(طرابلس) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن محاكمة 37 شخصاً معظمهم من مسؤولي عهد القذافي السابقين المتهمين بجرائم خطيرة أثناء انتفاضة ليبيا في 2011 تثير بواعث قلق جدية على سلامة الإجراءات. كان من المتوقع استئناف المحاكمة، التي بدأت في 24 مارس/آذار 2014، يوم 14 أبريل/نيسان في محكمة خاصة بمؤسسة الهضبة للإصلاح والتأهيل في طرابلس.
وتتضمن بواعث القلق من المحاكمة محدودية تواصل المتهمين مع المحامين واطلاعهم على وثائق محورية تتعلق بما قدم ضدهم من أدلة. قالت هيومن رايتس ووتش إن على ليبيا أن تضمن حصول المتهمين على محاكمة عادلة، بما في ذلك عن طريق منحهم حق التواصل الكامل مع المحامين، والوقت الكافي لإعداد دفاعهم، والقدرة على الطعن على الأدلة المقدمة بحقهم.
قال ريتشارد ديكر، مدير برنامج العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش: "تخللت هذه القضية مثالب إجرائية منذ بدايتها، مما جعلها صارخة في انعدام العدالة للمتهمين. إن محاكمة مسؤولي عهد القذافي دون ضمانات بعدالة المحاكمة لا يجب أن تقنع أحداً بتحقق العدالة".
من بين المتهمين في المحاكمة سيف الإسلام القذافي، نجل معمر القذافي، الزعيم الليبي لوقت طويل والذي تم خلعه في 2011، إضافة إلى عبد الله السنوسي، رئيس المخابرات في عهد القذافي. كما تورط سيف الإسلام القذافي والسنوسي في قضايا منظورة أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لدورهما المزعوم في محاولة قمع الانتفاضة.
وبحسب الصديق الصور، رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام الليبي، تم احتجاز 26 متهماً بمؤسسة الهضبة للإصلاح والتأهيل في طرابلس، بينما احتُجز ستة في سجون بمصراتة، وتم احتجاز واحد ـ هو نجل القذافي ـ في الزنتان، بينما لم يجر احتجاز أربعة.
وقد أخفقت ليبيا في تسليم سيف الإسلام القذافي إلى المحكمة الجنائية الدولية رغم التزام قائم بتسليمه إلى المحكمة، فقرار مجلس الأمن الأممي رقم 1970 الذي أحال الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية يلزم السلطات الليبية بالتعاون التام مع المحكمة، وهو شرط ملزم بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وهذا رغم أن ليبيا ليست طرفاً في المعاهدة المنشئة للمحكمة. قالت هيومن رايتس ووتش إن على ليبيا أن تسارع إلى تسليم نجل القذافي إلى المحكمة الجنائية الدولية.
في 23 يناير/كانون الثاني أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع نجل القذافي في مكتب بقاعدة عسكرية في بلدة الزنتان. وتخضع القاعدة لسيطرة قوة حراسة تحتجز نجل القذافي في مكان غير معلوم وتقول إنها تعمل تحت سلطة وزارة الدفاع. كما زارت هيومن رايتس ووتش السنوسي ورئيسي الوزراء السابقين البغدادي المحمودي وأبو زيد دوردة، المتهمين بدورهما في القضية، في الهضبة بتاريخ 23 يناير/كانون الثاني. وتتولى الشرطة القضائية الليبية، رسمياً على الأقل، إدارة السجن هناك.
واستناداً إلى تلك الزيارات، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن ليبيا أخفقت في منح الحقوق الأساسية في سلامة الإجراءات إلى نجل القذافي وغيره من المسؤولين السابقين المحتجزين. في توقيت الزيارة قال نجل القذافي والسنوسي لـ هيومن رايتس ووتش إنهما بلا محام، بينما حرم دوردة والمحمودي من التواصل الكافي مع مستشارهما القانوني. وقال الأربعة جميعاً إن المسؤولين يرفضون السماح بوجود محام أثناء التحقيق معهم، ويرفضون الكشف عن هوية المحققين، وقد حرموا المتهمين من الحق في التزام الصمت وفرصة الاطلاع على ما قدم ضدهم من أدلة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 أعلن فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي أن احتجاز سيف الإسلام القذافي كان تعسفياً وأن جسامة انتهاكات حق سلامة الإجراءات في قضيته يجعل من المستحيل ضمان محاكمة عادلة له في طرابلس. خلص فريق الأمم المتحدة إلى أن التعويض الملائم يتمثل في وقف إجراءات التقاضي الداخلية ضد سيف الإسلام القذافي.
تؤكد المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صدقت عليه ليبيا في 1970، تؤكد على أهم الحقوق الأساسية للمحاكمة العادلة، فهي تلزم الحكومات بتوفير إجراءات عادلة أمام هيئة قضائية مختصة ومستقلة ومحايدة وتم تشكيلها وفق مقتضى القانون. ويتضمن هذا الحق ضمن أمور أخرى: الفرصة الكافية لإعداد قضية وتقديم مرافعات وأدلة، والطعن على الحجج المقابلة أو الرد عليها؛ والحق في استشارة ممثل قانوني وتوكيله؛ والحق في محاكمة دون تأخير لا موجب له، والاستئناف أمام هيئة قضائية أعلى.
ويواجه المتهمون العديد من التهم بجرائم يزعم ارتكابها في الفترة التي بدأت في 15 فبراير/شباط 2011، وهو توقيت بدء الانتفاضة ضد القذافي، رغم عدم انطباق جميع التهم على جميع المتهمين. وتحمل بعض التهم احتمال عقوبة الإعدام.
يقيد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الظروف التي يجوز فيها للدول فرض عقوبة الإعدام، كما قالت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي الهيئة التي تفسر العهد الدولي، إنه "في حالة المحاكمات المؤدية إلى فرض عقوبة الإعدام، يكتسي الاحترام الصارم لضمانات المحاكمة العادلة أهمية خاصة".
وتعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في كافة الظروف كعقوبة قاسية ولاإنسانية بطبيعتها، ويجب على ليبيا الانضمام إلى الدول العديدة التي التزمت فعلاً بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر/كانون الأول 2007 الداعي إلى فرض حظر على تنفيذ عمليات الإعدام كجزء من توجه عالمي نحو إلغائها، بحسب هيومن رايتس ووتش.
قال ريتشارد ديكر، "في القضايا المنطوية على عقوبة الإعدام تزداد أهمية التقيد بمعايير المحاكمة العادلة أكثر من أي وقت سبق، وبدلاً من الخضوع للضغوط الشعبية، يتعين على حكومة طرابلس الانضمام إلى التوجه العالمي والتخلص من تلك الممارسة اللاإنسانية".
قال الصور لـ هيومن رايتس ووتش في مقابلة بتاريخ 9 أبريل/نيسان إن أحد قضاة غرفة الاتهام قد يقرر في مرحلة لاحقة دمج قضية منفصلة بحق الساعدي القذافي، وهو واحد آخر من أنجال معمر القذافي، وعبد الله منصور رئيس الأمن الداخلي في عهد القذافي، ولكن فقط إذا لم يسبب الدمج أي تأخير لا مبرر له في الإجراءات.
يخضع الساعدي القذافي، الذي تم تسليمه من النيجر لليبيا في 6 مارس/آذار، ومنصور الذي تم تسليمه من النيجر لليبيا في فبراير/شباط، للتحقيق في الوقت الراهن، ولم يتم تقديم قضيتهما بعد إلى غرفة الاتهام. كما قال الصور إن الساعدي القذافي لم يحصل بعد على محام يمثله.
لم يكن من المتوقع تواجد سيف الإسلام القذافي في المحكمة مع استئناف المحاكمة في طرابلس، بل أن يظل في الزنتان بدلاً من حضوره. كما لم يحضر القذافي أية جلسة من جلسات الاتهام، حيث رفض رئيس قوة الحراسة التي تحتجزه الانصياع إلى استدعاء النيابة العامة ونقله إلى طرابلس. قال رئيس قوة الحراسة لـ هيومن رايتس ووتش إنه يخشى على سلامة رجاله ونجل القذافي بسبب سيولة الوضع الأمني على الطريق الرئيسي بين طرابلس والزنتان. وقد أقامت السلطات في سبيل المحاكمة ما يسمى بـ"دائرة تلفزيونية مغلقة" لنجل القذافي، رغم أنه لم يتضح ما إذا كان نجل القذافي قد وافق على هذا الترتيب.
قال الصور لـ هيومن رايتس ووتش إن البرلمان أقر في 24 مارس/آذار قانوناً يعدل المادتين 241 و243 من قانون الإجراءات الجنائية الليبي، بحيث يسمح للمتهمين والشهود الخبراء وغيرهم بالإدلاء بالشهادة عبر "وسائل الاتصال الحديثة" دون التقيد بالتواجد في المحكمة. وينص القانون على اللجوء لتلك الوسائل فقط في القضايا العاجلة، وإذا خشي المسؤولون على سلامة المتهمين. وقال الصور إن هذا الإجراء سينطبق على سيف الإسلام القذافي واثنين على الأقل من المتهمين المحتجزين في مصراتة، متعللاً بالمخاوف الأمنية نفسها. وقال إن هؤلاء المتهمين ومحاميهم سيتمتعون بنفس الحقوق كما لو كان المتهمون حاضرين في قاعة المحكمة. ويلقي مثل هذا الترتيب بظلال الشك على حق المتهمين في التواصل مع محاميهم واستشارتهم دون إبطاء وبسرية تامة، بحسب هيومن رايتس ووتش.
مبادئ المحاكمة العادة التي وضعتها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ترى أن للمتهم حق المثول بشخصه أمام جهة قضائية. اللجنة الأفريقية هي هيئة حقوق الإنسان الأساسية في أفريقيا، ومكلفة بتنفيذ الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وليبيا دولة طرف فيه.
وقد سبق لـ هيومن رايتس ووتش نشر تقرير عن التحديات التي تواجه نظام القضاء الليبي، وخاصة عجز الحكومة عن السيطرة على كافة المحتجزين في المقرات التي تديرها المليشيات، بمن فيهم سيف الإسلام القذافي. وتشتمل التحديات الأخرى على الإساءة للمحتجزين في أماكن الاحتجاز، وإخفاق المسؤولين في تمكينهم من التواصل مع محامين، وغياب المراجعة القضائية لقضاياهم. وتمثل هذه المسائل ضغطاً ثقيلاً على قدرة ليبيا على ضمان احترام الحقوق الأساسية للمتهمين، بمن فيهم مسؤولو عهد القذافي، بحسب هيومن رايتس ووتش.
ورغم بعض الخطوات الإيجابية فقد عانت السلطات الليبية أيضاً في إنشاء قوة شرطية فاعلة تستطيع إنفاذ القانون والنظام والحفاظ عليهما. وتثير البيئة الأمنية الهشة الناجمة عن هذا بواعث قلق جدية على قدرة المسؤولين على ضمان سلامة أعضاء السلك القضائي وغيرهم، بمن فيهم الشهود والمتهمون، أثناء المحاكمات. كما أن ضعف الشرطة القضائية، وهي القوة المسؤولة عن الأمن أثناء إجراءات المحاكمة وعن تشغيل مقرات الاحتجاز، يتفاقم بفعل نقص القدرات والوسائل والتدريب.
وقد ظهرت طوال عام 2013 تقارير عن تهديدات واعتداءات بدنية على محامين وأفراد نيابة وقضاة في أجزاء من ليبيا، ووثقت هيومن رايتس ووتش اعتداءات من قبل مليشيات وأشخاص غير محددي الهوية في بنغازي ودرنة ومصراتة. وسقط ما لا يقل عن أربعة قضاة وأفراد نيابة ضمن عشرات الضحايا لما يبدو أنه عمليات اغتيال ذات دوافع سياسية في 2013 بأيدي معتدين مجهولين. كما قام معتدون مجهولون بمهاجمة محاكم في مناطق مختلفة. و في 8 فبراير/شباط قام مجهولون باغتيال النائب العام الليبي السابق عبد العزيز الحصادي في مدينة درنة الشرقية.
بموجب المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن دور المحامين، تلتزم الدول بضمان قدرة المحامين على أداء جميع وظائفهم المهنية دون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق، وألا يتعرض أمنهم للتهديد نتيجة قيامهم بمهام عملهم.
وبصفة عامة يمكن لمحاكمة المتهمين بجرائم خطيرة أن تكون شديدة الحساسية وأن توجد مخاطر على سلامة وأمن الشهود والضحايا الذين قد يدلون بالشهادة على أحداث صادمة إلى حد بعيد. ويتزايد خطر الانتقام بالنسبة لأعضاء السلك القضائي المشاركين في قضايا الجرائم الخطيرة، بالنظر إلى جسامة الجرائم وطبيعتها الحساسة، بحسب هيومن رايتس ووتش.
بموجب القانون الدولي فإن المحاكمات الغيابية لا يُسمح بها إلا في ظروف استثنائية عندما يتنازل المدعى عليه بوضوح عن حقه في التمثيل. رغم أن القانون الليبي يسمح بالمحاكمات الغيابية في بعض الظروف، فإن موفد ليبيا للمحكمة الجنائية الدولية، أحمد جيهاني، قال أمام القضاة في لاهاي إن مثل هذه المحاكمات لا يُسمح بها إذا كان مكان المدعى عليه داخل الأراضي الليبية معروفاً.
قال ريتشارد ديكر: "تحتاج ليبيا من أجل المضي قدماً إلى المحاسبة على جرائم الماضي. لكن لكي يحقق الليبيون العدالة وليس الانتقام فإن على السلطات منح المتهمين حقوقهم الكاملة في سلامة الإجراءات وضمان احترام سيادة القانون".