(نيويورك) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الوثائق التي اكتشفتها مؤخرا هيومن رايتس ووتش في طرابلس تكشف تفاصيل جديدة عن مستوى عال من التعاون في نقل المشتبه بتورطهم في الإرهاب بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وهيئات الاستخبارات الليبية. وأضافت هيومن رايتس ووتش أن الوثائق تؤكد على ضرورة مساءلة الولايات المتحدة وبريطانيا عن انتهاكات الماضي.
تصف الوثائق، التي تم اكتشافها في 3 سبتمبر/أيلول 2011، اقتراحات الولايات المتحدة بترحيل، أو تسليم، ما لا يقل عن أربعة معتقلين من الولايات المتحدة لاحتجازهم في ليبيا، واحد منها بمشاركة نشطة من جانب المملكة المتحدة. طلبت الولايات المتحدة احتجاز واستجواب مشتبه بهم آخرين؛ وطلبت المملكة المتحدة الحصول على معلومات حول المشتبه بتورطهم في الإرهاب؛ وتبادل المعلومات حول الليبيين الذين يعيشون في المملكة المتحدة. وتم هذا التعاون بالرغم من سجل ليبيا الكثيف والمعروف على نطاق واسع في التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة ضد المعتقلين.
وقال بيتر بوكارت، مدير قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش: "تدل وثائق طرابلس على أن الولايات المتحدة سعت إلى وعود بالمعاملة الإنسانية من حكومة معروفة بممارسة التعذيب. ونظرا لسجل معمر القذافي في التعذيب وسوء المعاملة، كان من العبث أن تثق وكالات الاستخبارات الأمريكية في أي تأكيدات من نظامه".
ويظهر من وثائق التسليم الأمريكية، التي صيغت في عهد الرئيس جورج و. بوش، أن الولايات المتحدة سعت إلى ما يسمى بـ "الضمانات الدبلوماسية" بأن المعتقلين سيتلقون "معاملة إنسانية" بعد نقلهم إلى ليبيا. وتبين الوثائق البريطانية، التي صيغت في ظل حكومة حزب العمل السابقة، مسؤولية حكومة المملكة المتحدة عن المشاركة في إحدى عمليات التسليم، وإرسال معلومات حول ليبيين في المملكة المتحدة، وطلب معلومات من المخابرات الليبية.
أثبتت البحوث التي أجرتها هيومن رايتس ووتش، فضلا عن توثيقات وزارة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت، سجلا واضحا في التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة على أيدي سلطات الاحتجاز اللليبية. ومع ذلك، أبرمت المملكة المتحدة مذكرة تفاهم مع ليبيا في أكتوبر/تشرين الأول 2005، مع وعد من طرابلس بعدم تعذيب المتهمين بالإرهاب المُرحلين من المملكة المتحدة. ومنعت المحاكم البريطانية في عام 2007 عودة أفراد إلى ليبيا بموجب مذكرة التفاهم، على أساس أن المشتبه بهم كانوا في خطر حقيقي بتعرضهم للتعذيب إذا أعيدوا إلى ليبيا.
سياسات وممارسات الولايات المتحدة وبريطانيا
نقلت إدارة بوش أكثر من 100 معتقل إلى دول مختلفة من 2004 إلى 2006، بما في ذلك سبعة أشخاص على الأقل نُقلوا إلى ليبيا، لاستجوابهم واحتجازهم لاحقا. وكانت حكومة الولايات المتحدة مسؤولة عن احتجاز هؤلاء الأشخاص بمعزل عن العالم الخارجي وعدم تقديم معلومات عن مصيرهم أو مكان وجودهم، في انتهاك للحظر القانوني الدولي على الاختفاء القسري. وليس معروفا إن كانت الولايات المتحدة أرسلت أي معتقل إلى ليبيا منذ عام 2007، ولم تُبلغ إدارة الرئيس باراك أوباما عن أي عمليات ترحيل إلى أي بلد منذ توليه منصبه.
ومع ذلك، لم تستبعد إدارة أوباما تسليم معتقلين إلى بلدان يوجد فيها خطر حقيقي بالتعذيب. في مثل هذه الحالات، قالت الحكومة إنها ستواصل أخذ بعين الاعتبار ضمانات البلد بمعاملة المعتقل معاملة إنسانية بعد التسليم من طرف الولايات المتحدة أو الترحيل إلى بلده الأصلي أو بلد ثالث بعد الإفراج عنه من طرف الولايات المتحدة.
وفي المملكة المتحدة، على الرغم من الأحكام القضائية السلبية في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وبعض المحاكم البريطانية، فإن الحكومة الائتلافية الحالية استخدمت الضمانات الدبلوماسية، التي يشار إليها بـ "الترحيل بضمانات".
وقال بيتر بوكارت: "تحتاج الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى التخلي عن إرسال الناس إلى الحكومات التي تمارس التعذيب". وأضاف: "يجب أن تُلقن تجربة ليبيا الولايات المتحدة وبريطانيا ما كان ينبغي أن يقوله لهم الحدس السليم منذ البداية – بأنه بالرغم من أية وعود مشكوك فيها قد تحصل عليها، إذا سلمت السجناء الى الجلادين، فإنهم سيتعرضون للتعذيب، وفي النهاية فإن العالم سيعرف بذلك".
الالتزامات والمساءلة
بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ("اتفاقية مناهضة التعذيب")، التي صدقت عليها الولايات المتحدة في 1994، والمملكة المتحدة في 1988، لا ينبغي إرسال أي أحد إلى بلد حيث توجد أسباب حقيقية للاعتقاد بأنهم قد يتعرضون للتعذيب أو لسوء المعاملة. وقد تم تفسير هذا الالتزام بشكل يتطلب من الحكومات توفير آلية للناس للطعن في قرارات نقلهم إلى بلد آخر.
تُلزم اتفاقية مناهضة التعذيب الدول أيضا بالتحقيق في أي مزاعم ذات مصداقية بشأن التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، بما في ذلك التواطؤ. لكن، وعلى الرغم من الأدلة الدامغة على تورط الحكومة الأميركية على مستويات عليا في استخدام التعذيب، وتواطؤ الولايات المتحدة وبريطانيا في التعذيب في بلدان ثالثة، فلم تُجر أي من الحكومتين تحقيقات كافية في الأعمال المزعومة.
في الولايات المتحدة، عين النائب العام، إريك هولدر، مساعد النائب العام، جون دورهام، للتحقيق في انتهاكات في حق المعتقلين، ولكنه قصر التحقيق على الأفعال "غير المرخص بها" من قبل المحققين الأمريكيين. في نهاية المطاف أوصى تحقيق دورهام بأنه يجب على إدارة أوباما إجراء المزيد من التحقيقات الجنائية في انتهاك حق اثنين فقط من المعتقلين اللذين لاقيا حتفهما في الحجز في الولايات المتحدة. وتجاهلت الإدارة الأمريكية دعوات بإجراء تحقيقات في مزاعم التعذيب وسوء معاملة مئات من المعتقلين الآخرين أثناء وجودهم في الحجز في الولايات المتحدة أو سُلموا إلى دول ثالثة من أجل الإساءة إليهم.
وفي المملكة المتحدة، وافقت الحكومة الائتلافية في يونيو/حزيران 2010 ، على ضوء الأدلة التي ظهرت عن تواطؤ المملكة المتحدة في التعذيب في باكستان وغيرها، على إقامة لجنة "تحقيق المحتجزين" لدراسة ضلوع المملكة المتحدة في عمليات التسليم والتواطؤ في التعذيب في الخارج. وجاء القرار بعد جهود كثيرة بذلتها هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى. وسيبدأ التحقيق بعد انتهاء تحقيقين للشرطة ذات صلة، في السلوك الإجرامي المزعوم من جانب المسؤولين البريطانيين في الخارج. ولكن الحكومة اضطرت لجنة التحقيق، في يوليو/تموز 2011، لقبول قواعد للسرية وقواعد خاصة بمشاركة الشهود، مما يحرمها من الشفافية. ونتيجة لذلك سحبت هيومن رايتس ووتش، جنبا إلى جنب مع غيرها من المنظمات والمحامين الذين ينوبون عن المعتقلين، تعاونهم.
وقال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أمام البرلمان يوم 5 سبتمبر/أيلول إن لجنة تحقيق المحتجزين سوف تنظر أيضا في التصريحات الأخيرة عن إمكانية تورط المملكة المتحدة في عمليات التسليم إلى ليبيا والتجاوزات في عهد القذافي. في حين أن النظر في مزاعم ليبيا أمر بالغ الأهمية، إلا أن عيوب لجنة تحقيق المحتجزين تجعل من المستبعد جدا إجراء تحقيق فعال، ما لم تُغير الحكومة بروتوكول لجنة التحقيق. ويتطلب التحقيق الفعال الشفافية، مع قرار نهائي بشأن نشر قاضي مستقل للأدلة ، لا أن تعرضها الحكومة.
وقال بيتر بوكارت: "إذا كانت الحكومة البريطانية جادة في الوصول الى الجزء السفلي من تورط المملكة المتحدة في ارتكاب انتهاكات ضد المشتبه بهم في قضايا الإرهاب، فإنها تحتاج إلى إصلاح لجنة تحقيق المحتجزين على وجه السرعة".
تفاصيل الوثائق
تتضمن الوثائق التي عثرت عليها هيومن رايتس ووتش في طرابلس اتصالات بين رئيس المخابرات الليبي السابق، موسى كوسا، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، وجهاز الاستخبارات السرية البريطاني (المعروف باسم MI6)، والألمان وغيرها من وكالات الاستخبارات الحكومية. واكتشفت هيومن رايتس ووتش الوثائق أثناء فحصها مقرالأمن الخارجي في طرابلس، بعد أن تخلت عنه قوات القذافي. تتضمن الملفات الموجودة في الأرشيف، من بين أشياء أخرى، أدلة على الجرائم التي ارتكبت خلال 42 عاما من حكم القذافي. اطلعت هيومن رايتس ووتش على عدة مئات فقط مما يبدو أنها عشرات الآلاف من الوثائق الموجودة في المبنى، وصورت ما يقرب من 300 وثيقة وتركت النسخ الأصلية في مكانها.
تحتوي بعض الوثائق على معلومات عن عمليات تسليم وكالة المخابرات المركزية لأعضاء الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، التي سعت منذ التسعينيات للإطاحة بحكومة القذافي ولعبوا دورا رئيسيا في ثورة ليبيا الحالية.
عبد الحكيم بلحاج من بين أعضاء الجماعة، وهو الآن قائد المعارضة العسكرية في طرابلس.الوثائق، التي تشير إلى بلحاج باسمه المستعار "أبو عبد الله الصادق"، تعرض تفصيلاً عرضا من وكالة المخابرات المركزية بتاريخ 6 مارس/آذار 2004، بترحيل بلحاج من ماليزيا، حيث كان محتجزا، إلى ليبيا. في المذكرة، طلبت وكالة المخابرات المركزية من الحكومة الليبية ضمان أن يُعامل بلحاج "معاملة إنسانية"، وأن تتمكن وكالة المخابرات المركزية من الوصول إليه لاستجوابه لدى نقله إلىليبيا. ونقلت وكالة المخابرات المركزية بلحاج الى ليبيا حوالى 9 مارس/آذار 2004.
هناك وثيقة أخرى، هي رسالة من مسؤول كبير في وكالة الاستخبارات البريطانيةMI6 لتهنئة موسى كوسا على الـ "وصول [الـ] آمن لـ أبو عبد الله الصادق" وتأكيد دور بريطانيا في التسليم، الذي هو "أقل ما يمكن أن نقوم به تجاهك وتجاه ليبيا".
أثناء بعثة تقصي في ليبيا في أبريل/نيسان 2009، قابلت هيومن رايتس ووتش بلحاج، الذي كان قد سجنته السلطات الليبية في سجن أبو سليم، حيث قتل 1200 سجين عام 1996. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إن عملاء المخابرات المركزية الأمريكية ألقوا القبض عليه وعلى زوجته، التي قال إنها كانت حاملا في شهرها السادس، في ماليزيا، في 3 مارس/آذار 2004 أو نحوه، ونقلوه إلى ليبيا. وزعم بلحاج أنه بينما كان محتجزا من قبل وكالة الاستخبارات المركزية، استجوبه عملاء حول علاقاته المزعومة مع تنظيم القاعدة – الشيء الذي أنكره - وقاموا، من بين أمور أخرى، بتجريده من ملابسه، وضربوه وعلقوه على الحائط من ذراع واحدة ثم من ساق واحدة.
يظهر من الوثائق المكشوفة أن حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كانتا على علم بانتشار استخدام التعذيب من قبل السلطات الليبية وقت ترحيل المعتقلين إلى ليبيا. وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها عن حالة حقوق الإنسان في ليبيا في عام 2004:
ورد أن رجال الأمن يعذبون السجناء بصورة روتينية أثناء الاستجواب أو كعقاب. وورد أن أعوان الحكومة اعتقلوا ووعذبوا العمال الأجانب، لا سيما من أفريقيا جنوب الصحراء. ومن الصعب التثبت من التقارير الخاصة بالتعذيب لأن العديد من السجناء وضعوا في الحبس الانفرادي.
وتضمنت بعض أساليب التعذيب، حسب ما جاء في التقرير: ربط الأشخاص بالسلاسل إلى جدار لساعات؛ والضرب بالهراوات؛ والصعق بالكهرباء؛ ووضع الكلابات في الظهر؛ وسكب عصير الليمون على الجروح المفتوحة؛ وكسر الأصابع وترك المفاصل تلتئم دون رعاية طبية؛ والخنق بالحقائب البلاستيكية؛ والحرمان من الطعام والماء؛ والتعليق من المعصمين؛ والتعليق من قضيب مولج بين الركبتين والمرفقين؛ والحرق بأعقاب السجائر؛ والتهديد بمهاجمة الكلاب؛ والضرب على باطن القدمين.
وتحتوي وثائق طرابلس أيضا على معلومات حول عمليات الترحيل من طرف وكالة المخابرات المركزية والتعاون مع الحكومة الليبية في احتجاز ما لا يقل عن خمس حالات أخرى، مع معلومات محددة، تشمل جداول الرحلات والأسئلة التفصيلية التي أرادت وكالة المخابرات المركزية أن يطرحها الليبيون على المحتجزين. وتؤكد أيضا أن وكالة المخابرات المركزية أرسلت عملاء لاستجواب بعض المشتبه بهم في ليبيا بعد أن رحلتهم الولايات المتحدة إلى ليبيا.
وجاء في رسالة واحدة من وكالة المخابرات المركزية: "نحن أيضا حريصون على العمل معكم في استجواب الإرهابي الذي سلمناه مؤخرا لبلدكم ... وأود أن أرسل إلى ليبيا ضابطين إضافيين، وسأكون ممتنا إذا ما تمكنوا من الوصول إلى هذا الشخص واستجوابه بصفة مباشرة".
صيغت العديد من الوثائق التي فحصتها هيومن رايتس ووتش أثناء فترة التقارب السياسي بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وليبيا، بعد أن وافقت ليبيا على إنهاء برنامجها النووي والتعاون في الشؤون الاستخباراتية.
لا يمكن لـ هيومن رايتس ووتش أن تتأكد من صحة الوثائق، ولكن يبدو أنها تُثبت المعلومات المعروفة سابقا حول برنامج وكالة المخابرات المركزية للترحيل السري.
تم التصريح ببرنامج وكالة المخابرات المركزية للاعتقال السري بموجب أمر رئاسي بتاريخ 17 سبتمبر/أيلول 2001، وظل معمولا به حتى أنهته إدارة أوباما. وعلى الرغم من أنه لم يعرف بالضبط عدد الأفراد الذين رحلتهم الولايات المتحدة إلى بلدان أخرى كجزء من برنامج الترحيل السري، إلا أن التحقيقات التي أجرتها وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان ورفع السرية عن وثائق معينة، كشفت أكثر من 100 حالة.