أكتب إليكم هذا الخطاب كي أحثكم على فرض حظر مؤقت على استخدام عقوبة الإعدام في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية، والنظر في إلغاء هذه العقوبة بالكامل.
فلقد علمت ببالغ القلق أنكم قد تصادقون قريباً على تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق نحو 15 سجيناً من بين السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، خاصة وأننا نعتقد أن معظمهم - إن لم نقل جميعهم - لم يتلقوا محاكمة عادلة ولم تتح لهم الفرصة للطعن في الأحكام الصادرة عليهم، في الوقت الذي تشير فيه المعلومات المتوفرة لدينا بوجود 27 شخصا على الأقل محكومين بالإعدام لدى السلطة الفلسطينية.
كما تشعر منظمة هيومن رايتس ووتش بعميق القلق بسبب الغياب الكامل للشفافية، وعدم توفر أي معلومات عن الوضع القانوني لهؤلاء السجناء والدعاوى المرفوعة عليهم؛ وإننا لنحث السلطة الفلسطينية على نشر معلومات دقيقة عن الأفراد المحكوم عليهم بالإعدام، والجرائم التي أدينوا بها، وإجراءات توجيه الاتهام إليهم وتحريك الدعاوى القضائية ضدهم، ومحاكمتهم، وإصدار الأحكام بحقهم، والسجون المحتجزين فيها، والتفاصيل المتعلقة بالتنفيذ الوشيك لعقوبة الإعدام فيهم.
ومنظمة هيومن رايتس ووتش تقدر ما تبذلونه من جهود لإعادة القانون والنظام إلى المناطق الخاضعة لسيطرتكم؛ بيد أننا نعتقد أن أفضل السبل لتحقيق ذلك هو بإنشاء سلطة قضائية نزيهة ومستقلة، وضمان إجراءات الإنصاف القضائي الواجبة لجميع المشتبه في مخالفتهم للقانون. ومن شأن هذه الخطوات أن تسهم مساهمة فعالة في توفير ما ينشده الفلسطينيون من حماية وأمن، وأن تكون مصداقاً لالتزامكم بتطبيق المعايير العالمية لحقوق الإنسان.
وتعارض هيومن رايتس ووتش تطبيق عقوبة الإعدام، في جميع الظروف والأحوال، بسبب طبيعتها القاسية واللاإنسانية؛ فحجر الزواية في إرساء حقوق الإنسان يكمن في احترام الكرامة المتأصلة في جميع البشر، والإقرار بحرمة الإنسان؛ وما من سبيل للتوفيق بين هذين المبدأين وعقوبة الإعدام، وهي عقوبة لا مثيل لها في وحشيتها وطابعها الحاسم الذي لا يقبل أي تراجع أو استدراك.
وهناك إجماع عالمي متنامٍ في الآراء على أن تطبيق عقوبة الإعدام يهدر حقاً من أهم حقوق الإنسان الأساسية وأحقها بالمراعاة والاحترام، ألا وهو الحق الجوهري في الحياة، ومن ثم فلا بد من إلغاء هذه العقوبة. وينعكس هذا الأمر في تقارير اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والمقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً؛ وقد أصبحت عقوبة الإعدام في حكم الملغاة بدول الاتحاد الأوروبي (وفقاً لما ينص عليه البروتوكول رقم 6 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية)، ويعتبر إلغاء هذه العقوبة أحد شروط العضوية المفروضة على الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي. كما أن البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يدعو إلى إلغاء عقوبة الإعدام؛ ويبلغ عدد الدول الأطراف في هذا العهد حالياً 54 دولة.
وباستعراض تاريخ السلطة الفلسطينية نجد أنها نفذت أحكام الإعدام في حالات حُرم فيها المتهمون حرماناً واضحاً من حقهم في محاكمة عادلة، وحقهم في الاستئناف. فقد أفادت منظمة العفو الدولية أن السلطة الفلسطينية أعدمت رائد ومحمد أبو سلطان في 30 أغسطس/آب 1998، في أعقاب محاكمة مقتضبة وجائرة أمام محكمة عسكرية خاصة، وذلك بعد ثلاثة أيام فحسب من توجيه أجهزة الأمن الفلسطينية إليهما تهمة ارتكاب جريمتي قتل. وفي 13 يناير/كانون الثاني 2001، حسبما أفادت منظمة العفو الدولية أيضاً، أعدمت السلطة الفلسطينية علان بني عودة ومجدي مكاوي رمياً بالرصاص في غزة، بعد محاكمتين مقتضبتين وجائرتين أمام محكمة أمن الدولة العليا.
وتنص المعايير الدولية لحقوق الإنسان على أنه في البلدان التي لم يتم فيها إلغاء عقوبة الإعدام يجب عدم تطبيق هذه العقوبة إلا في الحالات التي يُلتزم فيها التزاماً صارماً بإجراءات الإنصاف القضائي الواجبة، بما في ذلك حق المتهم في الاستعانة بمحامٍ كفء للدفاع عنه، وفي افتراض براءته لحيث ثبوت إدانته، وفي الطعن في الجوانب الموضوعية والقانونية للقضية أمام محكمة أعلى درجة.
وتفيد المعلومات الواردة من المنظمات المحلية لحقوق الإنسان أن الفلسطينيين المحكوم عليهم بالإعدام حالياً قد صدرت ضدهم الأحكام في ظل الحكومة التي ترأسها سلفكم الرئيس الراحل ياسر عرفات؛ وقد حوكم الكثيرون منهم أمام محاكم عسكرية أو محاكم أمن الدولة، وأدلت المنظمات الدولية والمحلية لحقوق الإنسان إلى أن محاكماتهم اتسمت بالجور الفادح، ولم تتح للمتهمين أي سبل مجدية للدفاع عن أنفسهم. وكثيراً ما تكون مثل هذه المحاكمات مقتضبة، فلا تستغرق سوى دقائق أو سويعات معدودة؛ وقد تجري أحياناً في منتصف الليل. وتتم محاكمة المتهمين استناداً لاعترافاتهم بدلاً من أدلة الطب الشرعي وغيرها؛ وفي كثير من الأحيان، لا يسمح للمتهمين بالاتصال بمحامين من اختيارهم للدفاع عنهم، وادعى بعض المتهمين أن اعترافاتهم قد انتُزعت منهم تحت وطأة الإكراه أو التعذيب (كما حدث في قضية فوزي محمد محمود صوالحة التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في خطاب للرئيس عرفات عام 1997). وفضلاً عن هذا، فليس من حق المتهمين استئناف الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم؛ ومن الضرورة إخراج الفلسطينيين الذين حوكموا أمام هذه المحاكم من محبس المحكوم عليهم بالإعدام، وتقديمهم لمحاكمات جديدة تتمشى مع المعايير الدولية.
وتنص المادة 6(2) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه "لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة [عقوبة الإعدام] إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة"؛ ولكن منظمات حقوق الإنسان المحلية تقول إن قانون العقوبات الفلسطيني يجيز تطبيق عقوبة الإعدام جزاءً على 17 جريمة في الضفة الغربية، و15 جريمة في قطاع غزة؛ كما أن السلطة الفلسطينية فرضت عقوبة الإعدام بموجب قانون العقوبات الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية لسنة 1979، الذي يجيز توقيع عقوبة الإعدام جزاءً على 42 جريمة مختلفة. وحيث أن عقوبة الإعدام لا تزال مطبقة في المناطق الخاضعة لسيطرتكم، فإنني أحثكم على عدم تطبيقها إلا في أشد الجرائم.
وفي الختام أشكركم سلفاً على اهتمامكم بهذا الأمر، وآمل أن تتخذوا إجراءً فورياً بشأن هذه القضية.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير
سارة ليا ويتسن
المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
هيومن رايتس ووتش