(نيويورك) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على أعضاء مجلس الأمن بالأمم المتحدة أن يدينوا محاولات المجلس الانتقالي الليبي لمنع المحاسبة على الجرائم الجسيمة والقائمة في ليبيا حالياً. من المقرر أن يُطلع مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية – لويس مورينو-أوكامبو – مجلس الأمن على مستجدات تحقيقاته الخاصة بليبيا في 16 مايو/أيار 2012.
قام المجلس الانتقالي الليبي في الثاني من مايو/أيار 2012 بتفعيل قانون جديد يمنح حصانة شاملة لمن ارتكبوا جرائم، إن كانت جرائمهم تهدف إلى "إنجاح أو حماية الثورة" ضد معمر القذافي. وثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات جسيمة ارتكبتها الميليشيات المناوئة للقذافي أثناء النزاع المسلح، وكذلك أعمال قتل وتعذيب واختفاءات قسرية.
وقال ريتشارد ديكر، مدير برنامج العدل الدولي في هيومن رايتس ووتش: "على مجلس الأمن أن يعلن بوضوح للحكومة الليبية أنه عندما أحال الوضع في ليبيا للمحكمة الجنائية الدولية قبل الحرب، لم يكن يقصد أنه سيتغاضى عن تجاوزات الطرف المنتصر. وثقت هيومن رايتس ووتش جرائم مروعة في ليبيا حتى بعد سقوط حُكم القذافي، وعلى المجلس الانتقالي أن يعرف أن الجنائية الدولية ما زالت قادرة على التحقيق في الانتهاكات التي تشهدها ليبيا".
القانون رقم 38 الجديد، "بشأن بعض الإجراءات الخاصة بالمرحلة الانتقالية" ورد فيه أنه لن تتم معاقبة "ما استلزمته ثورة السابع عشر من فبراير من تصرفات عسكرية أو أمنية أو مدنية قام بها الثوار بهدف إنجاح الثورة أو حمايتها". قالت هيومن رايتس ووتش إنه من الواضح أن فرض هذا القانون بادرة قوية على أن السلطات الليبية غير مستعدة للتحقيق في الجرائم المرتكبة من جميع الأطراف.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن أي عفو يقدمه المجلس الانتقالي لن يكون فعالاً في أي محاكم بدول أخرى أو محاكم دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، صاحبة الاختصاص في نظر الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص قائم في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011، أخذاً في الاعتبار – من بين عوامل أخرى – ما إذا كانت السلطات الليبية مستعدة وقادرة على محاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم.
انتهى تقرير لبعثة أممية لتقصي الحقائق صدر في 2 مارس/آذار إلى أن الميليشيات المعارضة للقذافي بمدينة مصراتة ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أثناء النزاع، ويبدو أنها ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في الفترة التالية على انتهاء النزاع. تورطت بعض الميلشيات من مصراتة في جرائم جسيمة، مثل إعدام 53 شخصاً على الأقل – على ما يبدو – في أكتوبر/تشرين الأول 2011 في سرت وطردها قسراً لنحو 30 ألف نسمة من بلدة تاورغاء.
في رسالة بتاريخ 4 أبريل/نيسان أرسلتها هيومن رايتس ووتش إلى القيادة العسكرية والمدنية لمصراتة، حذرت السلطات من الجرائم الجسيمة التي ترتكبها بعض ميليشيات مصراتة، وبينها إساءة معاملة المحتجزين طرفهم، وقالت إنه يجب محاسبة قيادة مصراتة على هذه الجرائم، من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
في رد بتاريخ 11 أبريل/نيسان قال المجلس المحلي لمصراتة إنه شكل لجنة مكلفة بمنع الانتهاكات في مراكز الاحتجاز. إلا أن ثلاثة محتجزين ماتوا في 13 أبريل/نيسان، وربما كان التعذيب هو السبب، بحسب ما ذكرته الأمم المتحدة. أرسل المجلس العسكري لمصراتة رداً إلى هيومن رايتس ووتش في 3 مايو/أيار وذكر فيه أنه لم تقع انتهاكات في السجون الخاضعة لإشرافه.
وقال ريتشارد ديكر: "لم تتمكن الحكومة الليبية من السيطرة على الانتهاكات التي ترتكبها الميلشيات المعارضة للقذافي، ناهيك عن محاسبة المسؤولين عنها". وأضاف: "مع محاولة المجلس الانتقالي بكل وضوح الآن حماية قادة الميليشيات من العدالة، فقد أصبح على عاتق مدعي الجنائية الدولية أن يبذل الجهد للتحقيق في هذه الجرائم".
قام قضاة المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر توقيف بحق معمر القذافي ونجله سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي رئيس مخابراته، في 27 يونيو/حزيران 2011. الثلاثة كانوا مطلوبين باتهامات بجرائم ضد الإنسانية جراء أدوارهم في مهاجمة المدنيين، ومنهم المتظاهرين السلميين، في طرابلس وبنغازي ومصراتة وأماكن أخرى في ليبيا.
من المنتظر أن تشمل جلسة مدعي المحكمة الجنائية الدولية أمام مجلس الأمن تقديم ملخص بأنشطته التحقيقية حتى تاريخه. في جلسته الأخيرة أمام المجلس في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، ذكر المدعي العام للمحكمة إن مكتبه يركز على جمع أدلة ضد سيف الإسلام القذافي وسنوسي في الفترة السابقة للقبض عليهما ومحاكمتهما في لاهاي. كما أفاد المدعي العام بأنه سيحقق في مزاعم بوقوع أعمال عنف جنسي.
في تلك الجلسة ألمح المدعي العام إلى مزاعم بجرائم ارتكبتها قوات على صلة بالمجلس الانتقالي. أشار إلى أن مكتبه يبحث فيما إذا كانت هناك ضرورة لملاحقات وتحقيقات إضافية، وأنه سوف ينظر في أمر فتح تحقيقات إضافية.
بينما انتهت إجراءات الجنائية الدولية ضد معمر القذافي بعد وفاته في 20 أكتوبر/تشرين الأول، فإن القوات المعارضة للقذافي قبضت على سيف الإسلام القذافي في 19 نوفمبر/تشرين الثاني جنوبي ليبيا وتم احتجازه في الزنتان. تم القبض على السنوسي في 17 مارس/آذار في موريتانيا.
وفي 1 مايو/أيار طعنت ليبيا في قضية سيف الإسلام القذافي الخاصة بالجنائية الدولية، وطلبت تأجيل تسليمه للمحكمة إلى حين صدور قرار في الطعن. دعا قضاة المحكمة الجنائية الدولية الأطراف الأخرى إلى تقديم مذكرات رداً على طعن ليبيا، في موعد أقصاه 4 يونيو/حزيران، ولم تفصل المحكمة بعد في طلب التأجيل.
المحكمة الجنائية الدولية لا يمكن الطعن على أحكامها. بموجب نظام المحكمة الحالي، فإذا قررت المحكمة عدم قبول قضية ما، فلابد من وجود إجراءات تقاضي وطنية داخلية تستوعب الشخص والمخالفة التي ارتكبها، موضوع قضية المحكمة الجنائية الدولية. كما أن الدول التي تطعن في نظر المحكمة الجنائية الدولية لأية قضايا، عليها أن تُظهر استعدادها وقدرتها الحقيقيين على تنفيذ المحاكمة بنفسها. وفي نهاية المطاف، فالأمر منوط بقضاة الجنائية الدولية، أن يفصلوا فيما إذا كانت إجراءات التقاضي داخل الدولة تفي بمعايير قبول الطعن على نظر الجنائية الدولية للقضايا.
إثر انتهاء عهد القذافي، التزم أعضاء مجلس الأمن – الذين طالبوا بقرار 1970 القاضي بإحالة الوضع في ليبيا للجنائية الدولية – الصمت إلى حد بعيد، بشأن التزام ليبيا بالتعاون مع المحكمة.
وقال ريتشارد ديكر: "باستخدام إجراءات المحكمة الخاصة بالطعن في نظرها للقضايا، فإن ليبيا تتبع قواعد وإجراءات المحكمة كما طالبها القرار 1970. إننا نتطلع لأن يضمن مجلس الأمن استمرار المجلس الانتقالي في التعاون الكامل مع قرارات القضاة بشأن القضايا المطروحة على طاولة المحكمة، بغض النظر عن نتائج قرارات المحكمة".
يطالب قرار مجلس الأمن الصادر بالإجماع من السلطات الليبية التعاون بشكل كامل مع المحكمة. وقالت هيومن رايتس ووتش إن الالتزام بإجراءات المحكمة هو مكون أساسي في التعاون الليبي مع المحكمة الجنائية الدولية.
ولأن ليس لدى المحكمة الجنائية الدولية قوة شرطية خاصة بها فهي تعتمد على تعاون سلطات الدول، في القبض على وتسليم المشتبهين. على الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية التزام قانوني بالتعاون مع المحكمة. إثر القبض على السنوسي في 17 مارس/آذار أحيل طلب بالقبض عليه وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، إلى وزارة الخارجية في موريتانيا. بينما موريتانيا ليست طرفاً في المحكمة، فإن قرار مجلس الأمن 1970 يدعو جميع الدول إلى التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.
طبقاً لمعلومات واردة في طلب ليبيا الخاص بالطعن، فإن صحة السنوسي متدهورة. قالت هيومن رايتس ووتش إنه كان على موريتانيا أن تسمح له فوراً بمقابلة محامي وبالحصول على رعاية صحية.