(سيدني) - قالت "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" اليوم إن نحو 1200 رجل وامرأة وطفل لجؤوا إلى أستراليا ونُقلوا قسرا إلى دولة ناورو، الجزيرة النائية في المحيط الهادئ، يعانون من انتهاكات خطيرة ومعاملة لاإنسانية وإهمال. يبدو أن فشل الحكومة الأسترالية بمعالجة الانتهاكات الخطيرة سياسة متعمدة لردع مزيد من طالبي اللجوء من الوصول إلى البلاد على متن القوارب.
يواجه اللاجئون وطالبو اللجوء في ناورو – معظمهم محتجز هناك منذ 3 سنوات – إهمال منهجي من قبل الكوادر الصحية وغيرهم من مقدمي الخدمات الذين عيّنتهم الحكومة الأسترالية، فضلا عن اعتداءات سكان ناورو المتكررة بلا عقاب. يتعرضون لتأخير لا لزوم للحصول على الرعاية الطبية أو يحرمون منها، حتى في ظروف تهدد الحياة. يعاني كثير منهم من مشاكل صحية عقلية وخيمة ويأس شديد، وتنتشر بينهم محاولات إيذاء النفس والانتحار المتكررة. يواجه جميعهم منذ وقت طويل انعدام اليقين تجاه مستقبلهم.
قالت آنا نيستات، باحثة أولى في "منظمة العفو الدولية"، التي أجرت تحقيقا في الجزيرة: "سياسة أستراليا بنفي طالبي اللجوء الذين يصلون على متن القوارب قاسية إلى أبعد الحدود. عدد قليل من البلدان يذهب إلى هذا الحد بإلحاق المعاناة عمدا بالباحثين عن الأمان والحرية."
تدرك السلطات الأسترالية الانتهاكات في ناورو جيدا. تحدثت "مفوضية حقوق الإنسان الاسترالية"، و"مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين"، ولجنة في مجلس الشيوخ، وخبير مستقل عيّنته الحكومة عن عديد من هذه الممارسات، ودعت الحكومة إلى تغييرها. فشل الحكومة الأسترالية المستمر بمعالجة الانتهاكات التي ارتكبت تحت سلطتها على ناورو يشير بقوة إلى أن هذه الانتهاكات هي إما سياسة معتمدة، أو يتم التغاضي عنها كجزء من سياسة الحكومة.
قالت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية إن الحكومة الأسترالية تنتهك الحق في الحماية من التعذيب وأشكال إساءة المعاملة الأخرى والاحتجاز التعسفي، كما تنتهك غير ذلك من الحمايات الأساسية، من خلال النقل القسري للاجئين وطالبي اللجوء إلى ناورو، واحتجازهم لفترات طويلة في ظروف غير إنسانية، وحرمانهم من الرعاية الطبية المناسبة، وهيكلة عملياتها بطريقة تؤدي إلى التدهور الخطير للصحة العقلية للكثير.
قال مايكل بوتشينيك، مستشار قانوني أول في حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش والذي أجرى التحقيق على الجزيرة للمنظمة: "فرضت معاملة أستراليا الفظيعة للاجئين في ناورو على مدى السنوات الثلاث الماضية أعباء ثقيلة على معيشتهم. يبدو أن دفع الكبار وحتى الأطفال اللاجئين إلى نقطة الانهيار مع الانتهاكات المستمرة هو أحد أهداف أستراليا في ناورو."
تفرض أستراليا وناورو سريّة تامة على التعامل مع طالبي اللجوء في ناورو وترفض معظم طلبات زيارة الصحفيين أو الباحثين. ومع ذلك، استطاع باحثا منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش دخول ناورو قانونيا وقضيا ما مجموعه 12 يوما في يوليو/تموز 2016. لم يُسألا إلى أي منظمة ينتميان عند إتمامها الإجراءات الرسمية للدخول. أجريا مقابلات مع 84 لاجئ وطالب لجوء من إيران والعراق وباكستان والصومال وبنجلادش والكويت وأفغانستان، بمن فيهم أكراد مجردين من الجنسية كانوا يعيشون في إيران أو العراق. هناك 29 امرأة من بين الذين قوبلوا و5 فتيات و4 صبية. كما أجرى الباحثان مقابلات مع عديد من مقدمي الخدمات، الذين وافقوا على تبادل المعلومات رغم خطر تعرضهم للمحاكمة بسبب ذلك.
ناورو جزيرة صغيرة جدا وفقيرة، تبلغ مساحتها 21 كيلومتر مربع/8 أميال مربعة، أي أصغر من مطار ملبورن في أستراليا. عدد سكان الجزيرة 10 آلاف. دُمّر وسط الجزيرة خلال 40 عاما من التنقيب عن الفوسفات، بحيث أصبح معظمها غير صالح للسكن والزراعة. فرص العمل نادرة، والخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم غير كافية إلى حد كبير.
تنقل أستراليا قسريا العائلات مع الأطفال والأطفال غير المصحوبين، والرجال والنساء الى ناورو منذ سبتمبر/أيلول 2012، بموجب مذكرات تفاهم بين البلدين. وافقت أستراليا على تغطية جميع تكاليف الاحتجاز على الجزيرة والتعامل مع طالبي اللجوء واللاجئين. أنفقت الحكومة الأسترالية 415 مليون دولار أسترالي (314 مليون دولار أمريكي) على عمليات ناورو خلال السنة المالية المنتهية في 30 أبريل/نيسان 2015، أي ما يقارب 350 ألف دولار أمريكي عن كل شخص محتجز على الجزيرة ذلك العام وحده.
يقضي الذين ينقلون الى ناورو عاما أو أكثر في البداية في خيام بلاستيكية ضيقة في معتقل يسمى "مركز الإجراءات الإقليمي". تبلغ درجات الحرارة في الداخل عادة 45-50 درجة مئوية، وتكثر الأمطار غزيرة والفيضانات.
وصف اللاجئون وطالبو اللجوء الأوضاع في هذه المعتقلات إنها "شبيهة بالسجن"، إذ يفتش الحراس خيامهم بشكل منتظم، ويصادرون الأدوات "المحظورة" – بما فيها الطعام وإبر الحياكة. يسمح لهم بالاستحمام لمدة دقيقتين، كما أن المراحيض قذرة.
يشغّل مركز الإجراءات الإقليمي شركة خاصة عينتها الحكومة الأسترالية، ولديها سيطرة فعلية على المنشأة وهي مسؤولة عن ضمان صحة ورفاه طالبي اللجوء المحتجزين هناك. تشارك أستراليا ناورو المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد اللاجئين وطالبي اللجوء.
يُقدّم لمن تعترف بهم حكومتا أستراليا وناورو أنهم لاجئين إقامة في مخيمات مفتوحة أو غيرها من أنواع السكن في جميع أنحاء الجزيرة عموما. بشكل عام، تُقدم للعائلات وحدات سكنية جاهزة أو حاويات معدلة، ويُوضع الرجال غير المصاحبين لعائلات في غرف تتسع لسرير ورف صغير فقط. قال الذين قوبلوا إن نحو الثلث من 1200 لاجئ وطالب لجوء في ناورو يبقون في الخيام.
سمحت ناورو لطالبي اللجوء منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، بقدر أكبر من حرية الحركة في جميع أنحاء الجزيرة، وهي خطوة فُسرت على نطاق واسع أنها استجابة لتشريع في أستراليا يطعن في شرعية احتجاز اعتقال طالبي اللجوء. ولكن لا يسمح لمن في الخيام بجلب هواتف ذكية إلى المركز، ويراقبهم الحراس، ويواجهون قيودا أخرى على حريتهم.
يفاقم الاحتجاز لفترات طويلة في ظروف مروعة صدمة كثير ممن عانوا من الاضطهاد في بلدانهم والانتهاكات وغيرها من المخاطر التي واجهوها في رحلاتهم إلى أستراليا، وهو ما توصلت إليه مفوضية حقوق الإنسان الأسترالية، ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين وغيرهما.
قال اللاجئون وطالبو اللجوء الذين قوبلوا إن قلقهم الشديد يتصاعد ولا يستطيعون النوم، ولديهم مزاج متقلب، اكتئاب لفترات طويلة، وفقدان الذاكرة القصيرة المدى. بدأ الأطفال يتبولون في الفراش، ويعانون من الكوابيس، وينخرطون في سلوك تخريبي وغيره من السلوكيات المقلقة. قال البالغون والأطفال علنا إنهم أرادوا إنهاء حياتهم. ومع ذلك، لا يتلقى اللاجئون في ناورو الدعم الكافي أو علاج للأمراض النفسية.
مستوى الرعاية الطبية للاجئين وطالبي اللجوء في ناورو متدنٍ أيضا، فالمعدات الطبية بدائية، ولا تتوفر العناية الطبية المتخصصة بانتظام. تقتصر خدمات طب الأسنان إلى حد كبير على قلع الأسنان.
وصف اللاجئون وطالبو اللجوء الذين تمت مقابلتهم تأخيرا طويلا قبل أن يتمكنوا من رؤية مختصين في علاج حالات خطيرة أو أن يتم نقلهم إلى المرافق الطبية خارج ناورو للعلاج غير المتاح هناك. في ظل السياسات الجديدة، يضطر الذين نُقلوا إلى أستراليا للحصول على الرعاية إلى الذهاب دون أفراد أسرهم في معظم الحالات، في ما يبدو محاولة لإجبارهم على العودة الى ناورو.
عندما بحثت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش هذه المخاوف بشأن الرعاية الطبية، مع شركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية" التي عينتها الحكومة الأسترالية لتقديم الخدمات الطبية في ناورو، أنكر كبار الموظفين أن الرعاية كانت سيئة.
قالت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية إن السلامة الجسدية للمحتجزين في ناورو مصدر قلق خطير. تعرّض كثير من طالبي اللجوء للضرب والسلب. قالت كل النساء اللاتي قوبلن إنهن لا يستطعن الخروج وحدهن. قال الذين قوبلوا إن الشرطة المحلية لم تبذل جهدا يذكر أو أي جهد للتحقيق في الهجمات ضدهم.
وصف الأطفال الذين يرتادون المدارس المحلية التحرش المتكرر والمضايقات من طلاب ناورو، الذين يقولون لهم أن يعودوا إلى بلادهم. انقطع كثير منهم عن ارتياد المدرسة نهائيا.
قال بعض اللاجئين وطالبي اللجوء إن الانتهاكات التي عانوها دفعتهم إلى خيارات حُصرت بقبول، أو طلب، العودة إلى بلدان يواجهون فيها خطر اضطهاد حقيقي أو أخطارا أخرى.
على الحكومة الأسترالية توطين اللاجئين في أستراليا فورا، وإغلاق مركز الإجراءات في ناورو. على أستراليا ضمان الرعاية الطبية والنفسية الجيدة للاجئين وطالبي اللجوء الموجودين في ناورو. على ناورو السماح لمراقبي حقوق الإنسان والصحفيين بالوصول إلى الجزيرة، وعلى أن أستراليا فعل الأمر ذاته بالنسبة لـ "مراكز الإجراءات".
جدار من السريّة
يحيط عملية الحكومة الأسترالية خارج البلاد في ناورو جدار من السريّة، حيث تبذل أستراليا وناورو جهدا كبيرا لمنع تدفق المعلومات من الجزيرة. يواجه مقدمو الخدمات وغيرهم ممن يعملون في الجزيرة تهما جنائية وعقوبات مدنية بموجب القانون الأسترالي إذا كشفوا عن معلومات حول ظروف طالبي اللجوء واللاجئين المحتجزين في الخارج. حظرت ناورو "فيسبوك" في الجزيرة، وسنّت قوانين غامضة الصياغة ضد تهديد النظام العام، يخشى الخبراء القانونيون من استخدامها في تجريم الاحتجاجات من قبل اللاجئين وطالبي اللجوء.
يواجه الصحفيون خصوصا قيودا صارمة على الدخول، كرسوم تأشيرة غير قابلة للاسترداد تبلغ 8000 دولار أمريكي، وإجراءات تتطلب وقتا طويلا. منحت ناورو تأشيرات دخول لوسيلتين إعلاميتين فقط منذ يناير/كانون الثاني 2014، ورفضت طلبات أخرى أو لم ترد عليها. مُنع مسؤولون في الأمم المتحدة من الدخول في بعض الحالات، أو خلصوا إلى أن الزيارة ستكون غير مجدية بسبب القيود الصارمة المفروضة على حركتهم.
الهجمات والعنف الجنسي والإفلات من العقاب
أفاد كل اللاجئين وطالبي اللجوء الذين قوبلوا أنهم يتعرضون للترهيب والمضايقة أو العنف ضدهم أو ضد أفراد الأسرة من قبل سكان ناورو، الذين يقومون بذلك فرديا أو في مجموعات. قالوا إن المهاجمين شتموهم وبصقوا وألقوا زجاجات وحجارة عليهم، وحرفوا سياراتهم باتجاههم أثناء سيرهم أو ركوبهم الدراجات النارية، أو كسروا نوافذ منازلهم أو دمروا ممتلكات أخرى لهم.
وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية حالات اعتدى فيها سكان ناورو بشكل فردي أو جماعي على اللاجئين وطالبي اللجوء وسلبوهم، أحيانا بالتهديد بسكين، خلال النهار أو في المساء. قال أكثر من 20 ممن قابلناهم إنهم تعرضوا لهجوم من قبل سكان ناورو.
عانى لاجئ من بنغلادش صدمة خطيرة في الرأس في مايو/أيار 2016، عندما ألقى رجل من ناورو حجرا كبيرا عليه، وركله فأوقعه عن دراجته النارية، وضربه بعد أن سقط. ذكرت امرأة صومالية أن عديدا من رجال ناورو هاجموا زوجها في مارس/آذار، وضربوه بساطور على رأسه. في الليلة التالية، حاولت مجموعة من سكان ناورو اقتحام مساكن العائلة. قال رجل صومالي إن رجلا من ناورو سرقه عندما حاول الذهاب إلى متجر.
تحدث آخرون كثر عن تعرضهم لهجوم من قبل رجال ناورو، الذين سرقوا أموالهم وهواتفهم المحمولة والدراجات النارية، كلما ذهبوا إلى العمل أو لشراء الطعام. أكد أحد مقدمي الخدمات أن مثل هذه الاعتداءات تحدث "عدة مرات في الأسبوع، وخصوصا خلال عطلة نهاية الاسبوع."
قال اللاجئون وطالبو اللجوء إنهم يخشون مغادرة أماكن إقامتهم نتيجة لذلك، ولا سيما في الليل. قالت النساء إنهن لا يتركن المخيمات إلا مع مجموعات أو مع رفاقهن الذكور.
وصفت 6 نساء تعرضهن للاعتداء الجنسي أو التحرش، بما فيه تعمد الملامسة بالأجساد واللمس باليدين والتهديدات الصريحة وطلب ممارسة الجنس ومحاولة الاغتصاب. قالت امرأة إن رجالا من ناورو حاولوا أخذها إلى الغابة مرتين عندما طلبت منهم إيصالها بمركباتهم، وهم يعتزمون بوضوح اغتصابها. قالت أيضا إنها حصلت مرة على وظيفة في متجر على الجزيرة لكنها اضطرت إلى تركها بعد اليوم الأول لان الموظفين الآخرين ظلوا يلمسونها.
قالت امرأة شابة تزوجت للحماية بعد السماح لها بالانخراط في المجتمع:
بعد أن غادرتُ المخيم، شعرتُ بعدم الأمان بشكل كبير. لم أتمكن من الخروج. قررت الزواج من رجل يكبرني أكثر من 15 عاما، لمجرد الحصول على الحماية. إذا كنت وحيدا، فكل شيء في حياتك هو صراع. على الأقل كان يمكن أن يذهب للتسوق أو يرافقني. هو الآن في المستشفى، وعليّ الاعتماد على المسؤول عن ملفي إذا أردت الخروج من المنزل.
قالت امرأة أخرى:
نحن خائفون دائما، طوال الوقت. أتحقق دائما من الباب لأتأكد أنه مقفل. لا يمكننا الخروج بمفردنا. يثمل بعض سكان ناورو في كثير من الأحيان ويقتربون من المدخل ويصرخون علينا.
قال لاجئون وطالبو لجوء إن شرطة ناورو تتجاهل شكاواهم، وأحيانا تحبط محاولتهم تقديم الشكاوى. ذكر تقرير إخباري أن الشرطة رفضت بعض الشكاوى، قائلة إن "الهدف منها هو الظهور في الاعلام فقط". قدم عديد من اللاجئين لـ هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية نسخا من التقارير التي قُدمت إلى الشرطة المحلية في أعقاب الهجمات، وقالوا إن الشرطة لم تفعل شيئا للتحقيق أو القبض على المهاجمين، حتى لو تمكنت الضحية من التعرف إليهم. مقدمو الخدمات، الذين قالوا إنهم غالبا ما يرافقون اللاجئين لتقديم تقارير للشرطة، أكدوا هذه التصريحات.
شهد رئيس المحكمة العليا السابق في ناورو، جيفري إيمز، كيو سي، أمام لجنة بمجلس الشيوخ الأسترالي في يوليو/تموز 2015، أن "هناك سؤال خطير حول استقلالية [الشرطة] واستعدادها للتحقيق في مزاعم ضد سكان ناورو الذين توجه إليهم تهمة الاعتداء على أفراد من غير سكان ناورو المحليين. (إيمز مواطن أسترالي، اضطر إلى ترك منصبه بعد أن سحبت سلطات ناورو تأشيرته في يناير/كانون الثاني 2014).
الرعاية الطبية
تعتبر شركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية" التي استأجرتها الحكومة الأسترالية، المزود الرئيسي للخدمة الصحية للاجئين وطالبي اللجوء. أدان بعض موظفيها علنا المعاملة المروعة للاجئين في ناورو، ما أثار مخاوف بشأن عمليات الشركة هناك. لا تتوفر المعدات الطبية المتخصصة والموظفون المختصون في ناورو. يرسَل سكان ناورو الذين يحتاجون إلى رعاية طبية أساسية أكبر إلى أستراليا أو فيجي. أفاد اللاجئون وطالبو اللجوء أن المستشفى يفتقر حتى للإمدادات الأساسية، مثل الضمادات أو القفازات المعقمة.
أفاد اللاجئون وطالبو اللجوء أن الطاقم الطبي لشركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية" ومستشفى ناورو غالبا ما يرفضون التعامل مع الشكاوى بجدية، وفي معظم الحالات التي أبلِغت بها لـ هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، لم يصفوا شيئا لهم سوى المسكنات. قال بعض الذين قُوبلوا إن مشاكلهم الصحية تطورت إلى حد خطير في ناورو وإنهم لم يتلقوا عمليا أي عناية طبية متخصصة. كان لديهم أمراض القلب والكلى، ومرض السكري المترافق بفقدان الوزن والتدهور السريع للبصر، ومشاكل الظهر التي تؤدي إلى تقليص الحركة، من بين حالات أخرى. عندما أثارت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش هذه المخاوف مع كبار الموظفين في شركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية" في أستراليا، "رفضوا بشدة" مزاعم رداءة الرعاية الطبية.
انتقد الآباء والامهات الخدمات المتاحة للنساء أثناء فترة الحمل والولادة بشكل خاص، وقالوا إن الأطفال حديثي الولادة يعانون من الالتهابات المستمرة والحالات الطبية الأخرى.
وصف أحد طالبي اللجوء ظروف تعرض زوجته للمخاض:
رأيت زوجتي ملقاة تحت السرير. لم يكن للسرير فراش.... رأيت ممرضة، ممرضة أسترالية، تلعب بحاسوبها اللوحي. كانت زوجتي تبكي. فقلت لها: "من فضلك افعلي شيئا لزوجتي. هذا يشبه السجن، وليس غرفة ولادة". لم يكن في الحمّام مناديل أو سوائل غسل اليدين. خرجت لشراء سائل غسل اليدين ومناديل ورقية.
يعتمد طالبو اللجوء واللاجئون كليّا على السلطات الأسترالية ومقدمي الخدمات لترتيب نقلهم إلى المرافق الطبية خارج ناورو، لأنهم لا يستطيعون مغادرة الجزيرة دون إذن. وصف الذين قُوبلوا فترات تأخير طويلة، رغم معاناتهم ظروف خطيرة ودون تلقي أي معلومات. في نهاية المطاف، كما قالوا، نقلوا إلى المستشفيات في بابوا غينيا الجديدة وأستراليا للفحوص أو الجراحة.
قال أحد الآباء:
يعاني ابني من مشاكل في الكلى. نزور شركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية" منذ 5 سنوات، ويعدونا دوما بمقابلة طبيب نظامي، ولكن ذلك لم يحدث. يجرون الفحوص وحسب، ولكن لا يقدمون أي علاج. تعاني ابنتي مشاكل في بصرها، بحيث لا تستطيع رؤية اللوح في المدرسة، وعليها أن تسأل زميلاتها للمساعدة. ولكن ليس هناك طريقة للحصول على نظارات، أو حتى فحص بصرها بشكل صحيح هنا.
قال شاب لديه مرض السكري إنه بعد أن فقد 27 كيلوغرام، ذهب إلى مدير شركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية"، فأخبره المدير أن فقدان هذا الوزن أمر "طبيعي"، وأنه سيشعر بـ "قلق معتدل" إذا استمر فقدان الوزن. سجلت الأسرة المحادثة على الهاتف المحمول، وقدمت نسخة للباحثين.
قالت امرأة شابة أجبِرت على الخضوع لتشويه الأعضاء التناسلية في وطنها إنها نتيجة لذلك كانت تعاني آلاما شديدة، وكانت غير قادرة على ممارسة الجنس. قالت إنها لم تتلق أي علاج لحالتها حينها في ناورو وأضافت:
ظلوا يحيلوني لمدة 5 أشهر إلى أخصائي الصحة العقلية. لم يكن لدي أي فكرة ما هي مشكلتي، وبقيت ألوم نفسي في كل شيء. استطعت رؤية طبيب نسائي بضعة مرات منذ ذلك الحين، ولكن لا يمكنهم القيام بأي شيء هنا لحالتي. منذ عام ونصف يقولون لي بأنني بحاجة إلى النقل لتلقي العلاج، ولم يحدث ذلك حتى الآن.
ذكر اللاجئون وطالبو اللجوء عدة حالات حاولوا فيها استدعاء سيارة الإسعاف عندما كان أصدقاؤهم أو أفراد الأسرة بحاجة لمساعدة عاجلة، لكن المستشفى رفض ارسالها. أكّد أحد مقدمي الخدمات هذه الشهادات:
عندما يتصل الناس من أجل سيارة الإسعاف، أو حتى عندما نتصل نحن، تأتي السيارات في بعض الأحيان وأحيانا لا. وأحيانا خلال 20 دقيقة، وأحيانا خلال 3 ساعات. ولكننا أيضا لا يُسمح لنا باستدعاء سيارة إسعاف لعملائنا، أو نقلهم إلى المستشفى في سياراتنا – لأنها تعتبر "مناصرة"، ومن المفترض أن نساعد عملاءنا على أن يكونوا "مستقلين". أحيانا نترك الناس وهم مرضى، وأحيانا نصف واعين. في إحدى المرات، كانت الإبر لا تزال في يد المريض. لا يُسمح لنا أن نسأل المستشفى لماذا يخرجون من المستشفى أو ما هو الدواء الذي وُصف لهم، أو عن سجلاتهم الطبية.
حتى الحصول على النظارات يمكن أن يكون محنة. ذكرت امرأة أنها انتظرت 9 أشهر حتى كُتبت وصفتها الطبية في أستراليا.
الحرمان من السجلات الطبية
ذكر 5 لاجئون وطالبو اللجوء على الأقل أن طلباتهم الشخصية لاستلام سجلاتهم الطبية رُفضت أو قُدمت لهم سجلات جزئية تنقصها معلومات عن عملية جراحية خضع لها على سبيل المثال. في بعض الحالات، تلقوا أوراقا فارغة باستثناء الاسم والعمر والأحرف الأولى من اسم الطبيب.
في عديد من الحالات التي عاينتها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، قدم الأطباء طلبات في التقارير الطبية لتلقي اللاجئين وطالبي اللجوء العلاج في الخارج لأن المستشفى يفتقر إلى الخبرة أو المعدات اللازمة. يمكن للمحالين للعلاج في الخارج الانتظار عدة أشهر قبل أن يُنقلوا.
النقل الطبي إلى أستراليا وبابوا غينيا الجديدة
تُجرى عمليات النقل الطبية في كثير من الأحيان دون إشعار قبل وقت ملائم للسفر، وغالبا ما تفصل بين أفراد الأسرة. في إحدى الحالات قيل لرجل إن زوجته تحتاج إلى علاج متخصص لفترات طويلة لحالتها الصحية العقلية، وطلبوا منه أذن دون إعطائه أي معلومات حول توقيت نقلها:
أول شيء سمعته كان: "أوه، أرسلنا زوجتك إلى أستراليا على متن رحلة طارئة". كان ذلك في اليوم التالي. تلقى ابني الخبر بشكل سيئ للغاية. كان في حالة صدمة. لم يكن بوسعه أن يودعلأمه. [ولدى وصولها أستراليا] استيقظت زوجتي، ولم يكن لديها أي معلومات. لم تكن تعرف حتى أنها كانت في أستراليا ....
أنا قلق حقا على ابني. لم يترك غرفته منذ 40 يوما. كان لديه علاقة خاصة مع والدته. لا يتكلم الآن. إنه غاضب جدا، ولا يتكلم. لا أستطيع السيطرة على سلوكه. تغير كل شيء فيه.
قال الرجل إن ابنه البالغ من العمر 13 عاما يرى كوابيس، وبدأ يتبول في سريره، وكان معاديا ويرفض التفاعل مع أي شخص آخر غير والده.
الإعادة إلى ناورو بعد الرعاية الطبية في أستراليا مفاجئة أكثر، وتتم أحيانا بطريقة مهينة ومؤلمة للغاية. قال رجل كان في بريسبان مع زوجته حين أنجبت:
قيّدوا يديّ ويدي زوجتي وقالوا إن علينا العودة إلى ناورو. لم تكن زوجتي مستعدة. لم تكن ترتدي ملابسا فقد كانت نائمة. لم يكن ذلك جيدا. لماذا يقومون بمثل هذا؟ إذا كان علينا أن نعود الى ناورو، فهو ليس أمرا خطيرا. لماذا في الصباح الباكر، وبالأصفاد؟ أخذونا من الغرفة الساعة 7 صباحا وأخذوا الطفل منا. لم نر الطفل حتى الساعة بعد 7 مساء.
وفي حالة أخرى قالت امرأة:
كنت نائمة بعمق، والباب مقفل. فجأة كان هناك ضابط أمام وجهي، مع كاميرا وقال: "استيقظي!" لم أكن قادرة على الحركة. لم أكن أعرف أين أنا. كان هناك ضابط على كل جانب يمسكون بذراعيّ، ومزيد من الضباط ورائي. ساقاي كانتا ترتجفان. كان قلبي ينبض بقوة. فقدت حذائي، لكنها جروني إلى غرفة. لم يسمحوا لي بوضع نظارتي. لم يهتموا بما كان الطبيب يقول. وضعوني على متن الطائرة. ما زلت خائفة. عندما أحاول النوم، أتذكر ذلك.
قال بعض إنهم أعيدوا الى ناورو رغم نصح الأطباء سلطات الهجرة أنه لا ينبغي السفر في حالتهم.
وصف آخرون وجود أمراض مزمنة خطيرة تتطلب النقل لتلقي العلاج، والتي في بعض الأحيان قطعتها الإعادة القسرية إلى ناورو. في إحدى هذه الحالات، قالت امرأة شابة عانت من كتل في ثدييها وحلقها ورحمها وكان لديها قرحة، إنها أرسِلت للعلاج لأول مرة إلى أستراليا وإلى غينيا الجديدة فيما بعد:
عندما كنتُ في أستراليا، قال الطبيب للهجرة أنني بحاجة لعملية جراحية لثديي، لكنهم أعادوني. تدهورت مشاكلي، وبعد مرور عام أرسلوني إلى غينيا الجديدة للتنظير وتنظير القولون، ولكن بعد ذلك أعادوني مرة أخرى. أعطوني بعض الحبوب الدوائية لكنها لم تعمل، وأنا في ألم مستمر ولا يمكنني أن آكل أي شيء.
في حالة أخرى، قال رجل أصيب بنوبة قلبية بعد سنة على الجزيرة وأرسل في نهاية المطاف إلى أستراليا، حيث مكث 4 أشهر:
عندما أتوا لإعادتي إلى ناورو، كان موظفو شركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية" هناك، حاولت أن أشرح لهم وللأمن، ولكنهم أخذوني وعائلتي. كنت خائفا، لأن الأطباء عثروا على تجلط للدم في قلبي وانسداد شرايين، وقالوا إن الأمر خطير جدا. عندما وصلت، رأى طبيب من شركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية" ملفي وقال: "لا أستطيع أن أكون مسؤولا عنك، لم يكن ينبغي أن يعيدوك هنا". تعرضت لنوبة قلبية أخرى منذ ذلك الحين، والأطباء يرددون أنهم لا يستطيعون فعل أي شيء هنا. أنا بحاجة إلى علاج متخصص ومستشفى مناسب.
عندما سألت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش شركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية" إذا كان لديها أي مشاكل طبية حول توقيت وطريقة النقل، أجاب الطاقم الطبي رفيع المستوى أن على المنظمات طلب ذلك من وزارة الهجرة الأسترالية.
قال مقدمو الخدمات إنه منذ فبراير/شباط 2016، أصرت سلطات الهجرة الأسترالية على التحويلات الطبية إلى غينيا الجديدة بدلا من أستراليا. في الحالات التي يكون فيها النقل الى أستراليا ضروريا يسمح موظفو الهجرة الأستراليون عادة للمريض بالدخول بمفرده. قال مقدمو الخدمات إن هذه الممارسة جديدة، وبدأت بعد أن نجح محامون في أستراليا بمنع إعادة بعض اللاجئين الى ناورو بعد العلاج الطبي. قال أحدهم: "مع وجود أسرهم في الجزيرة، ليس لديهم خيار سوى العودة".
الصحة العقلية
لا يحصل اللاجئون وطالبو اللجوء الذين يعانون من صدمات نفسية وظروف صحية نفسية حادة على الدعم أو العلاج الملائم. لا يتوفر سوى نوعين من خدمات الصحة النفسية. شركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية"، الشركة المقاولة الخاصة التي عينتها الحكومة الأسترالية وهي مزود خدمة صحة رئيسي للاجئين وطالبي اللجوء، يبدو تعتمد على استخدام المسكنات القوية والأدوية المضادة للذهان - للأطفال فضلا عن الكبار - لمعالجة حالات الصحة العقلية. قال اللاجئون وطالبو اللجوء إن هذه الأدوية لها آثار جانبية خطيرة، ولا تفيد كثيرا. "رفض بشدة" كبار الموظفين في أستراليا مزاعم الرعاية ذات النوعية الرديئة، بما في ذلك تهمة الوصفات الطبية غير الملائمة، عندما تحدثت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش معهم قبل النشر.
تتعامل وكالة أخرى اسمها "خدمة ما وراء البحار للناجين من التعذيب والصدمات"، رسميا فقط مع الصدمات السابقة.
يمكن للعائلات الانتظار عدة أشهر ليرى أطفالهم أخصائي زائر.
أبلغت جميع المقابلات تقريبا عن قضايا صحة عقلية من نوع ما – كان الأكثر شيوعا مستويات عالية من القلق، والنوم المضطرب، وتقلب المزاج، ومشاعر الخمول واليأس - وقالوا إنها بدأت عندما نُقلوا إلى ناورو. في كثير من الحالات، يبدو أن النتائج شديدة، حيث كانوا يؤذون أنفسهم ويجرحوا أيديهم أو يضربون رؤوسهم بالحائط، ولم يتحدثوا إلى أي شخص لعدة أشهر، لم يتعرفوا على أقاربهم، وبقوا في السرير لأسابيع، ورفضوا الخروج أو الاستحمام. قالت امرأة للباحثين إنها كانت قد بدأت خلال فترة وجودها في ناورو بغسل يديها بشكل قهري، ومئات المرات في اليوم.
قال أفراد عائلة إن الأطفال بدؤوا أيضا بالتبول في أسرتهم، والمعاناة من الكوابيس، والتصرف المبالغ به، والتوقف في بعض الحالات عن التفاعل أو حتى التحدث مع الناس خارج أسرهم المباشرة.
مع ذلك، يتلقى اللاجئون وطالبو اللجوء أحيانا تشخيصا لم يعتمد على تقييمات نفسية كاملة ولا يبدو أنه أخذ في الاعتبار تجاربهم في الصدمات في بلدانهم الأصلية، أو احتجازهم لفترات طويلة في ناورو، وعدم اليقين بشأن مستقبلهم.
قال عديد في المقابلات إنه عندما أبلغوا عن مشاكلهم النفسية أو العقلية أو مشاكل أقاربهم إلى شركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية"، كثيرا ما رفضت شكاواهم، واتهموا في بعض الحالات بالتمثيل و "تقليد" الظروف التي عاناها طالبو لجوء ولاجئون آخرون نُقلوا إلى أستراليا لعلاج الصحة العقلية.
علاوة على ذلك، أعيد المرضى الذين كانت حالاتهم شديدة على ما يبدو بما فيه الكفاية لتبرير نقلهم إلى أستراليا بعد عدة أشهر إلى نفس الظروف التي قال الأطباء إنها تساهم في صدمتهم.
أفاد مزود خدمة أنه كان يعرف أن هناك أكثر من 20 من هذه الحالات، أدى بعضها إلى مأساة. على سبيل المثال، نُقلت الصومالية هودان ياسين التي كانت تفكر في الانتحار إلى مستشفى في أستراليا لعدة أشهر، ثم أعيدت قسرا إلى ناورو وكانت لا تزال تفكر في الانتحار بشكل جدي فوضعت في جناح خاص في أحد المخيمات التي كان من المفترض أن تكون مراقبة فيه على مدار 24 ساعة. ومع ذلك، تمكنت من الهرب وشراء البنزين وحرق نفسها بنسبة 86 بالمئة من جسدها.
قال أكثر من 10 قُوبلوا إنهم حاولوا قتل أنفسهم عن طريق جرعة زائدة من الدواء. ابتلاع كلور التنظيف وغيره من منتجات التنظيف أو شفرات الحلاقة. حاولوا شنق أو خنق أنفسهم. أو إشعال النار بأنفسهم. قال آخرون أكثر إنهم فكروا بجدية بإنهاء حياتهم. أذى بعض الأطفال أنفسهم بالولاعات أو شفرات الحلاقة أو بطرق أخرى.
أشار أغلبهم إلى الإيراني أوميد ماسولمالي (23 عام) الذي توفي في مايو/أيار بعد أن أضرم النار بنفسه، وياسين الذي أحرق نفسه في الأسبوع التالي. ذكر رجل: "لدي الوقود جاهزا"، وقالت طفلة تبلغ من العمر 15 عاما: "تعبت من حياتي"، قالوا إنها حاولت الانتحار مرتين.
قالت امرأة نُقل زوجها إلى أستراليا لتلقي العلاج الطبي العاجل إن ابنهما البالغ من العمر 9 أعوام تحدث مرارا عن الانتحار بعد انفصال الأسرة: "قبل أسبوعين، أخذ ابني ولاعة وقال: "أريد أن أحرق نفسي. لماذا يجب أن أكون على قيد الحياة؟ أريد أبي. أفتقد أبي". أنظر في عينيه وأرى الحزن".
الظروف في مركز الإجراءات
يُحتجز طالبو اللجوء في مخيمات شبيهة بالسجن في "مركز الإجراءات الإقليمي" في ناورو، لعدة أشهر وأحيانا لسنوات بعد وصولهم إلى ناورو، وتحيط بهم الأسوار وتحرسهم الأجهزة الأمنية. يعيشون في خيام مكتظة حيث الحرارة لا تطاق، حتى بعد توفير بعض المراوح البدائية، مع رطوبة بين 75 و90 في المئة، وينمو العفن بسرعة على جدران وسقوف الخيام، وينتشر الطفح الجلدي وغيره من الأمراض بسرعة. تهطل الأمطار الغزيرة بشكل مفاجئ وتملأ الطرق وتتجمع في أرضيات الخيام. في عدة مناسبات، كشفت الأمطار أيضا عن ذخيرة غير منفجرة من الحرب العالمية الثانية في أرض مركز الاحتجاز.
يُوزع الطعام في أوقات محددة، ولا يسمح لأحد أن يحضر أي طعام إلى الخيام، حتى للأطفال الصغار. تحسنت ظروف المعيشة في مركز الإجراءات الإقليمي بعد أكتوبر/تشرين الأول 2015، عندما سمحت ناورو لمعظم المقيمين هناك بقدر أكبر من حرية الحركة.
كان يسمح لطالبي اللجوء بالاستحمام لمدة دقيقتين في اليوم حتى أوائل عام 2015. عديد من النساء اللاتي قابلناهن بكين وهن يذكرن كيف أجبرهن الحراس على الخروج من الحمام بعد دقيقتين، والشامبو لا يزال في شعورهن. كانت هناك طوابير طويلة للمراحيض التي سرعان ما أصبحت قذرة بحيث رفض المنظفون تنظيفها. يمكن استخدام الإنترنت مرة واحدة في الأسبوع على الأكثر، وليس من الممكن أن يغادروا المخيم.
يُسمح لمعظم ما يقرب من 400 لاجئ وطالب لجوء ما زالوا في "مركز الإجراءات الإقليمي" المغادرة خلال النهار، رغم أنهم يخضعون لمراقبة الحراس وغيرها من القيود على حريتهم. تحظر عليهم الهواتف الذكية داخل المخيم.
قال أحد طالبي اللجوء:
عندما وصلنا إلى هذا المكان، وجدنا الخيام في غابة. وضعوا 8 عائلات معا، مع 6 أطفال، وأطفال صغار، في خيمة واحدة. لم نرتح في النهار أو الليل. لم ننم. كان الأطفال يتشاجرون كل يوم لأنهم مع بعض. منعوا المياه عنا معظم ساعات النهار. قدّموا لنا كمية صغيرة فقط. لم تكن كافية، تحت أشعة الشمس القوية. في بعض الأحيان لم نستطع الاستحمام ليومين أو 3 أيام. بدأ بشرة الأطفال تصبح سيئة. عانينا هذه المشاكل لمدة عامين.
ذكرت امرأة:
كانت الخيام رهيبة. كان الجو حارا جدا، حارا جدا بحيث لا تستطيع التنفس. كان الأطفال يعانون دائما لأن الجو كان حارا جدا بالنسبة لهم. لم يكن هناك ما يكفي من الماء للشرب. وكان لدينا وقت محدد للاستحمام. إن احتاج الأطفال إلى الاستحمام في وقت آخر، لم يكونوا يتمكنون من ذلك. لم يسمح الأمن لهم الاستحمام إلا في وقت محدد. بعد 3 سنوات في هذا الوضع السيئ عانى الأطفال مشاكل عقلية وتبول لاإرادي وكوابيس.
تم إيواء 466 شخصا بينهم 50 طفلا في مركز الإجراءات الإقليمي حتى نهاية مايو/أيار 2016، وفقا لوزارة الهجرة وحماية الحدود الأسترالية. قال طالبو اللجوء إن معظمهم، إن لم يكن جميعهم، يقطنون في الخيام.
تفيد سجلات وزارة الهجرة أن الوكالة أنهت دراسة وضع 1194 شخص محتجز في الجزيرة، واعترفت بـ 915 منهم كلاجئين. تلقى المتبقون الذين بلغ عددهم 279 قرارات سلبية. سمعت هيومن رايتس ووتش من اللاجئين وطالبي اللجوء أن معظم اللاجئين المعترف بهم يعيشون الآن في مخيمات أخرى أو في منازل في المجتمع، ولكن يبقى بعضهم في المخيم بينما ينتظرون إجراءات الإسكان. معظم الذين لم يُعترف بهم كلاجئين ما زالوا في الجزيرة وفي الخيام، رغم أن اللاجئين وطالبي اللجوء أفادوا أن قلة منهم قبلوا العودة إلى بلدانهم الأصلية.
المضايقة والتحرش في المدارس
ذكر الآباء والأطفال أن الطلاب من عائلات اللاجئين وطالبي اللجوء كثيرا ما يتعرضوا للمضايقات من قبل طلاب ناورو. قالت فتاة تبلغ من العمر 15 عاما إنها توقفت عن الذهاب إلى المدرسة لأن أطفال ناورو كانوا يحاولون دوما سحب حجابها والسخرية منها باستمرار.
قالت إحدى الأمهات:
عندما يذهبون إلى المدرسة، يدعو أطفال ناورو أطفالنا بـ "لاجئ"، وليس بالاسم. الناس لديهم أسماء. يقولون: "لماذا أنت هنا؟ هذا بلدنا. عليك المغادرة. نحن لا نحب بقاءك هنا".
قدمت فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات شهادة مشابهة:
جميع الاطفال في المدرسة يقولون: "لاجئين ولاجئات " لا ينادونا بأسمائنا. يضربونا، وعندما نحاول التحدث مع المعلمين لا يقولون: "لماذا يا أطفال ناورو تضربون الأطفال الآخرين؟". بل يقولون لنا: "لماذا تتشاجرون مع أطفال ناورو؟". نحاول الشرح، ولكن لا يستمعون.
قال شقيقان (13 و14 عاما)، إنهما ذهبا إلى المدرسة لمدة شهر في البداية، ولكن بعد ذلك توقفا ولم يلتحقا منذ قرابة 3 سنوات. قال الأخ الأكبر:
يهاجمنا الأطفال المحليون دوما، ويرمون الحجارة حتى. عندما اشتكينا لمدير المدرسة، أجبر الأطفال على قول "آسف" لنا. ولكن عندما غادرنا مكتب المدير، غضبوا أكثر منا.
تقدّر منظمة "أنقذوا الأطفال" في أستراليا أن 85 في المئة من طالبي اللجوء واللاجئين الأطفال في ناورو لا يذهبون إلى المدارس المحلية، وأحد الأسباب لذلك هو انتشار المضايقة والتحرش.
مسؤولية الشركات عن الانتهاكات
تعتمد عمليات أستراليا في ناورو على شركات ومقدمي الخدمات من القطاع الخاص. ويواجه مقدمو الخدمات العقوبات إذا تحدثوا، وعرّض بعض الموظفين أنفسهم لخطر كبير لتحدثهم من أجل فضح الأوضاع في الجزيرة. تدرك الشركات التي تقدم الخدمات في ناورو هذا الوضع وتأثيره على اللاجئين وطالبي اللجوء. يسهل تواطؤ الشركات استمرار الأوضاع المسيئة. تجد حكومتا أستراليا وناورو صعوبة كبيرة في تنفيذ مذكرات التفاهم وتجهيز المراكز الخارجية دون خدماتها. يعمل معظمهم نيابة عن وزارة الهجرة وحماية الحدود الأسترالية.
طلبت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش تعليقا من "برودسبيكترم" التي تدير "مركز الإجراءات الإقليمي" وشركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية"، المزود الرئيسي للخدمات الطبية، وهما الشركتان الرئيستان اللتان تعاقدت معهما الحكومة الأسترالية لتوفير الخدمات لعملية ناورو. كان ردّ "برودسبيكترم" على ملخص ما توصلت إليه منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أنها "ترفض بشدة" أي إشارة إلى أن الشركة لم تحترم حقوق الإنسان. ذكرت شركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية"، أن دورها هو تقديم الخدمات، وعدم الانخراط في سياسة الحكومة الأسترالية، و"ترفض بشدة" المزاعم التي طرحت عليها من قبل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
علّق الطبيب النفسي بيتر يونغ الذي كان مدير الصحة العقلية في شركة "الخدمات الصحية والطبية الدولية"، حتى يوليو/تموز 2014:
الدفاع عن مصلحة صحة مرضاهم والتحدث علنا ضد السياسات والممارسات التي تسيء إلى الصحة هو شرط أخلاقي أساسي للأطباء وغيرهم من العاملين في مجال الرعاية الصحية. اتّبعت الحكومة الأسترالية سياسة متعمدة في التسبب بالمعاناة لطالبي اللجوء القادمين إلى أستراليا على متن القوارب. التعرض للانتهاكات ونقص الخدمات الصحية والتأخير في العلاج والإجراءات غير الإنسانية هي عناصر أساسية في الإرغام على العودة وردع الآخرين من القدوم.
مقدمو الخدمات الصحية الذين يقبلون هذا ولا يرفعون صوتهم، يتواطؤون مع السرية والممارسات المؤذية التي تسبب ضررا للصحة. نتيجة لوقوعهم في تضارب مصالح غير قابل للحل، يخرقون الالتزامات الأخلاقية ويفشلون في توفير مستوى مقبول من الرعاية. استقلالية التطبيب الكاملة، والتقارير العلنية للبيانات الصحية والرقابة المستقلة المناسبة، هي الحدود الأدنى الضرورية للمعايير اللازمة لتوفير خدمات آمنة وأخلاقية.
تعتقد منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أن استمرار مقدمي الخدمات بالمشاركة في مركز ناورو يرقى إلى التواطؤ في انتهاكات حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء. تستفيد هذه الشركات من سياق الانتهاكات، واستنادا إلى تحقيقات منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش على الجزيرة، بعضها مسؤول بشكل مباشر عن انتهاكات خطيرة وعدم توفير الرعاية الطبية المناسبة.
مستقبل مجهول
ذكر كل اللاجئين وطالبي اللجوء الذين قوبلوا أنه عندما أرسلوا إلى ناورو، أبلغتهم سلطات الهجرة أنهم سينقلون لـ "إتمام الاجراءات"، وستتم إعادة توطينهم في بلد ثالث. قالوا إن وصف سلطات الهجرة الأسترالية للوقت الذي سيقضونه في ناورو تغير كثيرا منذ أغسطس/آب 2013 – يترافق كل جدول زمني جديد مع إنكار المسؤولين الاستراليين أنهم أعلنوا عن إصدار مختلف من قبل.
في هذه المرحلة، حتى اللاجئون الذين تلقوا قرارا إيجابيا ليس لديهم أي فكرة عما يمكن توقعه، وغير قادرين على الحصول على أي إجابات واضحة من سلطات ناورو أو أستراليا. ليس لديهم أي وسيلة لمغادرة الجزيرة، حتى إذا كان لديهم الوسائل المالية اللازمة لذلك، وحتى عندما تصدر "وثائق السفر". رأى الباحثون وثائق سفر صادرة عن حكومة ناورو لبعض اللاجئين. وصفت هذه الأوراق جنسية الأفراد بـ "لاجئين"، واللاجئين الذين حاولوا التقدم بطلب للحصول على تأشيرات للذهاب إلى دول أخرى رُفضوا.
قال رجل:
لم يقولوا إلى متى سنبقى في وضع لاجئ. عندما جئت إلى ناورو، قالوا إنها ستكون 5 سنوات كحد أقصى. قالوا في ذلك الوقت إننا سنذهب إلى بلد آخر وليس أستراليا. بعد عامين قالوا: "ستقيمون في ناورو 10 سنوات أو تذهبون إلى كمبوديا".
قال رجل آخر:
حتى لو قالوا لي عندما جئت الى ناورو إنني سأقضي 10 سنوات، لا مشكلة. لكنهم قالوا إن الحد الأقصى 5 سنوات، وبعد ذلك سوف نذهب إلى بلد آخر. لا أعرف أي بلد. ولكن بعد عامين في ناورو، قالت الحكومة إننا سنقضي 10 سنوات هنا أو نذهب إلى كمبوديا أو نعود إلى الوطن".
قال رجل آخر:
وضع اللجوء في ناورو ليست دائما. عرضت الحكومة إعادة التوطين المؤقت فقط. تعطينا وثيقة سفر لا فائدة منها، لأنه لا يمكننا المغادرة من هنا. لا نزال في السجن. لا يمكننا أن نترك هذه الجزيرة.
قالت امرأة:
ليس للناس هنا حياة حقيقية. نحن فقط على قيد الحياة. نحن نفوس ميتة في أجسام حية. نحن قشور فقط. ليس لدينا أي أمل أو دافع.