Skip to main content
تبرعوا الآن

تونس: السلطات تقوّض نزاهة الانتخابات

تغييرات متأخرة في قانون الانتخابات واعتقالات بالجملة

فاروق بوعسكر (الثالث إلى يمين الصورة)، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في مؤتمر صحفي يوم 10 أغسطس/آب 2024 للإعلان عن قبول ثلاثة مرشحين فقط للانتخابات الرئاسية التي ستقام في تونس.  © 2024 محمد حمي/سيبا/شاترستوك

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات التونسية قوّضت نزاهة انتخابات 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024 الرئاسية عبر تعديل قانون الانتخابات قبل إجرائها بأيام. استبعدت السلطات مرشحين معارضين، وسجنت آخرين، وأخذت إجراءات تعسفية بحق المنافسين السياسيين، ووسائل الإعلام المستقلة، والمجتمع المدني.

في 27 سبتمبر/أيلول، أقرّ البرلمان التونسي قانونا جديدا يجرّد المحكمة الإدارية من صلاحياتها في الشؤون الانتخابية، ما يمنعها من تأدية دورها في التصدي للانتهاكات. جاء القانون بعد موجة اعتقالات كبيرة، إذ يُحتَجز 170 شخصا اليوم في تونس لأسباب سياسية أو لممارسة حقوقهم الأساسية. أكثر من 110 منهم مرتبطون بـ "حركة النهضة" المعارضة. وفي الوقت نفسه، رفضت هيئة الانتخابات التونسية تعسفا منح الاعتمادات لمراقبي الانتخابات وشنت هجوما على وسائل الإعلام.

قال بسام خواجا، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تضع السلطات التونسية العراقيل بشكل ممنهج أمام إجراء انتخابات عادلة، وأمام قدرة المرشحين المنافسين على القيام بحملة انتخابية حرة. بعد الاعتقالات الجماعية واستهداف المنافسين المحتملين، ها هي تعدّل قانون الانتخابات قبل إجرائها بأيام، قاطعةً الطريق أمام الإشراف والطعن الفعليَّين".

بعد تعديل قانون الانتخابات لعام 2014، ستحتكر "محكمة الاستئناف بتونس" صلاحية البت في النزاعات الانتخابية، وتكون قراراتها خاضعة للاستئناف أمام "محكمة التعقيب" (النقض). ينص القانون على أنه لا يحق لأي سلطة أخرى أن "تواصل التعهّد بالنزاعات والطعون والقرارات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية لسنة 2024". ويشير إلى أن الأمر يسري أيضا على النزاعات الحالية المتعلقة بالانتخابات الرئاسية.

تأتي التعديلات بعد إصدار المحكمة الإدارية أمر بإعادة المرشحين المحتملين إلى السباق الرئاسي، ملغية بالتالي قرارات هيئة الانتخابات القاضية باستبعادهم. في نهاية المطاف، تجاهلت الهيئة قرار المحكمة، وأعلنت بدء الحملات الانتخابية في 14 سبتمبر/أيلول، في وجود ثلاثة مرشحين فقط، هم الرئيس الحالي قيس سعيّد، والمرشح العياشي زمال، المحتجز اليوم، وعضو مجلس النواب السابق زهير المغزاوي.

مع اقتراب الانتخابات، كثّفت السلطات حملتها المستمرة على المنتقدين عبر اعتقالات بالجملة بحق المنافسين السياسيين. اعتقل عناصر الأمن أكثر من 100 منتسب أو مناصر لـ حركة النهضة، أكبر حزب معارض في البلاد، ومعظم الاعتقالات حصلت بين 12 و13 سبتمبر/أيلول، بحسبما قال محام في هيئة الدفاع عن المعتقلين لـ هيومن رايتس ووتش.

أُطلق سراح 17 منهم تقريبا في 5 سبتمبر/أيلول، بينما بقي 96 محتجزين بموجب قانون مكافحة الإرهاب التونسي لعام 2015، الذي يسمح بالحجز بدون توجيه تهمة لمدة 15 يوما، بدون الوصول إلى محام لمدة 48 ساعة. أضاف المحامي أنهم يخضعون للتحقيق بموجب المرسوم 54 في شأن الجرائم الإلكترونية، وبتهمة إهانة الرئيس.

أغلقت السلطات مركز النهضة الرئيسي في أبريل/نيسان 2023، وتحتجز العديد من قادتها منذ ديسمبر/كانون الأول 2022، ومنهم رئيس الحركة راشد الغنوشي، واثنان من نوابه، علي العريّض ونور الدين البحيري.

كما لاحقت السلطات أو سجنت تسعة من المرشحين الرئاسيين الحاليين أو المحتملين منذ إعلان بدء الفترة الانتخابية في 14 جويلية/تموز، وتحتجز سبعة أعضاء من حملاتهم على الأقل.

اعتُقل العياشي زمال، أحد الأشخاص الثلاثة الذين نالوا الموافقة على ترشحهم، في 2 سبتمبر/أيلول. أمر قاض تونسي بإطلاق سراحه مؤقتا في 5 سبتمبر/أيلول، لكنه اعتُقل مجددا في اليوم نفسه، وأُدين لاحقت بجرائم، وحُكم فترات سجن متعددة. في 18 سبتمبر/أيلول، حكمت محكمة في جندوبة على زمال بالسَّجن 20 شهرا، وفي 25 سبتمبر/أيلول حكمت عليه بالسَّجن ستة أشهر إضافية. في 30 سبتمبر/أيلول، حكمت محكمة في تونس العاصمة على زمال بالسَّجن لفترات يصل مجموعها إلى 12 سنة، والمنع من الاقتراع، كل ذلك على خلفية تهمة تزوير تواقيع تزكيات.

قال اثنان من محامي زمال لـ هيومن رايتس ووتش إنه يواجه مزيدا من الملاحقات القضائية في نحو 30 قضية تتعلق بإصدار شهادة أو بيان يتضمن وقائع غير دقيقة، عن سابق علم، بموجب الفصل 199 من مجلة الإجراءات الجزائية؛ تقديم عطايا نقدية أو عينية قصد التأثير على الناخبين، بموجب الفصل 161 من قانون الانتخابات؛ وتهم أخرى بموجب قانون 2004 المتعلق بالمعطيات الشخصية. حُكم أيضا على أحد أعضاء حملته بالسَّجن 12 عاما، بعد أن اعتُقل في 27 سبتمبر/أيلول.

كثّفت السلطات حملتها على منظمات المجتمع المدني قبل الانتخابات. هيئة الانتخابات، التي أعاد سعيّد تشكيلها في 2022 ليضعها تحت سلطته، رفضت تعسفا منح اعتمادات لاثنتين من أبرز منظمات مراقبة الانتخابات في تونس، "أنا يقظ" و"مراقبون". قالت الهيئة في 9 سبتمبر/أيلول إن الرفض يعود إلى "تمويلات أجنبية مشبوهة... من بلدان البعض منها لا تربطه بتونس علاقات دبلوماسية"، وإنها أحالت القضايا إلى السلطات للتحقيق.

تأسست مراقبون وأنا يقظ في أعقاب انتفاضة 2011، وهما تراقبان الانتخابات منذ 2011. تقدمت كل من المنظمتين سابقا بشكوى أمام المحكمة الإدارية.

في الوقت نفسه، زادت هيئة الانتخابات استهداف وسائل الإعلام، الذي قُيِّد عملها بشدة في تونس. قالت نجلاء العبروقي، عضو هيئة الانتخابات إن الهيئة أحالت منذ جويلية/تموز وسيلة إعلامية مطبوعة أو إلكترونية واحدة على الأقل و18 صفحة على منصات التواصل الاجتماعي إلى القضاء. وانتشرت أخبار أنها أصدرت ثمانية تحذيرات على الأقل لمحطات راديو خاصة، لشبهات شملت الإساءة إلى الهيئة أو المسار الانتخابي أو الاستهزاء بهما، والتشكيك في مصداقية الهيئة واستقلاليتها وشفافيتها، وانعدام المساواة في التغطية الإعلامية، وانعدام الموضوعية. في أغسطس/آب، سحبت الهيئة الاعتماد الذي يمنح الإعلامية خولة بو كريم، من محطة "تو ميديا"، الحق بدخول مراكز الاقتراع للأسباب نفسها.

لعبت هيئة الانتخابات أيضا دورا متناميا في الملاحقات المسيّسة ضد المنافسين والمنتقدين. منذ 2022، قدمت الهيئة عشرات الشكاوى ضد أفراد وحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، وصل بعضها إلى إدانات، كما حصل مع رئيسة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسي، وعضوَيْ الهيئة السابقَين سامي بن سلامة وزكي رحموني.

تونس دولة طرف في "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، وهي ملزمة بضمان إتاحة الفرصة لكل مواطن، بدون تمييز على أساس الرأي السياسي، للمشاركة والاقتراع في انتخابات حرة فعلا. وجدت "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان" التابعة للأمم المتحدة، التي تفسر العهد، أن حرية التعبير وحرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات شروط أساسية لممارسة حق الانتخاب بصورة فعالة، لذا يجب حمايتها تماما.

قال خواجا: "ينبغي للسلطات التونسية أن تفرج فورا عن جميع المحتجزين تعسفا، وتسمح لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بالعمل بحرية

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة