Skip to main content
تبرعوا الآن
Would you like to read this page in English?
Yes

رسالة "هيومن رايتس ووتش" إلى رئيس الوزراء اللبناني المكلف نواف سلام

القاضي نواف سلام
رئيس الوزراء المكلف
قريطم، بيروت
لبنان

دولة رئيس الوزراء المكلف نواف سلام المحترم،

تحية طيبة وبعد،

نيابة عن "هيومن رايتس ووتش"، أتقدم إليكم بأحر التهاني بمناسبة تعيينكم مؤخرا رئيسا لوزراء لبنان. نتطلع إلى العمل مع حكومتكم بشأن القضايا البالغة الأهمية المتعلقة بحقوق الإنسان والحوكمة، ونأمل أن تكون ولايتكم فترة من الحوار البنّاء والإصلاح.

هيومن رايتس ووتش منظمة غير حكومية محايدة، تدافع عن حقوق الإنسان وترصد قضايا حقوقية وتعد تقارير عنها في أكثر من 100 دولة حول العالم، منها لبنان.

تابعنا عملكم في "محكمة العدل الدولية" باهتمام كبير، ويشمل ذلك إعلانكم القوي في العام الماضي الذي يعلّل القرار القائل إن إسرائيل ترتكب الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، ودعوتكم في 2019 إلى حصول سكان جزر تشاغوس على تعويضات عن تهجيرهم القسري، وهي مواقف ندعمها بقوة.

نحن على يقين من أنكم تدركون التحديات الهائلة التي تنتظر لبنان. أدت العواقب المدمرة للأعمال العدائية مع إسرائيل إلى تفاقم الأزمات القائمة أصلا في البلاد، والتي قوّضت حقوق الناس في لبنان على نطاق واسع. قوضت الأطراف السياسية القضاء اللبناني وأخضعته للتدخل السياسي المستمر من أجل حماية أولئك الذين نسب إليهم بشكل ذي مصداقية الضلوع في الجرائم والانتهاكات، ومنهم مسؤولو الدولة، من المساءلة، بما يشمل قضية انفجار بيروت وقضايا الجرائم المالية المرتبطة بالانهيار الاقتصادي في لبنان. نخرت عقود من سوء الإدارة والفساد المؤسسات العامة في لبنان، ما أدى إلى تقويض حقوق الناس في التعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي، والكهرباء. دُمِّر الاقتصاد بفعل الأزمة المالية والاقتصادية التي أفقرت معظم السكان وسلبتهم مدخراتهم. كما أن سجون لبنان لا تستوعب السجناء، إذ تحوي 300% طاقتها الاستيعابية، و70٪ من نزلائها موقوفون احتياطيا.

في خطابكم الأول كرئيس وزراء مكلف، صرّحتم بأنه "حان الوقت لبدء فصل جديد [في لبنان]. فصل نريده متجذرا في العدالة والأمن والتقدم والفرص ليكون لبنان بلد المواطنين الأحرار المتساوين بالحقوق والواجبات ". وأكدتم على الضرورة الملحة لإعادة بناء القرى والمنازل المهدمة في جميع أنحاء لبنان، بما فيه جنوب لبنان والبقاع وبيروت، والحاجة إلى بناء "اقتصاد حديث ومنتِج" يرتكز على "قيام دولة قادرة وعادلة ذات إدارة شفافة وفاعلة". كما سلّطتم الضوء بشكل خاص على الحاجة إلى دولة تجسد "في جميع الحقول والمجالات، دون استثناء، المبادئ العالمية لحقوق الإنسان، كما نصت عليه أيضا مقدمة الدستور المعدل". أكدتم على الحاجة إلى قضاء مستقل حقا، ووعدتم بالعمل على تحقيق العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت عام 2020 وعائلاتهم، وإنصاف المودعين الذين فقدوا مدخراتهم خلال الانهيار الاقتصادي في لبنان.

بالاتجاه نفسه، أكد الرئيس المعين حديثا جوزاف عون في خطابه أمام مجلس النواب أن "مرحلة جديدة من تاريخ لبنان" بدأت، وتعهد "بحماية قدسية الحريات الفردية والجماعية". قال عون إنه لن يكون هناك تدخل في عمل القضاء في عهده، "ولا حصانات لمجرم أو فاسد"، ووعد بإصلاح نظام السجون في لبنان، وتعزيز نظام الضمان الاجتماعي في لبنان، والبنية التحتية الصحية، والتعليم العام، واحترام حرية الإعلام والحق في حرية التعبير "ضمن الأطر الدستورية والقانونية [في لبنان]". كما تعهد عون بالعمل مع الحكومة الجديدة لتبني قانون جديد بشأن استقلالية القضاء، وإضفاء الطابع المهني على عمل النيابات العامة في لبنان، وإجراء التعيينات القضائية على أساس معايير النزاهة والجدارة.

تبعث المشاعر التي عبّرتم عنها مع الرئيس عون على الأمل في أن يتمكن لبنان من القطع مع الماضي ودخول مرحلة جديدة تتميز بحكومة مسؤولة تحترم حقوق الإنسان وتحققها، وترسّخ سيادة القانون. نعتقد أنه ينبغي للحكومة القادمة العمل على تبني برنامج يركز على حقوق الإنسان ويضمن حقوق جميع الناس في لبنان دون تمييز. نشجعكم على تقديم التزامات ملموسة بتحقيق التقدم وإصلاحات أساسية للناس في لبنان، تشمل المساءلة عن جرائم الحرب المرتكبة على الأراضي اللبنانية، وانفجار بيروت في أغسطس/آب 2020، والانهيار الاقتصادي، والقضاء المستقل حقا، والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي تسعى إلى إنشاء مؤسسات للدولة تخضع للمحاسبة، والحماية التي تعزز حرية التعبير وحقوق المرأة وحقوق جميع الأشخاص، بمن فيهم السجناء والموقوفون.

يجب أن يعطي برنامج حقوق الإنسان هذا الأولوية للمجالات الرئيسية التالية:

 

1. إعادة الإعمار والتعافي

قتلت الهجمات الإسرائيلية في لبنان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 4,285 شخصا، وجرحت أكثر من 17,200 آخرين، وحوَّلت عشرات القرى الحدودية إلى أنقاض، وأصابت أكثر من 100 ألف وحدة سكنية في جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت بأضرار، مع خسائر اقتصادية بلغت نحو 8.5 مليار دولار، بحسب "البنك الدولي". كما تضررت عشرات المرافق الصحية، والمستشفيات، والمدارس، ومرافق المياه. بحسب "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية"، ما يزال أكثر من 115 ألف شخص نازحين وغير قادرين على العودة إلى ديارهم.

ينبغي للحكومة اللبنانية القادمة مواصلة العمل مع المانحين لتقديم الدعم لإعادة الإعمار، بشرط تقييم ونشر تكاليف الأضرار المادية الناجمة عن الحرب بشكل صحيح، ونشر المعلومات بانتظام حول تخصيصات التمويل، والنفقات، والنتائج. ينبغي للحكومة اللبنانية وضع التدابير اللازمة لمنع سوء إدارة أموال المانحين وضمان تمكين الأشخاص المتضررين من الحرب من إدراك حقوقهم في التعويضات والإسكان والتعليم والرعاية الصحية، من بين حقوق أخرى. لضمان جهود إعادة الإعمار المناسبة والفعالة وطويلة الأمد، ينبغي للحكومة اللبنانية القادمة ضمان أن تكون أي جهود لإعادة الإعمار شفافة، وخاضعة للمحاسبة، وخالية من الفساد.

2. المساءلة عن الهجمات غير القانونية وجرائم الحرب المفترضة

وثَّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية لبنانية ودولية أخرى كيف قتلت الهجمات الإسرائيلية غير القانونية بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ونوفمبر/تشرين الثاني 2024 عشرات الأشخاص في لبنان، لكن الحكومة اللبنانية لم تتخذ حتى الآن خطوات لضمان العدالة للضحايا من خلال آليات المساءلة الدولية. في أبريل/نيسان 2024، أصدرت الحكومة اللبنانية قرارا تاريخيا دعا وزير الخارجية إلى تقديم إعلان إلى قلم "المحكمة الجنائية الدولية"، بموجب المادة 12(3) من "نظام روما الأساسي"، يمنح المحكمة الاختصاص للتحقيق في الجرائم الجسيمة المرتكبة على الأراضي اللبنانية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 وملاحقتها.

للأسف، لم تتابع وزارة الخارجية القرار مطلقا، وألغته الحكومة لاحقا. ندعkو الحكومة اللبنانية إلى تغيير هذا المسار من خلال التصديق على نظام روما وتقديم إعلان إلى المحكمة لمنحها الاختصاص بأثر رجعي.

وثّقت هيومن رايتس ووتش سلسلة من الهجمات غير القانونية وجرائم الحرب المفترضة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في لبنان، بما فيها الهجمات المتعمدة على ما يبدو على الصحفيين وقوات حفظ السلام والمسعفين والأعيان المدنية، بالإضافة إلى الاستخدام غير القانوني للأجهزة المفخخة والاستخدام واسع النطاق للفوسفور الأبيض، بما فيه في المناطق السكنية المأهولة بشكل غير قانوني.

نعتقد أن هناك خطوات مهمة يمكن للحكومة القادمة اتخاذها للتحقيق في الانتهاكات وتعزيز إمكانية المساءلة. دعت هيومن رايتس ووتش لبنان والدول الأعضاء الأخرى في "الأمم المتحدة" إلى عقد جلسة خاصة في "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" لإنشاء آلية تحقيق دولي في جميع انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها جميع الأطراف المشاركة في النزاع في لبنان. يمكن لهذا التحقيق توثيق الجرائم المستمرة، وجمع الأدلة، ونشر نتائجه علنا. كما ندعو حكومتكم إلى دعوة "مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة إلى القيام بمهمة تحقيقية توثق الهجمات غير القانونية، منها جرائم الحرب المرتكبة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وديسمبر/كانون الأول 2024، وتنشر تقارير علنية عنها.

3. استقلالية القضاء

لسنوات، وثّقت منظمات حقوق الإنسان اللبنانية والدولية التدخل السياسي المتكرر في القضاء، بالإضافة إلى التحقيقات المعيبة في جرائم القتل ذات الحساسية السياسية، وانتقدت الافتقار إلى قضاء مستقل، ما سمح لثقافة الإفلات من العقاب بالازدهار. نعتقد أنه من الهام أن تعمل الحكومة القادمة مع البرلمان بشكل ملحّ لسن قانون بشأن استقلال القضاء يفي بالمعايير الدولية. كذلك، ينبغي للحكومة العمل على إصلاح قانونَيْ أصول المحاكمات الجزائية والمدنية اللبنانيَّيْن لضمان عدم خضوع التحقيقات القضائية للتدخل والعرقلة السياسيَّيْن. في مارس/آذار 2023، قدم تسعة أعضاء في البرلمان اللبناني مشروعَيْ قانونين يعززان استقلالية التحقيقات القضائية ومنع التدخل السياسي بتعديل المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني، والمادة 52 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وكلاهما استُخدم لشلّ التحقيق في انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، والتحقيقات الأخرى في الجرائم المالية ومزاعم الاحتيال.

"مشروع قانون استقلال القضاء وشفافيته" لعام 2018 و"مشروع قانون القضاء الإداري" لعام 2020 قيد المراجعة من قبل لجنة نيابية. انتقدت منظمات حقوقية لبنانية محاولات "لجنة الإدارة والعدل" البرلمانية ووزير العدل لتعديل مشاريع القوانين بطريقة تتعارض مع المعايير الدولية.

اعتمدت "اللجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون" (لجنة البندقية) رأيين منفصلين حول كل من مشروع قانون استقلال القضاء وشفافيته ومشروع قانون القضاء الإداري، حيث قدمت إلى الحكومة اللبنانية والبرلمان توصيات تهدف إلى جعلها متوافقة مع المعايير الدولية. ينبغي للحكومة اللبنانية العمل مع البرلمان لضمان أن تعكس مشاريع القوانين توصيات لجنة البندقية وغيرها من المعايير الدولية بشأن استقلالية القضاء، مثل "المبادئ الأساسية للأمم المتحدة لعام 1985 بشأن استقلال القضاء"، و"التعليق العام رقم 32" للجنة حقوق الإنسان بشأن المادة 14 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، وقد تسعى الحكومة اللبنانية أيضا إلى الحصول على مساعدة فنية من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بشأن القضايا المتعلقة بمشاريع قوانين استقلال القضاء.

كما ينبغي للحكومة العمل مع البرلمان لإنهاء اختصاص المحاكم العسكرية في لبنان بمحاكمة المدنيين.

في السنوات الأخيرة، استخدمت السلطات اللبنانية الولاية القضائية القانونية للمحكمة العسكرية على المدنيين كوسيلة لترهيبهم أو معاقبتهم على النشاط السياسي أو لقمع المعارضة. كشف تحقيق أجرته هيومن رايتس ووتش عام 2017 عن العديد من انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة والقانون الدولي المتأصلة في محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية في لبنان. العديد من القضاة ضباط عسكريون عيَّنهم وزير الدفاع وخاضعون له، ما يقوض استقلالية المحكمة. يروي الذين مثلوا أمام المحاكم العسكرية التعرض للاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والاستجواب بدون محام، وسوء المعاملة والتعذيب، واستخدام الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، والقرارات الصادرة دون تفسير، والأحكام التي تبدو تعسفية، والقدرة المحدودة على الاستئناف. لا يحق للمحاكم العسكرية محاكمة المدنيين. يجب أن يكون للمحكمة العسكرية اختصاص قضائي ينحصر في المسائل العسكرية البحتة، دون القضايا التي يكون يكون الضحية أو المدعى عليه فيها مدني. ينبغي للحكومة اللبنانية القادمة العمل مع البرلمان لإنهاء هذا الانتهاك الممارس، وسن قانون لإزالة المدنيين من اختصاص المحكمة العسكرية بالكامل.

4. المساءلة عن انفجار بيروت

عرقلت السلطات اللبنانية مرارا التحقيق المحلي في انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020 بحماية السياسيين والمسؤولين المتورطين في الانفجار من الاستجواب والملاحقة القضائية والاعتقال. كما لم تتخذ السلطات اللبنانية في أي خطوات مهمة لتمكين التحقيق المحلي من الاستئناف دون تدخل غير مبرر، ودعم حقوق الضحايا في الإنصاف الفعال والحقيقة والعدالة.

بعد نحو أربع سنوات ونصف على الانفجار المدمر في مرفأ بيروت، لم يُحاسَب أحد، وتوقفت التحقيقات فعليا منذ ديسمبر/كانون الأول 2021 بسبب سلسلة من الطعون القانونية ضد القاضي طارق بيطار قدمها سياسيون متهمون بارتكاب جرائم تتعلق بالانفجار. في يناير/كانون الثاني 2023، اتخذ القاضي بيطار خطوات للتغلب على الحواجز القانونية التي تمنعه ​​من استئناف عمله، وأمر بالإفراج عن خمسة من المشتبه بهم، وادّعى على آخرين واستدعاهم للاستجواب، بمن فيهم المدعي العام السابق غسان عويدات. ردا على ذلك، أمر عويدات الأجهزة الأمنية بعدم تنفيذ أوامر بيطار "الباطلة"، واتهم بيطار بارتكاب عدة جرائم، منها "اغتصاب السلطة"، وأمر بالإفراج عن جميع المعتقلين في القضية. ما يزال التحقيق في الانفجار عرضة للتدخل وما يزال تعوقه العرقلة المنهجية والترهيب والجمود السياسي. بحسب تقارير إعلامية، استأنف القاضي طارق بيطار عمله في التحقيق الأسبوع الماضي واستدعى 10 أشخاص إضافيين، منهم موظفون في المرفأ ومسؤولون أمنيون، ومن المقرر عقد جلسات تحقيق في مارس/آذار وأبريل/نيسان.

بالإضافة إلى العمل مع مجلس النواب لاعتماد القوانين اللازمة بشأن استقلالية القضاء، ينبغي للحكومة العمل على إزالة الحواجز القانونية والسياسية التي منعت قاضي التحقيق في هذه القضية من استئناف عمله بسبل تشمل إجراء التعيينات القضائية اللازمة، بما يتماشى مع المعايير الدولية بشأن استقلالية القضاء، وإزالة الحصانات التي تحمي المسؤولين الحكوميين من المساءلة، وضمان قدرة قوات الأمن على تنفيذ طلبات التحقيق والاعتقال الصادرة عن القاضي بيطار.

5. إصلاحات اجتماعية وسياسية تحترم الحقوق

كما أشرتم في كلمتكم في القصر الرئاسي في بعبدا، فإن عقودا من سوء الإدارة والفساد أدت إلى إفراغ مؤسسات لبنان، وحرمت الناس في لبنان من حقوقهم. يشمل ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الحق في التعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي، والكهرباء، ومستوى معيشي لائق. بحسب البنك الدولي، فإن الأزمة الاقتصادية في لبنان كانت من بين "أشد الأزمات حدة على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر"، وهي نتاج ثلاثة عقود من السياسة المالية والنقدية المتعمدة والمتهورة. وتكشف بيانات البنك الدولي الجديدة في لبنان عن أرقام مثيرة للقلق تشير إلى أن 80% تقريبا من السكان يعانون من الفقر متعدد الأبعاد.

ينبغي للحكومة اللبنانية العتيدة أن تعمل بشكل عاجل مع البرلمان لإقرار بعض القوانين التي وافق عليها لبنان سابقا كجزء من اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي في 2022، لا سيما قوانين "الكابيتال كونترول" والسرية المصرفية، التي من شأنها الإفراج عن مليارات الدولارات من الموارد المالية المتاحة للبنان، وتضعه على طريق التعافي المستدام. ينبغي للحكومة أيضا تطبيق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2020 – 2025، وضمان إعطاء اللجنة الوزارية لمكافحة الفساد واللجنة الفنية الداعمة لها الصلاحيات الكافية، وحصولهما على الموارد والخبرة الفنية اللازمة لتنفيذ الاستراتيجية ومراقبتها.

شدة الأزمة الاقتصادية تؤكد الحاجة الملحة إلى نظام ضمان اجتماعي شامل في لبنان يتماشى مع الحقوق ولا يستثني أحدا، ويحقق حق الجميع في الضمان الاجتماعي وفي مستوى معيشي لائق. ينبغي للحكومة اللبنانية العتيدة إدراك مدى تأثير الأزمة الاقتصادية، ووضع نظام ضمان اجتماعي يوفّر مجموعة من الحقوق تماشيا مع المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و"توصية منظمة العمل الدولية بشأن أرضيات الحماية الاجتماعية" (رقم 202)، مثل تقديمات الأطفال والأمومة والإعاقة والبطالة، بالإضافة إلى معاشات الشيخوخة، حيث تتحمل الدولة مسؤولية ضمان تمتع الجميع بالأمن الغذائي وأمن الدخل.

منذ 2023، اتخذت الحكومة بعض الخطوات نحو إنشاء نظام ضمان اجتماعي أكثر انسجاما مع الحقوق. وكان الأمر له أهمية خاصة في عملية التخلص التدريجي من دعم المنتجات الغذائية، والوقود، والأدوية. في أبريل/نيسان 2023، أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان، بدعم فني ومالي من اليونيسف ومنظمة العمل الدولية، برنامج "البدل النقدي" الوطني لذوي الإعاقة، الذي يقدم دخلا شهريا قدره 40 دولار للأشخاص ذوي الإعاقة، بين سن الـ 18 والـ 28. في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، أقر البرلمان القانون 319، مقدما نظاما جديدا قائم على الاشتراكات للمعاشات التقاعدية في إطار الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. في فبراير/شباط 2024، أصدرت حكومة تصريف الأعمال "الاستراتيجية الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية"، التزاما برؤية طموحة لتحويل نظام الضمان الاجتماعي الفاشل الحالي إلى نظام أكثر شمولا. رغم ذلك، فإن السلطات اللبنانية متأخرة بشكل فادح في عن حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب اللبناني وإحقاقها، إذ إن 20% فقط من السكان مؤمنين بشكل من أشكال الضمان الاجتماعي. أحد أسباب ذلك هو عدم استفادتها من الخيارات المتعددة المتاحة لها لجمع الأموال، بما في ذلك مكافحة التهرب الضريبي والتجنب الضريبي، واعتماد إصلاحات ضريبية تصاعدية.

ينبغي للحكومة العتيدة أن تبني على التقدم المحرَز للوصول إلى ضمان اجتماعي شامل، وأن تترجم الالتزامات إلى أفعال عبر زيادة الاستثمارات في الضمان الاجتماعي الشامل، من خلال توليد إيرادات محلية متزايدة. بإمكان الحكومة حشد الموارد المحلية لتوسيع نطاق التغطية، والوصول تدريجيا إلى الضمان الاجتماعي الشامل. من الخطوات المهمة في هذا الصدد إنشاء هيئة وطنية موحدة لتنفيذ سياسات الحماية الاجتماعية التي تضم الوزارات والإدارات العامة المعنية، والجهات الفاعلة في المجتمع المدني. بدون هذه الإصلاحات، فإن أزمة الفقر وحقوق الإنسان في لبنان ستتفاقم.

كما فاقمت أزمة الكهرباء في لبنان عدم المساواة في البلاد، ما قيّد بشكل كبير قدرة الناس على التمتع بحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية أخرى، ودفعهم إلى مزيد من الفقر. على الحكومة اللبنانية العتيدة أن تباشر تطبيق القانون 462/2002، الذي ينظم قطاع الكهرباء، وينشئ هيئة تنظيم قطاع الكهرباء، ويفصل أنشطة الكهرباء، وإصدار أي مراسيم تنفيذية ضرورية لتطبيقه. ينبغي للحكومة العتيدة أن تصدر مرسوم تعيين أعضاء هيئة تنظيم قطاع الكهرباء في عملية اختيار شفافة قائمة على الجدارة، وضمان قدرة هيئة تنظيم قطاع الكهرباء على القيام بعملها بطريقة مستقلة وذاتية. ينبغي للحكومة أيضا العمل على ضمان حصول جميع السكان على تغذية مستمرة من الكهرباء النظيفة، وبأسعار معقولة، والاعتراف بها حقا من حقوق الإنسان، مع التركيز على زيادة القدرة على التوليد من الطاقة الكهرومائية، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية.

أخيرا ينبغي للحكومة ضمان خضوع جميع المؤسسات العامة – بما فيها تلك المتعلقة بالتعليم، والضمان الاجتماعي، والصحة العامة، والكهرباء، والبيئة – لسياسات تعزز عملها السليم، وشفافيتها، ومساءلتها.

6. حرية التعبير

في السنوات الأخيرة، استُخدمت قوانين القدح والذم في لبنان انتقائيا ضد الصحفيين والنشطاء، وغيرهم من المواطنين الذين كتبوا عن فساد المسؤولين، أو أبلغوا عن سوء سلوك الأجهزة الأمنية، أو انتقدوا الوضع السياسي والاقتصادي الحالي، أو فضحوا انتهاكات ضد الفئات الضعيفة. وفي السنوات القليلة الماضية، شهدت البلاد زيادة مقلقة في الانتهاكات ضد حرية التعبير والخطاب السلمي. استخدمت شخصيات وطنية سياسية ودينية نافذة قوانين القدح والذم والتحقير اللبنانية لإسكات الانتقادات غير العنيفة، لا سيما ضد أولئك الذين يوجهون اتهامات بسوء السلوك أو الفساد.

يجرّم قانون العقوبات اللبناني القدح والذم بحق المسؤولين ويسمح بالسجن حتى سنة واحدة في مثل هذه الحالات. كما يسمح بالسجن حتى عامين لتحقير الرئيس أو العلم أو الشعار الوطني. قانون القضاء العسكري يحظر تحقير العلم أو الجيش، وهي جريمة يعاقَب عليها بالسَّجن حتى ثلاث سنوات. وتحظر قوانين أخرى التعبير الذي يُعتبَر مسيئا للدين أو الكلام الذي يحرّض على الطائفية. تُظهر حالات حققت فيها هيومن رايتس ووتش أن هذه القوانين استُخدمت لإسكات خطاب ليس مشروعا فحسب، بل أيضا ضروري ليكون المجتمع فاعلا وحيويا ويحكمه القانون.

ندعوكم إلى إعلاء الصوت ليكون هناك مبدأ قائم على رفض استخدام نصوص القدح والذم والتحقير، والعمل مع البرلمان لإلغاء نصوص القدح والذم والتحقير في قانون العقوبات، وضمان إزالة مثل هذه النصوص من مشروع قانون الإعلام المقترح، الذي يُفترض أن يتماشى مع المعايير الدولية بشأن حرية التعبير، كما هو موضح في "التعليق العام رقم 34" للجنة حقوق الإنسان بشأن المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

نحثّكم على حماية الحق في كل من حرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات، والخصوصية، والمساواة، وعدم التمييز للجميع في لبنان، بمن فيهم المثليون/ات، ومزدوجو/ات التوجه الجنسي، وعابرو/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم-عين).

7. حقوق المرأة

في لبنان، تميّز قوانين الأحوال الشخصية المختلفة بحسب الدين ضد المرأة، وتسمح للمحاكم الدينية بالتحكم بالمسائل المتعلقة بالزواج، والطلاق، وحضانة الأطفال. قانون الجنسية اللبناني يمنع النساء اللبنانيات من إعطاء الجنسية لأطفالهن وأزواجهن الأجانب. وبموجب جميع قوانين الأحوال الشخصية، يمكن اعتبار المرأة متمردة قانونيا (ناشز) إذا غادرت منزل الزوجية، ورفضت العيش مع زوجها بدون سبب تعتبره المحاكم الدينية مشروعا، حتى في حالات التعنيف. المرأة التي يثبت أنها ناشز لا يحق لها الحصول على نفقة زوجية (دعم مالي) من زوجها.

ينبغي للحكومة اللبنانية العتيدة العمل مع البرلمان لإصلاح القوانين التمييزية في لبنان بطريقة تضمن المعاملة المتساوية بين جميع الرجال والنساء في جميع المسائل التي تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، الجنسية، والزواج، والطلاق، ومعاملة الأطفال بعد الطلاق، وحرية التنقل.

ينبغي للحكومة اللبنانية العمل مع البرلمان لإقرار قانون من شأنه تعزيز حماية النساء المعنفات. بحسبما وثّقت منظمات حقوقية لبنانية ودولية، فإن وصول النساء إلى العدالة في حالات العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي غالبا ما يعيقه نظام العدالة الجنائية اللبناني. يشمل ذلك غياب التحقيقات الفعالة التي تراعي الجندر، وانعدام كفاءة الأشخاص المولجين إجراءها، ونقص الموارد، بالإضافة إلى السياسات والممارسات التمييزية، والصور النمطية الجندرية التي يتبناها المسؤولون القضائيون. ينبغي للحكومة العتيدة أن تدعو البرلمان إلى إصلاح "قانون تجريم التحرش الجنسي وإعادة تأهيل ضحاياه" لعام 2020 بحيث يتماشى مع المعايير الدولية.

8. إصلاح السجون

السجون اللبنانية مكتظة بالمحتجزين، حيث تشير تقارير إلى أن مستويات الاكتظاظ في السجون وصلت إلى 300% من سعتها القصوى. وفقا للأرقام الرسمية التي نقلها الإعلام اللبناني، 70% من الأفراد في سجون لبنان موقوفون احتياطيا، بدون إدانة جنائية. تدهورت قدرة الحصول على الغذاء في السجون بشكل خطير منذ بداية الأزمة الاقتصادية في 2019. وفقا لـ "منظمة العفو الدولية"، بلغ عدد الوفيات في مراكز الاحتجاز اللبنانية في 2022 الضعف تقريبا مقارنة بـ 2018، قبل بدء الأزمة الاقتصادية. ورغم تخصيص ملايين الدولارات لتحسين ظروف السجون في لبنان، فإن معاملة السجناء وظروف احتجازهم ما تزال مزرية. ينبغي للحكومة اللبنانية العتيدة اتخاذ خطوات عاجلة لتخفيف الاكتظاظ في السجون بسبل منها النظر في بدائل لاحتجاز الموقوفين احتياطيا، وتمكين السجناء من الحصول على الغذاء والرعاية الطبية بشكل كاف وموثوق.

ينبغي للحكومة اللبنانية العتيدة أيضا العمل مع الحكومات المانحة لتحسين ظروف الاحتجاز بطريقة شفافة وفعالة، بسبل تشمل نشر المعلومات بانتظام حول تخصيصات التمويل والنفقات والنتائج.

9. حقوق اللاجئين

ما يزال لبنان يستضيف أعلى عدد من اللاجئين للفرد الواحد في العالم، منهم نحو 1.5 مليون لاجئ فرّوا من انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا والحرب الأهلية التي اندلعت هناك في 2011. يُرجَّح أن تؤدي الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى عودة العديد من السوريين. ندعوكم والسلطات اللبنانية ذات الصلة إلى الإبقاء على الحماية المعطاة للمواطنين السوريين حتى يتمكن الناس من اتخاذ قرار طوعي وكريم ومستنير بالعودة. ينبغي ألا تكون هناك إعادة قسرية إلى سوريا، وينبغي لـ "مخابرات الجيش" وأجهزة الاستخبارات الأخرى إنهاء جميع ممارسات الاعتقال، والاحتجاز، وطرد اللاجئين السوريين التي تتم فقط على أساس عدم حيازتهم وثائق الإقامة، أو عدم قانونية وضعهم، أو محاولات مغادرة لبنان.

بحسب الأمم المتحدة، يعيش نحو 520 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، بينهم أكثر من 31 ألف من سوريا، ما يزالون يخضعون لقيود، حتى على حقهم في العمل والتملك. وبحسب "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا)، يعيش نحو 80% من اللاجئين الفلسطينيين تحت خط الفقر الوطني، وتُنسب معدلات الفقر المرتفعة إلى "عقود من التمييز الهيكلي المتعلق بفرص العمل والحرمان من الحق في التملك في لبنان". ينبغي للحكومة اللبنانية العتيدة التفكير في معالجة القوانين واللوائح القانونية والإدارية التمييزية التي تمنع الفلسطينيين من العمل في مهن معينة.

10. حقوق المهاجرين

يُنظَّم الوضع القانوني لنحو 250 ألف عاملة منزلية مهاجرة في لبنان، من دول تشمل إثيوبيا، والفليبين، وبنغلادش، وسريلانكا، بنظام القوانين واللوائح والممارسات العرفية الذي ينطوي على قيود انتهاكات المعروف بنظام الكفالة. يحاصر هذا النظام عشرات آلاف العاملات المنزليات المهاجرات في ظروف بالغة السوء تصل، في أسوأ الأحوال، إلى حد العبودية الحديثة.

تستثني المادة 7 من قانون العمل العاملات المنزليات المهاجرات تحديدا، وتحرمهن من الحماية التي يحق العاملات والعمال الآخرين الحصول عليها، بما فيها الحد الأدنى للأجور، والحد الأقصى لساعات العمل، ويوم عطلة أسبوعية، وأجور العمل الإضافي، وحرية تكوين الجمعيات.

لا يمكن للعاملات المهاجرات ترك وظائفهن أو تغييرها بدون موافقة صاحب العمل. أولئك اللواتي يتركن أصحاب عملهن بدون إذن يخاطرن بفقدان إقامتهن القانونية ويواجهن الاحتجاز والترحيل. أدى ارتفاع درجة السيطرة على حياة العاملات والعمال في ظل نظام الكفالة إلى ظهور حالات من الاتجار بالبشر، والعمل القسري، والاستغلال، وغيرها.

بعد تصعيد الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله، أفيد أن عديدا من أصحاب العمل تخلّوا عن العاملات المهاجرات، وأنهن مُنعن من استخدام الملاجئ في مختلف أنحاء لبنان. كما اتُّهِمت مكاتب التوظيف بإخضاع العاملات للاعتداءات والانتهاكات العمالية والاتجار بالبشر.

ينبغي للحكومة اتخاذ خطوات عاجلة لإلغاء نظام الكفالة، وحماية العاملات المنزليات المهاجرات بموجب قانون العمل.

هيومن رايتس ووتش مستعدة للعمل مع الحكومة اللبنانية من أجل تعزيز حقوق الإنسان، والمساءلة، وحكم القانون في لبنان.

نرحب بشدة بفرصة مناقشة هذه التوصيات معكم شخصيا. وإذا كان لديكم وقت للقاء، يرجى من موظفيكم الاتصال بزميلي رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش، عبر الهاتف على الرقم +************** أو +************، أو عبر البريد الإلكتروني على *************. نشكركم مسبقا على اهتمامكم بطلبنا.

نجدد تهنئتكم على منصبكم الجديد. ونحن نتطلع إلى الحوار والتعاون في المستقبل لمعالجة هذه القضايا المهمة المتعلقة بحقوق الإنسان.

مع فائق الاحترام والتقدير،

لما فقيه
مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
مديرة مكتب بيروت 
هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.