قتل الهجوم تسعة مدنيين بينهم خمسة أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و13 سنة. توفي لاحقا ثلاثة بالغين آخرين متأثرين بجراحهم، من بينهم معلمة قُتل ابنها أيضا. أصيب 13 مدنيا آخر و12 طفلا ومعلّمة على الأقل في الهجوم على مدرسة "عبدو سلامة" في بلدة سرمين بمحافظة إدلب.
قالت لما فقيه، مديرة قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "بعد سنوات من قتل وتشويه الأطفال في هجمات وحشية، استهلّت الحكومة السورية العقد الجديد باستخدام سلاح محظور لقتل مزيد من الأطفال ومعلميهم. على الحكومة السورية الكف عن استخدامها المشين للذخائر العنقودية والهجمات على المدارس ومحاسبة المسؤولين الذين سمحوا بها".
وثّقت هيومن رايتس ووتش هجمات متكررة على مرافق التعليم من قبل التحالف السوري الروسي وكذلك الجماعات المسلحة المعارضة. مدرستان من بين كل خمس مدارس مغلقة بسبب أضرار الحرب، وتُستخدم كمأوى للنازحين أو لأغراض عسكرية.
الذخائر العنقودية محظورة بموجب "اتفاقية الذخائر العنقودية". سوريا وروسيا ليستا من بين 107 دولة طرف في المعاهدة. تشير جميع المعلومات المتاحة إلى أن هجوم 1 يناير/كانون الثاني انتهك قوانين الحرب، التي تحظر الهجمات المتعمدة أو العشوائية على المدنيين من قبل جميع أطراف النزاع باعتبارها جرائم حرب. التزمت أكثر من 100 دولة، ليس من بينها روسيا أو سوريا، بحماية التعليم من الهجمات من خلال اعتماد "إعلان المدارس الآمنة" الدولي.
حُظرت الذخائر العنقودية بسبب تأثيرها العشوائي واسع النطاق وخطرها طويل الأمد على المدنيين. عادة ما تنفجر الذخائر العنقودية في الهواء وتنشر عشرات، وحتى مئات، القنابل الصغيرة على مساحة بحجم ملعب كرة القدم. الذخائر الصغيرة العنقودية لا تنفجر غالبا بعد الانفجار الأول، وتتحول إلى ذخائر صغيرة غير منفجرة تكون بمثابة ألغام أرضية.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى خمسة شهود قالوا إن الهجوم وقع قبل الساعة 11:45 صباحا بقليل. سقطت الذخائر الصغيرة على المدرسة والمناطق المحيطة بها، بينما سقطت بقايا محرك الصاروخ المستخدم لإطلاق السلاح على بعد 500 متر.
سمع الشهود، الذين قابلناهم بشكل منفصل، انفجارا في السماء تلاه عدد كبير من الانفجارات، تفصل بينها ثواني. قال عامل تعليم كان في منزله قرب المدرسة: "لمدة 30 أو 40 ثانية، لم نسمع شيئا سوى الانفجارات. اهتزت المنطقة بأكملها".
قال صاحب متجر إن أربع ذخائر صغيرة سقطت بالقرب منه خارج بوابة المدرسة مباشرة، مما تسبب في وقوع 4 إصابات وجُرِح في ساقه: "زحفت نحو الحائط. لم أعد أسمع جيدا بسبب الانفجار والضغط. كان الغبار في كل مكان، ولم يكن بإمكانك رؤية سوى اللون الأبيض ".
ركض أحد السكان الذي كان ابنه تلميذا في المدرسة لمساعدة الناس في سيارة أصيبت خارج بوابة المدرسة مباشرة، مما أدى إلى اشتعال النار في خزان الوقود: "كل ما استطعت رؤيته هو الدمار والدماء وأطفال على الأرض يصرخون، وامرأة تطلب المساعدة". قال إن الهجوم قتل ابنة جيرانه.
قال شاهدان إن ذخيرة صغيرة أخرى سقطت على مبنى سكني لم يستطع مالكه تحمل تكاليف بناء سقف من الأسمنت، مما أسفر عن مقتل حنان الخليل في مطبخها. رأى عامل المدرسة زوجها في الشارع "منهارا، وكل ما كان قادرا على قوله: فوق، فوق".
قال عامل في "الدفاع المدني السوري" ساعد في فحص المنطقة بحثا عن بقايا متفجرات لـ هيومن رايتس ووتش إنه "عثر على [ذخيرة صغيرة] غير منفجرة شرق المدرسة، على بعد مترين تقريبا من جدار المدرسة". انفجرت ذخائر صغيرة أخرى في ملعب المدرسة والحمامات ومدخل مكتب الإدارة. عثر عمال الدفاع المدني على رأس توجيه الصاروخ في منزل شخص، والمحرك في ساحة منزل آخر، وبقية جسم الصاروخ في بستان زيتون صغير على بعد 5 أمتار من مبنى سكني ثالث. حددوا أن الصاروخ أُطلِق من الشمال الشرقي.
فحصت هيومن رايتس ووتش مقاطع فيديو وصور لبقايا السلاح وحددت أنه صاروخ باليستي من طراز "9 إم 79 إم توشكا" (9M79M Tochka) مجهز برأس حربي بذخيرة عنقودية ويحتوي على 50 قنبلة انشطارية صغيرة من طراز "9 إن 24" (9N24). وفقا للشركة المصنعة الروسية تحتوي كل قنبلة صغيرة من طراز 9 إن 24 على 1.45 كيلوغرام من المتفجرات وتنشطر إلى نحو 316 قطعة. تُظهر الصور ومقاطع الفيديو الملتقطة في مكان الهجوم نمطا من أضرار الانفجار والانشطار والإصابات الشائعة عند استخدام الذخائر العنقودية.
قال السكان إن مدرسة عبدو سلامة تدرّس الفصول الابتدائية والإعدادية، والفصول الثانوية للبنات. كان معظم الأطفال البالغ عددهم 900 طفل قد غادروا المدرسة في وقت أبكر من المعتاد في 1 يناير/كانون الثاني لأنها كانت فترة امتحانات.
يقع مجمّع المدرسة في شارع سكني مجاور لسوق سرمين الشرقي. تقع البلدة تحت السيطرة الإدارية لـ "حكومة الانقاذ السورية" التابعة لـ "هيئة تحرير الشام" اوهي جماعة مرتبطة بتنظيم "القاعدة". قال جميع الشهود الذين قابلناهم إنه لم يكن هناك وجود عسكري داخل المدرسة أو بالقرب منها. قال والد تلميذ في المدرسة، قُتلت ابنة جيرانه في الهجوم: "هذه منطقة مدنية. لا وجود عسكري على الإطلاق. مجرد سوق ومدرسة ومنازل". كانت المنطقة المحيطة بالمدرسة تستضيف سوقا أسبوعيا قبل أن يقوم مجلس البلدة بإيقافه بسبب الخوف من الهجمات.
قال السكان إن آلاف النازحين بسبب القتال في أماكن أخرى لجأوا إلى البلدة، وكانت المدرسة تدرّس الفصول الدراسية ومأوى للنازحين. ا كان هناك أيضا مبنى سكني شبه جاهز مجاور للمدرسة يؤوي النازحين.
منذ 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، نزح 300 ألف سوري على الأقل من جنوب إدلب، من بينهم 175 ألف طفل على الأقل، وفقا للأمم المتحدة. قالت هيومن رايتس ووتش إنها ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها التحالف العسكري السوري الروسي البنية التحتية المدنية التي تؤوي النازحين، تاركا المئات دون مأوى.
ذكرت جمعية "سيريا ريليف" الخيرية، التي يقع مقرها في المملكة المتحدة وتدير المدرسة، أن تلك كانت المرة السادسة التي تتعرض فيها مدارس الجمعية في إدلب لأضرار بسبب الهجمات منذ أبريل/نيسان.
منذ بداية النزاع المسلح في سوريا عام 2012، وثّقت هيومن رايتس ووتش الأذى اللاحق بالمدنيين جراء استخدام الحكومة السورية للذخائر العنقودية، واستخدام الصواريخ البالستية الذي بدأ في أغسطس/آب 2013، ومنذ ذلك الحين حددت استخدام صواريخ توشكا المزودة برؤوس حربية مزودة بذخائر شديدة الانفجار أو أو عنقودية في عشرات الهجمات في سوريا.
تمتلك القوات الروسية المنتشرة في سوريا مخزونات من الذخائر العنقودية، كما هو موثّق في صور نشرتها وسائل الإعلام، ودعمت بفعالية استخدام الحكومة للذخائر العنقودية منذ أن بدأت عملياتهما المشتركة في سبتمبر/أيلول 2015. كجزء من التحالف العسكري، تتحمل روسيا مسؤولية مشتركة عن استخدام الأسلحة المحظورة وأي انتهاكات لقوانين الحرب مرتكبة في سوريا. ينبغي أن تتوقف روسيا فورا عن توفير الذخيرة لحليفها وتحثّ سوريا على التوقف عن استخدامها.
منذ منتصف عام 2012، سُجِّل ما لا يقل عن 674 هجوما بالذخائر العنقودية في سوريا بحسب "مرصد الذخائر العنقودية"، ووقع ضحيتها مئات - وعلى الأرجح آلاف - الضحايا. العدد الفعلي لهجمات الذخائر العنقودية أعلى على الأرجح.
قالت فقيه: "في مواجهة الهجمات المستمرة على المدنيين والبنية التحتية المدنية من قبل التحالف العسكري السوري الروسي، ينبغي للدول مضاعفة جهودها لمحاسبة المسؤولين عن هذه الهجمات غير القانونية".