- استهدفت السلطات الأردنية بشكل منهجي نشطاء مجتمع الميم-عين، ونسّقت حملة قمع غير قانونية على حرية التعبير والتجمع في مجال الجندر والجنسانية.
- ترهيب قوات الأمن وتدخلهم غير القانوني في تنظيم مجتمع الميم-عين دفع بنشطاء هذا المجتمع إلى مزيد من السرية، وأجبر قادتهم على الرقابة الذاتية أو الفرار من الأردن.
- على شركاء الأردن الدوليين الذين يقدمون المساعدة لأجهزة المخابرات الأردنية ضمان أن يكون احترام حرية التعبير وتكوين الجمعيات شرطا لجميع البرامج.
(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات الأردنية استهدفت بشكل منهجي نشطاء حقوق المثليين/ات، ومزدوجي/ات التوجه الجنسي، وعابري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم-عين)، ونسّقت حملة قمع غير قانونية على حرية التعبير والتجمع في مجال النوع الاجتماعي (الجندر) والجنسانية.
وثّقت هيومن رايتس ووتش حالات قامت فيها "دائرة المخابرات العامة" الأردنية و"إدارة الأمن الوقائي" التابعة لـ "مديرية الأمن العام" باستجواب نشطاء مجتمع الميم-عين حول عملهم وترهيبهم بالتهديد بالعنف والاعتقال والمقاضاة، ما أجبر العديد من النشطاء على إغلاق منظماتهم ووقف أنشطتهم، وفي بعض الحالات، الفرار من البلاد. شوّه مسؤولون حكوميون أيضا سمعة نشطاء مجتمع الميم-عين على الإنترنت بسبب توجههم الجنسي، ونشر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي صورهم مرفقة برسائل تحرض على العنف ضدهم.
قالت رشا يونس، باحثة أولى في حقوق مجتمع الميم في هيومن رايتس ووتش: "شنّت السلطات الأردنية هجوما منسّقا ضد نشطاء مجتمع الميم-عين، لاجتثاث أي نقاش حول الجندر والجنسانية في المساحات العامة والخاصة. دفعت أساليب الترهيب التي تستخدمها قوات الأمن والتدخل غير القانوني في تنظيم مجتمع الميم-عين النشاط إلى مزيد من السرية، وأجبرت قادة المجتمع المدني على واقع مستحيل: الرقابة الذاتية الشديدة أو الفرار من الأردن".
قابلت هيومن رايتس ووتش 13 ناشطا في مجال حقوق مجتمع الميم-عين في الأردن، ومالك مركز ثقافي في عمّان حيث حُظرت فعالية لمجتمع الميم-عين، ومدير مبادرة إعلام بديل، استُهدف عبر الإنترنت. راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا تصريحات مسؤولين حكوميين ومنظمات غير حكومية وأفراد عاديين، فضلا عن ومواد مصورة قدمها النشطاء توثّق تعرضهم للمضايقات على الإنترنت في منشورات عامة على مواقع التواصل الاجتماعي.
قال جميع الذين قوبلوا إن قوات الأمن، وخصوصا جهاز المخابرات، سعت مرارا إلى ترهيبهم، بما في ذلك باستدعائهم للاستجواب عدة مرات. قال ثلاثة نشطاء إن محافظ عمان استجوبهم بعدما ألغوا بشكل استباقي عرض فيلم يُصور رجالا مثليين. قال مديران من منظمات مجتمع الميم-عين إنهما اضطرا، بسبب الترهيب الرسمي، إلى إغلاق مكاتبهما ووقف عملياتهما في الأردن والفرار من البلاد.
قال ناشط إن عناصر الأمن الوقائي جعلوه يوقع على تعهد بإبلاغ المحافظ بجميع أنشطة مقره. وأفاد ناشط آخر بأنه استُهدف عبر الإنترنت عندما دعا مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي إلى حرقه حيا.
في حين أن استهداف السلطات الأردنية للحيّز المدني لا يقتصر على نشطاء مجتمع الميم-عين، فإن الوضع غير المستقر قانونيا، كتطبيق أحكام "الآداب" الغامضة ضد أفراد مجتمع الميم-عين، والتهميش الاجتماعي، يقمع تعبير مجتمع الميم-عين على الإنترنت وخارجه. رغم غياب قوانين صريحة تُجرّم العلاقات الجنسية المثلية في الأردن، لا يوجد تشريع يحمي أفراد مجتمع الميم-عين من التمييز والعداء الواسع تجاههم. يبدو أن مزيج قوانين الآداب الغامضة والعداء العام وغياب الحماية القانونية يعطي ترخيصا لقوات الأمن والأفراد العاديين لاستهداف أفراد مجتمع الميم-عين دون عقاب.
في أغسطس/آب 2023، أصدرت السلطات الأردنية قانونا قمعيا جديدا للجرائم الإلكترونية يقوّض بشدة حرية التعبير على الإنترنت، ويهدد حق مستخدمي الإنترنت في إخفاء هويتهم، ويؤسس هيئة جديدة للسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي. يتضمن القانون موادا يمكن للسلطات استخدامها لاستهداف المحتوى الرقمي في مجال الجندر والجنسانية، بالإضافة إلى الأفراد الذين يستخدمون المنصات الرقمية للدفاع عن حقوق مجتمع الميم-عين. قال ناشط لـ هيومن رايتس ووتش إن القانون الجديد "سيسحق جميع أشكال تعبير مجتمع الميم-عين على الإنترنت" ويعزز "التدخل في حياة الناس الخاصة".
وثقت هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر في 2023 الآثار العميقة في الحياة الواقعية التي تنتج عن استهداف مجتمع الميم-عين على الإنترنت في الأردن، منها التصيّد، والابتزاز والمضايقة على الإنترنت، والاعتماد في المحاكمات على معلومات رقمية حصلت عليها بطرق غير مشروعة استنادا إلى تفتيش تعسفي للهواتف. نتيجة للاستهداف الرقمي، قال أفراد من مجتمع الميم-عين في الأردن إنهم لم يشعروا بالأمان في التعبير عن أنفسهم، وتراجع النشاط المدافع عن حقوق هذا المجتمع نتيجة لذلك.
أبلغ جميع نشطاء مجتمع الميم-عين الذين قوبلوا عن عواقب وخيمة في أعقاب استهدافهم من قبل السلطات، حتى عندما لم تتجاوز التهديدات الترهيب. يغلق معظم النشطاء مبادراتهم ومجموعاتهم بشكل استباقي، خوفا من المقاضاة.
قال مدير منظمة لحقوق مجتمع الميم-عين إنه اضطر إلى إغلاقها في يناير/كانون الثاني، عقب ما وصفه بـ "هجوم منسّق وغير مسبوق" من قبل السلطات. قال: "اضطررنا [أنا وصديقي الحميم] إلى ترك كل شيء - عملنا، وأصدقائنا، وعائلاتنا، وذكرياتنا - والفرار من البلاد. من المرعب مدى تأثير [قوات الأمن] بالترهيب وحده، دون الحاجة إلى فعل شيء. قلبوا حياتنا رأسا على عقب، تحت التهديد، والجزء الأكثر رعبا هو أننا كنا نعلم أنهم سيفعلون كل ما يهددون به إذا عدنا إلى بلدنا".
وصف ناشط آخر محنته قائلا: "كان خيارنا الوحيد هو وقف عملياتنا، لتجنب المقاضاة الوشيكة، والفرار من الأردن. أدى الضغط الحكومي المتواصل منذ سنين، والذي زاد جنبا إلى جنب مع ظهورنا كنشطاء كويريين، إلى كسر حركتنا ونشاطنا السياسي. الترهيب هو أقوى أداة للقمع الحكومي في الأردن.
وصفت ناشطة من مجتمع الميم-عين، من القلائل الذين بقوا في الأردن، واقعها الحالي: "أصبح مجرد الوجود في عمان مرعبا. لا يمكننا مواصلة نشاطنا، ونحن مجبرون على أن نكون شديدي الوعي بما يحيط بنا كأفراد".
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، تحظى حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات باعتراف على أنها حقوق إنسانية أساسية، وغالبا ما تكون متداخلة، وضرورية لحسن سير المجتمع الديمقراطي وتمتع الناس بحقوق فردية أخرى. يضمن "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" (العهد الدولي)، والأردن طرف فيه، حقوق الإنسان الأساسية، منها حرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات، فضلا عن الحماية المتساوية أمام القانون، كل ذلك دون تمييز.
ينبغي لشركاء الأردن الدوليين، بمن فيهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين يقدمون المساعدة المباشرة والتدريب للأجهزة الأمنية الأردنية، إدانة انتهاكات قوات الأمن المتعلقة بحرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع علنا وصراحة، بما في ذلك ضد أفراد مجتمع الميم-عين، وضمان أن يكون احترام هذه الحريات شرطا لجميع البرامج القائمة.
قالت يونس: "رغم قمع الدولة، سيستمر نشاط مجتمع الميم-عين في الأردن ولن تتوقف مقاومة المجتمع المدني. ينبغي للسلطات الأردنية حماية حقوق الجميع، بما فيها حماية حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، فضلا عن خصوصية التواصل على الإنترنت".
حملة قمع على تنظيم مجتمع الميم-عين وترهيب رسمي له ومضايقته
استهدفت الأجهزة الأمنية، وخصوصا دائرة المخابرات، تعسفا ودون أساس قانوني واضح نشطاء ومنظمات مجتمع الميم-عين بالترهيب الرسمي والمضايقة طوال العام الماضي.
في يناير/كانون الثاني، أغلقت دائرة المخابرات الحساب البنكي لمنظمة كانت تعمل منذ 2018 لتوفير مساحات وخدمات آمنة لأفراد مجتمع الميم-عين وأمرت بإغلاقها. بسبب رفض الحكومة السماح بتسجيلها كمنظمة غير حكومية، سُجلّت كشركة. قابلت هيومن رايتس ووتش مدير المنظمة، الذي فر من الأردن تحت التهديد بالعنف والمقاضاة. قال:
في 4 يناير/كانون الثاني، تلقيت مكالمة هاتفية من البنك حيث يتلقى حساب منظمتنا تمويلات بإسمي، وأبلغوني أن لدي ساعة واحدة لتقديم جميع أوراق المنظمة، وإلا سيغلقون الحساب. طلبت مزيدا من الوقت، حيث لا يمكنني تقديم حوالي 60 وثيقة في ساعة، لكنهم رفضوا. أرسلوا لي بريدا إلكترونيا يتضمن أسماء جميع المستفيدين والمتبرعين والموظفين في المنظمة. بعد انتهاء مهلة الساعة، اتصل بي البنك لإبلاغي بإغلاق حسابنا.
قال الناشط إنه تلقى في اليوم التالي مكالمة هاتفية من مسؤول قال إنه يتصل بالنيابة عن لجنة مكونة من ممثلين عن وزارات الداخلية والعمل والتجارة، يبلغه أنهم سيزورون مكتب المنظمة قريبا ويأمرونه بأن يكون هناك. قال الناشط:
أسرعت مذعورا إلى المكتب وحاولت إخلاءه من أي صور أو ملفات أو أدلة على طبيعة عملنا. عندما وصل ممثلو الوزارات الثلاثة، استفسروا عن موظفي المنظمة والمستفيدين. سلموني وثيقة قانونية فيها قائمة مطالب، تضمنت تسليم جميع مصادر تمويلنا، وحساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، والموقع الإلكتروني، وجميع التدريبات والوحدات الداخلية التي توجه عملنا، خلال عشرة أيام.
قال الناشط إن الوثيقة القانونية التي استلمها تُفيد بأن اللجنة تشكلت في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. قال إنه تلقى مؤشرات على أن أمر إغلاق المنظمة صدر من دائرة المخابرات:
كنت في حالة رعب مطلق. اضطررت إلى تغيير مكان إقامتي، حيث كنت أعيش مع صديقي الحميم، لأنني كنت أعلم أننا مراقبون وخشيت التعرض لهجوم. أدركت أن هذا الهجوم كان منسقا وأكبر مني بكثير، وأن دائرة المخابرات كانت تراقبني وتراقب أعمال المنظمة منذ فترة.
قال الناشط إنه بعد أيام قليلة، عاد إلى شقته لجلب بعض الملابس، وبمجرد دخوله، بدأ هاتفه يرن دون توقف. قال إنه أجاب بعدما شعر بالقلق، وعرّف المتصل عن نفسه بأنه شرطي وقال: "تعرضت سيارتك لحادث كبير. يجب أن تأتي إلى مركز الشرطة فورا".
قال الناشط إن عنصر الأمن كان يعرف اسمه ورقم لوحة السيارة، لكن سيارته كانت مركونة أمام الشقة، لذلك رفض الذهاب إلى مركز الشرطة. قال الناشط: "بدأ العنصر يصرخ ويهدد باعتقالي إذا لم أذهب إلى مركز الشرطة". أضاف أنه شعر بالخوف عندما قال له العنصر إنه سيحضره إلى المركز بالقوة، لأنه تعرض للاختطاف من الشارع في 2015 على يد عناصر المخابرات، الذين استجوبوه ليومين حول عمله، وأهانوه لفظيا، وكشفوا توجهه الجنسي أمام عائلته، وهددوه بالاعتقال والضرب. قال:
تركت الشقة، وكل أغراضي، وسيارتي وركضت في الشارع بأسرع ما يمكن. اختبأت في المرآب واتصلت بشخص موثوق. عندما وصل لاصطحابي، أغلقت هاتفي الذي لم يتوقف عن الرنين. لكن كلما أغلقته، يعود للعمل ويرن. اضطررت إلى ترك هاتفي لأنني أدركت أنه مخترق وأنهم يتعقبونني.
في اليوم التالي، قال الناشط إنه اضطر هو وصديقه الحميم لمغادرة البلاد: "وصلنا إلى بلد أجنبي دون أي خطة أو دعم. لم يكن لدينا خيار. منذ أن هربت من الأردن، أستيقظ باستمرار وأنا أصرخ مرعوبا. إنها أصعب تجربة مررت بها على الإطلاق".
في حادثة مماثلة، قال ناشط من منظمة أخرى لحقوق مجتمع الميم-عين إنه اكتشف أن حسابها البنكي مغلق عندما حاول إرسال دفعة معتادة من حساب بنك أجنبي إلى الأردن وأبلغه البنك المحلي أن البنك المركزي جمّد الحساب، وأن البنك تلقى تعليمات بعدم السماح له بإجراء أي معاملات.
لاحقا، قال الناشط إن عنصر مخابرات أوقفه، وأظهر له هويته وأمره بركوب السيارة: "قاد السيارة [حوالي] 45 دقيقة، سألني خلالها عن عملي والأموال التي تستلمها المنظمة. حذرني من أن العمل السياسي المنظم دون تسجيل يعتبر جريمة". قال الناشط إن عنصر لمخابرات قال له: "نحن نعرف تفاصيل عملك وارتباطك بالسفارات. اعلم أننا نراقبك وأنك بحاجة إلى إيقاف هذا العمل، وإلا سنتخذ إجراءات قانونية".
قال الناشط إنه بعد يومين، زار عناصر المخابرات منزل والده للاستفسار عن "عمله الحقوقي". قال الناشط إن أحد عناصر المخابرات قال لوالده: "قل لابنك، عليه أن يعتني بنفسه جيدا".
نتيجة للترهيب، شعر قادة المنظمة، التي عملت في الأردن لأكثر من ثماني سنوات، أنه ليس لديهم خيار سوى وقف عملياتها، بما في ذلك الخدمات المقدمة لأفراد مجتمع الميم-عين، وحذف جميع المحتوى على الإنترنت. بعد استشارة محام، قال الناشط إنه علم أن المنظمة ستواجه اتهامات تتعلق بغسيل الأموال إذا استمرت في العمل كمنظمة غير حكومية غير مسجلة.
قال الناشط: "الهدف هو ترهيبنا لنبقى مهمشين. منذ إغلاق المنظمة، هربت من الأردن وأعيش في المنفى".
مؤخرا، في أكتوبر/تشرين الأول، قال ناشط من مجتمع الميم-عين إنه استدعي للاستجواب من قبل دائرة المخابرات. قال الناشط إن عناصر المخابرات أثناء الاستجواب فتشوا هاتفه، وقاموا بترهيبه، وهددوه بفرض حظر سفر عليه، وطرحوا عليه أسئلة شخصية حول توجهه الجنسي وعلاقاته الجنسية مع رجال آخرين. قال الناشط إن العناصر أخبروه بعد ثلاث ساعات من الاستجواب أن بإمكانه المغادرة.
قال الناشط: "إنهم [السلطات الأردنية] يستثمرون في الترهيب لتدمير عقولنا وعزلنا. أسلوبهم هو استهدافنا عقليا، دون ترك أي دليل على تعذيبنا".
رقابة الحكومة على المحتوى المتعلق بمجتمع الميم
في 19 يونيو/حزيران، اضطر نشطاء إلى إلغاء عرض فيلم خاص لمبادرة إعلامية في أحد المراكز الثقافية في عمان بشكل استباقي بعد تسريب تفاصيل الفعالية على مواقع التواصل الاجتماعي ومشاركتها مع مسؤولَيْن حكوميَيْن شاركاها بدورهما على نطاق أوسع ودعا السلطات إلى حظر الفعالية لأنه "يروج للمثلية الجنسية". قال النشطاء إن عرض الفيلم يُصوّر علاقة رومانسية بين شابين. قابلت هيومن رايتس ووتش مدير المبادرة الإعلامية ومسؤولة العمليات فيها. قالت:
أرسلنا دعوة وملصقا بتفاصيل الفعالية على قائمة بريدية خاصة مع الأعضاء الموثوقين. تسربت الدعوة وتضمنت التفاصيل الشخصية لأحد الزملاء، بالإضافة إلى معلومات الاتصال به، وزمان ومكان الفعالية. استدعى الأمن الوقائي زميلنا الذي نُشرت معلوماته الشخصية للتحقيق أمام المحافظ.
قال مدير المبادرة الإعلامية إنهم أوقفوا جميع أنشطتهم وأغلقوا صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب تهديدات المراقبة والترهيب.
تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى مالك المركز الذي كان سيُعرض فيه الفيلم، والذي يستضيف فعاليات ثقافية. قال:
بعد تسريب تفاصيل الفعالية، فوجئنا برؤية تعليقات تهديدية حول المكان على صفحتنا على "فيسبوك" و"غوغل". تضمنت التعليقات تهديدات بتدمير المكان ووصف موظفيه بأنهم "أعداء الله". أصدرتُ بيانا أوضحت فيه موقف المركز، وقررنا إغلاق المركز حتى إشعار آخر حفاظا على سلامة العاملين فيه.
استجوابات غير قانونية
قال مالك المركز الثقافي إنه بعد إلغاء الفعالية، اتصل به عناصر من الأمن الوقائي يعملون في محافظة عمان واستدعوه للتحقيق. في الوقت نفسه، قال المالك إن مجموعة من عناصر الأمن، لم يُعرّفوا عن أنفسهم، وصلوا إلى المركز وأخذوا هويات كل الموجودين ثم بدأوا باستجواب الموظفين.
في اليوم التالي، طالب عناصر الأمن الوقائي المركز بإصدار بيان يُدين المثلية الجنسية بما يتوافق مع قِيَم وأخلاق المجتمع الأردني، وهددوا بالعنف إذا لم ينشره في نفس اليوم، قال مالك المركز:
طلبنا حماية قوات الأمن من الهجمات ضدنا، فقالوا: "أنتم تستحقون كل ما سيفعلونه بكم. نحن نراقب أنشطة مركزكم بازدراء منذ مدة. ارتكبتم خطأ فادحا، ومن واجبنا تأديبكم".
قال المالك إنه بعدما استجوبه المحافظ، أُجبر على التوقيع على تعهد بأن يُقدّم المركز الثقافي إخطارا إلى مكتب المحافظ يتضمّن تفاصيل الفعاليات المقررة بشكل مسبق إلى مكتب المحافظ. إذا لم يفعلوا، نص التعهد على أنهم "سيتعرضون لأقسى عقوبة ممكنة". قال:
أثناء استجوابي، قال المحافظ مرارا إن "المثلية الجنسية مرض منحرف يجب حماية المجتمع منه". منذ ذلك الحين، كلما ذهبت إلى مكتب المحافظ لتقديم إخطار حول فعالية ما، يستجوبونني بشكل مطوّل حول محتوى الفعالية، والحاضرين، والفعاليات السابقة التي وجدوها على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا يسبب اضطرابا شديدا لعملنا. يعاملوننا كتهديد للأمن القومي، وكأننا العدو.
في أكتوبر/تشرين الأول 2022، استدعت دائرة المخابرات مديرة ومسؤولة العمليات في منظمة حقوقية مسجلة في عمان للتحقيق. قالت المديرة إن المجموعة نظمت ورش عمل خاصة حول الجندر والجنسانية في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2022، وتداولوها بشكل أوسع في أكتوبر/تشرين الأول، دون الإعلان عنها على مواقع التواصل الاجتماعي. قبيل أيام من انعقاد ورشة عمل أخرى، قالت المديرة إن دائرة المخابرات أبلغتها أنهم تلقوا بلاغا عن الورش، زاعمين كذبا أنها تهدف إلى الترويج لـ "الشذوذ الجنسي"، و"التحريض على المثلية الجنسية"، و"الجنس قبل الزواج"، و"العلاقات الجنسية مع الحيوانات".
قالت الموظفتان إنه رغم الاتهامات الكاذبة الموجهة إلى المجموعة، فإن دائرة المخابرات كانت تعرف كل شيء عن أنشطة المنظمة، بما فيها تفاصيل حول تجمعاتها الخاصة، ومجموعتها على "واتساب"، واجتماعاتها الخاصة عبر تطبيق "زووم". قالتا إن عناصر المخابرات اتهموهما بـ "التحريض على المثلية الجنسية"، وأخبروهما أن عليهما الحصول على إذن لعقد أي ورشة عمل حول الجندر والجنسانية.
قالت المُيسرة إن رجال المخابرات سألوها أسئلة خاصة وغير لائقة حول حياتها الجنسية وكانوا "أكثر قلقا بشأن المثلية الجنسية"، وقالت إنهم "لن يسمحوا بمناقشة هذه المواضيع في الأردن للحفاظ على الوضع الراهن". بعد تحقيق طويل شمل الترهيب والتهديد بالعنف والترحيل، قررت الموظفتان إلغاء الورش ووقف عمليات المجموعة داخل الأردن.
المضايقات ونشر معلومات تعريفية على الإنترنت
قال مدافع عن حقوق مجتمع الميم-عين يعيش في الأردن إنه تعرض لحملة تشويه سمعة عبر الإنترنت منذ يونيو/حزيران 2023، عندما تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، منهم سياسيون وعضو في البرلمان، صورته ومعلوماته الشخصية مع تعليقات تسخر منه، واتهمته بـ "نشر الشذوذ الجنسي"، وطالبوا بترحيله واعتقاله، فيما دعا مستخدمون آخرون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى "حرقه حيا". قال:
شعرت بالرعب وأغلقت حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي. أبلغت عن المحتوى للمنصات ذات الصلة، لكن بعضه ما زال متاحا للعامة ولم يُحذف. لم أتمكن من إبلاغ السلطات عن هؤلاء الأفراد، لأنني في نظرهم مذنب ولا أحظى بالحماية قانونية.
بشكل منفصل، قال منظم المركز الذي كان يُفترض أن يعرض فيلم شهر يونيو/حزيران، إنه فور تسرب أنباء عن طبيعة الفيلم، واجه المركز هجوما غير مسبوق على وسائل الإعلام التقليدية ومواقع التواصل الاجتماعي، مع عشرات التهديدات بالعنف، منها تهديدات بالقتل على فيسبوك، و"إنستغرام"، و"تويتر".
للمضايقات على الإنترنت عواقب بعيدة المدى خارج الإنترنت على سلامة أفراد مجتمع الميم المستهدفين وسبل عيشهم وصحتهم النفسية. نتيجة للمضايقات عبر الإنترنت، فقد أفراد مجتمع الميم-عين وظائفهم، وعانوا من العنف الأسري، وتلقوا تهديدات بالقتل، واضطروا إلى تغيير أماكن إقامتهم وأرقام هواتفهم وحذف حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وفروا من البلاد هربا من الاضطهاد المستمر، وعانوا عواقب صحية نفسية وخيمة.
قانون الجرائم الإلكترونية
في أغسطس/آب، أدخل البرلمان الأردني إصلاحات على قانون الجرائم الإلكترونية وأقر مجموعة من التعديلات دون نقاش عام هادف أو فرصة للتعليق أو الانتقاد، وأصدر قانونا قمعيا جديدا للجرائم الإلكترونية يقوّض حرية التعبير على الإنترنت.
يستخدم القانون مصطلحات غير دقيقة وغامضة وغير محددة. تعاقب المادتان 13 و14 من قانون عام 2023 إنتاج أو توزيع أو شراء "أعمال إباحية"، غير واضحة التعريف، أو محتوى يؤدي إلى " التسهيل أو الترويج أو التحريض أو المساعدة أو الحض على الدعارة والفجور أو التعرض للآداب العامة "، بستة أشهر سَجنا على الأقل أو بغرامة.
رغم عدم ذكر سلوك مجتمع الميم-عين بالتحديد، تعطي التجارب السابقة سببا جادا للقلق من استخدام السلطات للتعديلات كسلاح لاستهداف المحتوى الرقمي في مجال الجندر والجنسانية، والأشخاص الذين يستخدمون المنصات الرقمية للدفاع عن حقوق مجتمع الميم-عين. يهدد القانون حق مستخدمي الإنترنت في عدم الكشف عن الهوية، والذي يسمح للعديد من أفراد مجتمع الميم-عين بالتعبير عن أنفسهم بحرية على الإنترنت، الأمر الذي يدفعهم إلى الاختيار بين حماية هويتهم والتعبير عن آرائهم.
استخدمت السلطات الأردنية قوانين الجرائم الإلكترونية في السابق لاستهداف أفراد مجتمع الميم-عين، وترهيب النشطاء، وفرض الرقابة على المحتوى المتعلق بالجندر والجنسانية. حُكم على رجل مثلي أردني قابلته هيومن رايتس ووتش بالسجن ستة أشهر في 2021 بسبب مادة في قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2015 تعاقب "من استخدم الشبكة المعلوماتية... للترويج للدعارة"، بعد لجوئه إلى السلطات للحماية بسبب تعرضه للابتزاز على الإنترنت.
التزامات الأردن بموجب القانون الدولي
تنتهك تجاوزات الأردن بحق أفراد ونشطاء مجتمع الميم-عين حقوقهم الأساسية، منها حقهم في الخصوصية، وحرية التنقل، وحرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات، بما في ذلك على الإنترنت، فضلا عن حقهم في عدم التمييز ضده والحماية بموجب القانون. تنتهك التجاوزات الدستور الأردني والمعاهدات الدولية التي صادق عليها الأردن.
يحمي الدستور الأردني الحق في عدم التمييز (المادة 6)، والحق في الحرية الشخصية (المادة 7)، والحق في حرية التعبير والرأي (المادة 15).
ينص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والأردن دولة طرف فيه، على أن لكل شخص الحق في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات. يضمن العهد الدولي، في مادتيه 2 و26، حقوق الإنسان الأساسية والحماية المتساوية أمام القانون دون تمييز. أوضحت "لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة"، التي تفسر العهد الدولي، أن التمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجندرية محظور في دعم أي من الحقوق التي تحميها المعاهدة، منها حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات.
وبالإضافة إلى ذلك، تضمن المادة 32 من "الميثاق العربي لحقوق الإنسان"، والأردن دولة طرف فيه، "الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية".
التوصيات
إلى الحكومة
- منع قوات الأمن من استهداف الأشخاص على أساس توجههم الجنسية أو هويتهم الجندرية المتصورين أو نشاطهم حول حقوق مجتمع الميم-عين.
- حماية حرية التعبير على الإنترنت وخارجه، وخصوصية الاتصالات عبر الإنترنت.
- محاكمة عناصر الأمن الذين يخالفون القوانين المتعلقة بالمراقبة، والتفتيش التعسفي، والانتهاك غير القانوني للخصوصية.
- التحقيق مع الأشخاص الذين يدلون بتصريحات، سواء على الإنترنت أو خارجه، تُحرّض على العنف ضد أفراد مجتمع الميم-عين أو تهدد به، ومحاسبتهم.
إلى قوات الأمن
- التوقف عن استهداف وترهيب نشطاء المجتمع المدني، بمن فيهم أفراد مجتمع الميم-عين.
- الامتناع عن انتهاك خصوصية الأشخاص أثناء التحقيقات، بما يشمل طلب هواتفهم، أو حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
- ضمان حصول الأشخاص على التمثيل القانوني أثناء التحقيق، بما يشمل إبلاغهم بحقهم في الاتصال بمحام وتوفير محام مجانا عند الطلب.
- حماية حق أفراد مجتمع الميم-عين في الإبلاغ عن الجرائم دون التعرض لخطر الاعتقال، وضمان عدم تعرض ضحايا الجرائم للحرمان من المساعدة، أو للاعتقال، أو المضايقة على أساس التوجه الجنسي أو الهوية الجندرية.
- التوقف عن مطالبة المنظمات بالحصول على موافقة مسبقة لإقامة الأنشطة في الأماكن المملوكة للقطاع الخاص.
إلى مجلس النواب
- مراجعة بنود "الآداب" الغامضة في قانون العقوبات والتي يمكن أن تبرر الاعتقال التعسفي أو مضايقة الأشخاص بسبب توجههم الجنسي أو هويتهم أو تعبيرهم الجندريَّين، الفعلية أو المتصورة، أو يمكن استخدامها لمنع المجتمع المدني من معالجة القضايا المحرمة أو الموصومة، وإلغاء هذه المواد أو تعديلها، أو ضمان عدم تطبيقها بطريقة تتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.
- إلغاء قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2023، أو تعديل الأحكام الغامضة والمسيئة التي تهدد حرية التعبير والحق في الخصوصية.
- إصدار تشريع شامل لمكافحة التمييز يحظر التمييز، بما في ذلك على الإنترنت، على أساس الجنس، والجندر، والهوية الجندرية، والتوجه الجنسي، ويتضمن تدابير فعالة لتحديد ومعالجة مثل هذا التمييز.
إلى شركاء الأردن الدوليين
- الإدانة العلنية والصريحة لجميع انتهاكات قوات الأمن في الأردن المتعلقة بحرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع، بما فيها ضد أفراد مجتمع الميم-عين.
- التأكد من أن احترام هذه الحريات هو شرط لجميع البرامج القائمة.
- الدفع من أجل إجراء إصلاحات ملموسة في هذه المجالات وتتبعها.