Skip to main content
تبرعوا الآن

فيما يلي مراجعة غير شاملة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد. تستند المراجعة إلى وثيقة من 95 صفحة نُشرت في عدد من المواقع الإلكترونية المؤيدة للحكومة في أغسطس/آب 2024، بعد اقتراح الحكومة المصرية صياغة قانون إجراءات جنائية جديد. يتضمن المشروع اسم وشعار لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب المصري.

سيعزز مشروع قانون الإجراءات الجنائية ــ إذا اعتُمد بصيغته الحالية (أي كما يظهر في الوثيقة 95 المذكورة أعلاه) ــ ويوسع نطاق الإفلات من العقاب عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يتمتع بها موظفو الشرطة والأمن اليوم، وبالتالي يستمر في انتهاك التزامات مصر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بضمان حقوق الضحايا في العدالة والإنصاف الفعال.

إدامة إفلات مسؤولي إنفاذ القانون من العقاب

تحتفظ المادة 162 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية بالمادتين 210 و232 من قانون الإجراءات الجنائية الحالي، اللتان تخولان النيابة العامة حصرا تقرير ما إذا كان ينبغي الشروع في تحقيق في سلوك الموظفين العموميين. على مدى عشرات السنين، ساهمت هذه الأحكام في الإفلات شبه المطلق من العقاب على نطاق واسع من التعذيب والانتهاكات أثناء الاحتجاز من قبل الشرطة وقوات الأمن. إذا اعتُمدت بصيغتها الحالية، ستحرم المادة 162 الضحايا وعائلاتهم من الحق في تقديم شكوى جنائية مباشرة إلى قاضي التحقيق تزعم ارتكاب الموظفين العموميين جرائم، بما يشمل جرائم عناصر الأمن. بالإضافة إلى ذلك، ستعزز المادة 162 بصيغتها الحالية الإفلات من العقاب عبر تقييد حق الضحايا في استئناف قرار النيابة العامة بعدم توجيه اتهامات إلى الموظفين العموميين.

الحبس الاحتياطي التعسفي

إذا اعتُمدت بصيغتها الحالية، ستخفض المادة 123 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الحد الأقصى للحبس الاحتياطي من ستة إلى أربعة أشهر في حالة الجنح، ومن 18 إلى 12 شهرا في حالة الجنايات، ومن 24 إلى 18 شهرا في حالة الجرائم التي يعاقب عليها بالسَّجن المؤبد أو الإعدام.

إلا أنه، حتى في حالة تقليصه، فإن الحد الأقصى لفترات الحبس الاحتياطي التي ستنص عليها المادة 123 سيظل أطول مما هو في معايير قانون حقوق الإنسان الدولي. علاوة على ذلك، لن تعالج مشاريع التعديلات الأخرى الممارسة المنتهِكة المنهجية المتمثلة في استخدام الحبس الاحتياطي دون مراجعة قضائية مناسبة لاحتجاز الأشخاص تعسفيا في قضايا ذات دوافع سياسية. منذ العام 2013، أدى استخدام الحبس الاحتياطي التعسفي إلى سجن عشرات آلاف المعارضين السياسيين ومنتقدي الحكومة لشهور أو حتى سنوات بدون محاكمة.

كما أن التعديلات لا تعالج الممارسة الموثَّقة جيدا المتمثلة في تمديد الحبس الاحتياطي من خلال "تدوير" التهم. يتلخص "التدوير" في إبقاء المعتقلين محبوسين احتياطيا بشكل غير قانوني إلى ما بعد الحدود القانونية ــ وأحيانا لسنوات رغم أوامر الإفراج القضائية ــ من خلال توجيه اتهامات متتالية ضد المتهمين. قضت "مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاحتجاز التعسفي" بأن هذه الممارسة تتعارض مع الحق في المحاكمة في غضون فترة زمنية معقولة وافتراض الحرية في انتظار المحاكمة.

إذا تم تبني مشروع قانون الإجراءات الجنائية في صيغته الحالية، سيتفاقم خطر الاحتجاز التعسفي بإزالة الشرط القائم بموجب المادة 36 من قانون الإجراءات الجنائية الحالي، والذي يقضي بأن يقوم أعضاء النيابة العامة باستجواب المعتقل في غضون 24 ساعة من الاعتقال والاحتجاز. بدلا من ذلك، وبموجب المادة 40 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، يتعين على موظفي إنفاذ القانون ببساطة إحالة القضية إلى النيابة العامة في غضون 24 ساعة من الاعتقال والاحتجاز، دون أي شرط باستجواب المعتقل قبل نقله. كما لا تفعل التعديلات أي شيء لتقليص السلطات الاستنسابية الواسعة التي يتمتع بها أعضاء النيابة العامة في إصدار أوامر الحبس الاحتياطي وتمديده دون إشراف قضائي مستقل لمدة تصل إلى 150 يوما، بموجب المادة 142 من قانون الإجراءات الجنائية الحالي أو المادتين 202 و206 مكرر من مشروع قانون الإجراءات الجنائية.

لا يلبي القانون الحالي أو المسودة المقترحة متطلبات القانون الدولي لحقوق الإنسان بعرض أي شخص معتقل أو محتجز بتهمة جنائية أمام قاض بشكل سريع، أي في غضون 48 ساعة على الأكثر من وقت الاعتقال. كما أن التعديلات المقترحة لا تنهي ممارسة استخدام جلسات قضائية موجزة وعامة، ولا تستغرق أحيانا سوى بضع دقائق، لتجديد الحبس الاحتياطي لمدة قد تصل إلى عامين. في السنوات الأخيرة، جدد القضاة الحبس الاحتياطي لمئات المتهمين في جلسات استماع جماعية موجزة، منتهكين بذلك حق كل معتقل في الاعتراض على تجديد حبسه احتياطيا في انتظار المحاكمة، أو التقدم بطلب للإفراج عنه بكفالة.

وجدت "لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة" أن الاحتجاز رهن المحاكمة لا يجوز الأمر به إلا بعد "تحديد فردي بأنه معقول وضروري في جميع الظروف، لأغراض منع الهروب أو التدخل في الأدلة أو تكرار الجريمة أو التأثير على الضحايا". أشارت اللجنة كذلك إلى أن: "الاحتجاز قبل المحاكمة ينبغي ألا يكون إلزاميا لجميع المتهمين بارتكاب جريمة معينة، دون مراعاة الظروف الفردية. ينبغي أيضا عدم إصدار أمر بالاحتجاز قبل المحاكمة لفترة بناء على العقوبة المحتملة للجريمة المنسوبة، وليس بناء على تحديد الضرورة".

فيما يتعلق ببعض الحالات المحدودة التي قد تجد فيها المحكمة أن الحيس الاحتياطي غير مبرر، تنص المادة 523 على الحق في رفع دعاوى مدنية لطلب تعويض مالي.

جلسات عبر الفيديو لتمديد فترة الحبس الاحتياطي

خلال السنوات الأخيرة، فاقمت مصر الأسلوب المنتهِك المتمثل بالحبس الاحتياطي التعسفي عبر عقد جلسات استماع لتمديد فترة الحبس عبر الفيديو ("فيديوكونفرس")، بدون تقديم المتهمين حضوريا أمام القاضي الذي يترأس هذه الجلسات. وثّقت هيومن رايتس ووتش كيف يقوّض هذا الأسلوب الإجراءات الواجبة. فهو يمنع القاضي من تقييم شرعية الاحتجاز وظروفه، بالإضافة إلى صحة المتهمين. كما ينتهك العديد من ضمانات المحاكمة العادلة، ومنها الحق في منشآت لائقة من أجل إعداد مرافعات الدفاع، إذ تشير تقارير عدة إلى حضور عناصر أمن السجن خلال مشاورات المتهمين مع محاميهم عبر الفيديو، قبل جلسات الاستماع عن بعد.

إن إقرار المواد من 525 إلى 532 من التعديلات المقترحة بصيغتها الحالية، تحت فصل "إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بعد"، لن يشكل تقاعسا عن معالجة الانتهاكات الجسيمة للحق في المحاكمة العادلة الناتجة عن نظام الجلسات عبر الفيديو في مصر حتى الآن فحسب، بل سيقنّن استخدامه في كامل النظام القضائي والنيابة العامة. وسيوسّع نطاق استخداماته المسموح بها بشكل كبير لتشمل جميع الجلسات في مختلف مراحل التحقيق والمحاكمة الجنائيَّين.

تقويض حق المتهمين في المحاكمة العادلة

إذا اعتُمدت التعديلات المقترحة بصيغتها الحالية، فإن العديد من أحكامها ستؤدي إلى مزيد من القيود على حق المتهمين في محاكمة عادلة. إذ تمنح المادة 72، في سياق التحقيقات الجنائية، النيابة العامة سلطة حرمان المتهمين من حقهم في الاستعانة بمحامين للدفاع عنهم، بما في ذلك تقديم دفاعهم، في جلسات الادعاء. بالإضافة إلى ذلك، تمنح المادة 73 النيابة العامة سلطات غامضة لحرمان المتهمين ومحاميهم من الوصول إلى وثائق الادعاء، إذا "اقتضت مصلحة التحقيق ذلك". كما تمنح المادة 105 النيابة العامة الحق في حرمان محامي الدفاع من الوصول إلى ملفات التحقيق قبل الاستجوابات والمواجهات، أو إتاحتها لوكلاء الدفاع قبل 24 ساعة فقط.

ترسيخ سلطة النيابة العامة وتآكل دور وكلاء الدفاع بفعل مشروع القانون ينتهكان التزامات مصر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بضمان الحق في المساواة في الدفاع، وهو جزء لا يتجزأ من الحق في المساواة أمام المحاكم. وقد صرّحت لجنة حقوق الإنسان أن الحق في المساواة في الدفاع يتطلب "توفير الحقوق الإجرائية نفسها لجميع الأطراف ما لم يستند التمييز إلى القانون ويمكن تبريره على أسس موضوعية ومعقولة، ولا تنطوي على عيب فعلي أو ظلم آخر للمتهم". ومن خلال مَنح أعضاء النيابة العامة سلطة حرمان محامي المتهمين في نهاية المطاف من الحق في استجواب شهود الادعاء، والوصول إلى ملفات القضية، وتقديم المذكرات أثناء الإجراءات فإن مشروع التعديلات، إذا تم اعتماده بصيغته الحالية، من شأنه أن يضع أعضاء النيابة العامة في وضع متميز مع القدرة على عرقلة عمل وكلاء الدفاع في إعداد مرافعاتهم وتقديمها، وفي النهاية انتهاك الحق في المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية وفي محاكمة عادلة.

تعزيز دور أعضاء النيابة العامة

تنقل المادة 92 جزءا من الدور الحالي لقضاة التحقيق إلى أعضاء النيابة العامة، مثل منحهم سلطة رفض طلبات المحامين باستجواب شهود الادعاء أثناء المحاكمة. هذا بالإضافة إلى سلطة النيابة العامة في الأمر بتمديد الحبس الاحتياطي، كما ذُكر آنفا.

هذه الأحكام مجتمعة تمنح أعضاء النيابة العامة سلطات واسعة ومعزَّزة، لا تُمنح عادة إلا للقضاة، في تعارض مع معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان، التي تتطلب الفصل بين وظائف الادعاء والقضاء. وتشكل هذه السلطات المعززة، إلى جانب سلطة أعضاء النيابة العامة في تحديد مسائل الأدلة والحبس الاحتياطي، انتهاكا لحق المتهمين في تحديد التهم الجنائية الموجهة إليهم في جلسة استماع أمام محكمة مستقلة ومحايدة.

سرية المحاكمة

من شأن المادة 266 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية أن توسع نطاق الحظر القائم، المنصوص عليه في قانون العقوبات في عام 2021 (القانون رقم 71 لسنة 2021)، على نقل أو إذاعة وقائع الجلسات بدون موافقة خطية من رئيس المحكمة. وهذا الحظر يقوض المادة 187 من الدستور المصري، التي تكفل مبدأ علنية المحاكمات، وينتهك حق المتهمين في محاكمة علنية. علاوة على ذلك، فإنه يعيق الوسائل التي يمكن للمحامين، والصحفيين، وأعضاء المجتمع المدني من خلالها السعي إلى فضح انتهاكات المحاكمة العادلة ومحاسبة السلطات المصرية عليها.

حالات الاختفاء القسري

يفتقر قانون العقوبات المصري إلى تعريف – أو عقوبة تتناسب مع خطورة الجريمة – لجريمة الاختفاء القسري، وذلك في انتهاك لالتزاماتها بموجب القانون الدولي بحماية أي شخص من الإخفاء القسري.

على الرغم من الاستخدام واسع النطاق والموثق للاختفاء القسري من جانب السلطات المصرية، بما في ذلك جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، فإن مشروع القانون لا يقدم ضمانات لحماية الأفراد من الإخفاء. فالمادة 42 من قانون الإجراءات الجنائية الحالي، التي سيُحافظ على جوهرها في حال اعتماد المادة 44 من مشروع التعديلات في صيغتها الحالية، تمنح أعضاء النيابة العامة، وقضاة التحقيق، ورؤساء المحاكم سلطة استنسابية للإشراف على مراكز الاحتجاز. ومع ذلك، من أجل الحماية من الاختفاء القسري، يجب أن تكون زيارات التفتيش إلزامية، وأن تقترن بواجب قانوني على موظفي إنفاذ القانون باحترام، وحماية، وضمان حق المحتجزين في الوصول إلى العالم الخارجي، بما في ذلك الحق في الوصول السريع إلى العائلات، والمحامين، والأطباء، فضلا عن حقهم في أن يُحتجزوا في مراكز الاحتجاز الرسمية فقط.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة