممارسة السلمية لحرية التعبير والتجمع، وفقا لحملة حقوق الإنسان المستقلة "حتى آخر سجين". وقالت الحملة إنه لاحقا أطلِق سراح 627 منهم فقط.
أفادت هيومن رايتس ووتش أوائل نوفمبر/تشرين الثاني أن السلطات اعتقلت وحاكمت خلال الشهر السابق عشرات المشاركين في عدة احتجاجات سلمية مناهضة للحكومة في جميع أنحاء البلاد، وكان بعضها على صلة بالانتخابات. اتهمت السلطات عديد من المعتقلين بجرائم تتعلق بالإرهاب والتجمع غير القانوني، بناء على القانونيين الصادرين في 2013 و1914 بشأن التجمع، واللذين يفرضان قيودا شديدة ويجرّمان التجمعات لخمسة أشخاص أو أكثر.
ما يزال الآلاف محبوسين احتياطيا أو يقضون أحكاما في قضايا تتعلق بالتجمع السلمي، ووسعت السلطات استخدام نظام الاتصال عبر الفيديو (الفيديو كونفرنس)، وهو منتهِك بطبيعته، لتجديد الحبس الاحتياطي دون مثول المحبوسين حضوريا أمام القاضي. قالت هيومن رايتس ووتش إن هذه الانتهاكات الواسعة والمزمنة كان لها آثار محبطة على المشاركة السياسية في الفترة التي سبقت الانتخابات.
كما قوّضت السلطات بشدة حرية وسائل الإعلام والحق في الوصول إلى المعلومات. في عهد الرئيس السيسي، أدرجت منظمات مراقبة حرية الصحافة مصر كل عام تقريبا منذ العام 2014 ضمن الدول الـ 10 التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين.
في 2023، استهدفت السلطات الصحفيين ووسائل الإعلام قبل الانتخابات. في أكتوبر/تشرين الأول، أحال "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" عاملين في موقع "مدى مصر" الإعلامي المستقل إلى النيابة العامة بتهمة "مزاولة أنشطة إعلامية دون ترخيص" و"نشر أخبار كاذبة دون التأكد من مصادرها".
في فبراير/شباط، أحالت النيابة العامة ثلاثة صحفيين من مدى مصر إلى المحاكمة في قضية أخرى تتعلق بتقرير يزعم وجود فساد في "حزب مستقبل وطن" الموالي للسيسي. في يونيو/حزيران، منعت السلطات الوصول إلى موقعين إخباريين مستقلين، "مصر 360" و"السلطة الرابعة"، وفقا لمنظمات حقوقية محلية ودولية، لينضما بذلك إلى مئات المواقع المحجوبة منذ 2017.
قال مجدي: "من الواضح أن الانتخابات كانت تمثيلية لا معنى لها، لم يكن السيسي يرغب فيها في مواجهة منافس حقيقي. منع التعددية السياسية لترسيخ حكم الرجل الواحد ليس الحل لتحقيق الاستقرار الحقيقي، والازدهار، والحكم الرشيد".
القضاء على منافسي الرئاسة
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع ثلاثة محامين حقوقيين يمثلون محتجزين من حملة الطنطاوي في مدن مختلفة يخضعون للتحقيق من قبل "نيابة أمن الدولة العليا" سيئة السمعة، والتي غالبا ما تعمل بالتنسيق مع "قطاع الأمن الوطني" التعسفي لحبس المعارضين السياسيين. قال المحامون إن السلطات اعتقلت الأشخاص بناءً فقط على الاعتقاد بأنهم يدعمون الطنطاوي.
قال أحد المحامين إن قوات الأمن اعتقلت في 20 سبتمبر/أيلول اثنين من موكليه، رجل (42 عاما) وامرأة (45 عاما)، من منزليهما في محافظتي المنوفية والمنصورة، بعد أن نشرا تغريدات في موقع "إكس"، "تويتر" سابقا، تدعم الطنطاوي والتغيير الديمقراطي.
قال محام آخر، يمثل أربعة محتجزين، إن أحدهم، وهو موظف (36 عاما) في شركة نفط، اعتُقل في 9 أكتوبر/تشرين الأول في مقهى بمدينة السويس بعد أن فتشت الشرطة سيارته وعثرت على بيانات غير رسمية تدعم الطنطاوي. قال المحامي إن من بين المحتجزين الأربعة امرأة (28 عاما) اعتقلتها الشرطة من مكان عملها بمدينة الأقصر بعد يوم من تنظيمه اجتماعا لبعض أنصار الطنطاوي في أحد مقاهي الأقصر، وفقا لمصدر في حملة الطنطاوي. أمرت نيابة أمن الدولة العليا بحبس الجميع احتياطيا.
في 9 أكتوبر/تشرين الأول، اعترفت وزارة الداخلية في بيان رسمي باعتقال قوات الأمن ثمانية أشخاص في أربع محافظات لجمعهم توكيلات غير رسمية لـ "مرشح" دون أن تسمي الطنطاوي، بحجة أنها "توكيلات مزورة". قال محمد لطفي، مدير منظمة "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" المستقلة، لـ هيومن رايتس ووتش إن نيابة أمن الدولة العليا اتهمت الثمانية، ومن بينهم طفل عمره 16 عاما، بـ "المشاركة في جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها"، وأمرت بحبسهم جميعا احتياطيا.
وضّحت المقابلات، وعشرات الفيديوهات في وسائل التواصل الاجتماعي، والتقارير الإعلامية الدولية والمصرية، الترهيب الذي مارسته السلطات في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول. ويشمل التعليمات الأمنية للفنادق بمنع استضافة أي مؤتمرات للمعارضة، والمضايقات البدنية من قبل عناصر الأمن بملابس مدنية أو أعضاء الأحزاب المؤيدة للسيسي ضد الأشخاص الذين حاولوا تسجيل توكيلهم لمرشحين آخرين، والعوائق البيروقراطية لتسجيل التوكيلات.
استخدمت السلطات المضايقات أيضا ضد جميلة إسماعيل، رئيسة "حزب الدستور" والسياسية البارزة، التي أوقفت أيضا حملتها الانتخابية في أكتوبر/تشرين الأول.
قالت طالبة في جامعة القاهرة (21 عاما) ومتطوعة في حملة الطنطاوي لـ هيومن رايتس ووتش إنها ذهبت في أكتوبر/تشرين الأول مع متطوع آخر إلى أحد مكاتب الشهر العقاري بالقاهرة للقاء أنصار الطنطاوي، لكن ثلاثة من عناصر الشرطة أوقفوهما، والتقطوا صورا لبطاقتيهما الوطنيتين، وفتشوا هاتفيهما الشخصيين، واستجوبوهما عن هويتهما وماذا كانا يفعلان هناك.
في 30 سبتمبر/أيلول، روت إلهام عيدروس، الناشطة اليسارية والنسوية وإحدى مؤسسي "حزب العيش والحرية"، في فيديو في مكتب الشهر العقاري في حي المهندسين في القاهرة، أن مجموعة من المجهولين أخافوها بمجموعة من البلطجية ومنعوها بالقوة هي والقيادي البارز في "حزب المحافظين" مجدي حمدان من الدخول إلى مكتب الشهر العقاري بعد أن ألمح كلاهما إلى أنهما لن يعطيا توكيلا للرئيس السيسي. قالت عيدروس لـ هيومن رايتس ووتش إنها تقدمت بشكوى إلى النيابة العامة، لكن محاميها قال إنه لم يتم التحقيق فيها قط. نشر حمدان فيديو على فيسبوك يلقي فيه باللوم على أنصار السيسي في الهجوم.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ثلاث نساء ورجل ذهبوا إلى عدة مكاتب للشهر العقاري بين أواخر سبتمبر/أيلول ومنتصف أكتوبر/تشرين الأول لتقديم توكيلات رسمية. قالت إحداهم، وهي صحفية(45 عاما)، إنها ذهبت في 6 أكتوبر/تشرين الأول مع خمسة آخرين إلى مكتب شهر عقاري في القاهرة لتسجيل توكيلها لإسماعيل، لكنهم وجدوا باب المكتب مغلقا أثناء ساعات العمل. قالت إن الستة انتظروا على الدرج المؤدي إلى مدخل المكتب إلى أن قامت مجموعة من المجهولين الذين يحملون صور السيسي "بدفع الجميع بعيدا" وإغلاق المدخل. غادر الستة بدون تسجيل توكيلاتهم.
قالت صحفية (27 عاما)، وصحفية (35 عاما)، والطالبة في جامعة القاهرة إنهن بين 26 سبتمبر/أيلول و14 أكتوبر/تشرين الأول، زرن بشكل منفصل عدة مكاتب شهر عقاري في محافظتَي القاهرة والقليوبية المجاورة لتقديم توكيلات للطنطاوي، ولكن في كل مرة كان يقابلهم أشخاص مجهولون وصفوهم بـ "البلطجية"، يدفعون أنصار الطنطاوي ويضايقونهم أمام المكاتب. قالت الثلاثة إن الشرطة كانت حاضرة أحيانا لكنها لم تتدخل.
قالت الصحفية البالغة من العمر 27 عاما إنه، في 26 سبتمبر/أيلول، هاجمتها مجموعة من النساء هي وصديقة لها خارج مكتب الشهر العقاري. قالت إنهن ضربن صديقتها على وجهها وسحبنها من شعرها لمدة 15 دقيقة تقريبا، ولم يسمحن لهما بالمغادرة إلا عندما قالتا إنهما لن يقدما توكيلات. كان عنصرا شرطة حاضرَيْن أثناء الهجوم، وقال أحدهما لصديقتها "خذيها وارحلي، أفضل من التعرض لمزيد من الإهانة".
راجعت هيومن رايتس ووتش 24 فيديو على إكس، تويتر سابقا، نشرها مصريون حاولوا تقديم توكيلات داخل البلاد وفي السفارات في الخارج بين 27 سبتمبر/أيلول و7 أكتوبر/تشرين الأول. في هذه الفيديوهات، قال المواطنون إنهم مُنعوا من تقديم توكيلات للطنطاوي في 20 مكتبا في أنحاء البلاد وسفارتين في الخارج على الأقل.
في بعض الحالات، قال الأشخاص في الفيديوهات إن موظفي الشهر العقاري رفضوا طلباتهم لتقديم التوكيلات، وقدموا أسبابا غامضة، منها أن نظام التسجيل الإلكتروني لم يكن يعمل. وفي حالات أخرى، قال الأشخاص في الفيديوهات إنه لم يُسمح لهم بدخول مكاتب الشهر العقاري لأن الموظفين أغلقوا الأبواب، أو أن المداخل كانت مغلقة ويسيطر عليها مجهولون لم يسمحوا إلا لمؤيدي الرئيس السيسي بالدخول. في مقطعَيْ فيديو، قال مواطنون يعيشون في الخارج إن القنصليات أو السفارات المصرية في السعودية وجنوب أفريقيا رفضت طلباتهم لتقديم توكيلات للطنطاوي.
تظهر في مقطعَيْ فيديو على إكس بتاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول مجموعة من أنصار الطنطاوي يحتجون على منعهم من تقديم التوكيلات داخل مكتب الشهر العقاري في مدينة العاشر من رمضان في القاهرة. أظهر فيديو آخر، أيضا في 3 أكتوبر/تشرين الأول، مجموعة من المواطنين أمام أحد مكاتب الشهر العقاري في الإسكندرية وهم يصرخون قائلين إن موظفي المكتب رفضوا السماح لهم بتقديم توكيلات للطنطاوي. قال أحدهم إنه ظل يزور مكتب الشهر العقاري لستة أيام لكنه لم يتمكن قط من تقديم التوكيل.