(نيويورك) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن القرار الذي ينظر فيه الآن مجلس الأمن حول الهجمات بالأسلحة الكيماوية التي وقعت في سوريا في 21 أغسطس/آب 2013 يجب أن يتضمن إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية. وستكون إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية خطوة كبيرة نحو تحقيق العدالة لضحايا الهجوم وغيره من الفظائع التي ارتكبتها جميع الأطراف المشاركة في النزاع المسلّح في سوريا.
وقال ريتشارد ديكر، مدير برنامج العدل الدولي في هيومن رايتس ووتش: "تعد السيطرة على الأسلحة الكيماوية دون ملاحقة من قام باستخدامها إهانة للمدنيين الذين لقوا حتفهم. وإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية أمر لا غنى عنه على مسار تحقيق العدالة لعشرات الآلاف من المدنيين الذين قتلوا في سوريا على يد جميع الأطراف منذ بداية النزاع هناك".
ولأن سوريا ليست طرفًا في النظام المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، يتعين على مجلس الأمن إعطاء المحكمة الاختصاص. وتقدم وثيقة جديدة لـ هيومن رايتس ووتش أسئلة وأجوبة تتعلق بإجراءات إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن فرنسا وضعت في مشروع قرار سابق حول سوريا إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولكن توجد مخاوف من أن يتم إلغاء هذه النقطة في إطار التنازلات السياسية التي تحدث مع تقدم المفاوضات.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية يُمكن أن يبعث برسالة قوية إلى جميع الأطراف المتنازعة في سوريا مفادها أنه لن يتم التسامح مع الجرائم الخطيرة التي تنتهك القانون الدولي، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، وأن ذلك سيكون له عواقب وخيمة.
تتعلق مناقشات مجلس الأمن الأخيرة بالهجمات الكيماوية التي وقعت قرب دمشق، والتي خلصت هيومن رايتس ووتش وأطراف أخرى إلى أنها على الأرجح من تنفيذ القوات النظامية. ولكن القوات المسلحة السورية والمجموعات المسلحة والعديد من قوات المعارضة ارتكبت أيضًا الكثير من الانتهاكات الأخرى باستخدام أسلحة تقليدية.
وتُعتبر الهجمات بالأسلحة الكيماوية التي وقعت في الغوطة في 21 أغسطس/آب أكبر استخدام للمواد الكيماوية منذ عهد الحكومة العراقية إبان حكم صدام حسين الذي استخدمها في هجوم على أكراد العراق في 1988. واستنتج خبراء الأمم المتحدة الذين زاروا الغوطة أنه تم استخدام صواريخ أرض ـ أرض تحمل غاز سارين للأعصاب، وهذا يتفق مع النتائج التي توصلت لها هيومن رايتس ووتش في هذا الهجوم.
تسبب النزاع السوري الذي اندلع منذ سنتين في خسائر كبيرة لحقت بالمدنيين. وخلص آخر تقرير للجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا إلى أن جميع الأطراف متورطة في ارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك عمليات إعدام وهجمات عشوائية، وأن القوات الحكومية ارتكبت جرائم ضدّ الإنسانية. كما فرّ أكثر من ستة ملايين سوري من بيوتهم، ويعيش حوالي مليونين منهم في دول الجوار.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن بالإضافة إلى إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، يتعين على مجلس الأمن أن يفرض حظرًا على جميع المبيعات والمساعدات العسكرية. كما يجب أن يشمل الحظر ما يقدم من تدريبات وخدمات تقنية للحكومة السورية والمجموعات المسلحة التي ارتكبت انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
كما يتعين على مجلس الأمن دعم توسيع المساعدات عبر الحدود، والضغط على سوريا للتعاون بشكل كامل مع جهود الإغاثة الإنسانية، والسماح بدخول المنظمات الإنسانية ولجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة دون فرض أي قيود.
تم تقويض المساعدات الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة لأن العديد من المجموعات المسلحة لم ترغب في توفير الأمن للأشخاص الذين يقدمون المساعدات. ويتعين على مجلس الأمن دعوة المعارضة السورية إلى حث مجموعات المعارضة المسلحة على ضمان ممر آمن لقوافل وعمال الإغاثة في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها.
من بين أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر، عبرت ست دول بشكل علني عن مساندتها لإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهي فرنسا، والمملكة المتحدة، ولكسمبورغ، والأرجنتين، وأستراليا، وكوريا الجنوبية. ولكن الولايات المتحدة والصين لم تعبرا عن مساندتهما لإحالة الملف، بينما وصفت روسيا الجهود المتعلقة بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية بأنها "ليست في الوقت المناسب وسيكون لها نتائج عكسية".
وفي المجموع، دعت 64 دولة مجلس الأمن إلى إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية.
أوصى المفوض السامي للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان، في مناسبات عدّة، بأن يُحيل مجلس الأمن الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي فبراير/شباط، رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بـ "النقاش الذي نتج عن الدعوة التي توجهت بها بعض الدول الأعضاء إلى المجلس لإحالة الملف السوري للمحكمة الجنائية الدولية".
وقال ريتشارد ديكر: "لا تحتاج روسيا والولايات المتحدة وأعضاء مجلس الأمن الآخرين إلى الاتفاق حول من هو مسؤول عن جرائم الحرب في سوريا، بل يتعين عليهم جميعًا رفض الإفلات من العقاب عن هذه الجرائم. ولن يصبح العالم أكثر أمنًا إلا عندما يصبح أولئك الذين هاجموا الأطفال بالغاز وهم نيام أو ارتكبوا غير ذلك من الفظاعات غير طلقاء".