(تونس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن على السلطات الليبية ضمان سلامة أكثر من 120 امرأة وطفل محتجزين في سجن مصراتة، وتوفير رعاية طبية عاجلة لهم، بعد فرارهم مؤخرا من القتال في سرت. على السلطات العمل مع الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية لإيجاد أماكن آمنة لهؤلاء المعتقلين وعلاج الإصابات والمرض وسوء التغذية.
قال مسؤول في "سجن الجوية" لـ هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف إن معظم المجموعة المحتجزة هناك من النساء والأطفال، ويُعتقد أن لهم صلة بتنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا باسم "داعش")، أو اختطفهم مقاتلو التنظيم الذين كانوا في سرت قبل استعادة القوات الليبية المنطقة في ديسمبر/كانون الأول 2016. ذكرت تقارير أن بعضهم تعرض للاتجار والاعتداء الجنسي من قبل مقاتلي داعش. قال المسؤول إن أيا من هؤلاء المحتجزين لم تُوجه إليه تهم بارتكاب جرائم، وإنه ليس في السجن رعاية طبية كافية. رفضت المستشفيات العامة في مصراتة قبول أفراد المجموعة بسبب المخاوف من مشاعر الغضب بين السكان المحليين بعد مقتل نحو 700 مقاتل من مصراتة في الاشتباكات.
قال بيل فان إسفلد، باحث أول في قسم حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش: "على السلطات الليبية فعل كل ما في وسعها لضمان عدم معاناة النساء والأطفال الذين فروا من سرت بسبب أي ارتباط قد يكون لهم بمقاتلي داعش. على السلطات العمل فورا مع الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة لإيصال هؤلاء المدنيين إلى مكان آمن حيث يمكنهم الحصول على الرعاية الطبية اللازمة وغيرها من المساعدات".
سيطر داعش على بلدة سرت الساحلية من فبراير/شباط 2015 حتى منتصف ديسمبر/كانون الأول 2016، بما فيه ميناؤها والقاعدة الجوية ومحطة الكهرباء الرئيسية ومحطة إذاعية، بالإضافة إلى جميع مكاتب الحكومة المحلية والمالية، وأنشأ فيها أكبر معقل له خارج العراق وسوريا. استولى المقاتلون المناهضون لداعش، معظمهم من مصراتة، ويعملون تحت مظلة "البنيان المرصوص"، على المدينة بعد معركة استمرت 6 أشهر قُتل فيها مئات المقاتلين من الجانبين. أنشأ داعش إدارة خاصة به ومحكمة إسلامية وقوة شرطة إسلامية أثناء سيطرته على سرت. نفّذ التنظيم عقوبات علنية ضد الذين اعتبرهم عملاء، والمتهمين بالردة، شملت الجَلد والإعدام.
قالت قوات مصراتة في بيانات عامة إن القوات المناهضة لداعش أنشأت، بمساعدة الضربات الجوية الأمريكية، ممرات آمنة لهروب المدنيين من القتال في سرت. أرسلت هذه القوات النساء والأطفال الذين فروا من سرت في البداية إلى مبنى مدرسة كراريم سابقا، على بعد حوالي 20 كم جنوب مصراتة، الذي استخدمته القوات مركز عبور واستجواب، ثم نقلتهم إلى سجن الجوية، حسب مدير السجن الذي استقبلهم.
قال المدير إن سجن الجوية استقبل ما لا يقل عن 120 امرأة وطفل، بعضهم لا يتجاوز عمره بضعة أشهر، حتى 5 ديسمبر/كانون الأول، ولكن لا يوجد معهم ذكور مشتبه بأنهم مقاتلين في داعش. أخبر مسؤولون في الأمم المتحدة بليبيا، زاروا السجن 4 مرات منذ نوفمبر/تشرين الثاني، هيومن رايتس ووتش عبر البريد الإلكتروني أنه في 19 ديسمبر/كانون الأول كان في السجن 123 مدنيا من سرت: 35 امرأة و88 طفلا، بينهم 15 طفلا دون مرافقين.
قال مدير السجن ومسؤول ليبي آخر إنه لم يكن لدى أي من النساء والأطفال وثائق هوية، وبعض الأطفال الأصغر سنا وُلِدوا في أراض يسيطر عليها تنظيم داعش، ولم تسجل ولاداتهم. الغالبية العظمى من المعتقلين ليبيون، ولكن بعضهم من تونس والعراق وتشاد وسوريا وإريتريا والنيجر.
قال مدير السجن إن جميع المحتجزين من سرت كانوا زوجات وأطفال مقاتلين من داعش، باستثناء 4 موظفين طبيين من الفليبين، علقوا في سرت بعد أن سيطر عليها داعش. أضاف أنه استند في هذا الاستنتاج إلى ما قالته القوات المناهضة لداعش التي سلمتهم إلى السجن، وبعض النساء أنفسهن.
يبدو أن بعض "الزوجات"، بمن فيهن النساء والفتيات غير الليبيات، كُنّ ممن احتجزهن داعش وتاجر بهن.
نقل تقرير لقناة "الجزيرة" قول امرأة إريترية (25 عاما) قوبلت في السجن، إن مقاتلي داعش خطفوها في السودان، وإن مقاتلا في سرت "حبسني في غرفة وأخذ مني ما أراد". نقل تقرير إخباري آخر قول فتاة إريترية (16 عاما) في السجن، إن سلطات السجن منعتها من إجراء عملية إجهاض، رغم ادعائها أن مقاتلين من داعش اغتصبوها و"باعوها مثل البضاعة". احتجزت السلطات الليبية بعض النساء في السجن لعدة أشهر، وفقا للتقرير. لم تستطع هيومن رايتس ووتش التحقق بشكل مستقل من هذه المزاعم.
قال مدير السجن ومسؤول ليبي آخر لـ هيومن رايتس ووتش، كل على حدة، إن المعتقلين تلقوا علاجا طبيا أوليّا في مستشفيين ميدانيين قرب سرت فور هروبهم من المدينة. مع ذلك، كان بعض النساء والأطفال يعانون من شظايا وطلقات رصاص تحتاج إلى رعاية طبية عاجلة، والبعض الآخر بحاجة إلى علاج بعد أسابيع من سوء التغذية والجفاف في سرت، كما كانت بعض النساء حوامل. قال مسؤول السجن إن عيادة السجن غير مناسبة لرعاية الأطفال والنساء الحوامل، ولا توجد وسيلة لدفع تكاليف الرعاية الطبية الخارجية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن السلطات الليبية ملزمة بضمان سلامة وأمن النساء والأطفال، ولكن يجب ألا تعتقلهم على أساس علاقات مزعومة بمقاتلي داعش. على السلطات توفير الرعاية الطبية لهم، بما فيها الرعاية قبل الولادة وبعدها، ورعاية الأطفال.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات الليبية التنسيق مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية المستقلة لإيصال الرعاية الطبية للمعتقلين فورا، وتحديد ضحايا الزواج القسري والاستعباد الجنسي أو الاعتداءات الأخرى من قبل داعش، واللائي يحتجن إلى العلاج الطبي وخدمات الصحة النفسية.
على "بعثة الأمم المتحدة في ليبيا" العمل مع السلطات الليبية للتأكد من توفير مكان آمن لأعضاء المجموعة المحتجزة. يبدو أن ليبيا لم تعتمد أي إجراءات لتحديد هويات النساء والأطفال وتقديم وثائق لهم. عدم وجود وثائق يخلق مخاطر انعدام الجنسية، والاشتباه بارتباط سابق بمقاتلي داعش، سواء كانت طوعا أو قسرا، ويمكن أن يؤدي إلى رفض بعض البلدان استقبال مواطنيها من النساء والأطفال الأجانب، أو يعرضهم لخطر الاستجوابات المسيئة والاعتقال التعسفي عند عودتهم.
على السلطات الليبية ووكالة الامم المتحدة للاجئين إيجاد حلول آمنة ودائمة لتقديم الوثائق للمدنيين الفارين من المناطق التي يسيطر عليها داعش. يمكن أن يشمل هذا فريق عمل يجمع ويستخدم أي أوراق هوية موجودة، ويتواصل مع أفراد عائلاتهم في الخارج. قالت هيومن رايتس ووتش إن عليهم أيضا ضمان سفر آمن للمدنيين الأجانب، وضمان عدم إعادتهم إذا كانوا سيتعرضون لخطر الاضطهاد أو التعذيب.
قال فان إسفلد: "على ليبيا والأمم المتحدة والحكومات الأجنبية المعنية توفير الموارد اللازمة لمساعدة المدنيين الفارين من المناطق التي يسيطر عليها داعش. تواجه هؤلاء النساء والأطفال مأزقا و ظروفا محبطة في الوقت الحالي، دون أي مخرج في الأُفق".