(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن نجاح إجراءات الإصلاحات العمالية المهمة التي أدخلتها قطر في 8 سبتمبر/أيلول 2020 مرهون بمدى تنفيذها ومراقبتها كما يجب من قبل الحكومة. ستسمح الإصلاحات للعمال الوافدين بتغيير وظائفهم دون إذن أصحاب عملهم، وسترفع الحد الأدنى للأجور لجميع العمال بصرف النظر عن جنسياتهم.
قطر أول دولة خليجية تسمح لعمالها وعاملاتها الوافدين بتغيير وظائفهم قبل انتهاء عقودهم بلا موافقة مسبقة من صاحب العمل، وهو ما كان يميّز نظام الكفالة الذي نشأ عنه العمل القسري. قطر ثاني دولة خليجية تضع حدا أدنى للأجور للعمال الوافدين بعد الكويت. تنطبق التغييرات أيضا على العمالة الوافدة المستبعدة من حماية قانون العمل، مثل عاملات المنازل، لكن لا تزال ثمة أحكام قانونية أخرى تسهل الانتهاكات بحق العمال الوافدين واستغلالهم.
قال مايكل بَيْج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "هذه أهم إصلاحات عمالية في قطر حتى الآن، ويمكنها أن تحسّن بشدّة ظروف عمل العمال الوافدين ومعيشتهم إذا طُبقّت فعلا. بينما تقرّب هذه التغييرات قطر خطوة ملموسة نحو الوفاء بوعودها الإصلاحية، علينا أن نرصد إلى أي مدى تطبّقها الحكومة على نحو ثابت".
على مدى السنوات العشر الماضية، وثّقت هيومن رايتس ووتش، ومنظمات حقوق المهاجرين، ومنظمات حقوقية، وخبراء أمميون، ونقابات عمال، ومؤسسات إعلامية كيف تسبب نظام الكفالة في الخليج في انتهاكات واسعة ضد العمال الوافدين، من مصادرة جوازات سفرهم، إلى تأخير أجورهم والعمل القسري. كشفت تلك الهيئات كيف تسمح العناصر الرئيسة لنظام الكفالة ببقاء العمال الوافدين عالقين ضمن أوضاع عمل تهدد حقوقهم في أجور عادلة، وأجور العمل الإضافي، والسكن اللائق، وحرية التنقل، والوصول إلى العدالة. أحد هذه العناصر هو سيطرة صاحب العمل على قدرة العامل تغيير وظيفته أو تركها.
أزالت التعديلات التي أُدخلت على القانون القطري لعام 2015 "بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم" النصوص التي كانت تتطلب منهم سابقا نيل "شهادة عدم ممانعة"، وهي إذن مسبق من صاحب العمل لتغيير الوظيفة. شملت التعديلات جميع العمال الوافدين، بغض النظر عن إدراجهم في قانون العمل. يعني ذلك قدرتهم على تغيير وظائفهم من دون إذن صاحب العمل في أي وقت أثناء عملهم، بما في ذلك خلال فترة الاختبار، بشرط إخطار أصحاب عملهم ضمن فترة محددة وطبقا لإجراءات وزارة العمل.
تنص التعديلات على ألا تتجاوز فترة الاختبار ستة أشهر، وفي حال قرر الموظف تغيير وظيفته خلالها، على صاحب العمل الجديد سداد تكاليف التوظيف لصاحب العمل السابق، لكن فقط بما يعادل شهرين من أجر العامل الأساسي كحد أقصى.
كما عدّلت قطر بعض أحكام قانون العمل لتسمح للعمال الوافدين بإنهاء عقود عملهم عند رغبتهم، خلال فترة الاختبار وبعدها، بشرط إخطار أصحاب أعمالهم خطيا خلال فترة الإشعار التي حددها القانون. إذا أنهى صاحب العمل أو العامل العقد دون الالتزام بفترة الإشعار، سيُطلب منه دفع تعويض للطرف الآخر يعادل أجر العامل الأساسي عن فترة الإخطار أو الجزء المتبقي منها.
لا يخضع بعض العمال الوافدين، بمن فيهم عاملات المنازل، لقانون العمل، لكن توضّح تعليمات وزارة العمل الجديدة أن القواعد الجديدة لإنهاء عقود العمل وتغيير الوظائف تشمل جميع العمال.
سبق وأن أدخلت قطر بعض التغييرات أيضا؛ ففي يناير/كانون الثاني، وسّعت الحق في مغادرة البلاد من دون إذن صاحب العمل، ليشمل العمال الوافدين غير المشمولين بقانون العمل. سابقا، كانت الحكومة تمنح هذا الحق لمعظم العمال الوافدين في 2018، باستثناء العاملين في قطاعات الحكومة، والنفط، والغاز، والزراعة؛ والعاملات المنزليات. إلا أنه ما يزال بإمكان أصحاب العمل التقدم للحصول على استثناءات لعدد قليل من العمال، ويتوجب على عاملات المنازل إبلاغ أصحاب العمل برغبتهن في المغادرة قبل 72 ساعة على الأقل.
قال بيج: "أزالت قطر عنصرا أساسيا إضافيا من عناصر سيطرة صاحب العمل، وهذه المرة يتعلق الأمر بقدرة العمال على ترك وظائفهم أو تغييرها، لكن ينبغي للسلطات النظر في إزالة جميع العناصر المتبقية التي تربط الوضع القانوني للعمال الوافدين بصاحب العمل".
ما يزال يتعين على العمال الوافدين – والأشخاص الذين يعيلهم العمال– الاعتماد على أصحاب عملهم لتسهيل دخول وإقامتهم وعملهم في البلاد، ما يعني أن أصحاب العمل مسؤولون عن التقدم بطلب للحصول على تصاريح الإقامة والعمل، وتجديدها، وإلغائها. يمكن للعمال أن يجدوا أنفسهم بلا وثائق دون أن يكون لهم ذنب في ذلك لدى تقاعس أصحاب العمل عن تنفيذ هذه الإجراءات، ويتحمل العمال، وليس أصحاب عملهم، العواقب.
تواصل قطر فرض عقوبات قاسية على "الهروب"، وهو أن يترك العامل الوافد صاحب عمله دون إذن أو يبقى في البلاد لمدة أطول من فترة السماح بعد انتهاء صلاحية تصريح إقامته أو إلغائه. تشمل العقوبات الغرامات، والاحتجاز، والترحيل، وحظر العودة إلى قطر.
يمكن للأحكام المتبقية أن تستمر في تسبيب الانتهاكات، والاستغلال، وممارسات العمل القسري بسبب اعتماد العمال غالبا، وخاصة العمال اليدويين وعاملات المنازل، على صاحب العمل ليس فقط في وظائفهم، بل أيضا في سكنهم وطعامهم. كما تستمر مصادرة جوازات السفر، ورسوم التوظيف المرتفعة، وممارسات التوظيف الخادعة، وتحدث إلى حد كبير دون عقاب. أيضا يُحظر على العمال الانضمام إلى النقابات العمالية أو الإضراب.
في 2017، دخلت قطر في برنامج تعاون تقني مدته ثلاث سنوات مع "منظمة العمل الدولية" بهدف إجراء إصلاح واسع لظروف العمال الوافدين، بما يشمل إصلاح نظام الكفالة. التزمت قطر بتنفيذ نظام تعاقدي يحل محل نظام الكفالة، ويتضمن تجديد تصاريح الإقامة مباشرة مع العمال الوافدين بدلا من أصحاب عملهم.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي لقطر السماح للعمال الوافدين بتجديد تصاريح إقامتهم بأنفسهم، وإلغاء تجريم فعل "الهروب"، وتعديل قانون العمل لضمان حق العمال الوافدين في الإضراب وتشكيل نقابات. إلى أن يتم ذلك، ينبغي لقطر، لضمان التنفيذ الفعال للإصلاحات الجديدة، إصدار عفو يسمح للعمال غير المسجلين بتنظيم وضعهم والتخفيف من التزاماتهم المالية والقانونية.
كما أصدرت قطر تشريعا ينص على وضع حد أدنى أساسي للأجور قدره ألف ريال قطري (274 دولار أمريكي) ينطبق على جميع العمال، بغض النظر عن جنسياتهم أو قطاعاتهم، ليحل محل الحد الأدنى الأساسي المؤقت للأجور البالغ 750 ريال (205 دولارات). بموجب التشريع الجديد، إذا كان صاحب العمل لا يوفر الطعام أو الإقامة، عليه تقديم مخصصات بقيمة 300 ريال (82 دولار) للطعام و500 ريال (137 دولار) للإقامة، بإجمالي حد أدنى 1,800 ريال (494 دولار).
كما ينص قانون الأجور، الذي سيدخل حيز التنفيذ بعد ستة أشهر من نشره في الجريدة الرسمية في 8 سبتمبر/أيلول، على أن تنشئ وزارة العمل لجنة وطنية للحد الأدنى للأجور لمراجعة المبلغ سنويا على الأقل، مع مراعاة العوامل الاقتصادية مثل النمو الاقتصادي، والتنافسية، والإنتاجية، واحتياجات العمال وأسرهم، من دون إلزام الوزارة بتعيين عمال في اللجنة.
لاحظت منظمة "مايغرانت رايتس" (migrant-rights.org) الانخفاض الشديد لبدلات الإقامة والطعام. قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي لقطر التأكد من أن مراجعتها الدورية للحد الأدنى للأجور تنطوي على تمثيل حقيقي للعمال للتأكد من أنه "أجر معيشي" يعطي العمال وأسرهم إمكانية التمتع بالحق في مستوى معيشي لائق.
كما أدخلت قطر تعديلات على قانون العمل فرضت عقوبات أكثر صرامة على أصحاب العمل الذين لا يدفعون أجور عمالهم، وزادت عدد "لجان تسوية المنازعات العمالية"، المصممة لمنح العمال طريقة أسهل وأسرع لمتابعة تظلماتهم ضد أصحاب عملهم. رغم أهمية هذه الخطوات، إلا أنها لا تقدم ما يكفي لمعالجة انتهاكات الأجور. خلص تقرير حديث لـ هيومن رايتس ووتش عن انتهاكات الأجور إلى أن أصحاب العمل في جميع أنحاء قطر ينتهكون حق العمال في الأجور بشكل متكرر، وأن الجهود لتحسين الوضع فشلت إلى حد كبير.
قال بَيْج: "تحديد حد أدنى أساسي غير تمييزي للأجور لن يعني الكثير للعمال الوافدين طالما أن بإمكان أصحاب عملهم حجب أجورهم، وتأخيرها، والخصم منها دون تبعات. الطريقة الوحيدة لمعالجة انتهاكات الأجور بنجاح هي إنشاء أنظمة فعالة لحماية الأجور ومعاقبة من لا يمتثل".
الأحكام الجديدة
في 30 أغسطس/آب، عدّلت قطر بعض أحكام قانونها لعام 2015 بشأن دخول وخروج الوافدين وإقامتهم، للسماح لجميع العمال الوافدين بتغيير وظائفهم وفقا لإجراءات وزارة العمل، فألغت النصوص التي كانت تتطلب في السابق من العمال الوافدين الحصول أولا على إذن على شكل "شهادة عدم ممانعة" من صاحب العمل. كما عدلت قطر بعض أحكام قانون العمل التي تحدد كيف يمكن للعمال الوافدين الخاضعين لقانون العمل ترك وظائفهم أو تغيير أصحاب عملهم. دخلت هذه الإصلاحات حيّز التنفيذ فور نشر القوانين في الجريدة الرسمية في 8 سبتمبر/أيلول.
كما ألغت التعديلات الحاجة إلى موافقة وزارة العمل والداخلية على طلبات تغيير الوظائف، والتي تفتقر إلى عملية شفافة تستند إلى معايير واضحة. تنص تعليمات وزارة العمل بشأن تغيير الوظائف على أنه يمكن للعمال الآن إجراء معاملات نقل الوظيفة بشكل مستقل وعدم تكبد أي رسوم ذات صلة. وفقا للتعليمات، على العامل إخطار صاحب العمل برغبته في تغيير الوظيفة وتقديم المستندات المطلوبة من خلال نظام التبليغ الإلكتروني بوزارة العمل. مع ذلك، ما يزال تغيير الوظائف عملية تنظمها الحكومة.
تنص التعديلات على أن صاحب العمل الجديد ملزم بسداد تكاليف التوظيف لصاحب العمل السابق، على ألا تتجاوز قيمتها الأجر الأساسي للعامل لمدة شهرين، فقط عندما يغيّر العامل وظيفته خلال فترة الاختبار. قال هوتان هومايونبور، رئيس مكتب مشروع "منظمة العمل الدولية" في قطر، لمنظمة حقوق المهاجرين إن التعويض عن تغيير الوظيفة خلال فترة الاختبار هو مسألة بين صاحبَيْ العمل ولا تخص العمال، وأشار إلى أن العامل غير مطالب بتقديم دليل على هذا التعويض، وأن النزاعات الناشئة عن هذه العملية لن تتعارض مع قدرة العامل على تغيير وظيفته.
عدل مرسوم وزاري صادر في 21 سبتمبر/أيلول القانون لسنة 2015 بشأن دخول وخروج الوافدين وإقامتهمن ليسمح للعمال الوافدين بـ 90 يوما من وقت انتهاء صلاحية تصاريح إقامتهم بغية تغيير وظائفهم دون إذن صاحب العمل، "ما لم تكن قد انتهت لأسباب خارجة عن إرادة" الوافد.
تنص تعديلات قانون العمل على أن العمال الوافدين المشمولين بالقانون يمكنهم الآن إنهاء عقود عملهم عند رغبتهم، خلال فترة الاختبار وبعدها، طالما أنهم يخطرون أصحاب العمل خطيا خلال فترة إشعار محددة. تنص التغييرات على وجوب تقديم العامل الوافد إشعار خطي قبل شهر إذا أراد تغيير وظيفته في غضون عامين، أو قبل شهرين إذا كان قد عمل لدى صاحب العمل لفترة أطول.
إذا أنهى صاحب العمل أو العامل العقد دون الالتزام بفترة الإخطار، يُطلب منهما دفع تعويض للطرف الآخر يعادل الأجر الأساسي للعامل لفترة الإخطار أو الجزء المتبقي من فترة الإخطار.
إذا غادر العامل الوافد البلاد دون إخطار أو دفع التعويض المطلوب في حالة عدم تقديم إشعار، يمكن للسلطات القطرية منع العامل من الحصول على تصريح عمل لمدة عام من تاريخ مغادرته.
حاولت تعليمات وزارة العمل القطرية بشأن تغيير الوظائف أن تشمل ضمانة تنص على أنه إذا لم يفِ صاحب العمل بالتزاماته القانونية تجاه العامل، فإن العامل غير ملزم بمراعاة فترة الإخطار لتغيير الوظيفة. يعكس هذا جزءا من حكم قانوني باقٍ في قانون العمل في الحالات التي يمكن فيها للعامل بدوام كامل الاستقالة إذا خالف صاحب العمل التزاماته بموجب عقد العمل، أو عرّض صحة العامل للخطر، أو اعتدى على العامل، أو خالف شروط العقد. سابقا، كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها للعمال بعقود محددة المدة ترك وظائفهم. تسمح التعديلات الجديدة الآن للعمال بترك صاحب العمل أو تغيير وظائفهم دون الحاجة إلى إثبات خرق الالتزامات.
لا يزال هذا الحكم مفيدا للعمال الذي ن يواجهون سوء المعاملة لأنه يخولهم إنهاء الخدمة دون سابق إنذار، ويفترض أن العامل لن يحتاج إلى دفع تعويض لصاحب العمل.
بالمثل، بموجب القانون "بشأن المستخدمين في المنازل" لعام 2017، كان بإمكان عاملات المنازل في السابق إنهاء عقودهن فقط إذا أثبتن أن صاحب العمل خالف التزاماته التعاقدية، أو تسبب بأذيتهن جسديا، أو عرّض صحتهن للخطر، أو حرّف شروط العقد. لكن بموجب تعليمات وزارة العمل الجديدة، يمكن للعاملات أيضا إنهاء عقودهن بإشعار أو بدونه، وفي الحالات التي يواجهن فيها خرقا للعقد، ما يزال بإمكانهن إنهاء العقود في أي وقت دون سابق إنذار، والاحتفاظ بحقهن في "مكافآت" نهاية الخدمة. كما تنص التعليمات على قرب إصدار عقد عمل معياري محدث للعمالة المنزلية يعكس هذه القواعد.
العوامل الباقية التي تسهل الانتهاكات العمالية
أظهرت أبحاث هيومن رايتس ووتش أن الانتهاكات ضد حقوق العمال الوافدين في قطر خطيرة ومنهجية وأن الخروقات تنبع غالبا من نظام إدارة العمل. تجريم "الهروب"، والمصادرة الروتينية لجوازات سفر العامل من قبل أصحاب العمل، ودفع رسوم الاستقدام من قبل العمال، الأمر الذي يمكن أن يبقيهم مدينين لسنوات، بالتزامن مع حظر الإضرابات العمالية، وعدم تنفيذ أو فرض القوانين المصممة لحماية حقوق العمال الوافدين بفعالية، ساهمت كل هذه العوامل في الانتهاكات، والاستغلال، وحتى العمل الجبري.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى أكثر من 80 عاملا وعاملة وافدين بين يناير/كانون الثاني 2019 وفبراير/شباط 2020 بشأن تجاربهم في العمل بقطر. وظفهم أصحاب عمل متنوعين في مجالات مختلفة، فمنهم عمال في وظائف مهنية، وكذلك عمال في وظائف منخفضة الأجر مثل البناء والعمل المنزلي.
قالت الغالبية العظمى إنهم تعرضوا لواحد أو أكثر من مجموعة واسعة من انتهاكات العمل. أشار العمال الوافدون إلى عدة عوائق أمام السعي إلى الانتصاف أو تحسين ظروف العمل، منها الشرط الذي قد ألغي الآن والذي كان يتطلب موافقة صاحب العمل على تغيير الوظائف. كما أشاروا إلى السيطرة المفرطة التي يتمتع بها أصحاب العمل على الوضع القانوني للعمال الوافدين في البلاد، ما يسمح لأصحاب العمل بتهديد العمال الوافدين وابتزازهم لإبقائهم يعملون في ظروف مسيئة، وهو ما يثني العمال عن الوقوف بوجه أصحاب العمل المنتهِكين خوفا من الانتقام.
قال عامل عن صاحب عمل منتهِك: "اشترى تذكرتي للعودة، لكنه لم يدفع راتبي من يناير/كانون الثاني 2019 إلى أكتوبر/تشرين الأول 2019. لم أستطع الذهاب إلى محكمة العمل لأن بطاقة هويتي كانت منتهية الصلاحية وكنت أخشى أن أُسجَن. قال لي صاحب العمل، في اللحظة التي أخطو فيها إلى الخارج، سأُسجن".
افتقار العمال المهاجرين إلى السيطرة على وضعهم القانوني
أعرب معظم العمال الذين قوبلوا عن خوفهم من الوقوع في وضع الهجرة غير النظامية، ما قد يؤدي إلى التوقيف، والاحتجاز، والترحيل.
يتحمل أصحاب العمل مسؤولية الحصول على تصاريح العمل والإقامة، وتجديدها، وإلغاؤها للعمال الوافدين، ما يجعل العمال معتمدين عليهم في إقامتهم القانونية.
أصحاب العمل ملزمون بتأمين أو تجديد تصاريح الإقامة لعمالهم خلال 90 يوما من وصول العامل الوافد أو انتهاء التصريح. عدم قيام صاحب العمل بتأمين الإقامة أو تجديدها خلال المدة المحددة يعرّض العامل لخطر الاعتقال، والاحتجاز، والترحيل، ما يقيّد حريته في التنقل ويثنيه عن طلب المساعدة القانونية. يمكن لصاحب العمل أيضا إلغاء تصريح إقامة العامل في أي وقت، ما يحد أيضا من قدرة العامل على البقاء في الدولة بشكل قانوني لمدة أقصاها 90 يوما.
يمكن للعامل الذي لا يغادر البلاد خلال الـ 90 يوما المحددة أن يُعاقب بالسجن حتى ثلاث سنوات أو بغرامة أقصاها 50 ألف ريال أو كليهما. يمكن تغريمه بـ 200 ريال إضافية عن كل يوم يتجاوز فيه تأشيرته.
قال عامل وافد من غانا وصل إلى قطر في سبتمبر/أيلول 2018 لـ هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان 2019 إن شركته تتأخر في دفع أجوره وأحيانا لا تدفعها: "ما زلت لا أملك بطاقة هوية قطرية أو بطاقة صحية. إذا اعتقلتني الشرطة سيرحلونني، وسيتخلى الكفيل عني، ولن أحصل على مستحقاتي المالية".
قال عامل وافد من كينيا إنه عند وصوله إلى قطر في أكتوبر/تشرين الأول 2018 ، صادرت شركته جواز سفره وأقامته في مساكن سيئة مع 10 إلى 12 شخصا في غرفة واحدة. قال إنه يعمل 12 ساعة في اليوم، ونادرا ما يحصل على أجره في الوقت المحدد، وفي بعض الأشهر لا يحصل على أجره، ولا يحصل على أيام إجازة، وكلها أمور تنتهك القانون القطري. قال إنه انتظر ستة أشهر حتى تصدر له الشركة تصريح إقامة، واحتجز نفسه في موقع عمله خوفا من الاعتقال. قال: "كل ما يمكنك فعله هو الذهاب إلى العمل والعودة، لا يمكن التنقل، ولا حتى إلى السوبر ماركت".
أشار العمال الوافدون إلى عدم حيازتهم تصاريح إقامة قطرية سارية المفعول كعائق أمام السعي إلى نيل العدالة. قالت عاملة منزلية وافدة من كينيا وصلت إلى قطر في أبريل/نيسان 2019 إن صاحبة عملها لم تدفع لها سوى نصف راتبها حتى ديسمبر/كانون الأول:
أخذتْ أيضا جواز سفري ولم تحصل لي على بطاقة هويتي القطرية مطلقا، ولم تأخذني حتى الآن لتقديم بصماتي للحصول على بطاقة الهوية، لذا لا يمكنني مغادرة المنزل لتقديم شكوى بشأنها إلى محكمة العمل. كيف يمكنني تقديم شكوى وأنا حتى لا أملك تصريح إقامة؟
قال عامل وافد إن صاحب العمل رفض عمدا تجديد تصريح إقامته انتقاما من سعيه إلى الحصول على تعويض عن الأجور غير المدفوعة:
اعتقلتني الشرطة مرتين لحيازتي بطاقة هوية قطرية منتهية الصلاحية – ليس ذنبي، رفضت الشركة تجديد بطاقة هويتي بعد أن رفعنا [أنا وزملائي] قضية [في لجنة تسوية المنازعات العمالية] ضدهم.
يمكن أن يؤدي اعتماد العمال على أصحاب العمل من أجل وضعهم القانوني في البلاد إلى تقويض الإصلاحات الأخيرة وإعاقة قدرة العامل الوافد على الانتقال إلى وظيفة أخرى.
الهروب
في حين يمكن لصاحب العمل إلغاء تصريح إقامة العامل الوافد في أي وقت من خلال الشروع في إجراءات الإعادة إلى الوطن دون تقديم مبرر، يمكن معاقبة العامل الذي يترك صاحب العمل دون إذن بالسجن، والغرامات، والترحيل، والحظر بسبب "الهروب". يمكن أيضا معاقبة أصحاب العمل لعدم إبلاغ السلطات عند "هروب" عمالهم.
وثّقت هيومن رايتس ووتش ثلاث حالات خلال العام الماضي رفع فيها أصحاب العمل قضايا "هروب" كاذبة ضد وافدين يعملون لديهم، بعد أن قدم العمال شكاوى ضدهم إلى وزارة العمل، متعمدين تعريض العمال للاعتقال والترحيل انتقاما.
قال عامل وافد من الهند عاش وعمل في قطر 13 عاما دون وقوع مشاكل، رحّله صاحب عمله الأخير باعتباره هاربا لأنه اشتكى إلى وزارة العمل بسبب تأخر راتبه لشهور كل مرة: "بعد كل هذه السنوات التي عشت فيها وعملت في هذا البلد، أعرف الآن، إذا حاولت الوقوف في وجه أصحاب العمل، سأخسر".
قالت عاملة نظافة فلبينية، توقفت عن العمل وقدمت شكوى إلى وزارة العمل بعد عدم تلقيها أجرها أو تأخره: "ذهب صاحب عملي إلى الشرطة وأخبرهم أنني هاربة، رغم أنني كنت في المنزل". تعرضت لانتهاكات أخرى مع صاحبة عملها السابق لأكثر من عام: "إنها تفعل كل هذا لأنني رفعت قضية ضدها". بينما تمكنت العاملة منذئذ من إخلاء التهم الموجهة إليها، طردتهم صاحبة عملها وغيرها من العاملات اللاتي اشتكين من سكنهن، تاركة لهن تدبير أمورهن بأنفسهن دون عمل بينما ينتظرون نتيجة قضية العمل.
التهديد والابتزاز والخوف من الانتقام
قال عديد من العمال الوافدين إنهم استمروا في العمل لدى أصحاب عملهم رغم ظروف العمل المسيئة، إما بسبب تهديدات صاحب العمل أو الابتزاز أو لأنهم يخشون أن ينتقم أصحاب العمل منهم، بما فيه رفض تسوية أوضاعهم في البلاد أو عن طريق تقديم قضية "هروب" ضدهم. اتخذت قطر تدابير تهدف إلى تحسين وصول العمال إلى العدالة، لكن الحق في المطالبة بالتعويض غالبا ما يكون غير فعال بالنسبة للعمال الوافدين الذين يخضع وضعهم القانوني في البلاد لسيطرة صاحب العمل المسؤول غالبا عن الانتهاكات.
قال عامل من بنغلاديش: "أخشى كفيلي، وما سيحدث لي إذا ذهبت لتقديم شكوى". قال إن صاحب العمل طالبه بدفع 4 آلاف ريال (1,098 دولار) لإصدار تصريح إقامة له وهدده برفع قضية هروب ضده إذا لم يفعل.
قالت عاملة نظافة من الفلبين: "لا نريد أن ننتقدهم لأن عملنا يساعد عائلاتنا [في الوطن] ولا نريد أن نفقد هذه الوظائف". أضافت أن صاحب عملها اقتطع من أجورها بشكل غير عادل.
قال حارس أمن من كينيا إنه تمت مصادرة جواز سفره، ولم تُدفع أجوره أو تأخرت، وكانت ظروف سكنه مزرية: "عندما نشكو [من ظروف عملنا]، يهددون بإلغاء تصاريحنا وإعادتنا إلى الوطن. لا يمكنني محاربة شركة كبيرة كهذه".
قال عامل وافد من الهند عمل سائقا شخصيا منذ وصوله إلى قطر في 2016 في أكتوبر/تشرين الأول إنه في 2019 صاحب العمل استغل سيطرته على وضعه القانوني في البلاد من خلال تعريضه للتهديد والابتزاز:
منذ بداية 2019، توقف صاحب العمل عن دفع راتبي بشكل صحيح. أحيانا كان يتأخر، وأحيانا يدفع نصف الراتب. كان يقول إنه سيدفع قريبا. كان الأمر سيئا للغاية لأن عائلتي في الهند فقيرة جدا، كانوا بحاجة إلى المال. لكنني واصلت القيادة له لأنني اعتقدت أنه سيدفع يوما ما. في أكتوبر/تشرين الأول 2019، طلبت من صاحب العمل تجديد بطاقتي الشخصية القطرية لأن صلاحيتها على وشك الانتهاء، قال إن عليّ أن أدفع له 5 آلاف ريال قطري إذا أردت تجديدها. كان يبتزني. أنا خائف جدا من القيادة بدون بطاقة الهوية الشخصية، لا أريد أن ينتهي بي المطاف في السجن.
قلت له أن يلغي تأشيرتي حتى أتمكن من العودة إلى المنزل فهددني بإدراجي في القائمة السوداء كيلا أعمل في قطر مرة أخرى. في النهاية أخبرني أنه يمكنني العودة إلى دياري ولكن بشرط أن أوافق على تسوية جميع أجوري معه. اشترى تذكرتي للعودة إلى الوطن، لكنه لم يدفع راتبي من يناير/كانون الثاني 2019 إلى أكتوبر/تشرين الأول 2019. لم أستطع الذهاب إلى محكمة العمل لأن بطاقة هويتي كانت منتهية الصلاحية وكنت خائفا من أن أسجن. قال لي صاحب العمل، في اللحظة التي أخطو فيها إلى الخارج، سأُسجن.