Skip to main content
تبرعوا الآن

أزمة الفقر في لبنان: حاجة ملحة إلى ضمان اجتماعي شامل

بيان مشترك للمجتمع المدني

 

أظهرت بيانات جديدة في لبنان نشرها "البنك الدولي" أرقاما مقلِقة، إذ يعيش أكثر من 70% من السكان الفقر متعدد الأبعاد. يسلط ذلك الضوء على فشل وسائل الضمان الاجتماعي التي تعتمد على قياس القدرات المالية، والمدعومة من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي – التي تغطي نحو خُمس السكان فقط – في معالجة هذا الوضع كما يجب. في حين أن الحكومة بدأت بعض الخطوات نحو إيجاد  ضمان اجتماعي شامل منذ 2023، إلا أن مزيدا من الإصلاحات البنيوية أصبح أكثر إلحاحا.

يقدّر تقرير البنك الدولي، "تقييم وضع الفقر والإنصاف في لبنان 2024: التغلب على أزمة طال أمدها" المنشور في مايو/أيار 2024، أن 73% من اللبنانيين وكامل السكان غير اللبنانيين تقريبا، ولا سيما السوريون، يعيشون في حالة فقر متعدد الأبعاد، تتضمن عناصر تؤثر على حقوق الإنسان مثل الحصول على الكهرباء، والرعاية الصحية، والتعليم. نسبة السكان الذين يعيشون في حالة فقر نقدي – الذي حدده البنك الدولي في يناير/كانون الثاني 2023، بأولئك الذين يستهلكون أقل من 53.4 مليون ليرة لبنانية لكل شخص سنويا، أي ما يعادل 3 دولارات أمريكية يوميا – ارتفعت ثلاثة أضعاف خلال العقد الأخير، حتى بلغت 44% من السكان. ويشتد الوضع سوءا في شمال لبنان، وبين اللاجئين السوريين حيث يعيش تسعة من كل 10 أشخاص في حالة فقر نقدي.

ورغم انتشار الفقر وارتفاع معدلاته، فإن المقاربة اللبنانية للضمان الاجتماعي غير القائم على الاشتراكات لا تزال تعتمد بشكل كبير على قياس القدرات المالية، حيث تستهدف التغطية فقط الـ 20% الأفقر من السكان وتهمل الأغلبية. انطلقت هذه المقاربة مع "البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا"، واستُكملت بـ "المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة للأزمة وجائحة كوفيد-19". هذه البرامج، التي يمولها البنك الدولي وحكومات مانحة، تحدد المستهدَفين عبر ما يسمى "القياس غير المباشر للقدرات المالية" عبر تقييم أكثر من 40 مؤشرا، بما في ذلك الدخل، والممتلكات، وجودة السكن، والمهنة، والخصائص الديموغرافية.

تعرّض القياس غير المباشر لانتقاد واسع من قبل خبراء السياسات الاجتماعية، والأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان بسبب ارتفاع معدل الأخطاء، والسياسات التمييزية، والصور النمطية حول الفقر. ورغم النقاش الدائر حول تعديل هذه البرامج، تُواصل التغييرات المقترحة المقاربة نفسها القائمة على القياس غير المباشر للقدرات المالية. علاوة على ذلك، إن تمويل هذه البرامج بشكل أساسي عبر قروض من البنك الدولي، بدل الدخل المحلي التصاعدي، يجعلها غير مستدامة ويساهم في زيادة الدين اللبناني المرتفع.

منذ 2023، أخذت الحكومة خطوات من أجل إنشاء نظام ضمان اجتماعي أكثر توافقا مع الحقوق. كانت هذه خطوات ضرورية لمواكبة إلغاء الدعم تدريجيا عن المنتجات الغذائية، والوقود، والدواء. في أبريل/نيسان 2023، أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية، بدعم تقني ومالي من "اليونيسف" و"منظمة العمل الدولية"، برنامج البدل النقدي للأشخاص ذوي الإعاقة الوطني، الذي قدم بدلا شهريا قدره 40 دولار للأشخاص ذوي الإعاقة بين سن الـ 18 و28. في ديسمبر/كانون الأول من السنة نفسها، أقر البرلمان القانون رقم 319، الذي أدخل نظاما للمعاشات التقاعدية قائما على الاشتراكات في إطار "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي". في فبراير/شباط 2024، نشرت الحكومة "الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية" الأولى، ملتزِمةً برؤية طموحة من أجل تحويل نظام الضمان الاجتماعي الفاشل الحالي إلى نظام أكثر شمولا.

مع ذلك، ورغم اتخاذ الحكومة خطوات تشير إلى انفتاحها على الشمولية، يستمر البنك الدولي بالدعوة إلى القياس غير المباشر للقدرة المالية.  في التقرير، الذي نُشر مع البيانات، يعترف البنك الدولي بالحاجة إلى "تقوية شبكة الأمان الاجتماعية، وضمان أن يكون لجميع الأسر المحتاجة مدخل إلى الموارد الأساسية، بما في ذلك ما يكفي من الغذاء، والرعاية الصحية، والتعليم". لكنه يقترح تحقيق ذلك عبر "استهداف أفضل للفقراء".

الإصرار على قياس القدرة المالية، وهي ممارسة يعتمدها البنك الدولي كثيرا وندد بها "التحالف العالمي من أجل أرضيات الحماية الاجتماعية" وأكثر من 100 من منظمات المجتمع المدني على مدى سنوات، بطبيعته تشوبه العيوب. وهو غير منطقي، تحديدا في بلدان مثل لبنان، حيث يعيش معظم السكان في حالة فقر، كما تشير بيانات البنك الدولي نفسه. مهمة تحديد الأشخاص الأكثر عرضة للخطر والوصول إليهم شبه مستحيلة، ما يجعل توزيع المساعدات أقرب إلى اختيار شبيه بسحب القُرعة مليء بالأخطاء، ويقوّض الثقة بنظام يُنظر إليه على أنه تعسفي. الدعوة إلى نظام معقد ومكلِف لتحديد الفقراء، في حين أن 70% من السكان يقعون في هذه الفئة، غير عملية بتاتا، وتعكس مقاربة متزمتة بدل مقاربة تعتمد على الأدلة من أجل إعمال الحقوق. هذه الأنظمة لا تفشل في تحقيق الأثر المبتغى فحسب، إنما أيضا تزيد التوترات، وتقوض الثقة في مجتمعات منقسمة أصلا، بدل تعزيز التعاضد، واللحمة الاجتماعية، والعقد الاجتماعي.

علاوة على ذلك، يتجاهل البنك الدولي حقيقة أن الضمان الاجتماعي حق إنساني بموجب القانون الدولي، يحق للجميع التمتع به، بغض النظر عن الدخل أو الممتلكات. انطلاقا من أن الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية للأشخاص تتعرض لخطر متزايد خلال الأحداث الشائعة في الحياة، مثل الطفولة، أو الشيخوخة، أو البطالة، أو المرض، يجب أن تقوم أهلية الشخص لبرنامج الضمان الاجتماعي على كونه يقع في إحدى هذه الفئات، وليس على دخله أو ثروته.

من جهتها، تقاعست الحكومة اللبنانية عن اتخاذ خطوات ملائمة لإصلاح، وتوسيع، وتمويل نظام الضمان الاجتماعي الحالي. منذ 2019، يعيش سكان لبنان أزمة اقتصادية ومالية تُعتبر من الأشد عالميا منذ منتصف القرن الـ19. رسّخت الأزمة انعدام المساواة المزمن في لبنان. مع ذلك، بعد خمسة أعوام من الأزمة أبدت الحكومة تقاعسا صارخا عن الالتزام بواجباتها المتعلقة بحقوق الإنسان، وعن الاستفادة من مختلف الخيارات المتاحة أمامها لجمع الأموال، ومنها معالجة مكافحة التهرب الضريبي وتجنب دفع الضرائب المستشري، واعتماد الضريبة التصاعدية، ولم تقر ميزانية حتى الآن من أجل ضمان الحد الأدنى من حق الناس في الضمان الاجتماعي.

ندعو البنك الدولي، و"صندوق النقد الدولي"، والمانحين الدوليين، بمن فيهم دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، إلى وقف الدعوة إلى برامج قياس القدرات المالية الضيقة وتمويلها. بدل ذلك، على هذه الجهات أن تدعم الحكومة في توسيع البرامج الشاملة، مثل برنامج البدل النقدي للأشخاص ذوي الإعاقة، وتطبيق أنظمة شاملة أخرى، مثل المعاش الاجتماعي وإعانة الأطفال الشاملة. على الحكومة الاستمرار في تقدمها نحو الشمولية، ترجمة الأقوال بالأفعال، زيادة الاستثمارات في الضمان الاجتماعي عبر الدخل المحلي التصاعدي، والإسراع في إنشاء آلية لمعالجة الشكاوى المتعلقة بالضمان الاجتماعي. بدون هذه الإصلاحات، لن تزداد أزمة الفقر وحقوق الإنسان في لبنان إلا سوءا.

الموقعون: 

  • التحالف العالمي من أجل أرضيات الحماية الاجتماعية
  • الجامعة الأميركية في بيروت: جامعة السن
  •  جعل الأمهات مهمات
  • جمعية أصدقاء المعوقين
  • جمعية أمل الدولية
  •  دليل التضامن "دليل التضامن"
  • شبكة المجتمع المدني للحماية الاجتماعية
  • شبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية
  • الشيخوخة في نيبال
  • صناع العدالة بنغلاديش في فرنسا
  • العمل ضد انتهاكات حقوق الأشخاص المستضعفين
  • العمل ضد انتهاكات حقوق النساء المهمشات من أجل التنمية
  • كنيسة آكت السويدية
  • لحركة النسوية للعدالة الاقتصادية والايكولجية والتنمية في مينا
  • مبادرة الإصلاح العربي
  •  مبادرة السياسة
  • مبادرة السياسة الاجتماعية
  • المبادرة العالمية من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
  • مبادرة إيقاظ العملاق للاتحاد اللوثري العالمي
  • مركز الدراسات لكبار السن
  • مركز العلوم الاجتماعية للأبحاث التطبيقيّة
  • مركز تنمية النقابات الحرة
  • مسارات التنمية
  • مشروع بريتون وودز
  • معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط
  • معهد التنمية والبحث والدعوة والرعاية التطبيقية
  • منظمة العفو الدولية
  • منظمة هيلب إيج الدولية
  • مؤسسة أبيني روما
  •  نحن الحركات الاجتماعية
  • النضال الوطني ضد الفقر
  • النهضة العربية للديمقراطية والتنمية
  • هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة