(نيويورك) ـ قوات الأمن المصرية توسعت في التضييق على النشطاء السياسيين، وداهمت منظمة حقوقية، واستخدمت قانون التظاهر الجديد لاعتقال العشرات من المتظاهرين السلميين.
بعد منتصف ليل التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2013 مباشرة، داهمت قوات من الشرطة مقر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو أحد المنظمات الحقوقية المحلية البارزة، واعتقل ضباط وزارة الداخلية ستة من العاملين، وعصبوا أعينهم واحتجزوهم لتسع ساعات في مكان غير معلوم، ولم يفرجوا إلا عن خمسة منهم في الصباح التالي.
كانت الشرطة، التي تعد جزءاً من وزارة الداخلية وتتلقى التعليمات منها، قد قامت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة بملاحقة أربعة من أبرز النشطاء في حركة الاحتجاج في مصر ـ علاء عبد الفتاح، وأحمد ماهر، وأحمد دومة، ومحمد عادل.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "إن ملاحقة وزارة الداخلية لهؤلاء النشطاء الأربعة هي جهد متعمد لاستهداف الأصوات التي ظلت منذ يناير/كانون الثاني 2011 تطالب بالعدالة وبإصلاح الأجهزة الأمنية. ولا ينبغي أن نفاجأ بأن وزارة الداخلية، باتت تستهدف قادة حركة الاحتجاج العلمانية، بينما يمضي اضطهاد الإخوان المسلمين على قدم وساق ".
أسس ماهر حركة شباب 6 أبريل، وهي إحدى المجموعات التي كانت وراء مظاهرات 2011 التي أدت إلى خلع حسني مبارك، كما كان أحد المرشحين لجائزة نوبل للسلام في 2011. ويحاكم ماهر حالياً، بالإضافة إلى عادل، وهو أحد أعضاء الحركة المؤسسين، وكذلك دومة، بتهم تتعلق بمظاهرة يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني، وينتظر صدور الحكم في 22 ديسمبر/كانون الأول.
وقد قامت النيابة مؤخراً أيضاً بإحالة عبد الفتاح، وهو أحد أعلى الأصوات في انتقاد الشرطة والجيش، إلى المحاكمة بتهم ملفقة تتعلق بتنظيم مظاهرة دون إخطار، إضافة إلى 24 متظاهراً شاركوا في المظاهرة السلمية. تواجه المجموعة السجن لأن النيابة اتهمت أفرادها أيضاً بالتجمع غير المشروع بموجب قوانين كان مبارك يستخدمها لتجريم التظاهر السلمي. وفي الإسكندرية، أحالت النيابة سبعة متظاهرين من بينهم محامية حقوق الإنسان ماهينور المصريإلى إحدى المحاكم بسبب مشاركتها في مظاهرة خارج إحدى المحاكم في 2 ديسمبر/كانون الأول.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الشرطة استغلت القانون الجديد شديد القمعية، القانون 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، في اعتقال العشرات من النشطاء السياسيين على أساس إخفاقهم في طلب إذن مسبق لمظاهراتهم. وتدعي الحكومة أن القانون الجديد يعاقب بالغرامة ـ من 10 آلاف إلى 30 ألف جنيهاً مصرياً (1500-4300 دولار أمريكي) بموجب المادة 21 ـ على الإخفاق في الحصول على إذن مسبق بدلاً من العقوبات الجنائية. إلا أن القانون الجديد يتضمن قوانين التجمعات التقييدية القائمة، بما فيها القانون 14 لسنة 1923، الذي يعاقب بالسجن على المشاركة في مظاهرة بدون تصريح.
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، تتمتع الحكومات بالحق في تنظيم استخدام الأماكن العامة للتظاهر عن طريق اشتراط إخطار مسبق معقول. إلا أن الإخطار، كما ورد في تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحقين في حرية التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات في مايو/أيار 2012، "يجب أن يخضع لتقييم من حيث التناسب، وألا يكون بيروقراطياً بلا مسوغ، وأن يشترط خلال مهلة لا تزيد، على سبيل المثال، عن 48 ساعة قبل اليوم المقرر للتجمع". قال المقرر الخاص:
إذا أخفق المنظمون في إخطار السلطات فلا يجب فض التجمع آلياً، ولا ينبغي وضع المنظمين تحت طائلة عقوبات جنائية، ولا عقوبات إدارية تؤدي إلى الغرامة أو السجن... والأهم أنه "لا يجب اعتبار منظمي التجمع والمشاركين فيه مسؤولين (أو عرضة للمساءلة) عن سلوك الغير المخالف للقانون... ولا يجب اعتبارهم [إضافة إلى رعاة التجمع] مسؤولين عن الحفاظ على النظام العام".
قالت سارة ليا ويتسن: "لقد أرسلت الحكومة المصرية إشارة قوية بهجمتها على المنظمة الحقوقية وبهذه الاعتقالات والملاحقات، تفيد بأنها في مزاج لا يسمح بأي نوع من أنواع الاعتراض. وبعد ما يناهز 3 سنوات من الاحتجاجات التي عمت أرجاء البلاد وأسقطت حسني مبارك، تشعر الأجهزة الأمنية بالتمكين على نحو يفوق أي وقت مضى، وما زالت عازمة على سحق حق المصريين في الاحتجاج على تصرفات حكومتهم".
مداهمة المنظمة الحقوقية
في الساعة 12:15 من صباح 19 ديسمبر/كانون الأول، قام نحو 50 من رجال الشرطة من قسمي عابدين والأزبكية ومن جهاز الأمن الوطني بمحاصرة المبنى الذي يقع فيه مقر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في وسط القاهرة.
قال المحامي الحقوقي محمود بلال لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان يتجه إلى المقر في ساعة متأخرة للتجهيز لمؤتمر صحفي تقرر عقده عن حقوق عمال الحديد والصلب في اليوم التالي، حين منعت الشرطة دخوله إلى المبنى. وقال إنه شاهد أفراد الشرطة يُنزلون خمسة من زملائه بخشونة على الدرج. وحين اعترض وطلب رؤية أمر الضبط والإحضار وتصريح التفتيش، صفعه رجال الشرطة واعتقلوه مع الخمسة الآخرين. قال مدير المركز، نديم منصور، لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة صادرت 3 حاسبات أثناء المداهمة.
قال أحد المقبوض عليهم، وهو المخرج مصطفى عيسى، لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة اقتادتهم بعد ذلك إلى مكان لم يستطيعوا التعرف عليه، وعصبت أعينهم وأرغمتهم على الوقوف لمدة 9 ساعات. قال المحامي الحقوقي مالك عدلي إنه ذهب مع محامين حقوقيين آخرين إلى قسمي الأزبكية وعابدين للبحث عن المحتجزين، وإن ضباط الشرطة قالوا لهم أن "يراجعوا الأمن الوطني"، وهو جهاز الشرطة السري التابع لوزارة الداخلية وغير المصرح له باحتجاز أشخاص.
كان بين المقبوض عليهم عادل، أحد قادة شباب 6 أبريل، الذي تجري محاكمته حالياً بسبب مظاهرة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، والذي يتطوع للعمل مع المنظمة الحقوقية. لم تكن الشرطة قد احتجزته من قبل رغم وجود أمر بضبطه وإحضاره. ويبدو أن هذا كان ذريعة المداهمة، إلا أن وزارة الداخلية لم تفسر سبب مداهمتها لمقر المنظمة بدلاً من منزل عادل، أو سبب احتجاز الآخرين من العاملين في المنظمة، أو سبب مصادرة الحواسب.
أفرجت الشرطة عن الخمسة الآخرين في التاسعة صباحاً، لكنها واصلت احتجاز عادل. وقال منصور لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة أعادت الحواسب المصادرة في الصباح التالي.
تعد المنظمة الحقوقية، التي أسسها المرشح الرئاسي السابق خالد علي، من أنشط المنظمات المصرية لحقوق الإنسان، وقد دافعت عن حقوق العمال ورفعت الدعاوى على الحكومة في قضايا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وقدمت مساعدات قانونية للمتظاهرين. كما وثقت المنظمة وقائع قتل الشرطة لمتظاهرين من خلال مشروعها "ويكيثورة"، الذي يسرد أسماء وأعداد الأشخاص الذين اعتقلتهم الشرطة وقتلتهم على مدار العامين الماضيين.
ولم تكن تلك أول مداهمة لمنظمة حقوقية، ففي فترة الحكم العسكري في أعقاب سقوط مبارك، في فبراير/شباط 2011، قام ضباط من الجيش بمداهمة مقر المنظمة الحقوقية "مركز هشام مبارك للقانون"، واعتقلوا 28 من المدافعين عن حقوق الإنسان الذين كانوا يعملون داخل المقر في ذلك الوقت على توثيق انتهاكات الجيش والشرطة بحق المتظاهرين. وفي ديسمبر/كانون الأول 2011، داهمت قوة مشتركة من الشرطة والجيش مقرات ستة منظمات مصرية ودولية.
الاعتقالات المستهدفة لأبرز النشطاء
تأتي هذه المداهمة لمنظمة حقوقية في فترة الثلاث أسابيع نفسها التي شهدت اعتقال الشرطة لأربعة من أبرز النشطاء من حركة الاحتجاج، واتهامهم بالمشاركة في مظاهرات تمت دون إخطار مسبق للشرطة.
في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، أصدرت النيابة أمر ضبط وإحضار بحق أحمد ماهر بتهمة تنظيم مظاهرة يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني، رغم أنه لم يكن بين منظميها. قام ماهر، الذي ترشح لجائزة نوبل للسلام لعام 2011 كأحد المشاركين في تأسيس حركة شباب 6 أبريل، بتسليم نفسه للنيابة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني مصحوباً بمجموعة من المساندين، أمام مبنى محكمة عابدين.
وتحول الحشد أمام المبنى إلى مظاهرة، فرقتها الشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع. وعقب هذا وجهت النيابة إلى ماهر تهمة المشاركة في مظاهرة دون تصريح، وتكدير الأمن العام وتعطيل حركة المرور، وذلك على مظاهرة 30 نوفمبر/تشرين الثاني أيضاً. في 5 ديسمبر/كانون الأول أحالت النيابة ماهر وعادل ودومة إلى المحاكمة بتهم التجمع غير المشروع يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني، كما اتهمتهم النيابة أيضاً بـ"الاعتداء على رجال الشرطة أثناء محاولة اقتحام مبنى محكمة عابدين".
في مساء 28 نوفمبر/تشرين الثاني قام نحو 20 من رجال الشرطة المسلحين، وبعضهم يرتدون أقنعة تغطي وجوههم، بكسر باب مسكن علاء عبد الفتاح، واعتقاله ومصادرة حواسب محمولة وهواتف خلوية. قالت منال، زوجة عبد الفتاح، الناشط المعروف والمجاهر بانتقاد الجيش والشرطة، إنه حين طلب رؤية أمر الضبط والإحضار، اعتدوا عليه بالضرب وصفعوها. وقال محمود بلال، محامي عبد الفتاح، لـ هيومن رايتس ووتش إن وكلاء النيابة أكدوا له لاحقاً أنهم لم يصدروا تصريحاً بالتفتيش ولا أمروا بمصادرة حواسب أو هواتف، لكنهم مع ذلك سمحوا لوزارة الداخلية بتحريز الأجهزة وفحصها.
الاعتقالات بموجب قانون التظاهر الجديد
دعت المجموعة المسؤولة عن حملات "لا للمحاكمات العسكرية" إلى مظاهرة يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني أمام مجلس الشورى، حيث كانت اللجنة التأسيسية تعقد اجتماعها، للاحتجاج على بند يسمح للعسكريين بمحاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية. وفضت الشرطة المظاهرة باستخدام العنف، قائلة إن المنظمين أخفقوا في إخطار السلطات مسبقاً، كما يشترط قانون التظاهر الجديد. اعتقلت الشرطة ما لا يقل عن 72 متظاهراً، وبينهم 13 سيدة والعديد من محامي حقوق الإنسان. وقد تأكدت هيومن رايتس ووتش من أن النيابة أفرجت، في موعد لاحق من تلك الليلة، عن كافة السيدات لكنها احتجزت 24 من المتظاهرين الرجال، وأفرجت عنهم بعد ثمانية أيام بكفالة قدرها 5000 جنيهاً مصرياً (723 دولارا أمريكيا) لكل منهم.
قال بيان صحفي صادر عن مكتب النائب العام إن التحقيقات أثبتت تجمع مجموعة من 350 شخصاً على نحو غير مشروع بشارع قصر العيني وترديد "هتافات معادية لسلطات الدولة، ورفع لافتات تحمل شعارات تحرض ضدها"، وإن قوات الأمن "أسدت لهم النصح وطلبت منهم التفرق لكنهم أصروا على التجمهر بالطريق العام، وعطلوا المواصلات، وتسببوا في إرباك حركة المرور وتعطيل مصالح المواطنين". وقال البيان إن الشرطة اعتقلت 24 من "مرتكبي الجريمة".
في واقعة أخرى بالإسكندرية يوم 2 ديسمبر/كانون الأول، فرقت الشرطة مظاهرة سلمية أمام محكمة بوسط المدينة حين كانت تجري إعادة محاكمة ضباط الشرطة المتهمين بقتل وتعذيب خالد سعيد في يونيو/حزيران 2010. وكان سعيد من حالات التعذيب ذات الدلالة الخاصة في مظاهرات 2011. أعلن مسؤولون بالشرطة عن اعتقال أربعة متظاهرين في ذلك اليوم، بينهم لؤي القهوجي، ومحمد إسلام، وعمرو حاذق. وفي 9 ديسمبر/كانون الأول قال مسؤولون بالشرطة لصحيفة المصري اليوم اليومية إنهم اعتقلوا ناصر أبو الحمد بتهم المشاركة في مظاهرة دون تصريح بسبب مظاهرة 2 ديسمبر/كانون الأول.
في 4 ديسمبر/كانون الأول أصدرت النيابة أمراً بضبط وإحضار المحامية الحقوقية ماهينور المصري، والناشط السياسي حسن مصطفى، وكلاهما عضو في مجموعة الاشتراكيين الثوريين، وكانا قد شاركا في المظاهرة السلمية. قالت المصري لـ هيومن رايتس ووتش إنها اكتشفت، عند ذهابها مع محامين آخرين إلى مكتب النيابة لمتابعة اعتقال القهوجي، أن النيابة أحالت المتظاهرين السبعة جميعاً للمحاكمة بتهمة المشاركة في مظاهرة بدون تصريح. ولم تحدد المحكمة موعداً للمحاكمة حتى الآن.
في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، قامت الشرطة في أسيوط باعتقال حسام حسن، العضو القيادي بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، من ميدان الحمامة أثناء مظاهرة تضم نحو 20 شخصاً ضد قانون التظاهر الجديد. قال زياد العليمي، محامي المجموعة ونائب البرلمان السابق، لـ هيومن رايتس ووتش إن النيابة قررت حبس حسن لمدة 4 أيام، ثم 15 يوماً بعد ذلك، وأصدرت أوامر بضبط وإحضار تسعة آخرين بسبب المظاهرة السلمية.
قال هاني سيد، محامي حسن، لصحيفة المصري اليوم إن النيابة كانت قد أمرت بحبس حسن بتهم التظاهر دون إخطار، وإهانة وزارة الداخلية، والتجمهر غير المشروع، وتعطيل حركة المرور، وأصدرت أوامر بضبط وإحضار تسعة من أعضاء الحزب الآخرين الذين شاركوا في المظاهرة.
وفي 9 ديسمبر/كانون الأول في القاهرة، في نحو الخامسة مساءً، بعد يوم من الاحتجاجات في جامعة الأزهر، داهمت الشرطة أحد مقاهي مدينة نصر واعتقلت 10 طلاب، وأمرت باحتجازهم لمدة 15 يوماً بتهم التظاهر دون إخطار وحيازة ألعاب نارية وتكدير الأمن العام وتعطيل حركة المرور والاعتداء على الشرطة وتقييد صحفي وسرقة الكاميرا الخاصة به. قالت سارة حمدي، وهي طالبة بجامعة الأزهر عمرها 21 عاماً، لـ هيومن رايتس ووتش إنها تحادثت هاتفياً عصر ذلك اليوم مع محمد مختار، زعيم حركة طلاب 6 أبريل في جامعة الأزهر، فقال لها إنه كان بأحد مقاهي مدينة نصر مع طلبة آخرين لمناقشة الاحتجاجات داخل الجامعة.
وقال عبد الرحمن جاد، وهو طالب بجامعة الأزهر عمره 21 عاماً، لـ هيومن رايتس ووتش إنه غادر المقهى قبل الاعتقالات بـ30 دقيقة: "كنت مع طلبة آخرين على المقهى أمام المدينة الجامعية، نتناقش في ما يحدث داخل الجامعة. كانت الأمور قد هدأت في ذلك الوقت، بل إن شاحنات الشرطة كانت واقفة أمام المقهى. وبعد انصرافي مباشرة، عرفت باعتقال أصدقائي".
قال محامي الطلبة، أحمد عبد النبي، لـ هيومن رايتس ووتش إن النيابة استجوبت الطلبة أثناء التحقيق عن انتماءاتهم السياسية، وإن بعضهم قالوا إنهم أعضاء في حركة 6 أبريل وحزبي الدستور ومصر القوية.