Skip to main content

الإنترنت الغدّار: التجريم الإلكتروني لأفراد مجتمع الميم-عين

نُشر في: Advocate
© 2023 كرستينا عتيق لـ هيومن رايتس ووتش

أثناء إجرائي بحوث تقرير الاستهداف الرقمي للأشخاص المثليين/ات، ومزدوجي/ات التوجه الجنسي، وعابري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم-عين) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحدثت إلى يامن، وهو رجل مثلي من الأردن. أخبرني أنه تعرض للابتزاز عبر الإنترنت من قبل رجل هدّده بنشر فيديو فاضح ليامن على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنه يندم بشدة على ذهابه إلى السلطات لطلب الحماية. بدلا من محاكمة المبتز، حكمت محكمة أردنية على يامن بالسجن ستة أشهر بتهمة "الترويج للدعارة على الإنترنت"، بناء على قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015 في البلاد.

تجربة يامن ليست الوحيدة. في السنوات الأخيرة، أصدرت عدة حكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منها مصر، والأردن، والسعودية، وتونس، قوانين للجرائم الإلكترونية تستهدف المعارضة وتقوّض الحق في حرية التعبير والخصوصية. غالبا ما تُنشئ قوانين الجرائم الإلكترونية صلاحيات تحقيق جديدة، منها السماح للسلطات باعتراض بيانات الأشخاص، والاحتفاظ بها، والوصول إليها. الحصول على البيانات من خدمات الإنترنت، مثل منصات التواصل الاجتماعي، قد يكون ضروريا لمحاكمة الجرائم الإلكترونية، لكن فقط عندما تراعي هذه الصلاحيات الإجراءات القانونية الواجبة. هذه القوانين، إلى جانب القوانين الحالية التي تُجرّم السلوك المثلي، أو بنود "الآداب" وقوانين الدعارة، خلقت أيضا مناخا خطيرا قد يُحاكم فيه أفراد مجتمع الميم-عين لمجرد التعبير عن أنفسهم على الإنترنت، حتى في البلدان التي لا تُجرم العلاقات المثلية. كما أن مقترحا لمعاهدة عالمية للجرائم الإلكترونية من شأنه تسهيل التعاون الدولي في مجموعة من الأنشطة التي تسهّلها التكنولوجيا والتي تُجرّمها الحكومات محليا - حتى لو كانت تنتهك حقوق الإنسان. قد تنص هذه القوانين المحلية على عقوبة السجن لثلاث أو أربع سنوات على الأقل، ما قد يؤدي إلى محاكمة أفراد مجتمع الميم-عين خارج الحدود.

مثلا، فرّ محمد البُكاري، وهو ناشط يمني، سيرا على الأقدام من اليمن إلى السعودية بعدما هددت جماعات مسلحة بقتله بسبب نشاطه على الإنترنت وهويته الجندرية غير المعيارية. أثناء إقامته في الرياض، نشر فيديو على تويتر يعلن فيه دعمه لحقوق مجتمع الميم-عين. اتهمته السلطات السعودية عندئذ بـ "الترويج للمثلية على الإنترنت" بموجب قانون الجرائم الإلكترونية وحكمت عليه بالسجن 10 أشهر، حيث احتُجز انفراديا لأسابيع، وأخضِع لفحص شرجي قسري، وضُرب مرارا.

تجعل بعض الحكومات التعبير عن الذات عبر الإنترنت جريمة خاصة بالنسبة لأفراد مجتمع الميم-عين. في أبريل/نيسان، أقرّ البرلمان العراقي قانونا خطيرا مناهضا لمجتمع الميم-عين، وهو تعديل على "قانون مكافحة البغاء" القائم حينها في البلاد. بالإضافة إلى معاقبة العلاقات الجنسية المثلية بالسجن حتى 15 سنة، ينصّ القانون الجديد على السجن 7 سنوات بتهمة "الترويج للشذوذ المثلي"، بما فيه عبر منصات الإنترنت. عندما وثّقتُ أعمال القتل والاختطاف والعنف الجنسي والتعذيب ضد مجتمع الميم-عين على يد الجماعات المسلحة في العراق، أدركتُ بسرعة أن التهديدات عبر الإنترنت، والتي تعتمد في حالات كثيرة على نشاط الضحايا على مواقع التواصل الاجتماعي، يتبعها غالبا عنف وحشي خارج الإنترنت، ما يُظهر علاقة مميتة بين التحرش الرقمي والأذى الجسدي. يُضفي القانون الجديد الشرعية على التمييز الذي يُغذّي العنف المتفشي

ضد مجتمع الميم-عين، ولا يُجرّم وجودهم فحسب، بل يُجرم أيضا أي شيء يقولونه عن الموضوع على الإنترنت.

الحكومات هي الجهة المسؤولة في المقام الأول عن حماية حقوق الإنسان، بما في ذلك على الإنترنت. لكن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها، تستخدم السلطات النشاط عبر الإنترنت كسلاح لتبرير اضطهادها لمجتمع الميم-عين. يتفاقم هذا بسبب عدم معالجة المنصات الرقمية الكبرى مثل "ميتا"، الشركة الأم لـ "فيسبوك" و"إنستغرام"، للضرر الناجم عن الاستخدام المسيء لخدماتها والتخفيف منه بشكل فعال. رغم البلاغات العديدة عن المضايقات عبر الإنترنت والمحتوى المسيء، نادرا ما تتحرك منصات مثل فيسبوك وإنستغرام، ما يُعرّض المستخدمين من مجتمع الميم-عين لمزيد من الأذى.

لهذا السبب، أطلقت "هيومن رايتس ووتش" في 2024 حملة "نحو منصات آمنة". تهدف الحملة إلى إشراك فيسبوك وإنستغرام ليكونا أكثر شفافية ومسؤولية من خلال نشر بيانات مفيدة حول الاستثمار في سلامة المستخدم، بما في ذلك ما يتعلق بالإشراف على المحتوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحول العالم. تُقدّم الحملة أيضا مجموعة متنوعة من الحلول الممكنة لـ ميتا للحفاظ على أمان مجتمع الميم-عين على منصاتها.

تعتمد الحملة على تقرير الاستهداف الرقمي الصادر في 2023، والذي قابلتُ أثناء إعداده 120 شخصا من مجتمع الميم-عين في خمسة بلدان، وقد أبلغ العديد منهم فيسبوك وإنستغرام عن التحرش عبر الإنترنت والمحتوى المسيء. لكن المنصات لم تحذف المحتوى في أي من هذه الحالات، بدعوى أنه لا ينتهك معايير مجتمعها أو إرشاداتها.

يتضمن هذا المحتوى كشف الهوية الجندرية أو التوجه الجنسي لأفراد مجتمع الميم دون موافقتهم ونشر معلومات تعريفية عنهم وتهديدات لهم بالقتل، ما أدى في حالات كثيرة إلى عواقب وخيمة خارج الإنترنت على أفراد مجتمع الميم-عين. بالإضافة إلى عدم كشف أنظمة الإشراف في ميتا لهذا المحتوى، لم تكن ميتا فعّالة في إزالة المحتوى الضار عند الإبلاغ عنه. يمكن للاستجابة في الوقت المناسب تخفيف الضرر خارج الإنترنت. ينبغي لشركات مواقع التواصل الاجتماعي، منها الشركات الكبرى مثل ميتا، إعطاء الأولوية لأمن وحقوق جميع المستخدمين، وضمان عدم تحول منصاتها إلى أدوات للاضطهاد.

لا تقتصر مكافحة التجريم الإلكتروني لأفراد مجتمع الميم-عين على الإصلاح القانوني فحسب، بل تتعلق أيضا بإنشاء مساحات رقمية أكثر أمانا وشمولا. تكشف روايتي يامن والبكاري عن واقع قاس يواجهه الكثيرون، حيث أن طلب الحماية أو التعبير عن الهوية قد يؤديان إلى السجن والعنف.

من خلال معالجة الهياكل القانونية التي تُجرّم مجتمع الميم-عين، والمنصات الرقمية التي تُمكّن الاضطهاد، يمكننا أن نبدأ بالحد من القمع الرقمي وإنشاء سبل آمنة لحرية التعبير للجميع، بمن فيهم أفراد مجتمع الميم-عين.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.